Translate

السبت، 13 فبراير 2021

العدة شرح العمدة كتاب الصيام

العدة شرح العمدة

كتاب الصيام يجب صيام رمضان على كل مسلم بالغ عاقل قادر على الصوم
(1) ويؤمر به الصبي إذا أطاقه
(2) ويجب بأحد ثلاثة أشياء: كمال شعبان ورؤية هلال رمضان ووجود غيم أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[كتاب الصيام]
(يجب صيام رمضان على كل مسلم بالغ عاقل قادر على الصوم) فشروطه أربعة: الإسلام، فلا يجب على كافر أصلي ولا مرتد لأنه عبادة فلا تجب على الكافر كالصلاة. والثاني: العقل، فلا يجب على مجنون. والثالث: البلوغ، فلا يجب على صبي لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يبلغ الحلم» . وقال أصحابنا: يجب على من أطاقه، لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إذا أطاق الغلام الصيام ثلاثة أيام وجب عليه صيام شهر رمضان» ولأنه يعاقب على تركه وهذا صفة الواجب، والأول المذهب للخبر.

مسألة 1: (ويؤمر به الصبي إذا أطاقه) ، ويضرب عليه ليعتاده، ولا يجب عليه للخبر.

مسألة 2: (ويجب بأحد ثلاثة أشياء: كمال شعبان) ثلاثين يومًا إجماعًا، (ورؤية هلال رمضان) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» متفق عليه، (ووجود غيم أو قتر) في مطلعه (ليلة الثلاثين) من شعبان (يحول دونه) لما روى ابن عمر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فاقدروا له» متفق عليه، يعني ضيقوا له، من قوله: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: 7] أي ضيق عليه رزقه، وتضيق العدة أن

(1/161)


قتر ليلة الثلاثين يحول دونه
(3) وإذا رأى الهلال وحده صام، فإن كان عدلًا صام الناس بقوله،
(4) ولا يفطر إلا بشهادة عدلين
(5) ولا يفطر إذا رآه وحده
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
يحسب شعبان تسعة وعشرين يومًا، وكان ابن عمر إذا حال دون مطلعه غيم أو قتر أصبح صائمًا، رواه أبو داود، وهو راوي الحديث وعمله به تفسير له، وعنه: لا يصوم لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإن غم عليكم فأكملوا ثلاثين يومًا» حديث صحيح [رواه مسلم] ، ولأنه في أول الشهر شك فأشبه حال الصحو، وعنه: الناس تبع للإمام، فإن صام صاموا وإن أفطر أفطروا، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صومكم يوم تصومون وأضحاكم يوم تضحون» رواه أبو داود.

مسألة 3: (وإن رأى الهلال وحده صام) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صوموا لرؤيته» (فإن كان عدلًا صام الناس بقوله) لما روي «أن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: "تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أني رأيته، فصام وأمر الناس بالصيام» رواه أبو داود، ولأنه مما طريقه المشاهدة فدخل به في الفريضة فقبل من واحد كوقت الصلاة، والعبد كالحر لأنه من أهل الرؤية أشبه الحر.

مسألة 4: (ولا يفطر إلا بشهادة عدلين) لما روى عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا ثلاثين، فإن شهد شاهدان ذوا عدل فصوموا وأفطروا» رواه النسائي، ولأنها شهادة يدخل بها في العبادة فلم يقبل فيها الواحد كسائر الشهود.

مسألة 5: (ولا يفطر إذا رآه وحده) لما روي أن رجلين قدما المدينة وقد رأيا الهلال وقد أصبح الناس صيامًا فأتيا عمر فذكرا ذلك له، فقال لأحدهما: أصائم أنت؟ قال: بل مفطر. قال: فما حملك على هذا؟ قال: لم أكن لأصوم وقد رأيت الهلال، وقال الآخر:

(1/162)


(6) وإن صاموا بشهادة اثنين ثلاثين يومًا أفطروا
(7) وإن كان بغيم أو قول واحد لم يفطروا
(8) إلا أن يروه أن يكملوا العدة
(9) وإذا اشتبهت الأشهر على الأسير تحرى وصام، فإن وافق الشهر أو ما بعده أجزأه
(10) وإن وافق قبله لم يجزئه
باب أحكام المفطرين في رمضان ويباح الفطر في رمضان لأربعة أقسام: أحدها: المريض الذي يتضرر به، والمسافر الذي له القصر، فالفطر لهما أفضل وعليهما القضاء، وإن صاما أجزأهما،)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
أنا صائم. قال: فما حملك على هذا؟ قال: لم أكن لأفطر والناس صيام. فقال للذي أفطر: لولا مكان هذا لأوجعت رأسك، ولأنه محكوم به من رمضان فأشبه الذي قبله.

مسألة 6: (وإن صاموا بشهادة اثنين ثلاثين يومًا أفطروا) لحديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب.

مسألة 7: (وإن كان بغيم لم يفطروا) إذا لم يروا الهلال لأنهم إذا صاموا في أوله احتياطًا للعبادة فيجب الصوم في آخره احتياطًا لها، (وإن صاموا بشهادة الواحد لم يفطروا) كما لو شهد بهلال شوال.

مسألة 8: (إلا أن يروه) لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وأفطروا لرؤيته» (أو يكملوا العدة) فيفطروا لقوله: «فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يومًا» .

مسألة 9: (وإذا اشتبهت الأشهر على الأسير تحرى وصام، فإن وافق الشهر أو ما بعده أجزأه) لأنه فعل العبادة بعد وجوبها عليه باجتهاده، فإذا وافق الإصابة أجزأته كالقبلة إذا اشتبهت عليه أو الوقت.

مسألة 10: (وإن وافق ما قبله لم يجزئه) لأنه أتى بالعبادة قبل وقتها بالتحري فلم يجزه كالصلاة والحج إذا أخطأ فيه الواحد.

[باب أحكام المفطرين في رمضان]
(ويباح الفطر في رمضان لأربعة أقسام: أحدها: المريض الذي يتضرر به، والمسافر الذي له القصر، فالفطر لهما أفضل وعليهما القضاء) لأن الله سبحانه قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء: 43] وقَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]

(1/163)


(الثاني: الحائض والنفساء تفطران وتقضيان، وإن صامتا لم يجزئهما. الثالث: الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أفطرتا وقضتا، وإن خافتا على ولديهما أفطرتا وقضتا وأطعمتا عن كل يوم مسكينًا. الرابع: العاجز عن الصيام لكبر أو مرض لا يرجى برؤه فإنه يطعم عنه عن كل يوم مسكينًا
(11) وعلى سائر من أفطر القضاء لا غير، إلا من أفطر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس من البر الصوم في السفر» متفق عليه، «وخرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عام الفتح فأفطر فبلغه أن ناسًا صاموا فقال: "أولئك العصاة» رواه مسلم، (وإن صاما أجزأهما) لذلك.
(الثاني: الحائض والنفساء تفطران وتقضيان) إجماعًا (وإن صامتا لم يجزئهما) إجماعًا. «وقالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة» تعني في الحيض، والنفاس مثله.
(الثالث: الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أفطرتا وقضتا) كالمريض، (وإن خافتا على ولديهما أفطرتا وقضتا وأطعمتا عن كل يوم مسكينًا) لقوله سبحانه: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] .
(الرابع: العاجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه فإنه يطعم عنه لكل يوم مسكينًا) لقول الله سبحانه: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] «قال ابن عباس: "كانت رخصة للشيخ والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينًا، والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا» رواه أبو داود.

مسألة 11: (وعلى سائر من أفطر القضاء لا غير، إلا من أفطر بجماع في الفرج فإنه يقضي ويعتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا، فإن لم يجد سقطت عنه) لما روى الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: «بينما نحن عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ جاءه رجل فقال: هلكت. قال: ما لك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا،

(1/164)


بجماع في الفرج فإنه يقضي ويعتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا، فإن لم يجد سقطت عنه
(12) فإن جامع ولم يُكفّر حتى جامع ثانية فكفارة واحدة
(13) وإن كفر ثم جامع فكفارة ثانية
(14) وكل من لزمه الإمساك في رمضان فجامع فعليه كفارة
(15) ومن أخر القضاء لعذر حتى أدركه رمضان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: فهل تجد إطعام ستين مسكينًا؟ قال: لا، قال: فمكث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فبينما نحن على ذلك أُتي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعرق فيه تمر، والعرق المكتل، فقال: أين السائل؟ قال: أنا، قال: خذ هذا فتصدق به، فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها - يريد الحرتين - أهل بيت أفقر مني ومن أهل بيتي. فضحك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى بدت أنيابه ثم قال: أطعمه أهلك» متفق عليه.

مسألة 12: (فإن جامع ولم يكفر حتى جامع ثانية) في يوم واحد (فكفارة واحدة) ولا خلاف فيه بين أهل العلم، وإن كان في يومين فعلى وجهين: أحدهما: تلزمه كفارة واحدة لأنه جزاء عن جناية تكرر سببها قبل استيفائها فتداخلا كالحدود وكما لو جامع في يوم مرتين ولم يكفر، والثاني: تلزمه كفارة ثانية، اختارها القاضي لأنه أفسد صوم يومين فوجبت كفارتان كما لو كانا في رمضانين.

مسألة 13: (وإن كفر ثم جامع فكفارة ثانية) نص عليه لأنه تكرر السبب بعد استيفاء حكم الأول فوجب أن يثبت للثاني حكمه كسائر الكفارات.

مسألة 14: (وكل من لزمه الإمساك في رمضان فجامع فعليه كفارة) للخبر.

مسألة 15: (ومن أخر القضاء لعذر حتى أدركه رمضان آخر فليس عليه غير القضاء) لقوله سبحانه: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] (وإن فرط أطعم مع القضاء لكل يوم مسكينًا) لما روى ابن ماجه عن ابن عمر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من مات وعليه صيام شهر رمضان فليطعم عنه مكان كل يوم مسكين» قال الترمذي: الصحيح عن ابن عمر

(1/165)


آخر فليس عليه غير القضاء وإن فرط أطعم مع القضاء لكل يوم مسكينًا
(16) وإن ترك القضاء حتى مات لعذر فلا شيء عليه
(17) وإن كان لغير عذر أطعم عنه لكل يوم مسكينًا
(18) إلا أن يكون الصوم منذورًا فإنه يصام عنه، وكذلك كل نذر طاعة
باب ما يفسد الصوم من أكل أو شرب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
موقوف. وعن عائشة أنها قالت: يطعم عنه في قضاء رمضان ولا يصام عنه. وعن ابن عباس أنه سئل عن رجل مات وعليه نذر صوم شهر وعليه صوم رمضان، قال: أما رمضان فيطعم عنه، وأما النذر فيصام عنه، رواه الأثرم في السنن.

مسألة 16: (وإن ترك القضاء حتى مات لعذر فلا شيء عليه) لأنه حق الله تعالى وجب بالشرع ومات من يجب عليه قبل إمكان فعله فسقط إلى غير بدل كالحج.

مسألة 17: (وإن كان لغير عذر أطعم عنه لكل يوم مسكين) لحديث ابن عمر وعائشة وابن عباس.

مسألة 18: (إلا أن يكون الصوم منذورًا فيصام عنه، وكذلك كل نذر طاعة) لما روى البخاري عن ابن عباس قال: «قالت امرأة للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأقضيه عنها؟ قال: أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه أكان يؤدي ذلك عنها؟ قالت: نعم. قال: فصومي عن أمك» رواه البخاري.

[باب ما يفسد الصوم]
(من أكل أو شرب أو استعط أو أوصل إلى جوفه شيئًا من أي موضع كان أو استقاء أو استمنى أو قبل أو لمس أو أمذى أو حجم أو احتجم عامدًا ذاكرًا لصومه فسد) أما الأكل والشرب فيحرم على الصائم لقوله سبحانه: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] بعد قوله: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] فإذا أكل أو شرب مختارًا ذاكرًا لصومه أبطله لأنه فعل ما ينافي الصوم لغير عذر سواء كان غذاء أو غير غذاء كالحصاة والنواة لأنه أكل. 1

(1/166)


(19) أو استعط (20) أو أوصل إلى جوفه شيئًا من أي موضع كان (21) واستقاء (22) أو استمنى أو قبّل (23) أو لمس أو أمذى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 19: إن استعط فسد صومه، لقوله للقيط بن صبرة: «بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا» وهذا يدل على أنه يفسد الصوم إذا بالغ فيه بحيث يصل إلى خياشيمه.
1 -
مسألة 20: وإن أوصل إلى جوفه شيئًا من أي نوع كان، مثل أن احتقن أو داوى جائفة أو طعن نفسه أو طعنه غيره بإذنه أو أوصل إلى دماغه شيئًا مثل إن قطر في أذنيه أو داوى مأمومة فوصل إلى دماغه فسد صومه؛ لأنه إذا فسد بالسعوط دل على أنه يفسد بكل واصل من أي موضع كان، ولأن الدماغ أحد الجوفين فأفسد الصوم بما يصل إليه كالأخرى.
1 -
مسألة 21: وإن استقاء عمدًا فعليه القضاء، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على إبطال صوم من استقاء عامدًا، لما روى أبو هريرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدًا فليقض» حديث حسن [رواه الترمذي] .
1 -
مسألة 22: وإن استمنى بيده فأنزل أفطر، لأنه أنزل عن مباشرة أشبه القُبلة.
1 -
مسألة 23: ولو قبل أو لمس أو أمذى فسد صومه لذلك، أما إذا أمنى فإنه يفطر بغير خلاف علمناه، وإن أمذى أفطر عند إمامنا لأنه خارج تخلله الشهوة فإذا انضم إلى المباشرة أفطر كالمني.
1 -
مسألة 24: وإن لم ينزل لم يفسد صومه، لما «روى ابن عمر قال: " قلت: يا رسول الله صنعت اليوم أمرًا عظيمًا، قبلت وأنا صائم. قال: أرأيت لو تمضمضت من إناء وأنت

(1/167)


(25) أو حجم أو احتجم عامدًا ذاكرًا لصومه فسد
(26) وإن فعله ناسيًا
(27) أو مكرهًا لم يفسد صومه
(28) وإن طار إلى حلقه ذباب أو غبار
(29) أو تمضمض، أو استنشق فوصل إلى حلقه ماء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
صائم، قلت: لا بأس، قال: فمه» رواه أبو داود، شبه القبلة بالمضمضة لكونها من مقدمات الشهوة، والمضمضة إذا لم يكن معها نزول الماء لم تفطر، كذلك القبلة.
1 -
مسألة 25: وإن حجم أو احتجم عامدًا ذاكرًا لصومه فسد صومه، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أفطر الحاجم والمحجوم» [رواه أبو داود] رواه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحد عشر نفسًا، قال أحمد: حديث ثوبان وشداد صحيحان.

مسألة 26: (وإن فعل شيئًا من هذا ناسيًا لم يفسد صومه) لما روى أبو هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إذا أكل أحدكم أو شرب ناسيًا فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه " متفق عليه. وفي لفظ: " فلا يفطر، فإنما هو رزق رزقه الله» فنص على الأكل والشرب وقسنا عليه سائر ما ذكرنا.

مسألة 27: (وإن فعله مكرهًا لم يفطر) ، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ذرعه القيء فليس عليه قضاء» فنقيس عليه ما عداه.

مسألة 28: (وإن طار إلى حلقه ذباب أو غبار لم يفسد صومه) ، لأنه لا يمكن التحرز منه، أشبه الريق.

مسألة 29: (وإن تمضمض أو استنشق فوصل إلى حلقه ماء لم يبطل صومه) لأنه وصل بغير اختياره أشبه الذباب الداخل حلقه.

(1/168)


(30) أو فكر فأنزل
(31) أو قطر في إحليله
(32) أو احتلم
(33) أو ذرعه القيء لم يفسد صومه
(34) ومن أكل يظنه ليلًا فبان نهارًا فعليه القضاء
(35) ومن أكل شاكًا في طلوع الفجر لم يفسد صومه، وإن أكل شاكًا في غروب الشمس فعليه القضاء
باب صيام التطوع (36) أفضل الصيام صيام داود - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: كان يصوم يومًا ويفطر يومًا وأفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي يدعونه المحرم وما من أيام العمل الصالح فيهن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 30: (وإن فكر فأنزل لم يفسد صومه) ، لأنه يخرج من غير اختياره.

مسألة 31: (وإن قطر في إحليله شيئًا لم يفسد صومه) لأن ما يصل إلى المثانة لا يصل إلى الجوف ولا منفذ بينهما.

مسألة 32: (وإن احتلم لم يفسد صومه) لأنه يخرج من غير اختياره.

مسألة 33: (وإن ذرعه القيء لم يفسد صومه) لحديث أبي هريرة: «من ذرعه القيء فليس عليه قضاء» حديث حسن [رواه الترمذي] .

مسألة 34: (ومن أكل يظنه ليلًا فبان نهارًا فعليه القضاء) لما روي عن حنظلة قال: كنا بالمدينة في رمضان فأفطر بعض الناس ثم طلعت الشمس فقال عمر: من أفطر فليقض يومًا مكانه [رواه البيهقي] ولأنه أكل ذاكرًا مختارًا فأفطر كما لو أكل يظنه من شعبان فبان من رمضان.

مسألة 35: (ومن أكل شاكًا في طلوع الفجر لم يفسد صومه) ، لأن الأصل بقاء الليل (وإن كان شاكًا في غروب الشمس فعليه القضاء) ، لأن الأصل بقاء النهار.

[باب صيام التطوع]
مسألة 36: (أفضل الصيام صيام داود - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: كان يصوم يومًا ويفطر يومًا) لأن في حديث عبد الله بن عمرو أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صم يومًا وأفطر يومًا فذلك صيام داود وهو أفضل الصيام. فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا أفضل من ذلك» متفق عليه. (وأفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي يدعونه المحرم)

(1/169)


أحب إلى الله من عشر ذي الحجة
(37) ومن صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله
(38) وصيام يوم عاشوراء كفارة سنة وصيام يوم عرفة كفارة سنتين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
لما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم» رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن. وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من عشر ذي الحجة. قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء» هذا حديث حسن صحيح رواه ابن عباس [رواه الترمذي] . وعن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر» وهذا حديث غريب أخرجه الترمذي. وروى أبو داود بإسناده عن بعض أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء» .

مسألة 37: (ومن صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله) لما روى أبو أيوب قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من صام رمضان وأتبعه ستًا من شوال فكأنما صام الدهر كله» رواه مسلم والأثرم وأبو داود والترمذي وقال: حديث حسن.

مسألة 38: (وصيام يوم عاشوراء كفارة سنة وصيام يوم عرفة كفارة سنتين) لما روى أبو قتادة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده» . وقال في صيام عاشوراء: «إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» أخرجه مسلم.

(1/170)


(39) ولا يستحب لمن بعرفة أن يصومه
(40) ويستحب صيام أيام البيض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 39: (ولا يستحب لمن كان بعرفة أن يصومه) ليتقوى على الدعاء؛ لما روي «عن أم الفضل بنت الحارث: " أن أناسًا تماروا بين يديها يوم عرفة في رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال بعضهم: صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم. فأرسلت إليه بقدح من لبن وهو واقف على بعيره بعرفة فشربه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» متفق عليه. «وقال ابن عمر: " حججت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يصمه - يعني يوم عرفة - ومع أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فلم يصمه ومع عمر فلم يصمه ومع عثمان فلم يصمه وأنا لا أصومه ولا آمر به ولا أنهى عنه» أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن. وروى أبو داود «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن صيام يوم عرفة بعرفة» ولأن الصوم يضعفه ويمنعه الدعاء في هذا اليوم العظيم الذي يستجاب فيه الدعاء في ذلك الموقف الشريف الذي يقصد من كل فج عميق رجاء فضل الله فيه وإجابة دعائه فكان تركه أفضل.

مسألة 40: (ويستحب صيام أيام البيض) لما رواه أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: "أوصاني «خليلي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام» [رواه البخاري] وعن عبد الله بن عمر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: «صم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر» متفق عليهما. ويستحب أن يجعل هذه الثلاثة أيام البيض لما روى أبو ذر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يا أبا ذر، إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام فصم ثالث عشره ورابع عشره وخامس عشره» أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن.

(1/171)


(41) والاثنين والخميس
(42) والصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام وإن شاء أفطر ولا قضاء عليه
(43) وكذلك سائر التطوع إلا الحج والعمرة فإنه يجب إتمامهما وقضاء ما أفسد منهما
« (44) ونهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صوم يومين: يوم الفطر، ويوم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 41: (ويستحب صيام الاثنين والخميس) لما روى أبو داود بإسناده عن أسامة بن زيد: «أن نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصوم الاثنين والخميس، فسئل عن ذلك فقال: "إن أعمال الناس تعرض يوم الاثنين ويوم الخميس - وفي لفظ - فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم» .

مسألة 42: (والصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام وإن شاء أفطر ولا قضاء عليه) لأنه مخير فيه قبل الشروع، فكان مخيرًا بعده قياسًا لما بعد الشروع على ما قبله ولا يلزمه قضاؤه إذا أفطر لأنه غير واجب، «وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدخل على أهله فيقول: هل عندكم من شيء؟ فإن قالوا: نعم، أفطر، وإن قالوا: لا، قال: فإني صائم» رواه مسلم، ولا قضاء عليه لما سبق.

مسألة 43: (وكذلك سائر التطوع إلا الحج والعمرة فإنه يجب إتمامهما وقضاء ما أفسد منهما) لأنهما لا يوصل إليهما إلا بكلفة شديدة وإنفاق مال كثير في الغالب فإباحة الخروج منهما يفضي إلى تضييع المال بغير فائدة بخلاف غيرهما، وإلزامه قضاء ما أفسد منهما وسيلة إلى المحافظة عليهما فلا يضيع ما أنفق عليهما.

مسألة 44: (ونهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صيام يومين: يوم الفطر، والأضحى) لما «روى أبو عبيد مولى ابن أزهر قال: "شهدت العيد مع عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال: هذان يومان نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صيامهما: يوم فطركم من صيامكم، واليوم الآخر تأكلون فيه من نسككم» متفق عليه.

(1/172)


الأضحى»
(45) ونهى عن صوم أيام التشريق
(46) إلا أنه رخص في صومها للمتمتع إذا لم يجد الهدي
(47) وليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان
باب الاعتكاف (وهو لزوم المسجد لطاعة الله تعالى فيه وهو سنة
(48) إلا أن يكون نذرًا فيلزم الوفاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 45: (ونهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صوم أيام التشريق) وروى نبيشة الهذلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل» رواه مسلم.

مسألة 46: أنه رخص في صومها للمتمتع إذا لم يجد الهدي) لما روي «عن ابن عمر وعائشة أنهما قالا: " لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لا يجد الهدي» رواه البخاري.

مسألة 47: (وليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «التمسوها في العشر الأواخر في كل وتر» متفق عليه.

[باب الاعتكاف]
(وهو لزوم المسجد لطاعة الله تعالى فيه) لأن الاعتكاف في اللغة لزوم الشيء وحبس النفس عليه برا كان أو غيره، قال سبحانه: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: 52] وهو في الشرع الإقامة في المسجد على صفة نذكرها. (وهو سنة) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعله وداوم عليه، واعتكف معه أزواجه، وهذا معنى السنة. وقالت عائشة: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده» متفق عليه.

مسألة 48: (إلا أن يكون نذرًا فيلزم الوفاء به) قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم

(1/173)


به
(49) ويصح من المرأة في كل مسجد غير مسجد بيتها
(50) ولا يصح من الرجل إلا في مسجد تقام فيه الجماعة
(51) واعتكافه في مسجد تقام فيه الجمعة أفضل
(52) ومن نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد فله فعل ذلك في غيره إلا المساجد الثلاثة، فإذا نذر ذلك في المسجد الحرام لزمه، وإن نذر الاعتكاف في مسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جاز له أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
على أن الاعتكاف لا يجب على الناس فرضًا إلا أن يوجب المرء على نفسه الاعتكاف نذرًا فيجب عليه لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من نذر أن يطيع الله فليطعه» [رواه أبو داود] .

مسألة 49: (ويصح من المرأة في كل مسجد غير مسجد بيتها) لأن صلاة الجماعة غير واجبة عليها فلم يوجد المانع في حقها.

مسألة 50: (ولا يصح من الرجل إلا في مسجد تقام فيه الجماعة) لقوله سبحانه: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] ولأنه مسجد بني للصلاة فيه فأشبه المتفق عليه، وإنما اشترط في مسجد تقام فيه الجمعة لأن الجماعة واجبة على الرجل فاعتكافه في مسجد لا تقام فيه الجمعة يفضي إلى خروجه إلى الجماعة فيتكرر ذلك منه مع إمكان التحرز منه، وذلك مناف للاعتكاف الذي هو لزوم المعتكف والإقامة على طاعة الله عز وجل فيه.

مسألة 51: (واعتكافه في مسجد تقام فيه الجمعة أفضل) لئلا يحتاج إلى الخروج إليها ولأن ثواب الجماعة في الجامع أكثر.

مسألة 52: (ومن نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد فله فعل ذلك في غيره) لأن المساجد كلها في الفضيلة سواء، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «جعلت لي الأرض مسجدًا وترابها طهورًا» [رواه أبو داود] (إلا المساجد الثلاثة) المسجد الحرام ومسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمسجد الأقصى، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا» متفق عليه، (فإذا نذر الاعتكاف في المسجد الحرام لزمه) ولم يجز أن يعتكف في سواه لأنه أفضلها (وإن نذر الاعتكاف في مسجد رسول الله

(1/174)


يعتكف في المسجد الحرام، وإن نذر أن يعتكف في المسجد الأقصى فعله في أيهما أحب
(53) ويستحب للمعتكف الاشتغال بفعل القرب، واجتناب ما لا يعنيه من قول وفعل
(54) ولا يبطل الاعتكاف بشيء من ذلك
(55) ولا يخرج من المسجد إلا لما لا بد له
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جاز أن يعتكف في المسجد الحرام) لأنه أفضل منه، ولم يجز له أن يعتكف في المسجد الأقصى، لأن مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفضل منه، (وإن نذر أن يعتكف في المسجد الأقصى جاز له أن يعتكف في أي المسجدين أحب) لأنهما أفضل منه بدليل قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام» أخرجه مسلم.

مسألة 53: (ويستحب للمعتكف الاشتغال بالقرب واجتنابه ما لا يعنيه من قول وفعل) ولا يكثر الكلام فإن كثرته لا تخلو من اللغو والسقط، وقد جاء في الحديث: «من كثر كلامه كثر سقطه» ويجتنب الجدال والمراء والسباب والفحش، فإن ذلك مكروه في غير الاعتكاف ففي الاعتكاف أولى.

مسألة 54: (ولا يبطل الاعتكاف بشيء من ذلك) لأنه لما لم يبطل بمباح الكلام لم يبطل بمحظوره، وإنما استحب ذلك ليكون مشتغلًا بما اعتكف لأجله من طاعة الله سبحانه واجتناب معاصيه فيحقق ما اعتكف لأجله.

مسألة 55: (ولا يخرج من المسجد إلا لما لا بد له منه) قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «السنة للمعتكف أن لا يخرج إلا لما لا بد منه» رواه أبو داود. وقالت أيضًا: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا اعتكف يدني إليَّ رأسه فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان» متفق عليه. ولا خلاف أن له الخروج لما لا بد له منه، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنه للمعتكف أن يخرج من معتكفه للغائط والبول، ولو كان ذلك يبطل لم يصح

(1/175)


منه
(56) إلا أن يشترط
(57) ولا يباشر امرأة
(58) وإن سأل عن المريض في طريقه أو عن غيره ولم يعرج إليه جاز
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
لأحد اعتكاف. وفي معناه الحاجة إلى الأكل والشرب، إذا لم يكن له من يأتيه به يخرج إليه.

مسألة 56: (إلا أن يشترط) عيادة المريض وصلاة الجنازة وزيارة أهله أو رجل صالح أو قصد بعض أهل العلم أو يتعشى في أهله أو يبيت في منزله لأنه يجب بعقده فكان الشرط فيه إليه كالوقف.

مسألة 57: (ولا يباشر امرأة) فإن وطئ فسد اعتكافه لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] ولأنها عبادة يحرم فيها الوطء فأفسدها كالوطء في الصوم ولا قضاء عليه إلا أن يكون واجبًا.
1 -
مسألة 58: والوطء محرم في الاعتكاف بالإجماع لقول الله سبحانه: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187] .

مسألة 59: (وإن سأل عن المريض في طريقه أو عن غيره ولم يعرج إليه جاز) لما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمر بالمريض وهو معتكف فيمر كما هو فلا يعرج يسأل عنه» .

كتاب الجنائز وإذا تيقن موته غمضت عيناه

العدة شرح العمدة



كتاب الجنائز وإذا تيقن موته غمضت عيناه
(1) وشد لحياه
(2) وجعل على بطنه مرآة أو غيرها
(3) فإذا أخذ في غسله سترت عورته
(4) ثم يعصر بطنه عصراً رفيقاً
(5) ثم يلف على يده خرقة فينجيه بها
(6) ثم يوضئه
ـــــــــــــــــــــــــــــ

[العُدَّة شرح العُمْدة]
[كتاب الجنائز]
(وإذا تيقن موته غمضت عيناه) لما روى شداد بن أوس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر، فإن البصر يتبع الروح» من المسند [رواه أحمد] [وفي الصحيح قريبا من لفظه] ولأنه إذا لم تغمض عيناه بقيتا مفتوحتين فيقبح منظره.

مسألة 1: (وشد لحياه) بعصابة عريضة تجمع لحييه، ثم يشدها إلى رأسه لئلا يفتح فاه فيقبح منظره ويدخل فيه ماء الغسل.

مسألة 2: (ويجعل على بطنه مرآة أو غيرها) لئلا ينتفخ بطنه.

مسألة 3: (فإذا أخذ في غسله ستر عورته) بثوب لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سجي ببرد حبرة» ، متفق عليه.

مسألة 4: (ثم يعصر بطنه عصراً رفيقاً) ليخرج ما في جوفه من فضلة حتى لا يخرج بعد الغسل أو بعد التكفين فيفسد الكفن.

مسألة 5: (ثم يلف على يده خرقة ثم ينجيه بها) ولا يحل مس عورته لأن رؤيتها محرم فمسها أولى.

مسألة 6: (ثم يوضئه) وضوءه للصلاة، لما روت أم عطية أنها قالت: «لما غسلنا

(1/125)


(7) ثم يغسل رأسه ولحيته بماء وسدر
(8) ثم شقه الأيمن ثم الأيسر ثم يغسله كذلك مرة ثانية يمر في كل مرة يده
(9) فإن خرج منه شيء غسله وسده بقطن، فإن لم يستمسك فبطين حر، ويعيد وضوءه، وإن لم ينق بثلاث زاد إلى خمس أو إلى سبع
(10) ثم ينشفه بثوب
(11) ويجعل الطيب في مغابنه ومواضع سجوده وإن طيبه كله كان حسناً
(12) ويجمر أكفانه، وإن كان شاربه أو أظفاره طويلة أخذ منه ولا يسرح شعره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
ابنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها» متفق عليه ولأن الحي يتوضأ إذا أراد الغسل فكذلك الميت.

مسألة 7: (ثم يغسل مقدم رأسه ولحيته بماء وسدر) لتذهب عنه الأوساخ والأدران.

مسألة 8: (ثم يغسل شقه الأيمن ثم الأيسر) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ابدأن بميامنها» (ثم يغسله كذلك مرة ثانية وثالثة، يمر في كل مرة يده) على بطنه لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للنساء اللاتي غسلن ابنته: «اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً إن رأيتن ذلك» متفق عليه.

مسألة 9: (وإن خرج منه شيء غسله وسده بقطن، فإن لم يستمسك فبطين حر، ويعيد وضوءه) لأنه انتقض (فإن لم ينق بثلاث زاد إلى خمس أو إلى سبع) للخبر.

مسألة 10: (ثم ينشفه بثوب) وذلك مستحب لئلا تبل أكفانه، وفي حديث ابن عباس في غسل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " فجففوه بثوب " ذكره القاضي.

مسألة 11: (ويجعل الطيب في مغابنه ومواضع سجوده) لأن المغابن مواضع الأوساخ وأماكن السجود تطيب لشرفها، (وإن طيبه كله كان حسناً) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «واجعلن في الأخيرة كافوراً أو شيئاً من كافور» [رواه البخاري] .

مسألة 12: (ويجمر أكفانه) يعني يبخرها كما يفعل الحي، (وإن كان شاربه طويلاً أو أظفاره أخذ منه) لأن ذلك سنة في حياته، ويترك في أكفانه لأنه من أجزائه، وكذلك

(1/126)


(13) والمرأة يضفر شعرها ثلاثة قرون ويسدل من ورائها
(14) ثم يكفن في ثلاث أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة
(15) يدرج فيها إدراجاً
(16) وإن كفن في قميص وإزار ولفافة فلا بأس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
كل ما يسقط منه (ولا يسرح شعره) لأن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: علام غير ميتكم؟ يعني لا تسرحوا شعره بالمشط ولأنه يقطع الشعر وينتفه.

مسألة 13: (والمرأة يضفر شعرها ثلاثة قرون ويسدل من ورائها) لما روت أم عطية قالت: «ضفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناه من خلفها، تعني ابنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» [رواه مسلم] .

مسألة 14: (ثم يكفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة) لقول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «كفن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة» ، متفق عليه، ولأن أكمل أحوال الحي حالة الإحرام وهو لا يلبس فيها قميصاً ولا عمامة فكذلك حال موته.

مسألة 15: (يدرج فيها إدراجاً) فيؤخذ أحسن اللفائف وأوسعها فتبسط على بساط ليكون الظاهر للناس أحسنها لأن هذه عادة الحي، ثم تبسط الثانية فوقها ثم الثالثة فوقها، ثم يحمل فيوضع عليها مستلقياً ليكون أمكن لإدراجه فيها، ثم يثني طرف اللفافة العليا على شقه الأيمن، ثم يرد طرفها الآخر على شقه الأيسر فوق طرف الآخر، وإنما استحب له ذلك لئلا يسقط عنه الطرف الأيمن عند وضعه في القبر، ثم يفعل بالثانية والثالثة كذلك، ثم يجمع ذلك جمع طرف العمامة فيرده على وجهه ورجليه إلا أن يخاف انتشارها فيعقدها، فإذا وضع في القبر حلها.

مسألة 16: (وإن كفن في قميص ومئزر ولفافة فلا بأس) والأول أفضل، وقد روى البخاري «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ألبس عبد الله بن أبي قميصه لما مات» ، فيؤزر بالمئزر ويلبس القميص ثم يلف باللفافة بعد ذلك، قال أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أحب إلي أن يكون مثل قميص الحي، له كمان وتحريستان وإزار.

(1/127)


(17) والمرأة تكفن في خمسة أثواب، في درع ومقنعة وإزار ولفافتين
(18) وأحق الناس بغسله والصلاة عليه ودفنه وصيه في ذلك
(19) ثم الأب ثم الجد ثم الأقرب فالأقرب من العصبات
(20) وأولى الناس بغسل المرأة الأم ثم الجدة ثم الأقرب فالأقرب من نسائها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 17: (تكفن المرأة في خمسة أثواب: درع وإزار ومقنعة ولفافتين) لما روى أبو داود عن ليلى بنت قائف الثقفية قالت: «كنت في غسل أم كلثوم ابنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند وفاتها فكان أول ما أعطانا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحقاء ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت بعد ذلك في ثوب آخر» ، ولأن المرأة تزيد في حياتها على الرجل في السترة لزيادة عورتها على عورته فكذلك في موتها، وتلبس المخيط في إحرامها فلبسته في مماتها.

مسألة 18: (وأحق الناس بغسله والصلاة عليه ودفنه وصيه في ذلك) لأن أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس فقدمت لذلك، وأوصى أنس أن يغسله محمد بن سيرين ففعل، ولأنه حق للميت فقدم وصيه فيه على غيره كتفريق ثلثه، ولأن الصحابة أجمعوا على أن الوصي في الصلاة مقدم على غيره، فإن أبا بكر أوصى أن يصلي عليه عمر، وأوصى عمر أن يصلي عليه صهيب وابنه حاضر، وأوصى ابن مسعود أن يصلي عليه الزبير، وأوصى أبو بكر أن يصلي عليه أبو برزة، وأوصت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن يصلي عليها أبو هريرة ولم يعرف لهم مخالف مع كثرته وشهرته فكان إجماعاً، ولأن الغرض من الصلاة الدعاء والشفاعة إلى الله فالظاهر أن الميت يختار لذلك من هو أظهر صلاحاً في نفسه وأقرب إلى الله وسيلة ليشفع له.

مسألة 19: (ثم الأب) لمكان شفقته (ثم جده) كذلك ثم ابنه وإن نزل كذلك (ثم الأقرب فالأقرب من عصباته) ثم الرجل من ذوي أرحامه ثم الأجانب.

مسألة 20: (وأولى الناس بغسل المرأة) الأقرب فالأقرب من نسائها (أمها ثم جدتها) ثم ابنتها (ثم الأقرب فالأقرب) ثم الأجنبيات كالرجل.

(1/128)


(21) إلا أن الأمير يقدم في الصلاة على الأب ومن بعده
(22) والصلاة عليه يكبر ويقرأ الفاتحة
(23) ثم يكبر الثانية ويصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(24) ثم يكبر ويقول: اللهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 21: (إلا أن الأمير يقدم في الصلاة على الأب ومن بعده) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يؤمن الرجل في سلطانه» [رواه مسلم] وروى الإمام أحمد أن عمارًا مولى بني هاشم قال: شهدت جنازة أم كلثوم بنت علي، فصلى عليها سعد بن العاص، وكان أمير المدينة، قال: وخلفه يومئذ ثمانية من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منهم ابن عمر والحسن والحسين وزيد بن ثابت وأبو هريرة، ولأنها صلاة شرع لها الاجتماع فأشبهت سائر الصلاة، وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي على الجنائز، مع حضور أقاربها، والخلفاء، ولم ينقل أنهم استأذنوا ولي الميت في التقدم.

مسألة 22: (والصلاة عليه يكبر ويقرأ الفاتحة) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كبر على النجاشي أربعًا» متفق عليه، ويقرأ الحمد في الأولى لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب» «وصلى ابن عباس على جنازة فقرأ بأم القرآن، وقال: لتعلموا أنها من السنة، أو قال: من تمام السنة» رواه البخاري.

مسألة 23: (ثم يكبر الثانية ويصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لما روى ابن سهل عن رجل من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن «السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة [الأولى سرا في نفسه] ثم يصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات لا يقرأ في شيء منهن، ثم يسلم سرًا في نفسه» رواه الشافعي في مسنده.

مسألة 24: (ثم يكبر ويدعو) للميت في الثالثة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء» رواه أبو داود، ولأنه المقصود فلا يجوز الإخلال به، ويدعو

(1/129)


اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا، إنك تعلم منقلبنا ومثوانا وأنت على كل شيء قدير، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام والسنة، ومن توفيته فتوفه عليهما، اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارًا خيرًا من داره، وجوارًا خيرًا من جواره، وزوجًا خيرًا من زوجه، وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار، وأفسح له في قبره ونور له فيه
(25) ثم يكبر ويسلم تسليمة واحدة عن يمينه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
بما روى أبو إبراهيم الأشهلي عن أبيه قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا صلى على الجنازة قال: (اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا) » حديث صحيح [رواه الترمذي] وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنحوه، وزاد فيه: «اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام والسنة، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده» رواه أبو داود، وعن عوف بن مالك قال: «صلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على جنازة فحفظت من دعائه: (اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله وأوسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارًا خيرًا من داره وأهلًا خيرًا من أهله وزوجًا خيرًا من زوجه، وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار) حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت» . رواه مسلم.

مسألة 25: (ثم يكبر ويسلم تسليمة واحدة عن يمينه) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تحليلها التسليم» [رواه أبو داود] .

(1/130)


(26) ويرفع يديه مع كل تكبيرة
(27) والواجب من ذلك التكبيرات، والقراءة، والصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأدنى دعاء الحي للميت، والسلام،
(28) ومن فاتته الصلاة عليه صلى على القبر إلى شهر
(29) وإن كان الميت غائبًا عن البلد صلى عليه بالنية
(30) ومن تعذر غسله لعدم الماء أو لخوف عليه من التقطع كالمجدور أو المحترق أو لكون المرأة بين رجال أو الرجل بين نساء فإنه ييمم،
(31) إلا أن لكل من الزوجين غسل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 26: (ويرفع يديه مع كل تكبيرة) لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يرفع يديه في تكبيرة الجنازة والعيد، ولأنها تكبيرة لا يتصل طرفها بسجود ولا قعود فسن لها الرفع كتكبيرة الإحرام.

مسألة 27: (والواجب من ذلك: التكبيرات والقراءة والصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأدنى دعاء للميت والسلام) وقد سبق دليل ذلك.

مسألة 28: (ومن فاتته الصلاة عليه صلى على القبر) لما «روي عن ابن عباس أنه مر مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على قبر منبوذ فأمهم وصلوا خلفه» ، متفق عليه، ولا يصلى على القبر بعد شهر إلا بقليل، لأن أكثر ما نقل عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه صلى على أم سعد بن عبادة بعدما دفنت بشهر» رواه الترمذي، ولأنه لم يعلم بقاؤه أكثر من شهر فيقيد به.

مسألة 29: (وإن كان الميت غائبًا عن البلد صلى عليه بالنية) لما روى أبو هريرة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نعى النجاشي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في اليوم الذي مات فيه فصف بهم في المصلى وكبر أربعًا» . متفق عليه.

مسألة 30: (ومن تعذر غسله لعدم الماء أو للخوف عليه من التقطع كالمجدور أو المحترق أو لكون المرأة بين الرجال أو الرجل بين النساء فإنه ييمم) لأنها طهارة على البدن فيدخلها التيمم عند العجز من استعمال الماء كالجنابة.

مسألة 31: (إلا أن لكل واحد من الزوجين غسل صاحبه) لأن أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أوصى أن تغسله زوجته أسماء فقامت بذلك، وقالت عائشة: لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما

(1/131)


(صاحبه، وكذلك أم الولد مع سيدها،
(32) والشهيد إذا مات في المعركة لم يغسل ولم يصل عليه، وينحى عنه الحديد والجلود ثم يزمل في ثيابه (33) وإن كفن بغيرها فلا بأس
(35) والمحرم يغسل بماء وسدر، ولا يلبس مخيطًا، ولا يقرب طيبًا، ولا يغطى رأسه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
غسل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا نساؤه [رواه ابن ماجه] «وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعائشة: " لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك» رواه ابن ماجه، وقد غسل علي فاطمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، ولم ينكره منكر فكان إجماعًا، ولأنه أحد الزوجين فأشبه الآخر، (وكذلك للسيد مع أم ولده) لأنها محل استمتاعه فأشبهت الزوجة.

مسألة 32: (والشهيد إذا مات في المعركة لم يغسل ولم يصل عليه) لما روى جابر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بدفن شهداء أُحُد في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم» رواه البخاري. (وينحى عنه الحديد والجلود ثم يزمل في ثيابه) لما روى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم» رواه أبو داود.
مسألة 33: (وإن كفن في غيرها فلا بأس) لأن «صفية أرسلت إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثوبين ليكفن حمزة فيهما، فكفنه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أحدهما وكفن في الآخر رجلًا آخر» [رواه الترمذي] قال يعقوب بن شيبة: هو صالح الإسناد.

مسألة 34: وعنه: يصلى على الميت وإن قتل في المعركة، لما روى عقبة بن عامر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج يومًا فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف» متفق عليه.
مسألة 35: (والمحرم يغسل بماء وسدر، ولا يلبس مخيطًا، ولا يغطى رأسه، ولا يقرب طيبًا) لما روى ابن عباس قال: «بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فمات،

(1/132)


(36) ولا يقطع شعره ولا ظفره
(37) ويستحب دفن الميت في لحد، وينصب عليه اللبن نصبًا كما صنع برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(38) ولا يدخل القبر آجرًا ولا خشبًا ولا شيئًا مسته النار
(39) ويستحب تعزية أهل الميت
(40) والبكاء عليه غير مكروه إذا لم يكن معه ندب ولا نياحة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا» متفق عليه.

مسألة 36: (ولا يقطع شعره ولا ظفره) كحال حياته.

مسألة 37: (ويستحب دفن الميت في لحد، وينصب عليه اللبن نصبًا) «لقول سعد بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ألحدوا لي لحدًا، وانصبوا عليّ اللبن نصبًا، كما صنع برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» [رواه النسائي] .

مسألة 38: (ولا يدخل القبر آجرًا ولا خشبًا ولا شيئًا مسته النار) لما روي عن إبراهيم قال: كانوا يستحبون اللبن ويكرهون الخشب والآجر، وكره ما مسته النار للتفاؤل بالنار.

مسألة 39: (ويستحب تعزية أهل الميت) لما روى ابن مسعود أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من عزى مصابًا فله مثل أجره» حديث غريب [رواه الترمذي] .

مسألة 40: (والبكاء عليه غير مكروه إذا لم يكن معه ندب ولا نياحة) لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل على سعد بن عبادة فوجده في غاشية فبكى وبكى معه أصحابه، فقال: "ألا تسمعون، إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا" وأشار إلى لسانه» متفق عليه.
1 -
مسألة 41: (ولا يجوز الندب ولا النياحة، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث ابن مسعود:

(1/133)


(42) ولا بأس بزيارة القبور للرجال
(43) ويقول إذا مر بها أو زارها: سلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم، نسأل الله لنا ولكم العافية،
(44) وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
«ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية» متفق عليه، وقال أحمد في قوله سبحانه: {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} [الممتحنة: 12] هو النوح فسماه معصية.

مسألة 42: (ولا بأس بزيارة القبور للرجال) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، فإنها تذكركم الموت» رواه مسلم.

مسألة 43: (ويقول إذا مر بها أو زارها) ما رواه مسلم قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله العظيم لنا ولكم العافية) » .

مسألة 44: (وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك) قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر: 10] وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19] وروى أبو داود «أن رجلًا قال لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إن أمي توفيت أفينفعها إن قضيت عنها؟ " قال: " نعم» ، «وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للمرأة التي قالت: يا رسول الله إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: " أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيته؟ " قالت: نعم، قال: " فدين الله أحق بالقضاء» [رواه مسلم] ، وأما قراءة القرآن وإهداء ثوابه للميت فالإجماع واقع على فعله من غير نكير، وقد صح الحديث: «إن الميت ليعذب ببكاء أهله» [رواه البخاري] والله سبحانه أكرم من أن يوصل إليه العقوبة ويحجب عنه المثوبة.

العدة شرح العمدة كتاب الجنايات

العدة شرح العمدة

  {هذه الكتب رفعناها هنا للتدبر والمتابعة والدراسة والتعقيبات وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه }ومع هذا هو اجتهاد بشري قابل للصواب والخطأ  فليتدبر كل حاله ونفسه مع ربه

كتاب الجنايات (1) القتل بغير حق ينقسم إلى ثلاثة أقسام: أحدها: العمد، وهو أن يقتله بجرح أو فعل يغلب على الظن أنه يقتله كضربة بمثقل كبير أو تكريره بصغير أو إلقائه من شاهق أو خنقه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[كتاب الجنايات]
مسألة 1: (القتل بغير حق ينقسم ثلاثة أقسام: أحدها العمد) المحض، وهو نوعان:
أحدهما: أن يضربه بمحدد، وهو ما يقطع به ويدخل في البدن كالسيف والسكين والنشاب وما يجرح بحده، وإن كان زجاجا أو خشبا أو قصبا فهذا كله إذا جرح به جرحا كبيرا فمات فهو قتل عمد لا خلاف فيه بين أهل العلم فيما علمناه، فأما الجرح الصغير كشرطة حجام أو غرزة بإبرة أو شوكة نظرت: فإن كان ذلك في مقتل كالعين والفؤاد والصدغ فمات فهو عمد؛ لأن الإصابة بذلك في المقتل كالإصابة بالسكين في غير مقتل، وإن كان في غير مقتل نظرت: فإن كان قد بالغ في إدخالها في البدن فهو كالجرح الكبير، وإن غرزه بها غرزا يسيرا أو جرحه بالكبير جرحا لطيفا كشرطة الحجام فما دونها في غير مقتل فقال أصحابنا: إن بقي فيها حتى مات ففيه القود؛ لأن الظاهر أنه مات منه، وإن مات في الحال ففيه وجهان: أحدهما: لا قصاص، قال ابن حامد: لأن الظاهر أنه لم يمت منه؛ والثاني: فيه القصاص؛ لأن المحدد لا يعتبر فيه غلبة ظن القتل به، بدليل ما لو قطع أنملته؛ ولأن في البدن مقاتل خفية وهذا له سراية ومور فأشبه الجرح الكبير.
الثاني: أن يقتله بما ليس بمحدد بما يغلب على الظن حصول الزهوق به عند استعماله، فهذا عمد موجب للقصاص أيضا، وقال أبو حنيفة: لا قود في هذا، إلا أن يكون قتله بالنار، وعنه في مثقل الحلائل روايتان، واحتجوا بقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ألا إن في قتيل عمد الخطأ قتيل السوط والعصا والحجر مائة من الإبل» ، فسماه عمد الخطأ، وأوجب فيه الدية دون القصاص؛ ولأن العمد لا يمكن اعتباره بنفسه فيجب ضبطه بمظنته، ولا يمكن ضبطه بما يقتل غالبا؛ لأن ذلك يختلف، وهو مستقصى بما لو جرحه جرحا

(1/525)


أو تحريقه أو تغريقه أو سقيه سما أو الشهادة عليه زورا بما يوجب قتله أو الحكم عليه به، أو نحو هذا قاصدا عالما بكون المقتول آدميا معصوما، فهذا يخير الولي فيه بين القود والدية لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يقتل وإما أن يفديه» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
صغيرا لا يقتل مثله غالبا؛ كقطع شحمة أذنه وأنملته وغرزة بإبرة فوجب ضبطه بالجارح، ولنا قوله سبحانه: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا} [الإسراء: 33] ، وروى أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن يهوديا قتل جارية على أوضاح لها بحجر فقتله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين حجرين» متفق عليه، وروى أبو هريرة قال: قام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يودى وإما أن يقاد» متفق عليه؛ ولأنه يقتل غالبا فوجب به القصاص كالمحدد، وأما الحديث فمحمول على المثقل الصغير؛ لأنه ذكر العصا والسوط وقرن به الحجر فدل على أنه أراد الصغير، وقولهم لا يمكن ضبطه ممنوع، وصغير المحدد قد تقدم الكلام فيه.
إذا ثبت هذا فمن صور المسألة أن يضربه بمثقل كبير سواء كان من حديد كاللت والسندان والمطرقة، أو حجر ثقيل أو خشبة كبيرة، أو يلقي عليه حائطا أو صخرة عظيمة أو ما أشبهه فيموت بذلك ففيه القود؛ لأنه يقتل غالبا، ومنها أن يضربه بمثقل صغير، أو يلكزه بيده، فإن كان في مقتل، أو في حال ضعف من المضروب بحيث تقتله تلك الضربة غالبا، أو كرر الضرب حتى قتله، أو عصر خصيتيه عصرا شديدا فمات منه ففيه القود لذلك، ومنها: أن يلقيه من شاهق كرأس جبل أو حائط عال فهو عمد أيضا، ومنها: أن يمنع خروج نفسه إما أن يجعل في عنقه خراطة ثم يعلقه في خشبة، بحيث يرتفع عن الأرض فيختنق، أو يخنقه وهو على الأرض بيده أو بمنديل أو حبل، أو يغمه بوسادة أو شيء يضعه على فمه وأنفه مدة فيموت، فإن فعله مدة يموت فيها غالبا فمات فهو عمد وفيه القصاص، ومنها: أن يلقيه في نار أو ماء لا يمكنه التخلص من ذلك لكثرة الماء والنار، أو لمنعه إياه من الخروج، أو لضعفه عن الخروج، فهو عمد يقتل غالبا، ومنها: أن يسقيه سما أو يطعمه قاتلا فيموت به، فهو عمد إذا كان مثله يقتل غالبا، ومنها: أن يشهد رجلان على رجل بما يوجب قتله، فيقتل بشهادتهما ثم رجعا واعترفا بتعمد القتل، وجب عليهما القتل قصاصا؛ لأن رجلين شهدا عند علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على رجل أنه سرق فقطعه، ثم رجعا عن شهادتهما، فقال علي: لو علمت أنكما تعمدتما لقطعت أيديكما، وغرمهما دية

(1/526)


(2) وإن صالح القاتل عن القود بأكثر من دية جاز)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
يده؛ ولأنهما توصلا إلى قتله بسبب يقتل غالبا فأشبه المكره، ومنها: إذا حكم الحاكم على رجل بالقتل ظلما عالما بذلك متعمدا قتله، فقتل واعترف بذلك وجب القصاص عليه والخلاف فيه كالشاهدين. وفي هذه الصور جميعها يتخير الولي بين القود والدية؛ لما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «من قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يودى وإما يقاد» متفق عليه، وروى أبو شريح أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل، وأنا والله عاقله، فمن قتل بعده قتيلا فأهله بين خيرين: إن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا أخذوا الدية» رواه أبو داود، وغيره. وروي عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن موجب العمد القصاص عينا؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من قتل عمدا فهو قود» (رواه أبو داود) ؛ ولأنه بدل متلف فكان معينا كسائر المتلفات، والأول أولى لما سبق من الأحاديث؛ لقوله سبحانه: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178] ، أوجب الاتباع بمجرد العفو عن القصاص، وأما الخبر فالمراد به وجوب القصاص، ونحن نقول به، ويخالف القتل سائر المتلفات؛ لأن بدلها لا يختلف بالقصد وعدمه، والقتل بخلافه، وللشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كهاتين الروايتين، فإن قلنا موجبة للقصاص عنها فله العفو مطلقا، وله العفو على مال، فإن عفا بشرط المال وجبت الدية، وإن عفا مطلقا لم يجب شيء، وإن قلنا الواجب أحد الأمرين لا بعينه فعفا عن القصاص مطلقا أو إلى الدية وجبت الدية؛ لأن الواجب غير متعين، فإذا ترك أحدهما تعين الآخر، وإن اختار الدية سقط القصاص، وإن اختار القصاص تعين، وهل له بعد ذلك العفو على الدية؟ قال القاضي: له ذلك؛ لأن القصاص أعلى فكان له الانتقال إلى الأدنى ويكون بدلا عن القصاص وليس الذي وجب بالقتل، ويحتمل أنه ليس ذلك؛ لأنه أسقطها باختياره فلم يعد إليها.

مسألة 2: (وإن صالح القاتل عن القود بأكثر من الدية جاز) قال شيخنا: لا أعلم

(1/527)


(الثاني: شبه العمد، وهو أن يتعمد الجناية عليه بما لا يقتله غالبا، فلا قود فيه والدية على العاقلة)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
فيه خلافا، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من قتل متعمدا دفع إلى أولياء المقتول، فإن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا أخذوا الدية، وهي ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة، وما صولحوا عليه فهو لهم، وذلك لتشديد القتل» أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب، وروي أن هدبة بن خشرم قتل قتيلا، فبذل سعيد بن العاص والحسن والحسين لابن المقتول سبع ديات ليعفو عنه فأبى ذلك وقتله؛ ولأنه عوض عن غير مال فجاز الصلح عنه بما اتفقوا عليه كالصداق وعوض الخلع؛ ولأنه صلح عن ما لا يجري فيه الربا فأشبه الصلح عن العروض.
(الثاني: شبه العمد، وهو أن يتعمد الجناية عليه بما لا يقتله غالبا، فلا قود فيه، والدية على العاقلة) ، وسمي شبه العمد؛ لأنه قصد الضرب وأخطأ في القتل، ويسمى خطأ العمد وعمد الخطأ، وقال أبو بكر: تجب به الدية في مال القاتل؛ لأنه موجب فعل عمد فكان في مال الفاعل كسائر الجنايات، ولنا ما روى أبو هريرة قال: «اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فقضى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها» متفق عليه، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ألا إن في قتيل خطأ العمد وقتيل السوط والعصا مائة من الإبل» فسماه خطأ العمد وأوجب فيه الدية لا القصاص، وفي لفظ رواه أبو داود أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد، ولا يقتل صاحبه» .

(1/528)


(الثالث: الخطأ، وهو نوعان: أحدهما: أن يفعل ما لا يريد به المقتول فيفضي إلى قتله
(3) أو يتسبب إلى قتله بحفر بئر أو نحوه، وقتل النائم والصبي والمجنون فحكمه حكم شبه العمد النوع الثاني: أن يقتل مسلما في دار الحرب يظنه حربيا، أو يقصد رمي صف الكفار فيصيب سهمه مسلما، ففيه كفارة بلا دية؛ لقول الله تعالى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92]
باب شروط وجوب القصاص واستيفائه
ويشترط لوجوبه أربعة شروط: أحدها: كون القاتل مكلفا، فأما الصبي والمجنون فلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
(الثالث: الخطأ، وهو نوعان: أحدهما: أن يفعل فعلا لا يريد به المقتول فيفضي إلى قتله) قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن القتل الخطأ أن يرمي الرامي شيئا فيصيب غيره ولا أعلمهم يختلفون فيه، فهذا الضرب من الخطأ تجب به الدية على العاقلة والكفارة في مال القاتل بغير خلاف علمناه بينهم، بدليل قوله سبحانه: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 92] .

مسألة 3: (أو يتسبب إلى القتل بحفر بئر، وقتل النائم والمجنون والصبي فحكمه حكم شبه العمد) يعني أنه لا يوجب القصاص وإنما يوجب الدية، ودليله ما سبق.
(النوع الثاني: أن يقتل مسلما في دار الحرب يظنه حربيا، أو يقصد رمي صف الكفار فيصيب سهمه مسلما، ففيه كفارة بلا دية؛ لقوله سبحانه: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] ، وعنه تجب فيه الدية والكفارة؛ لقوله سبحانه: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] ، ولنا ما سبق من الآية ولم يذكر دية، وتركه لذكرها في هذا النوع مع ذكرها في الذي قبله دليل ظاهر أنها لا تجب، وذكره لهذا قسما مفردا دليل على أنه لم يدخل في عموم الآية.

[باب شروط وجوب القصاص واستيفائه]
(ويشترط لوجوب القصاص أربعة شروط: أحدها: أن يكون القاتل مكلفا، فأما الصبي والمجنون فلا قصاص عليهما) ؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى

(1/529)


قصاص عليهما الثاني: كون المقتول معصوما فإن كان حربيا أو مرتدا أو قاتلا في المحاربة أو زانيا محصنا أو قتله دفعا عن نفسه أو ماله أو حرمته فلا ضمان فيه الثالث: كون المقتول مكافئا للجاني، فيقتل الحر المسلم بالحر المسلم ذكرا كان أو أنثى
(4) ولا يقتل حر بعبد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ» (رواه أحمد) . وحكم قتلهما حكم قتل الخطأ؛ لأن عمدهما خطأ لكونهما لا يصح منهما قصد صحيح بدليل أنه لا يصح إقرارهما، ولهذا لما قصد الصيد ولم يقصد آدميا فوقع في الآدمي فقتله فلا قصاص عليه كذا هاهنا.
(الثاني: كون المقتول معصوما، فإن كان حربيا أو مرتدا أو قاتلا في المحاربة أو زانيا محصنا أو قتله دفعا عن نفسه أو ماله أو حرمته فلا ضمان فيه) ؛ لأن دماءهم مهدرة فلا يقتل قاتلهم كما لو كان المقتول حربيا، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير حق» (رواه أبو داود) ، والصائل متعد أهدر دم نفسه فصار كالقاتل في المحاربة؛ ولأنه قتل الصائل لدفع شره فلا يجب فيه ضمان كقتل الباغي، والصائل من طلب نفسه أو ماله أو حرمته أو زوجته أو بعض أقاربه من نسائه.
(الثالث: كون المقتول مكافئا للقاتل فيقتل الحر المسلم بالحر المسلم إجماعا ذكرا كان أو أنثى) ، وعنه لا يقتل الذكر بالأنثى وتعطى نصف الدية، ذكرها أبو الخطاب؛ لأن ديتها على النصف من دية الذكر، والأولى أولى؛ لقوله سبحانه: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] .

مسألة 4: (ولا يقتل حر بعبد) روي ذلك عن أبي بكر وعمر وعلي وزيد وابن الزبير، وقال أصحاب الرأي: يقتل به لعموم النصوص، وقوله: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم» (رواه أبو داود) ؛ ولأنه معصوم قتل ظلما فيجب القصاص على قاتله كالحرين والعبدين،

(1/530)


(5) ولا مسلم بكافر؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يقتل مؤمن بكافر»
(6) ويقتل الذمي بالذمي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
ولما روي عن علي أنه قال: من السنة أن لا يقتل حر بعبد، وعن ابن عباس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يقتل حر بعبد» رواه الدارقطني، ولأنهما شخصان لا يجري القصاص بينهما في الأطراف فلا يجري بينهما في النفس كالأب مع ابنه؛ ولأنه منقوص بالرق فلا يقتل به الحر كالمكاتب الذي ملك ما يؤدى عنه، والعمومات مخصوصة بما ذكرنا.

مسألة 5: (ولا يقتل مسلم بكافر) روي ذلك عن خمسة من الصحابة، وقال أصحاب الرأي: يقتل بالذمي، واحتجوا بقوله سبحانه: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] ، وروى ابن السلماني أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقاد مسلما بذمي، وقال: «أنا أحق من وفى بذمته» ؛ ولأنه معصوم قتل ظلما فيجب على قاتله القصاص كالمسلم، ولنا قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، لا يقتل مؤمن بكافر» رواه الإمام أحمد بإسناده وأبو داود، وروى البخاري، وأبو داود: " لا يقتل مسلم بكافر "، وروى الإمام أحمد بإسناده عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: من السنة لا يقتل مؤمن بكافر؛ ولأنه منقوص بالكفر فلم يقتل به المسلم كالمستأمن، والعمومات مخصوصة بحديثنا، وحديثهم قال أحمد: ليس له إسناد، وقال: وهو مرسل، قال الدارقطني: ابن السلماني ضعيف إذا أسند، فكيف إذا أرسل، والمعنى في المسلم أنه مكان المسلم بخلاف الذمي.

مسألة 6: (ويقتل الذمي بالذمي) سواء اتفقت أديانهما أو اختلفت، نص عليه؛ لأنهما تكافئا في العصمة بالذمة ونقيضه الكفر فجرى القصاص بينهما كما لو تساوى دينهما.

(1/531)


(7) ويقتل الذمي بالمسلم
(9) ويقتل العبد بالعبد، ويقتل الحر بالحر
الرابع: أن لا يكون أبا للمقتول، فلا يقتل والد بولده وإن سفل، والأبوان في هذا سواء
(الرابع: أن لا يكون أبا للمقتول، فلا يقتل الوالد بولده وإن سفل) ؛ لما روى عمر بن الخطاب وابن عباس أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يقتل والد بولده» رواه ابن ماجه، وذكره ابن عبد البر، وقال: هو حديث مشهور عند أهل العلم في الحجاز والعراق مستفيض عندهم، يستغنى بشهرته وقبوله والعمل به عن الإسناد فيه حتى يكون الإسناد فيه مع شهرته تكلفا؛ ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أنت ومالك لأبيك» (رواه أبو داود) ، وقضية هذه الإضافة تمليكه إياه فإذا لم تثبت حقيقة الملك بقيت الإضافة شبهة في درء القصاص؛ لأنه يدرأ بالشبهات، (والأم كالأب) لأنها والدة أشبهت الأب، والجد وإن علا كالأب سواء كان من قبل الأب أو الأم؛ لأنه والد فيدخل في عموم الخبر، ولأنه حكم يتعلق بالولادة فاستوى فيه القريب والبعيد كالمحرمية والعتق عليه إذا ملكه.

(10) ولو كان ولي الدم ولدا أو له فيه حق وإن قل لم يجب القود
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 7: (ويقتل الذمي بالمسلم) ؛ لأنه إذا قتل بمثله فلأن يقتل بمن هو فوقه أولى.

مسألة 8: (ويقتل العبد بالحر) لذلك.
1 -
مسألة 9: (ويقتل العبد بالعبد) ؛ لأنه مكافئ له، وعنه لا يقتل به إلا أن يكون مساويا له في القيمة؛ لأن العبيد أموال فأشبهوا البهائم، والأول أولى لقوله سبحانه: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] ، الآية، وهذا نفس فيقتل به، وقال سبحانه: {وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى} [البقرة: 178] .

مسألة 10: (ولو كان ولي الدم ولدا أو له فيه حق وإن قل لم يجب القود) ، فلو كان رجل له زوجة وله منها ابن فقتل أحد الزوجين الآخر لم يجب القصاص؛ لأنه لو ثبت لثبت

(1/532)


فصل: ويشترط لجواز استيفائه شروط ثلاثة: أحدها: أن يكون لمكلف، فإن كان لغيره أو له فيه حق - وإن قل - لم يجز استيفاؤه
(12) وإن استوفى غير المكلف حقه بنفسه أجزأ ذلك الثاني: اتفاق جميع المستحقين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
للابن، والابن لا يجب له القصاص على والده؛ لأنه إذا لم يجب بالجناية عليه فلأن لا يجب عليه بجناية على غيره أولى.

[فصل في شروط استيفاء القصاص]
(فصل: ويشترط لجواز استيفائه شروط ثلاثة: أحدها: أن يكون لمكلف، فإن كان لغيره أو له فيه حق - وإن قل - لم يجز استيفاؤه) ، أما إذا ثبت القصاص لمكلف فإن له استيفاءه كما له استيفاء جميع حقوقه، وإن ثبت لغير مكلف كقصاص ثبت لصغير، كصغير قتلت أمه وليست زوجة لأبيه فالقصاص للصغير ليس لأبيه استيفاؤه، وذكر أبو الخطاب فيه رواية أنه يجوز؛ لأنه أحد بدلي النفس فكان للأب استيفاؤه كالدية، ولنا أنه لا يملك إيقاع الطلاق بزوجته فلا يملك استيفاء القصاص كالوصي؛ ولأن القصد التشفي ودرك الغيظ، وذلك لا يحصل باستيفاء الولي، ويخالف الدية فإن الغرض يحصل باستيفاء الأب لها فافترقا.
1 -
مسألة 11: وإن ثبت لمكلف وغيره كصبي أو مجنون فإنه ليس للمكلف استيفاؤه حتى يبلغ الصبي أو يفيق المجنون، وعنه رواية أخرى للمكلف استيفاؤه؛ لأن الحسن بن علي رضي الله عنه قتل ابن ملجم قصاصا وفي الورثة صغار فلم ينكر ذلك؛ ولأن ولاية القصاص عبارة عن استحقاق استيفائه وليس للصغير هذه الولاية، ولنا أنه قصاص غير متحتم ثبت لجماعة غير معينين فلم يجز لأحدهم استيفاؤه استقلالا كما لو كان بين حاضر وغائب، أو أحد بدلي النفس فلم ينفرد به بعضهم كالدية، فأما ابن ملجم فقد قيل: إنه قتله لكفره؛ لأنه قتل عليا مستبيحا دمه معتقدا كفره، وقيل: لسعيه في الأرض بالفساد وإظهاره السلاح فيكون قتله متحتما إلى الإمام، وكان الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الإمام، ولذلك لم ينتظر الغائبين، وبالاتفاق يجب انتظارهم في القصاص، وإن فعله قصاصا فقد اتفقنا على تركه فكيف يحتج به.

مسألة 12: (وإن استوفى غير المكلف حقه بنفسه أجزأ ذلك) ؛ لأنه أتلف حق نفسه بنفسه فأشبه ما لو أكل طعام نفسه وكما لو أتلف الوديعة أو شيئا من بقية أمواله.
(الشرط الثاني: اتفاق جميع المستحقين على استيفائه) ؛ لأنه حق لجميعهم فلم يكن

(1/533)


على استيفائه
(13) فإن لم يأذن فيه بعضهم أو كان فيهم غائب لم يجز استيفاؤه
(14) فإن استوفاه بعضهم فلا قصاص عليه، وعليه بقية ديته له ولشركائه حقهم في تركة الجاني،
(15) ويستحق القصاص كل من يرث المال على قدر مواريثهم)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
لبعضهم الاستقلال به كما لو كان بين حاضر وغائب فإنه لا يجوز للحاضر الاستيفاء حتى يحضر الغائب فيوافقه على الاستيفاء منه.

مسألة 13: (فإن لم يأذن فيه بعضهم أو كان فيهم غائب لم يجز استيفاؤه) ؛ لذلك.

مسألة 14: فإن استوفاه بعضهم) بغير إذن شريكه (فلا قصاص عليه) ؛ لأنه مشارك في استحقاق القتل فأسقط القصاص كما لو كان مشاركا في ملك الجارية ووطئها.
إذا ثبت هذا فإن للولي الذي لم يقتل قسطه من الدية؛ لأن حقه من القصاص سقط بغير اختياره، فهو كما لو مات القاتل، وأما القاتل فقد استوفى حقه وعليه قسط شريكه من الدية؛ لأنه استوفى جميع النفس وليس له إلا بعضها، وهل يرجع شريكه عليه بما استحقه أو يرجع إلى مال القاتل؟ فيه وجهان:
أحدهما: يرجع على شريكه؛ لأنه أتلف حقهما جميعا، فكان الرجوع عليه بعوض نصيبه كما لو كانت لهما وديعة فأتلفها.
والثاني: يرجع في مال القاتل، ثم يرجع ورثة القاتل على قاتله؛ لأن حقه من القصاص سقط بغير اختياره فوجبت له الدية في مال القاتل كما لو قتله أجنبي، وفارق الوديعة فإن أجنبيا لو أتلفها كان الرجوع عليه فكذلك شريكه، وهاهنا بخلافه.

مسألة 15: (ويستحق القصاص كل من يرث المال على قدر مواريثهم) سواء كانوا من ذوي الأنساب أو ذوي الأسباب، وعن مالك أنه موروث العصبات خاصة، وهو وجه لأصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لأنه ثبت لدفع العار فاختص بالعصبات كولاية النكاح، ولهم وجه ثالث: أنه لذوي الأنساب خاصة؛ لأن الزوجة تزول بالموت، ولنا قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين: إن أحبوا أن يأخذوا العقل، أو يقتلوا» (رواه الترمذي) ، وروى زيد بن وهب أن عمر أتى برجل قتل قتيلا، فجاء ورثة المقتول ليقتلوه فقالت امرأة المقتول، وهي أخت القاتل: قد عفوت عن حقي، فقال عمر: الله أكبر، عتق القتيل. رواه أبو داود؛ ولأن من ورث الدية ورث القصاص كالعصبات؛ وما ذكروه لا يصح؛ لأنه

(1/534)


الثالث: الأمن من التعدي في الاستيفاء، فلو كان الجاني حاملاً لم يجز استيفاء القصاص منها في نفس ولا جرح ولا استيفاء حد منها، حتى تضع ولدها ويستغني عنها
فصل (16) ويسقط بعد وجوبه بأمور ثلاثة: أحدها: العفو عنه أو عن بعضه، فإن عفا بعض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
ثبت للصغار والمجانين، بخلاف ولاية النكاح، وزوال الزوجية لا يمنع الميراث كما لم يمنع من الدية.
(الثالث: الأمن من التعدي في الاستيفاء، فلو كان الجاني حاملا لم يجز استيفاء القصاص منها في نفس ولا جرح حتى تضع ولدها ويستغني عنها) ؛ لقول الله سبحانه: {فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: 33] ، وقتل الحامل قتل لغير القاتل فيكون إسرافا، وروى ابن ماجه بإسناده عن جماعة منهم شداد بن أوس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا قتلت المرأة عمدا لم تقتل حتى تضع ما في بطنها إن كانت حاملا وحتى تكفل ولدها، وإن زنت لم ترجم حتى تضع ما في بطنها وحتى تكفل ولدها» وهذا نص، وليس في المسألة اختلاف بين أهل العلم فيما نعلم، وإذا وضعت لم تقتل حتى تسقي الولد اللبن؛ لأن الولد لا يعيش إلا به في الغالب: ثم إن لم يكن للولد من يرضعه لم يجز قتلها حتى تفطمه؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال للغامدية: " «اذهبي حتى ترضعيه» (رواه مسلم) ، وفي حديث عبد الرحمن بن غنم: «وحتى تكفل ولدها» ، ولأنه لما أخر القتل لحفظه وهو حمل فلأن يؤخر وهو ولد لحفظه أولى، فأما إن وجدت من يرضعه جاز قتلها؛ لأنه يستغني عن الأم، وإن وجد من ترضعه مترددة أو جماعة يتناوبنه أو بهيمة يشرب من لبنها جاز قتلها أيضا، ويستحب للولي أن يؤخر قتل الأم؛ لأن على الولد ضررا في اختلاف اللبن عليه وشرب لبن البهيمة.

مسألة 16: (ويسقط بعد وجوبه بأمور ثلاثة: أحدها: العفو عنه أو عن بعضه، فلو عفا بعض الورثة عن حقه أو عن بعضه سقط كله وللباقين حقهم من الدية) ، أجمع أهل العلم على إجازة العفو عن القصاص وأنه أفضل، ودليله قوله سبحانه: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] ، وقال بعد قَوْله تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45]

(1/535)


الورثة عن حقه أو عن بعضه سقط كله وللباقين حقهم من الدية
(18) وإن كان العفو على مال فله حقه من الدية، وإلا فليس له إلا الثواب الثاني: أن يرث القاتل أو بعض ولده شيئاً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
وروى أنس قال: «ما رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رفع إليه شيء فيه قصاص إلا أمر فيه بالعفو» رواه أبو داود؛ ولأنه حق له تركه فجاز ذلك وكان أفضل من الاستيفاء كسائر الحقوق.
إذا ثبت هذا فإن القصاص ثبت لجميع الورثة؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين: أن يأخذوا العقل، أو يقتلوا» وروى زيد بن وهب أن عمر أتي برجل قتل قتيلا، فقالت امرأة المقتول - وهي أخت القاتل - قد عفوت عن حقي، فقال عمر: الله أكبر عتق القتيل، رواه أبو داود.
وإذا ثبت أن هذا مشترك بين جميعهم سقط بإسقاط بعضهم أيهم كان؛ لأن حقه منه له فينفذ تصرفه فيه، فإذا سقط وجب سقوطه جميعه؛ لأنه مما لا يتبعض، فهو كالطلاق والعتق، وروى قتادة أن عمر رفع إليه رجل قتل رجلا، فجاء أولاد المقتول وقد عفا بعضهم، فقال عمر لابن مسعود: ما تقول؟ قال: إنه قد أحرز من القتل، فضرب على كتفه، وقال: كنيف ملئ علما، ولأن القصاص حق مشترك بينهم لا يتبعض ومبناه على الإسقاط، فإذا أسقط بعضهم سرى إلى الباقي كالعتق.
1 -
مسألة 17: فإذا عفا بعضهم فللباقين حقوقهم من الدية سواء أسقط مطلقا أو إلى الدية؛ لأن حقه من القصاص سقط بغير رضاه فثبت له البدل، كما لو مات القاتل، وكما لو سقط حق أحد الشريكين في العبد بإعتاق شريكه.

مسألة 18: (وإن كان العفو على مال فله حقه من الدية، وإلا فليس له إلا الثواب) يعني إذا عفا بعض الورثة عن القصاص على مال فله حقه من الدية إن كان العفو على الدية، وإن كان على أكثر منها جاز وله حقه من ذلك؛ لأنه حقه وله التصرف فيه حسب اختياره، (الثاني: أن يرث القاتل أو بعض ولده شيئا من دمه) كرجل له زوجة وابنان منها

(1/536)


من دمه الثالث: أن يموت القاتل فيسقط وتجب الدية في تركته
(19) ولو قتل واحد اثنين عمدا فاتفق أولياؤهما على قتله بهما قتل بهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
فقتل أحد الابنين أباه، وقتل الآخر أمه فإنه يجب القصاص على قاتل الأم ويسقط عن قاتل الأب؛ لأنه ورث ثمن دمه عن أمه ويلزم سبعة أثمان دية الأب لقاتل الأم، ولو لم يقتل الآخر أمه ولكنها ماتت فإن القصاص يسقط عن قاتل الأب أيضا؛ لأنه يرث من دمه نصف ثمنه والنصف الآخر لأخيه، ويجب عليه لأخيه سبعة أثمان الدية ونصف ثمنها، ولو قتل رجل زوجته وله منها ولد سقط عنه القصاص لثبوته لولده؛ لأنه لو قتل ولده لم يجب عليه قصاص، فإذا ثبت لولده عليه قصاص سقط بطريق الأولى، (الثالث: أن يموت القاتل فيسقط القصاص وتجب الدية في تركته) لفوات محل الحق فيسقط القصاص ضرورة فواته ويراجع إلى الدية كما رجعنا في المتلفات إلى القيمة.

مسألة 19: (ولو قتل واحد اثنين عمدا فاتفق أولياؤهما على قتله بهما جاز) ، وقال أبو حنيفة ومالك: يقتل بالجماعة، ليس لهم إلا ذلك، وإن طلب بعضهم فليس له، وإن بادر أحدهم فقتل سقط حق الباقين؛ لأن الجماعة يقتلون بالواحد فكذلك يقتل بهم؛ كالواحد بالواحد، وقال الشافعي: لا يقتل إلا بواحد، سواء اتفقوا على الطلب للقصاص أو لم يتفقوا؛ لأنه إذا كان لكل واحد استيفاء القصاص فاشتراكهم في المطالبة لا يوجب تداخل حقوقهم كسائر الحقوق، ولنا قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فمن قتل له قتيل فأهله بين خيرتين: إن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا أخذوا العقل» وظاهر الخبر أن أهل كل قتيل يستحقون ما يختارونه من القتل أو الدية، فإذا اتفقوا على القتل وجب لهم، وإن اختار بعضهم الدية وجبت له بظاهر الخبر، ولأنهما جنايتان، ولو كانتا خطأ أو إحداهما لم يتداخلا فلم يتداخلا في العمد كالأطراف، وقد سلموا أن الأطراف لا تتداخل، ولأنه حق تعلق بعينه حقان لا يتسع لهما معا فإذا رضيا به عن حقهما جاز ذلك، كما لو قتل عبد عبدين لهما خطأ فرضيا بأخذه بدلا عنهما، ولأنهما رضيا بدون حقهما فجاز كما لو رضي صاحب اليد الصحيحة بالشلاء وولي الحر بالعبد وولي المسلم بقتل الكافر، وما ذكره مالك وأبو حنيفة فليس بصحيح، فإن الجماعة قتلوا بالواحد لئلا يؤدي الاشتراك إلى إسقاط القصاص تغليظا

(1/537)


، (21) 20 وإن تشاحوا في استيفاء المستوفى قتل بالأول وللثاني الدية
(21) فإن سقط قصاص الأول فلأولياء الثاني استيفاؤه
(22) ويستوفى القصاص بالسيف في العنق، ولا يمثل به إلا أن يفعل شيئاً فيفعل به مثله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
للقصاص، وفي مسألتنا ينعكس هذا المعنى، فإنه إذا قتل واحدا وعلم أن القصاص واجب عليه وأنه لا يزداد بزيادة القتل لهما فأدى إلى قتل من يريد قتله لزوال الزاجر عنه فافترقا.
1 -
مسألة 20: فإن تشاحوا في المستوفي أولا قدم الأول؛ لأن حقه أسبق وصار الآخر إلى الدية لفوات المحل، أشبه ما لو مات فإنه يصار إلى الدية، فإن كان قتلهم دفعة واحدة أقرع بينهم، فيقدم من تقع له القرعة لتساوي حقوقهم، وكذلك لو قتلهم متفرقا وأشكل.

مسألة 21: (فإن سقط قصاص الأول) إما بأن عفا مطلقا أو اختار الدية (فلأولياء الثاني استيفاؤه) ؛ لأنه حقهم فكان لهم استيفاؤه كما لو لم يكن قتل غيره.

مسألة 22: (ويستوفى القصاص بالسيف في العنق، ولا يمثل به إلا أن يفعل شيئا فيفعل به مثله) ، أما إذا قتله فإن القصاص يستوفى بالسيف، لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا قود إلا بالسيف» رواه ابن ماجه، فأما إن كان قد قطع يدي شخص ورجليه ثم ضرب عنقه قبل أن تندمل جراحه ففيه روايتان: إحداهما: لا يستوفى منه إلا بالسيف في العنق بدليل الخبر؛ ولأن القصاص أحد بدلي النفس فيدخل الطرف في حكم الجملة كالدية، فإنه لو صار الأمر إلى الدية لم تجب إلا دية النفس، ولأن القصد من القصاص في النفس تعطيل الكل وإتلاف الجملة، وقد أمكن هذا بضرب العنق فلا يجوز تعديته بإتلاف أطرافه، كما لو قتله بسيف كال فإنه لا يقتله بمثله، والرواية الأخرى: قال: إنه لأهله أن يفعلوا به كما فعل، يعني أن يقطع أطرافه ثم يقتله؛ لقوله سبحانه: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] ، وقوله سبحانه: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] ، ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رضخ رأس يهودي لرضخه رأس جارية بين حجرين» ، وقال الله سبحانه:

(1/538)


باب الاشتراك في القتل وتقتل الجماعة بالواحد
(23) فإن تعذر قتل أحدهم لأبوته أو عدم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] ، وهذا قد قلع عينه فيجب أن تقلع عينه للآية، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من حرق حرقناه، ومن غرق غرقناه» ؛ لأن القصاص موضوع على المماثلة، ولفظه مشعر به، فيجب أن يستوفى منه مثل ما فعل، كما لو ضرب العنق آخر غيره، فأما حديث: «لا قود إلا بالسيف» فقد قال الإمام أحمد: إسناده ليس بجيد.

[باب الاشتراك في القتل]
(وتقتل الجماعة بالواحد) روي ذلك عن عمر وعلي والمغيرة وابن عباس، وعن أحمد رواية أخرى لا يقتلون به وتجب عليهم الدية روي ذلك عن ابن عباس، قال ابن المنذر: لا حجة مع من أوجب قتل جماعة بواحد، ولنا إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فروى سعيد بن المسيب أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قتل سبعة من أهل صنعاء قتلوا رجلا، وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا، وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قتل ثلاثة قتلوا رجلا، وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه قتل جماعة بواحد، ولم يعرف لهم في عصرهم مخالف؛ ولأنها عقوبة تجب للواحد على الواحد فوجبت للواحد على الجماعة كحد القذف، ولأنه لو سقط القصاص بالاشتراك لأفضى إلى التسارع إلى القتل وإسقاط حكمة الردع والزجر، وإنما يجب القود إذا فعل كل واحد منهم فعلا لو انفرد به وجب عليه القود، فإذا اشتركوا وجب عليهم جميعهم.

مسألة 23: (فإن تعذر قتل أحدهم لأبوته أو عدم مكافأة القتيل له أو العفو عنه قتل شركاؤه) أما إذا تعذر قتل أحدهم لأبوته كما إذا اشترك في القتل أب وأجنبي قتل الأجنبي، وعنه لا يقتل شريك الأب؛ لأنه مشارك من لا قصاص عليه فلم يجب عليه قصاص كشريك الخاطئ. ولنا أنه مشارك في القتل العمد العدوان لمن لم يقتل به لو انفرد فوجب عليه القصاص كشريك الأجنبي، وأما شريك الخاطئ ففيه روايتان: إحداهما:

(1/539)


(24) مكافأته للقتيل أو العفو عنه (25) قتل شركاؤه
(26) وإن كان بعضهم غير مكلف (27) أو خاطئا لم يجب القود على واحد منهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
يجب عليه كمسألتنا، وفي الأخرى: لا قصاص عليه؛ لأن القتل لم يتمحض عمدا لوجود الخطأ في الفعل الذي حصل به خروج النفس، بخلاف شريك الأب فإن قتلهما عمد محض وعدوان، وإنما سقط القصاص عن الأب لمعنى فيه مختص به فأشبه ما لو سقط عن أحد الأجنبيين للعفو عنه.
1 -
مسألة 24: وأما إذا تعذر قتل أحدهما لعدم مكافأة القتيل له كما إذا اشترك مسلم وذمي في قتل ذمي أو حر وعبد في قتل عبد عمدا فإن القصاص يجب على العبد والذمي؛ لأن سقوطه عن المسلم لمعنى فيه وهو الإسلام، وسقوطه عن الحر لعدم المكافأة، وهذا المعنى لا يتعدى إلى شريكه ولا إلى فعله فلم يقتض سقوط القصاص عن شريكه.
1 -
مسألة 25: وأما إذا تعذر قتل أحد الشريكين للعفو عنه فإن القصاص يجب على شريكه؛ لأن سقوطه عنه للعفو عنه، وهو معنى لا يتعدى إلى شريكه فلم يسقط عنه القصاص.

مسألة 26: (وإن كان بعضهم غير مكلف أو خاطئا لم يجب القود) ، أما إذا كان الشريك في القتل غير مكلف كالصبي والمجنون والآخر مكلفا لم يجب القود على المكلف في صحيح المذهب، وعنه يجب عليه؛ لأن القصاص يجب عليه جزاء لفعله لا عن فعل غيره فيجب أن يكون الاعتبار بفعله، فمتى تمحض عمدا أو عدوانا وجب القود إذا كان المقتول مكافئا له، وإنما يسقط عن الصبي والمجنون لمعنى فيهما وهو عدم التكليف فلم يقتض سقوطه، عن شريكهما كشريك الأب، ولنا أنه شارك من لا إثم عليه في فعله فلم يلزمه قصاص كشريك الخاطئ، أو شارك من رفع عنه القلم فأشبه شريك الخاطئ، ودليل ذلك قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رفع القلم عن ثلاثة» الحديث، ودل على أن الأصل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان» ؛ ولأن الصبي والمجنون لا قصد لهما صحيح، ولهذا لا يصح إقرارهما فكان حكم فعلهما حكم الخطأ.
1 -
مسألة 27: وإن كان شريك العامد مخطئا فلا قود على واحد منهما، أما المخطئ فلا قصاص عليه؛ لقوله سبحانه: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب: 5] ، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عفي

(1/540)


(28) وإن أكره رجل على القتل فقتل، (29) أو جرح أحدهما جرحا والآخر مائة، (30) أو قطع أحدهما من الكوع والآخر من المرفق فهما قاتلان وعليهما القصاص، وإن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
لأمتي عن الخطأ والنسيان» وأجمعوا على أنه لا قود عليه، وأما شريكه فكذلك عند أكثرهم، وعنه: عليه القود؛ لأنه شارك في القتل العمد العدوان فأشبه شريك العامد؛ ولأنه مؤاخذ بفعله وهو عمد عدوان لا عذر له فيه، ولنا أنه قتل غير متمحض عمدا فلم يوجب القود كشبه العمد وكما لو قتله واحد بجرحين عمدا وخطأ.

مسألة 28: (وإن أكره رجل رجلا على القتل فقتل أو جرح أحدهما جرحا والآخر مائة، أو قطع أحدهما يده من الكوع والآخر من المرفق، فهما قاتلان وعليهما القصاص، وإن وجبت الدية استويا فيها) ، أما إذا أكره رجل رجلا على القتل فقتل فالقصاص على المكره والمكره جميعا، أما المكره؛ فلأنه تسبب إلى القتل العمد العدوان فوجب عليه القصاص، كشهود القصاص إذا رجعوا، وأما المكره فإنه قتل من يكافئه ظلما عدوانا فوجب عليه القصاص كما لو لم يكره، والدليل على أنه قتل أنه أخذ السيف وحز الرقبة، ولأن القتل عبارة عن جرح يتبعه الزهوق وقد وجد منه ذلك، ولأنه أثم بذلك فإن عليه إثم القتل، والدليل على أنه عمد أنه قصد الفعل بآلة محصلة له، ولأن الإكراه لم يسلبه اختياره ولا ضعف قصده بل هيج دواعيه وكثرها، ولا يقال: إنه ينزل بمنزلة الآلة، فإن الآلة لا تأثم وهذا يأثم، والآلة ليس لها قصد وهذا له قصد صحيح، فإنه وقى نفسه واستبقاها بقتل أخيه المسلم، فينبغي أن يجب عليه القصاص ويصير كما لو قال له: اقتله وإلا قتلتك غدا فقتله فإنه يجب عليه القصاص.
1 -
مسألة 29: وأما إذا جرح أحدهما جرحا والآخر مائة فإنه يجب عليهما القصاص إذا مات المجروح، وإن صار الأمر إلى الدية فهما فيها سواء؛ لأنه يجوز أن يموت من الجرح دون الجراحات فسقط اعتبار عددها، ولأن الجراح إذا صارت نفسا أوجبت دية واحدة، كما لو قطع يده فمات، ولو كانت إحدى الجراحتين أعمق من الأخرى مثل أن تكون إحداهما موضحة والأخرى مأمومة فمات منهما فالقود عليهما؛ لأن ذلك لا يمنع من تساويهما، كما لا يمنع زيادة عدد الجراحات.
1 -
مسألة 30: وإن قطع أحدهما من الكوع والآخر من المرفق فمات وجب القود

(1/541)


وجبت الدية استويا فيها
(31) وإن ذبحه أحدهما ثم قطع الآخر يده أو قده نصفين فالقاتل الأول، وإن قطعه أحدهما ثم ذبحه الثاني قطع القاطع وذبح الذابح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
عليهما، وقال أبو حنيفة: لا قصاص على الأول، ويجب على الثاني؛ لأنه قطع سراية الأول فمات بعد زوال جنايته فأشبه ما لو اندمل جرحه ثم مات، ولنا أن قطع الثاني لا يمنع جناية بعدها فلا يمنع جناية قبلها، كما لو قطع يده الأخرى، وما ذكره فغير مسلم، فإن الألم الحاصل بقطع الأول لم يزل، وإنما زاد، ويخالف الاندمال فإنه لا يبقى معه الألم الذي حصل في الأعضاء الشريفة فاختلفا.

مسألة 31: (وإن ذبحه أحدهما ثم قطع الآخر يده أو قده نصفين فالقاتل الأول، وإن قطعه أحدهما ثم ذبحه الثاني قطع القاطع وذبح الذابح) ، وذلك أنه إذا جنى عليه اثنان جنايتين نظرنا فإن كانت الجناية الأولى أخرجته من حكم الحياة مثل أن أخرج ما في بطنه فأبانه، أو قطع حلقومه ومريئه، ثم ضرب عنقه الثاني أو قطع يده أو قده نصفين، فالأول هو القاتل؛ لأنه لا يبقى مع جنايته حياة، والقود عليه خاصة، وعلى الثاني التعزير كما لو جنى على ميت، وإن عفا الولي إلى الدية فهي على الأول وحده، وإن كان جرح الأول يجوز بقاء الحياة معه مثل شق البطن من غير إبانة أو قطع عضو كاليد والإصبع، ثم ضرب عنقه آخر، فالثاني هو القاتل؛ لأنه لم يخرج بجرح الأول من حكم الحياة، فيكون الثاني هو المفوت لها فعليه القصاص في النفس، ثم ينظر في جرح الأول فإن كان موجبا للقصاص كقطع الطرف فالولي مخير بين قطع طرفه أو العفو على دية الطرف أو العفو مطلقا، وإن كان لا يوجب القصاص كالجائفة وغيرها فعليه الأرش، وإنما جعلنا له القصاص أو الأرش؛ لأن فعل الثاني قطع سراية الأول فصار كالمندمل، ولو كان جرح الأول يفضي إلى الموت لا محالة إلا أنه لا يخرج به عن حكم الحياة وتبقى معه الحياة المستقرة مثل جرح يخرق المعاء فضرب عنقه الثاني، فالقاتل هو الثاني؛ لأن حكم الحياة ثابت فيه، ألا ترى أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما دخل عليه الطبيب فسقاه لبنا فخرج نصله فعلم الطبيب أنه ميت، فقال له: اعهد إلى الناس، فعهد إليهم وأوصى وجعل أمر الخلافة إلى أهل الشورى فقبلت الصحابة عهده وأجمعوا على قبول وصاياه، فلما كان حكم الحياة باقيا كان مفوتها هو القاتل كما لو قتل عليلا به علة قاتلة.

(1/542)


(32) وإن أمر من يعلم تحريم القتل به فقتل القصاص على المباشر ويؤدب الآمر، وإن أمر من لا يعلم تحريمه به أو لا يميز فالقصاص على الآمر
(33) وإن أمسك إنسانا للقتل قتل القاتل وحبس الممسك حتى يموت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 32: (فإن أمر من يعلم تحريم القتل به فقتل فالقصاص على المباشر، ويؤدب الآمر. وإن أمر من لا يعلم تحريمه به أو لا يميز فالقصاص على الآمر) ؛ لأنه إذا كان غير عالم تحريم القتل فهو معتقد لإباحته، وذلك شبهة تمنع القصاص كما لو اعتقده صيدا فرماه فبان إنسانا، ولأن حكمه القصاص الزجر ولا يحصل ذلك في معتقد الإباحة، وإذا لم يجب عليه وجب على الآمر؛ لأنه آلة لا يمكن إيجاب القصاص عليه، فوجب على المتسبب به؛ كما لو أنهشه حية أو ألقاه في زبية أسد فقتله، ويؤدب المأمور، قال الإمام أحمد: يضرب ويؤدب، قال علي: ويستودع السجن، ويفارق هذا ما إذا علم حظر القتل فإن القصاص على المأمور لإمكان إيجابه عليه وهو مباشر له فانقطع حكم الآمر كالدفع مع الحافز، ويكون على الآمر الأدب لتعديه بالتسبب إلى القتل.
وإن أمر بالقتل من لا يميز كصبي أو مجنون فالقصاص على الآمر؛ لأن المأمور ليس له قصد صحيح؛ لكونه غير مميز فهو كالآلة.

مسألة 33: (فإن أمسك إنسانا للقتل فقتل، قتل القاتل وحبس الممسك حتى يموت) أما القاتل فإنه يقتل بغير خلاف، وأما الممسك فإن لم يعلم أن القاتل يقتله فلا شيء عليه، وإن أمسكه له ليقتله عالما بذلك مثل أن ضبطه له حتى ذبحه، فاختلفت الرواية عن الإمام أحمد: فروي عنه أنه يحبس حتى يموت، وروي ذلك عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وعنه: يقتل أيضا؛ لأنه لو لم يمسكه لم يقدر على قتله، وبإمساكه تمكن من قتله، فالقتل حاصل بفعلهما فيكونان شريكين فيه فيجب عليهما القصاص كما لو جرحاه، وقيل: يعاقب ويأثم ولا يقتل؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن أعدى الناس على الله تعالى من قتل غير قاتله» ، والممسك غير قاتل، ولأن الإمساك سبب غير ملجئ، فإذا اجتمعت معه المباشرة كان الضمان على المباشر كالدافع والحافز، ولنا ما روى الدارقطني بإسناده عن ابن عمر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا أمسك الرجل وقتله الآخر يقتل الذي قتل ويحبس الذي أمسك» ؛ ولأنه حبسه

(1/543)


باب القود في الجروح يجب القود في كل عضو بمثله، فتؤخذ العين بالعين
(34) والأنف بالأنف
(35) وكل واحد من الجفن والشفة
(36) واللسان
(37) والسن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
إلى الموت فيحبس الآخر إلى الموت، ليكون مثلا لما أتى به كما لو حبس رجلا عن الطعام والشراب حتى مات، فإننا نفعل به ذلك حتى يموت.

[باب القود في الجروح]
(يجب القود في كل عضو بمثله، فتؤخذ العين بالعين) ، أجمع أهل العلم على ذلك؛ لقوله سبحانه: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: 45] ، ولأنها تنتهي إلى مفصل فيجري القصاص فيها كاليد.

مسألة 34: (والأنف بالأنف) أجمعوا على ذلك؛ لقوله سبحانه: {وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ} [المائدة: 45] والمعنى الذي سبق في العين.

مسألة 35: ويجب القود في كل واحد من الجفن بمثله) ؛ لقوله سبحانه: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] ؛ ولأنه يمكن القصاص فيه لانتهائه إلى مفصل، ولا فرق بين جفن الأعمى والبصير في ذلك؛ لأنهما تساويا في السلامة من النقص، وعدم البصر نقص في غيره فلم يمنع القصاص فيه، كما أن عدم السمع لم يمنع القصاص في الأذن، (وتؤخذ الشفة بالشفة) ، وهي ما جاوز جلد الذقن والخدين علوا أو سفلا، للآية والمعنى الذي سبق.

مسألة 36: (ويؤخذ اللسان باللسان) ؛ للآية والمعنى، ولا نعلم فيه خلافا، ولا يؤخذ لسان ناطق بلسان أخرس؛ لأنه أفضل، ويؤخذ الأخرس بالناطق؛ لأنه بعض حقه.

مسألة 37: (ويؤخذ السن بالسن) أجمع أهل العلم على ذلك؛ لقوله سبحانه: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45] ؛ ولأن القصاص في السن ممكن؛ لأنها محدودة في نفسها فوجب فيها القصاص كالعين، وتؤخذ الصحيحة بالصحيحة، والمكسورة تؤخذ بالصحيحة؛ لأنه يأخذ بعض حقه ويأخذ معها من الدية بقدر ما انكسر منها على قول ابن حامد، وعلى قياس قول أبي بكر لا ينبغي أن يجب مع القصاص شيء.

(1/544)


(38) واليد والرجل
(39) والذكر
(40) والأنثيين بمثله
(41) وكذلك كل ما أمكن القصاص فيه
(42) ويعتبر كون المجني عليه مكافئا للجاني، وكون الجناية عمداً، والأمن من التعدي بأن يقطع من مفصل أو حد ينتهي إليه كالموضحة التي تنتهي إلى العظم، فأما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 38: (وتؤخذ اليد باليد والرجل بالرجل) ؛ لقوله سبحانه: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] ؛ ولأن لهما حدا ينتهيان إليه وهو المفصل فيجري فيهما القصاص كبقية الأعضاء.

مسألة 39: (ويؤخذ الذكر بالذكر) لا نعلم بين أهل العلم خلافا في ذلك؛ لقوله سبحانه: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] ؛ ولأنه له حد ينتهي إليه ويمكن القصاص فيه من غير حيف فوجب القصاص فيه كاليد، ولا فرق بين ذكر الصغير والكبير والشاب والشيخ والذكر الكبير والصغير؛ لأن كل ما وجب القصاص فيه من الأطراف لم يفرق فيه بين هذه المعاني كاليد والرجل.

مسألة 40: (وتقطع الأنثيان بالأنثيين) ؛ للآية والمعنى.

مسألة 41: (وكذلك كل ما أمكن القصاص فيه) للنص والمعنى.

مسألة 42: (ويعتبر كون المجني عليه مكافئا للجاني) ، وذلك أن القصاص فيما دون النفس معتبر له ثلاثة شروط:
أحدها: كون المجني عليه مكافئا للجاني، فإن لم يكن مكافئا كالعبد إذا قطع الحر طرفه أو الذمي إذا قطعه المسلم لا يقطع طرفه بطرفه؛ لأنه إذا لم تؤخذ نفسه بنفسه لعدم المكافأة فوجب أن لا يؤخذ طرفه بطرفه لعدم المكافأة.
الثاني: (أن تكون الجناية عمدا) ، فإن كانت خطأ لم يجب القصاص بغير خلاف، وإن كانت عمدا خطأ، مثل أن يضربه بحجر صغير لا يوضح مثله فأوضحه لم يجب القصاص؛ لأنه شبه عمد، ولا يجب القصاص إلا بالعمد المحض، وقال أبو بكر: يجب القصاص، ولا يراعى فيه ذلك؛ لعموم الآية.
الثالث: (الأمن من التعدي) بحيث يمكن الاستيفاء بغير حيف، فإن كان قطع طرف (فبأن يكون من مفصل، وإن كان جرحا فبأن ينتهي إلى عظم كالموضحة) وما عدا هذا كالجائفة، وما دون الموضحة من الشجاج أو فوقها أو قطع طرف من غير مفصل كقطع اليد من الساعد أو العضد أو الرجل من الساق أو الفخذ فلا قصاص فيه عند أكثرهم؛ لأنه

(1/545)


كسر العظام والقطع من الساعد والساق فلا قود فيه
(43) ولا في الجائفة
(44) ولا في شيء من شجاج الرأس إلا الموضحة إلا أن يرضى مما فوق الموضحة بموضحة
(45) ولا قود في الأنف إلا من المارن وهو ما لان منه
(46) ويشترط التساوي في الاسم والموضع فلا تؤخذ واحدة من اليمنى واليسرى والعليا والسفلى إلا بمثلها
(47) ولا تؤخذ إصبع ولا أنملة ولا سن إلا بمثلها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
لا يمكن المماثلة فيها ولا تؤمن الزيادة عليها، ولا يمكن أن يستوفى أكثر من الحق فسقط القصاص كما لو قتل من لا يكافئه أو قطع صحيح اليد بشلاء أو ناقصة الأصابع، (فأما كسر العظام والقطع من الساعد والساق فلا قود فيه) لما ذكرنا.

مسألة 43: (ولا قود في الجائفة) ولا المأمومة لذلك.

مسألة 44: (ولا قود في شيء من شجاج الرأس لذلك إلا الموضحة) ؛ لأنها تنتهي إلى العظم (إلا أن يرضى بما فوق الموضحة) بموضحة؛ لأنه يأخذ دون حقه كمن يأخذ الشلاء بالصحيحة وقد أمن الضرر.

مسألة 45: (ولا قود في الأنف إلا من المارن وهو ما لان منه) دون قصبة الأنف؛ لأن ذلك حد ينتهي إليه فهو كاليد يجب القصاص فيها إلى الكوع، وإن قطع القصبة كان له القصاص في المارن وحكومة في القصبة على قول ابن حامد، وعلى قياس قول أبي بكر ليس له قصاص؛ لأنه لا يجيز الاقتصاص من غير محل الجناية، ولا يجمع في عضو واحد بين دية وقصاص.

مسألة 46: (ويشترط التساوي في الاسم والموضع، فلا يؤخذ واحد من اليمنى واليسرى والعليا والسفلى إلا بمثلها) ، وقيل تؤخذ إحداهما بالأخرى؛ لأنهما تستويان في الخلقة والمنفعة، ولنا أن كل واحدة منهما تختص باسم فلا تؤخذ إحداهما بالأخرى؛ كاليد مع الرجل، فعلى هذا كل ما ينقسم إلى يمين ويسار كاليدين والرجلين والأذنين والمنخرين لا يؤخذ أحدهما بالآخر لما ذكرناه، وما انقسم إلى أعلى وأسفل كالجفنين والشفتين والأسنان لا يؤخذ الأعلى بالأسفل ولا الأسفل بالأعلى لما ذكرنا.

مسألة 47: (ولا تؤخذ إصبع بإصبع) إلا أن يتفقا في الاسم والموضع (ولا تؤخذ أنملة بأنملة) إلا أن يتفقا في ذلك، ولا تؤخذ عليا بسفلى ولا وسطى وكذلك الوسطى

(1/546)


(48) ولا تؤخذ كاملة الأصابع بناقصة
(49) ولا صحيحة بشلاء
(50) وتؤخذ الناقصة بالكاملة
(51) والشلاء بالصحيحة إذا أمن التلف
فصل: إذا قطع لسانه أو مارنه أو شفته أو حشفته أو أذنه أخذ مثله بقدر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
والسفلى لا يؤخذان بغيرهما، (ولا يؤخذ السن بالسن) إلا أن يتفق موضعهما واسمهما، ولا يؤخذ سن ولا إصبع أصلية بزائدة ولا زائدة بأصلية ولا زائدة بزائدة في غير محلها لما ذكرناه.

مسألة 48: (ولا تؤخذ كاملة الأصابع بناقصة) لأنها فوق حقه، والقصاص يعتمد المماثلة.

مسألة 49: (ولا تؤخذ صحيحة بشلاء) ؛ لأنه يأخذ كاملا بناقص، وذلك فوق حقه.

مسألة 50: (وتؤخذ الناقصة بالكاملة) فإذا كانت يد القاطع، ناقصة إصبعا أو أكثر فالمجني عليه مخير بين أخذ دية يده وبين قطع الناقصة؛ لأنها دون حقه ويأخذ أرش الأصابع المقطوعة على قول ابن حامد، وقياس قول أبي بكر ليس له مع القطع أرش لئلا يجمع بين قصاص ودية في عضو.

مسألة 51: (وتؤخذ الشلاء بالصحيحة إذا أمن التلف) فإن كان القاطع أشل والمقطوعة سالمة فاختار المجني عليه دية يده فله ذلك لا نعلم فيه خلافا؛ لأنه عجز عن استيفاء حقه على الكمال بالقصاص فكانت له الدية كما لو لم يكن للقاطع يد، وإن اختار القصاص فله ذلك؛ لأنه رضي بدون حقه، اللهم إلا أن يخاف من القصاص التلف؛ لقول أهل الخبرة إنه إذا قطع لم تنسد العروق ودخل الهواء إلى البدن فأفسده فإنه يسقط القصاص، ولأنه لا يجوز أخذ نفس بطرف، وإن أمن هذا كله فله القصاص وليس له أرش معه؛ لأن الشلاء كالصحيحة في الخلقة وإنما نقصت عنها في الصفة فلم يكن له أرش كما لا يأخذ ولي المسلم مع القصاص من الذمي أرشا لنقص الكفر، وقال أبو الخطاب: عندي أنه يأخذ أرش الشلاء مع القصاص على قياس قوله في عين الأعور إذا قلعت، والأول أصح؛ لأن إلحاق الفرع بالأصول المتفق عليها أولى من إلحاقه بفرع مختلف فيه خارج عن الأصول.

[فصل فيما إذا قطع بعض لسانه أو مارنه أو شفته]
(فصل: وإذا قطع بعض لسانه أو مارنه أو شفته أو حشفته أو أذنه أخذ مثله بقدر

(1/547)


الأجزاء كالنصف والثلث ونحوهما
(52) وإن أخذت ديته أخذ بالقسط منها
(53 وإن كسرت بعض سنه برد من سن الجاني مثله إذا أمن انقلاعها
(54) ولا يقتص من السن حتى ييأس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الأجزاء) ؛ لأنه أمكن القصاص في جميعه فأمكن في بعضه كما في السن يقدر ذلك في الأجزاء، أو يؤخذ منه بالحساب، فإذا قطع ربع لسانه أخذ من لسان الجاني ربعه، وإن قطع نصفه أخذ نصفه أو ثلثه أخذ ثلثه وكذلك سائرها، ولا يؤخذ شيء من ذلك بالمساحة لما يأتي.

مسألة 52: (وإن أخذ ديته أخذ بالقسط منها) يعني إن قطع الجاني نصف اللسان أخذ منه نصف ديته وإن كان أكثر أو أقل فبالحساب، وكذلك سائرها.

مسألة 53: (وإن كسر بعض سنه برد من سن الجاني مثله إذا أمن انقلاعها) ، وذلك لأن القصاص جاز في بعض السن؛ «لأن الرُّبَيِّع كسرت سن جارية، فأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالقصاص» ، وما جرى القصاص في جملته جرى في بعضه إذا أمكن كالأذن، فيقدر ذلك بالأجزاء، فيؤخذ النصف بالنصف والثلث بالثلث وكل جزء بمثله، ولا يؤخذ ذلك بالمساحة كي لا يفضي إلى أخذ جميع سن الجاني ببعض سن المجني عليه، ويكون القصاص بالبرد ليؤمن أخذ الزيادة، فإنا لو أخذناها بالكسر لم يؤمن أن يتصدع أو ينقلع أو ينكسر من غير موضع القصاص، ولا يؤخذ بعضها قصاصا حتى يقول أهل الخبرة: إنه يؤمن انقلاعها أو السداد فيها؛ لأن توهم الزيادة يمنع القصاص في الأعضاء كما لو قطعت يده من غير مفصل.

مسألة 54: (ولا يقتص من السن حتى ييأس من عودها) بأن يكون قد أثغر أي سقطت رواضعه ثم نبتت، فإذا سقطت قيل: ثغر، فإذا نبتت قيل: أثغر، فإن قلع سن من لم يثغر لم يقلع سن الجاني في الحال؛ لأنها تعود بحكم العادة، وما يعود لا يجب ضمانه كالشعر، وينظر فإن عاد بدل السن في محلها على صفتها فلا شيء على الجاني، وإن عادت مائلة عن محلها أو متغيرة عن صفتها كان عليه حكومة؛ لأنها لو لم تعد ضمن السن، فإذا عادت ناقصة ضمن ما نقص، وإن عادت قصيرة ضمنه بالحساب: ففي نصفها نصف ديتها، وفي ربعها ربع ديتها، وكذلك على هذا، وإن مضى زمان عودها ولم تعد سئل أهل العلم بالطب، فإن قالوا: قد يئس من عودها فالمجني عليه بالخيار بين القصاص

(1/548)


من عودها
(55) ولا من الجرح حتى يبرأ
(56) وسراية القود مهدرة
(57) وسراية الجناية مضمونة بالقصاص والدية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
أو دية السن، فأما إن قلع سن من قد أثغر فقال القاضي: سئل أهل العلم والخبرة، فإن قالوا: لا تعود أبدا، فله القصاص في الحال، وإن قالوا: يرجى عودها إلى وقت ذكروه، لم يقتص حتى يأتي ذلك الوقت، فإن لم تعد وجب القصاص، وإن عادت لم يجب قصاص ولا دية؛ لأنها سن عادت فسقط أرشها كسن من لم يثغر، فإن كان أخذ الأرش رده، وإن كان استوفى القصاص فقد بان أنه كان غير مستحق له؛ لأن القصاص لم يجب عليه؛ لأنه لم يقصد التعدي، وعليه الدية لأنه أخذ ما لا حق له فيه.

مسألة 55: (ولا يقتص من الجرح حتى يبرأ) ؛ لما روى جابر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن يستقاد من الجارح حتى يبرأ المجروح» ، والنهي يقتضي التحريم؛ لأن الجرح لا يدرى أقتل هو أم ليس بقتل، فينبغي أن ينتظر ليعلم ما حكمه وما الواجب فيه.

مسألة 56: (وسراية القود مهدرة) ، ومعناه أنه إذا قطع طرفا يجب القود فيه فاستوفى منه المجني عليه ثم مات الجاني بسراية الجرح لم يلزم المستوفي شيء، روي ذلك عن أبي بكر وعمر وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ولما روي أن عمر وعليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قالا: " من مات من حد أو قصاص لا دية له، الحق قتله " وروى سعيد نحوه، ولأنه قطع مستحق مقدر فلا يضمن سرايته كقطع السارق.

مسألة 57: (وسراية الجناية مضمونة) بغير خلاف؛ لأنها أثر الجناية والجناية مضمونة فكذلك أثرها، ثم إن سرت إلى النفس وجب القصاص فيه ولا خلاف في ذلك، وإن قطع إصبعا فشلت يدها أو إصبع إلى جانبها وجب القصاص في المقطوعة ووجب الأرش فيما شل، إذا ثبت هذا فيجب الأرش في ماله ولا يجب على العاقلة؛ لأنه سراية جناية عمد، وإنما لم يجب القصاص لعدم التماثل في القطع والشل، وإذا شل جميع كفه فعفى عن القصاص استحق نصف الدية في اليد، وإن استوفى من الإصبع كان له أربعون من الإبل في الأصابع الأربع ويتبعها أربعة أخماس الكف، فأما خمسة الكف الذي يختص الإصبع التي اقتص منها ففيه وجهان: أحدهما: يتبعها في الأرش فلا يستحق فيه شيء،

(1/549)


(58) إلا أن يستوفي قصاصها قبل برئها فيسقط ضمانها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
والثاني: لا يتبع ويجب الحكومة، لأن ما يقابل الأربع يتبعها في الأرش؛ لاستوائهما في الحكم، فأما إذا اقتص فحكمها مختلف وتجب فيه الحكومة.

مسألة 58: (إلا أن يستوفي قصاصها قبل برئها فيسقط ضمانها) ؛ لما روى جابر «أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته، فقال: يا رسول الله أقدني، قال: حتى تبرأ، فعجل، فاستقاد له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فتعيبت رجل المستقيد وبرأت رجل المستقاد منه، فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ليس لك شيء، إنك عجلت» رواه سعيد مرسلا، ورواه الدارقطني بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وفيه «ثم جاء الثالثة فقال: يا رسول الله عرجت، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قد نهيتك فعصيتني، فأبعدك الله ومعطل عرجك» ثم نهى أن يقتص من عرج حتى يبرأ صاحبه، وهو دليل على سقوط حقه.
1 -
مسألة 59: عجيبة: إذا قلع سن إنسان فقلع الإنسان سن الجاني ثم عادت سن المجني عليه فقلعها الجاني ثانيا، فلا شيء على واحد منهما؛ لأن سن المجني عليه لما عادت وجب عليه دية سن الجاني، فإذا قلعها الجاني وجب عليه ديتها فيصير لكل واحد منهما دية سن على الآخر فيقاصان.
 




الذكاة



العدة شرح العمدة                      الذكاة  توضيح   لفرضية التذكية فيما  يأكله المسلم

باب الذكاة يباح كل ما في البحر بغير ذكاة، «لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في البحر: " الحل ميتته»
(13) إلا ما يعيش في البر فلا يحل حتى يذكى، إلا السرطان ونحوه
(14) ولا يباح من البري شيء بغير ذكاة
(15) إلا الجراد وشبهه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[باب الذكاة]
(يباح كل ما في البحر بغير ذكاة، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في البحر: «هو الطهور ماؤه، الحل ميتته» .

مسألة 13: (إلا ما يعيش في البر) من دواب البحر (فلا يباح حتى يذكى) كالطيور والسلحفاة وكلب الماء، قال أحمد: كلب الماء نذبحه، ولا أرى بأسًا بالسلحفاة إذا ذبحت. وقال: السرطان لا بأس به. فقيل له: يذبح؟ قال: لا، وروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «كل شيء في البحر مذبوح» وروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الله ذبح كل شيء في البحر لابن آدم» وروي نحو ذلك عن أبي بكر. وقد صح أن أبا عبيدة وأصحابه وجدوا على ساحل البحر دابة يقال لها العنبر ميتة فأكلوا منها شهرًا وادهنوا حتى سمنوا، ولا يذكى السرطان لأنه ليس له نفس سائلة.

مسألة 14: (ولا يباح من البري شيء بغير ذكاة) لقوله سبحانه: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] إلى قوله: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] فيدل ذلك على اشتراط الذكاة في الحل، ولأن غير المذكى يسمى ميتة، والميتة حرام، ولما أباح النبي ميتة البحر دل على تحريم غيرها وأن الذكاة شرط فيها.

مسألة 15: (إلا الجراد وشبهه) فإنه يباح أكله بإجماع أهل العلم، وقد قال عبد الله بن أبي أوفى: «غزونا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبع غزوات نأكل الجراد» (رواه البخاري) وقد

(1/489)


(16) والذكاة تنقسم ثلاثة أقسام: نحر وذبح وعقر، ويستحب نحر الإبل وذبح ما سواها
(17) فإن نحر ما يذبح أو ذبح ما ينحر فجائز
(18) ويشترط للذكاة كلها ثلاثة شروط: أحدها: أهلية المذكي وهو أن يكون عاقلًا قادرًا على الذبح مسلمًا أو كتابيًا، فأما الطفل والمجنون والسكران والكافر الذي ليس بكتابي فلا تحل ذبيحته الثاني: أن يذكر اسم الله تعالى عند الذبح وإرسال الآلة في الصيد إن كان ناطقا، وإن كان أخرس أشار إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أحلت لنا ميتتان ودمان» (رواه ابن ماجه) فالميتتان السمك والجراد ولا فرق بين أن يموت بسبب أو غيره لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أحلت لنا ميتتان» ولم يفصل، ولأنه لو افتقر إلى سبب لافتقر إلى ذبح وذابح وآلة كبهيمة الأنعام.

مسألة 16: (والذكاة تنقسم ثلاثة أقسام: نحر وذبح وعقر، ويستحب نحر الإبل وذبح ما سواها) فالنحر هو أن يضربها بحربة أو نحوها في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر، وثبت " «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحر بدنة وضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده» متفق عليه. وأما الذبح فهو عبارة عن قطع الودجين والحلقوم والمريء وذلك معلوم في الغنم والبقر والطيور، وقد روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «الذكاة في الحلق واللبة» وروي ذلك عن عمر، رواه سعيد والأثرم وسيأتي ذلك. وأما العقر فهو في الصيد وما لا يقدر على تذكيته فيرميه بنشابة أو يطعنه برمح في أي موضع اتفق فيحل.

مسألة 17: (فإن ذبح ما ينحر أو نحر ما يذبح فجائز) لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعدي: " «أمر الدم بما شئت» (رواه أبو داود) وقالت أسماء: «نحرنا فرسًا على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأكلناه» (رواه البخاري) ، وعن عائشة قالت: «نحر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حجة الوداع بقرة واحدة» (رواه أبو داود) ولأن ما كان ذكاة في حيوان كان ذكاة بحيوان آخر كسائر الحيوانات.

مسألة 18: (ويشترط للذكاة كلها ثلاثة شروط: أحدها: أهلية المذكي) ولها ثلاثة شروط: الأول: (أن يكون عاقلًا) يعرف الذبح ليقصده، فإن كان لا يعقل كالطفل والمجنون والسكران لم يحل ما ذبحه لأنه لا يصح منه القصد فأشبه ما لو ضرب إنسانًا بسيف فقطع عنق شاة، وكذلك لو وقعت الحديدة بنفسها على عنق شاة فذبحتها لم تحل.
والثاني: أن يكون (قادرًا على الذبح) ليتحقق منه، فلو كان صبيًا أو امرأة صح. قال

(1/490)


السماء فإن ترك التسمية على الذبيحة عامدا لم تحل
(19) وإن تركها ساهيا حلت
(20) وإن تركها على الصيد لم يحل عمدا كان أو سهوا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إباحة ذبيحة المرأة والصبي. والثالث: الدين، فيشترط أن يكون (مسلمًا أو كتابيًا) لأن الله سبحانه أحل لنا ما ذكيناه بقوله: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وأحل طعام أهل الكتاب بقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] معناه: ذبائحهم، كذا فسره العلماء، ولأن المذكاة من جملة الأطعمة. وأما غير الكتابي كالوثني فلا تحل ذبيحته ولا طعامه. الشرط (الثاني للذكاة أن يذكر اسم الله تعالى عند الذبح وعند إرسال الآلة في الصيد إن كان ناطقًا، وإن أخرس أشار إلى السماء) فتشترط التسمية في حق كل ذابح مع العمد سواء كان مسلمًا أو كتابيًا لقوله سبحانه: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] فإن لم يعلم أسمَّى الكتابي أم لا فذبيحته حلال، لأن الله سبحانه أباح لنا أكل ما ذبحه الكتابي وقد علم أننا لا نقف على كل ذابح.

مسألة 19: (وإن ترك التسمية على الذبيحة ساهيًا حلت) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» وقد روي عن ابن عباس أنه قال: من نسي التسمية فلا بأس. وروى سعيد قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ذبيحة المسلم حلال وإن له يسم إذا لم يتعمد» وقوله سبحانه: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] محمول على من ترك عمدًا بدليل قوله: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] والناسي ليس بفاسق.

مسألة 20: (وإن تركها على الصيد لم يحل، عمدًا كان أو سهوًا) هذا تحقيق المذهب، ونقل حنبل عن أحمد: إن نسي التسمية على الذبيحة والكلب أكل، قال الخلال: سها حنبل في نقله، فإن في أول مسألته إذا نسي وقتل لم يأكل، ودليل الأولى قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] وقال: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ} [المائدة: 4] وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إذا أرسلت كلبك وسميت فكل. قلت: وأرسل كلبي فأجد معه كلبًا آخر؟ قال: لا تأكل، فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره» متفق عليه، وفي لفظ " «إذا خالط كلابًا لم يذكر اسم الله عليها فأمسكن وقتلن فلا تأكل» (رواه البخاري) وفي حديث ثعلبة «ما صدت بقوسك وذكرت اسم الله عليه فكل» (رواه مسلم)

(1/491)


الثالث: أن يذكي بمحدد، سواء كان من حديد أو حجر أو قصب أو غيره، إلا السن والظفر، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل، ليس السن والظفر»
(21) ويعتبر في الصيد أن يصيد بمحدد أو يرسل جارحا فيجرح الصيد، فإن قتل الصيد بحجر أو بندق أو شبكة، أو قتل الجارح الصيد بصدمته أو خنقه أو روعته لم يحل
(22) وإن صاد بالمعراض أكل ما قتل بحده دون ما قتل بعرضه
(23) وإن نصب المناجيل للصيد وسمى فعقرت الصيد أو قتلته حل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
وقوله: «عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان» يقتضي نفي الإثم لأنه جعل الشرط المعدوم كالموجود، بدليل ما لو نسي شروط الصلاة، والفرق بين الصيد والذبيحة أن الذبح وقع في محله فجاز أن يسامح فيه بخلاف الصيد، والأحاديث بخلاف هذا لا نعلم لها أصلًا.
الشرط (الثالث: أن يذكي بمحدد سواء كان من حديد أو حجر أو قصب أو غيره، إلا السن والظفر لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكله ما لم يكن سنًا أو ظفرًا» متفق عليه.

مسألة 21: (ويعتبر في الصيد أن يصيد بمحدد أو يرسل جارحًا يجرح الصيد) لأن الاصطياد قام مقام الذكاة، والجارح آلة كالسكين، وعقره الحيوان بمنزلة إفراء الأوداج. قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «فإن أخذ الكلب ذكاته» (رواه البخاري) والصائد بمنزلة المذكي. وكذلك السهم ينبغي أن يكون محددًا، فإن كان غير محدد كالمصطاح لم يحل، أو قتل بالمعراض فإنه يحل ما أصاب بحده ولا يحل ما أصاب بعرضه لأن هذا كله من الموقوذة (وكذا لو قتل الصيد بحجر أو بندق أو شبكة فمات فيها أو قتل الجارح الصيد بصدمته أو بخنقه أو روعته لم يحل) لأنه موقوذ.

مسألة 22: (وإن صاد بالمعراض أكل ما قتل بحده، ولم يأكل ما قتل بعرضه) لذلك.

مسألة 23: (وإن نصب المناجل للصيد وسمى فعقرت الصيد أو قتلته حل) لأنه قتل الصيد بحديدة على الوجه المعتاد فأشبه ما لو رماه بها، ولأنه قصد قتل الصيد بما قد

(1/492)


فصل: ويشترط في الذبح والنحر خاصة شرطان: أحدهما أن يكون في الحلق واللبة فيقطع الحلقوم والمريء وما لا تبقى الحياة مع قطعه، الثاني: أن يكون في المذبوح حياة يذهبها الذبح، فإن لم يكن فيه إلا كحياة المذبوح وما أبينت حشوته لم يحل بالذبح ولا النحر، وإن لم يكن كذلك حل لما «روى كعب قال: كانت لنا غنم ترعى بسلع فأبصرت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
جرت العادة بالصيد به أشبه ما ذكرناه، ولأن التسبب جرى مجرى المباشرة في الضمان فكذلك في الصيد، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «كلْ ما ردت عليك يدك» (رواه أبو داود) .

[فصل فيما يشترط في الذبح والنحر]
فصل: ويشترط في الذبح والنحر خاصة شرطان: أحدهما: أن يكون في الحلق واللبة فيقطع الحلقوم والمريء وما لا تبقى الحياة مع قطعه) فيعتبر في الذكاة قطع الحلقوم والمريء، ويكفي ذلك فيهما، وعن الإمام أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواية أخرى أنه يعتبر مع هذا قطع الودجين، لما روى أبو هريرة قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن شريطة الشيطان، وهي التي تذبح فتقطع الجلد ولا تفري الأوداج ثم يترك حتى يموت» رواه أبو داود. ودليل الأولى أنه قطع ما لا تبقى الحياة مع فقده في محل الذبح فأجزأ كما لو قطع الودجين، فأما الحديث فمحمول على من لم يقطع المريء.
فإذا ثبت هذا فالكمال أن يقطع الأربعة: الحلقوم وهو مجرى النفس، والمريء وهو مجرى الطعام والشراب، والودجين وهما عرقان محيطان بالحلقوم لأنه أعجل لخروج روح الحيوان فيخف عليه فيكون أولى.
الشرط (الثاني: أن يكون في المذبوح حياة يذهبها الذبح، فإن لم يكن فيه إلا كحياة المذبوح وما أبينت حشوته لم يحل بالذبح ولا النحر) لأن هذا قد صار في حكم الميت، ولهذا لو أبان رجل حشوة إنسان فضرب الآخر عنقه كان القاتل الأول. ولو ذبح الشاة بعد ذبح المجوسي لم تحل، (وإن لم يكن كذلك حل) بالذبح، يعني بذلك أن يدركها وفيها حياة بحيث إذا ذبحها يكون الذبح هو الذي قتلها لقوله سبحانه: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] ، وفي

(1/493)


جارية لنا شاة موتى فكسرت حجرا فذبحتها به، فسئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك فأمر بأكلها»
(24) وأما العقر فهو القتل بجرح في غير الحلق واللبة، ويشرع في كل حيوان معجوز عنه من الصيد والأنعام، لما «روى أبو رافع أن بعيرا ند فأعياهم، فأهوى إليه رجل بسهم فحبسه فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " وإن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش، فما غلبكم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
حديث «جارية كعب أنها أصيبت شاة من غنمها فأدركتها فذبحتها بحجر، فسئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " كلوها» (رواه البخاري) سواء كانت قد انتهت إلى حال يعلم أنها لا تعيش معه أو تعيش لعموم الآية والخبر وكون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يسأل ولم يستفصل، وقال الإمام أحمد في بهيمة عقرت بهيمة حتى تبين فيها آثار الموت إلا أن فيها الروح، فقال: إذا مصعت بذنبها أو طرفت بعينها وسال الدم فأرجو إن شاء الله أن لا يكون بأكلها بأس، وسئل الإمام أحمد عن شاة مريضة خافوا عليها الموت فذبحوها فلم يعلم منها أكثر من أنها طرفت بعينها أو حركت يدها أو رجلها أو ذنبها بضعف فنهر الدم، قال: فلا بأس، وقال بعض أصحابنا: إذا انتهت إلى حد لا تعيش معه لم تبح بالذكاة، ونص عليه الإمام إذا شق الذئب بطنها فخرج قصبها فذبحها لا تؤكل، وقال: إن كان يعلم أنها تموت من عقر السبع فلا تؤكل وإن ذكاها، وقد يخاف على الشاة الموت من العلة والشيء يصيبها فبادرها فذبحها فيأكلها، وليس هذا مثل هذه، ولا ندري لعلها تعيش، والتي خرجت أمعاؤها قد علم أنها لا تعيش، وقال شيخنا: والأول أصح لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - انتهى به الجرح إلى حد علم أنه لا يعيش فصحت وصاياه ووجبت عليه العبادة، ولأن ما ذكرناه فيما قبل يرد هذا، قال: وما رويناه عن الإمام أحمد فالصحيح أنها إذا كانت تعيش زمانًا يكون الموت بالذبح أسرع منه حلت بالذبح. والله أعلم.

مسألة 24: (وأما العقر فهو الجرح في غير الحلق واللبة، وشرع في كل حيوان معجوز عنه من الصيد والأنعام، لما «روى رافع بن خديج - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فند بعير، وكان في القوم خيل يسيرة فطلبوه فأعياهم، فأهوى إليه رجل بسهم فحبسه الله، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش، فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا»

(1/494)


منها فاصنعوا به هكذا»
(25) ولو تردى بعير في بئر فتعذر نحره فجرح في أي موضع من جسده فمات به حل أكله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
متفق عليه. وحرن ثور في بعض دور الأنصار فضربه رجل بالسيف وذكر اسم الله عليه، فسأل عنه عليا فقال: ذكاة وجبت، فأمرهم بأكله.
وتردى بعير في بئر فذكي من قبل شاكلته فبيع بعشرين درهمًا فأخذ ابن عمر عشرة بدرهمين، رواه سعيد، ولأنه حيوان غير مقدور على تذكيته فأشبه الوحشي.

مسألة 25: (ولو تردى بعير في بئر فتعذر نحره فجرح في أي موضع من جسده فمات حل أكله) لذلك.

(1/495)


كتاب الصيد (1) كل ما أمكن ذبحه من الصيد لم يبح إلا بذبحه
(2) وما تعذر ذبحه فمات بعقره حل بشروط ستة، ذكرنا منها ثلاثة في الذكاة) (والرابع: أن يكون الجارح الصائد معلمًا
(3) وهو ما يسترسل إذا أرسل ويجيب إذا دعي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
كتاب الصيد مسألة 1: (كل ما أمكن ذبحه من الصيد لم يبح إلا بذبحه) وقد سبق ذكر المعجوز عن تذكيته فأما المقدور عليه فلا يباح إلا بالذبح بلا خلاف بين أهل العلم، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث عدي: «فإن أدركته حيًا فاذبحه» .

مسألة 2: (وما تعذر ذبحه فمات بعقره حل بشروط ستة، ذكرنا منها ثلاثة في الذكاة) وقد مضى تعليلها (والرابع: أن يكون الجارح الصائد معلمًا) ولا خلاف في اعتبار هذا الشرط، والأصل فيه قوله سبحانه: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] ، «وروى أبو ثعلبة الخشني قال: أتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: يا رسول الله، أنا بأرض صيد أصيد بقوسي وأصيد بكلبي المعلم وأصيد بكلبي الذي ليس بمعلم، فأخبرني ما يصلح لي؟ قال: " أما ما ذكرت أنكم بأرض صيد فما صدت بقوسك وذكرت اسم الله عليه فكل، وما صدت بكلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل، وما صدت بكلبك الذي ليس بمعلم فأدركت ذكاته فكل» متفق عليه.

مسألة 3: (ويعتبر في تعليمه ثلاثة شروط: إذا أرسله استرسل، وإذا زجره انزجر، وإذا أمسك لم يأكل) إذا كان كلبًا أو فهدًا ويتكرر هذا منه مرة بعد أخرى حتى يصير معلمًا في حكم العرف. ولا يعتبر ترك الأكل في الطائر، لأن تعليمه بأن يأكل عند أهل العرف بذلك، فإن أكل غير الطائر من الصيد لم يبح في إحدى الروايتين، والثانية يباح، وروي ذلك عن جماعة من الصحابة لعموم قوله: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] وعن أبي ثعلبة:

(1/497)


ويعتبر في الكلب والفهد خاصة أنه إذا أمسك لم يأكل، ولا يعتبر ذلك في الطائر الثاني: أن يرسل الصائد الآلة، فإن استرسل الكلب بنفسه لم يبح صيده الثالث: أن يقصد الصيد، فإن أرسل سهمه ليصيب به غرضا أو كلبه ولا يرى صيدا فأصاب صيدا لم يبح
(4) ومتى شارك في الصيد ما لا يباح قتله مثل أن يشارك كلبه أو سهمه كلب أو سهم لا يعلم مرسله أو لا يعلم أنه سمي عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل، وإن أكل» ذكره الإمام أحمد وأخرجه أبو داود، ودليل الرواية الأولى أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في حديث عدي بن حاتم: «إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك، قلت: وإن قتل؟ قال: وإن قتل إلا أن يأكل الكلب، فإن أكل فلا تأكل، فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه» متفق عليه. وأما الآية فإنها تتناول ما أمسك علينا، وهذا إنما أمسك على نفسه. وحديث أبي ثعلبة قال الإمام أحمد: يختلفون فيه عن هشيم، وعلى أن حديث عدي أصح لأنه متفق عليه، وعدي بن حاتم أضبط ولفظه أبين، لأنه ذكر الحكم والعلة، قال أحمد: حديث الشعبي عن عدي من أصح ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الشعبي يقول: كان جاري وربيطي فحدثني، والعمل عليه. (الثاني: وهو الخامس، أن يرسل الصائد المصيد فإن استرسل بنفسه فقتل لم يبح صيده) لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أرسلت كلبك وسميت فكل» ولأن إرسال الجارحة جعل بمنزلة الذبح، ولهذا اعتبرت التسمية معه. (الثالث: وهو السادس، أن يقصد الصيد، فإن أرسل سهمه ليصيب به غرضًا ولا يرى صيدًا فأصاب صيدًا لم يبح) لأنه لم يقصد برميه عينًا فأشبه من نصب سكينًا فانذبحت بها شاة.

مسألة 4: (ومتى شارك في الصيد ما لا يباح قتله، مثل أن يشارك كلبه أو سهمه كلب أو سهم لا يعلم مرسله أو لا يعلم أنه سمي عليه لم يبح) لما «روي أن عديًا قال: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: إني أرسل كلبي فأجد معه كلبًا آخر، قال: " لا تأكل، فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على الآخر» (رواه البخاري) وفي لفظ «فإن وجدت مع كلبك كلبًا آخر فخشيت أن يكون أخذ معه وقد قتله فلا تأكله فإنما ذكرت اسم

(1/498)


(5) أو رماه بسهم مسموم يعين على قتله أو غرق في ماء أو وجد به أثرا غير أثر السهم أو الكلب يحتمل أنه مات لم يحل، لما روى عدي بن حاتم أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فأمسك عليك فأدركته حيا فاذبحه، وإن قتل ولم يأكل منه فكله فإن أخذ الكلب له ذكاة، فإن أكل فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه، وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره، وإذا أرسلت سهمك فاذكر اسم الله عليه، وإن غاب عنك يوما أو يومين ولم تجد فيه إلا أثر سهمك فكله إن شئت، وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل فإنك لا تدري الماء قتله أو قتله سهمك»
باب المضطر (6) ومن اضطر في مخمصة فلم يجد إلا محرما فله أن يأكل منه ما يسد رمقه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الله على كلبك» ، وفي لفظ " «فإنك لا تدري أيهما قتل» أخرجه البخاري، ولأنه شك في وجود الاصطياد المباح فوجب إبقاء حكم التحريم، وكذلك الحكم في سهمه إذا وجد معه سهمًا آخر وقد قتل لا يباح لأنه إنما ذكر اسم الله على سهمه ولم يذكره على سهم غيره. والحديث حجة فيهما جميعًا. وفي بعض ألفاظ حديث عدي: «فإن لم تجد فيه إلا أثر سهمك فكله إن شئت» مفهومه أنه إن وجد فيه أثر غيره لا يأكله.

مسألة 5: (وإن رماه بسهم مسموم يعين على قتله) ويحتمل أنه مات به لم يحل، لأن قتله بالسهم المسموم حرام، وقتله بالسهم مباح، فقد اشتبه المحظور بالمباح فيحرم، كما لو مات بسهم مجوسي ومسلم (وإن رماه فغرق في ماء) يحتمل أنه مات بذلك (حرم) لأن في بعض ألفاظ حديث عدي: «وإن وجدته غريقًا في الماء فلا تأكل، فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك» (رواه مسلم) .

باب المضطر (ومن اضطر في مخمصة فلم يجد إلا محرمًا فله أن يأكل منه ما يسد به رمقه) أجمع العلماء على إباحة الأكل من الميتة للمضطر، وكذلك سائر المحرمات التي لا تزيل العقل. والأصل فيه قوله سبحانه: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] ويباح له أكل ما يسد به الرمق ويأمن معه

(1/499)


(6) وإن وجد متفقًا على تحريمه ومختلفا فيه أكل من المختلف فيه
(7) فإن لم يجد إلا طعامًا لغيره به مثل ضرورته لم يبح له أخذه
(8) وإن كان مستغنيًا عنه أخذه منه بثمنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الموت بالإجماع، ويحرم عليه ما زاد على الشبع بالإجماع، وفي الشبع روايتان: أحدهما: لا يباح، والثانية: يحل له الشبع، اختارها أبو بكر لما روى جابر بن سمرة «أن رجلًا نزل الحرة فنفقت عنده ناقة فقال: اسلخها حتى نقدد لحمها وشحمها ونأكله، فقال: حتى أسأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: هل عندك غنى يغنيك؟ قال: لا. قال: فكلوها» ولم يفرق، رواه أبو داود. ولأن ما جاز سد الرمق منه جاز الشبع منه كالمباح، ودليل الأولى أن الآية الكريمة دلت على تحريم الميتة ثم استثنى منها ما اضطر إليه، فإذا اندفعت الضرورة لم يحل له الأكل كحالة الابتداء، ولأنه بعد سد الرمق غير خائف للتلف فلم يجز له الأكل كغير المضطر، يحققه أنه بعد سد الرمق كهو قبل أن يضطر وثَمّ لم يبح له الأكل، هكذا هنا.
إذا ثبت هذا فإن الضرورة المبيحة هي التي يخاف منها التلف إن ترك الأكل، قال الإمام أحمد: إذا كان يخشى على نفسه أن يتلف، سواء كان من جوع أو يخاف إن ترك الأكل عجز عن المشي وانقطع عن الرفقة أو يعجز عن الركوب فيهلك.

مسألة 6: (وإن وجد متفقًا على تحريمه ومختلفًا فيه أكل من المختلف فيه) لأنه أخف تحريمًا، كالخنزير متفق على تحريمه والثعلب مختلف فيه والقنفذ وما شاكل ذلك.

مسألة 7: (فإن لم يجد إلا طعامًا لغيره به مثل ضرورته لم يبح له أخذه) لأن صاحب الطعام ساواه في الضرورة وانفرد بالملك فأشبه غير حال الضرورة.

مسألة 8: (وإن كان مستغنيًا عنه أخذه منه بثمنه) لأنه أمكن الوصول إليه برضا صاحبه، قال القاضي: فإن لم يبعه إلا بأكثر من ثمن مثله فاشتراه بذلك لم يلزمه إلا بثمن مثله لأنه صار مستحقًا له بقيمته، فإن كان العوض معه دفعه إليه وإلا بقي في ذمته، ولا يباح للمضطر من مال غيره إلا ما يباح له من الميتة، «قال أبو هريرة: " قلنا: يا رسول الله ما يحل لأحدنا من مال أخيه إذا اضطر إليه؟ قال: يأكل ولا يحمل، ويشرب ولا يحمل» .

(1/500)


(9) فإن منعه منه أخذه قهراً وضمنه له متى قدر، فإن قتل المضطر فهو شهيد وعلى قاتله ضمانه، وإن قتل المانع فلا ضمان فيه
(10) ولا يباح التداوي بمحرم
(11) ولا شرب الخمر لمن عطش
(12) ويباح دفع الغصة بها إذا لم يجد مائعًا غيرها
باب النذر من نذر طاعة لزمه فعلها لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 9: (فإن منعه منه أخذه قهرًا وضمنه له متى قدر) على مثله أو قيمته، وذلك لأن صاحب الطعام إذا كان مستغنيًا عنه لزمه بذله للمضطر، لأنه يتعلق به إحياء نفس آدمي معصوم، فلزمه بذله له كما يلزمه بذل منافعه في تخليصه من الغرق والحرق، فإن لم يبذله له فللمضطر أخذه منه قهرًا لأنه مستحق له دون مالكه فجاز له أخذه كعين ماله، فإن احتيج في ذلك إلى قتال فله المقاتلة عليه (فإن قتل المضطر فهو شهيد وعلى الآخر ضمانه) بالقصاص أو الدية (وإن آل آخذه إلى قتل مالكه فهو هدر) كما قلنا في الصائل إذا قتله المصول عليه دفعًا عن نفسه ولم يمكنه دفعه إلا بالقتل.

مسألة 10: (ولا يباح التداوي بمحرم) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لا شفاء لأمتي فيما حرم عليها» رواه الإمام أحمد في كتاب الأشربة ولفظه: «إن الله لم يجعل فيما حرم عليكم شفاء» .

مسألة 11: (ولا يجوز شرب الخمر من عطش) لأنه لا يروي.

مسألة 12: (ويباح دفع الغصة بها إذا لم يجد مائعًا غيرها) لأنه حالة ضرورة، إذ لو لم يفعل ذلك لخاف الموت لأنها تقتل صاحبها.