السبت، 13 فبراير 2021

كتاب الطهارة والصلاة من كتاب العدة شرح العمدة


  {هذه الكتب رفعناها هنا للتدبر والمتابعة والدراسة والتعقيبات وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه }ومع هذا هو اجتهاد بشري قابل للصواب والخطأ  فليتدبر كل حاله ونفسه مع ربه

العدة شرح العمدة

كتاب الطهارة
باب أحكام المياه (1) خلق الماء طهوراً، يطهر من الأحداث والنجاسات
(2) ولا تحصل الطهارة
ـــــــــــــــــــــــــــــ

[العُدَّة شرح العُمْدة]
[كتاب الطهارة] [باب أحكام المياه]
باب أحكام المياه مسألة 1: (خلق الماء طهوراً، يطهر من الأحداث والنجاسات) لقوله سبحانه: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللهم طهرني بالماء والثلج والبرد» متفق عليه، والطهور: هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره، وهو الذي نزل من السماء أو نبع من الأرض وبقي على أصل خلقته، فهذا يرفع الأحداث ويزيل الأنجاس للآية.

مسألة 2: (ولا تحصل الطهارة بمائع غيره) أما طهارة الحدث فلقوله سبحانه وتعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] نقلنا سبحانه وتعالى عند عدم الماء إلى التراب، فلو كان ثم مائع يجوز الوضوء به لنقلنا إليه، فلما نقلنا عنه إلى التراب دل على أنه لا تصح الطهارة للحدث إلا به.
وأما الطهارة من النجاسات فلا تجوز إلا بالماء لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأسماء في دم الحيضة: «حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء» أمر، والأمر يقتضي الوجوب.
وخص الماء بالذكر فيدل على أنه لا يجوز بمائع غيره، ولأنها طهارة فلا تجوز بغير الماء كطهارة الحدث.
بمائع غيره
(3) فإذا بلغ الماء قلتين أو كان جارياً لم ينجسه شيء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 3: (فإذا بلغ الماء قلتين أو كان جارياً لم ينجسه شيء) . أما إذا بلغ قلتين لم ينجسه شيء فلقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء» أخرجه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن، ولفظه: «لم يحمل الخبث» ، وأخرجه الإمام أحمد في المسند، وأما إذا كان جارياً فلا ينجسه شيء وإن قل، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما سئل عن بئر بضاعة وما يلقى فيها من الحيض ولحوم الكلاب والنتن: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء» رواه الترمذي قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حديث بئر بضاعة صحيح، وهو عام في القليل والكثير.
فإن قيل: يعارضه حديث القلتين، قلنا: عنه ثلاثة أجوبة:
أحدها: أن حديث بئر بضاعة أصح فلا يعارضه، ولأن حديث القلتين ضعيف من حيث الاستدلال به فإن القلال تختلف، وتقديرهما بخمس قرب من أين ذلك؟ وتقدير القربة بمائة رطل يحتاج إلى دليل، فإن التقدير إنما يصار إليه بالنص ولا نص، وحديث ابن جريج «رأيت قلال هجر تسع القلة قربتين أو قربتين وشيئا» غير مقبول.
الثاني: أن دلالته على تنجيس اليسير إنما هو بالمفهوم، وحديث بئر بضاعة يدل على طهارته بالمنطوق فكان مقدماً.
الثالث: أن حديث القلتين محمول على الماء الواقف، فإنا قد أجمعنا على أن ما قبل النجاسة في الماء الجاري لا يتنجس، لأنه لم يصل إليها وما بعدها كذلك لأنها لن تصل إليه بخلاف الواقف.
فإن قيل: حديث بئر بضاعة دخله التخصيص بالقليل الواقف فإنا قد أجمعنا على أنه ينجس بوقوع النجاسة فيه وإن لم يتغير فنقيس عليه القليل الجاري.
قلنا: لا يصح ذلك، وبيانه من وجهين:
أحدهما: أن الجاري له قوة ليست للواقف، فإنه يدفع التغير عن نفسه، لأنه يدفع بعضه بعضاً وليس كذلك الواقف.
(4) إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه
(5) وما سوى ذلك ينجس بمخالطة النجاسة
(6) والقلتان ما قارب مائة وثمانية أرطال بالدمشقي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
والثاني: أن الجاري لو ورد على النجاسة طهرها فكذا إذا وردت عليه قياساً لأحد الواردين على الآخر، وليس هذا للواقف، فإن صب الواقف على النجاسة صار جارياً، والله تعالى أعلم وأحكم.

مسألة 4: (إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه) . يعني أن الماء إذا تغيرت إحدى صفاته بالنجاسة ينجس على كل حال قلتين أو أكثر أو أقل وهذا أمر مجمع عليه، قال الإمام أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ليس فيه حديث، ولكن الله سبحانه حرم الميتة فإذا تغير بها فكذلك طعم الميتة وريحها فلا يحل له، وقول أحمد: " ليس فيه حديث " يعني ليس فيه حديث صحيح.

مسألة 5: (وما سوى ذلك ينجس بمخالطة النجاسة) : يعني أن ما دون القلتين يتنجس بمخالطة النجاسة وإن لم يتغير، لأن تحديده بالقلتين يدل على أن ما دونهما يتنجس، ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات» متفق عليه، فدل على نجاسته من غير تغير، وفي رواية: «طهور إناء أحدكم» ... " وعنه أنه طاهر لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء» قال أحمد: حديث بئر بضاعة صحيح، ولأنه لم يتغير بالنجاسة أشبه الكثير.

مسألة 6: (والقلتان ما قارب مائة وثمانية أرطال بالدمشقي) سميت قلة لأنها تقل بالأيدي وهما خمسمائة رطل بالعراقي. وعنه أربعمائة رطل؛ لأنه يروى عن ابن جريج أنه قال: «رأيت قلال هجر فرأيت القلة منها تسع قربتين أو قربتين وشيئاً» ، فالاحتياط أن يجعل الشيء نصفاً فيكونان خمس قرب كل قربة مائة رطل وهو تقريب لا تحديد في الأصح، لأن القربة إنما جعلت مائة رطل تقريباً، والشيء إنما جعل نصفاً احتياطاً فإنه يستعمل بما دون النصف وهذا لا تحديد فيه.
وفيه قول آخر أنه تحديد لأن ما وجب بالاحتياط صار فرضاً كغسل جزء من الرأس،

(1/15)


(7) وإن طبخ في الماء ما ليس بطهور وكذلك ما خالطه فغلب على اسمه أو استعمل في رفع حدث سلب طهوريته
(8) وإذا شك في طهارة الماء أو غيره ونجاسته بنى على اليقين
(9) وإن خفي موضع النجاسة من الثوب أو غيره غسل ما يتيقن به غسلها
(10) وإن اشتبه ماء طاهر بنجس ولم يجد غيرهما تيمم وتركهما
(11) وإن اشتبه طهور بطاهر توضأ من كل واحد منهما
(12) وإن اشتبهت الثياب الطاهرة بالنجسة صلى في كل ثوب صلاة بعدد النجس وزاد صلاة
(13) وتغسل نجاسة الكلب والخنزير سبعاً إحداهن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
وفائدة هذا إذا نقص الرطل أو الرطلان إذا قلنا: إنه تقريب لا ينجس الماء، وإن قلنا: إنه تحديد نجس.

مسألة 7: (وإن طبخ في الماء ما ليس بطهور) سلب طهوريته إجماعا (وكذلك ما خالطه فغلب على اسمه) فصار حبراً أو صبغاً (أو استعمل في رفع حدث سلب طهوريته) أيضاً، لأنه زال عنه إطلاق اسم الماء أشبه ما لو تغير بزعفران، وعنه لا يسلب طهوريته لأنه استعمال لم يغير الماء أشبه ما لو تبرد به.

مسألة 8: (وإذا شك في طهارة الماء أو غيره ونجاسته بنى على اليقين) لأنه الأصل.

مسألة 9: (وإن خفي موضع النجاسة من الثوب أو غيره غسل ما يتيقن به غسلها) يعني يغسل حتى يتيقن أن الغسل قد أتى على النجاسة، كمن تنجست إحدى كميه لا يعلم أيهما غسل الكمين، أو تيقن أن الثوب قد وقعت عليه نجاسة لا يعلم موضعها غسل جميع الثوب لتحصل الطهارة بيقين.

مسألة 10: (وإن اشتبه ماء طاهر بنجس ولم يجد غيرهما تيمم وتركهما) .

مسألة 11: (وإن اشتبه طهور بطاهر توضأ من كل واحد منهما) وصلى صلاة واحدة لأنه إذا فعل ذلك حصلت له الطهارة بيقين.

مسألة 12: (وإن اشتبهت الثياب الطاهرة بالنجسة صلى في كل ثوب صلاة بعدد النجس وزاد صلاة) لأنه أمكنه تأدية فرضه بيقين من غير مشقة تلزمه كما لو اشتبه المطلق بالمستعمل.

مسألة 13: (وتغسل نجاسة الكلب والخنزير سبعاً إحداهن بالتراب) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

(1/16)


بالتراب
(14) ويجزئ في سائر النجاسات ثلاث منقية
(15) وإن كانت النجاسة على الأرض فصبة واحدة تذهب بعينها لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صبوا على بول الأعرابي ذنوباً من ماء»
(16) ويجزئ في بول الغلام الذي لم يأكل الطعام النضح
(17) وكذلك المذي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
«إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً إحداهن بالتراب» متفق عليه، فنقيس عليه نجاسة الخنزير.

مسألة 14: (ويجزئ في سائر النجاسات ثلاث منقية) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا قام أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإنه لا يدري أين باتت يده» علل بوهم النجاسة، ولا يزيل وهم النجاسة إلا ما يزيل حقيقتها. وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما يجزئ أحدكم إذا ذهب إلى الغائط ثلاثة أحجار منقية» (رواه الدارقطني) فإذا أجزأت ثلاثة أحجار في الاستجمار فالماء أولى، لأنه أبلغ في الإنقاء، وعنه سبع مرات في غير نجاسة الكلب والخنزير قياساً عليها، وعنه مرة قياساً على النجاسة على الأرض.

مسألة 15: (وإن كانت النجاسة على الأرض فصبة واحدة تذهب بعينها لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صبوا على بول الأعرابي ذنوباً من ماء» وفي رواية: «سجلاً من ماء» (رواه أبو داود) .

مسألة 16: (ويجزئ في بول الغلام الذي لم يأكل الطعام النضح) وهو أن يغمره بالماء وإن لم يزل عينه، لما روت «أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأجلسه في حجره فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله» (متفق عليه) .

مسألة 17: (وكذلك المذي) ، وفي كيفية تطهيره روايتان: إحداهما: يجزئ نضحه

(1/17)


(18) ويعفى عن يسيره ويسير الدم وما تولد منه من القيح والصديد ونحوه وحد اليسير هو ما لا يفحش في النفس
(19) ومني الآدمي
(20) وبول ما يؤكل لحمه طاهر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
لما روى «سهل بن حنيف قال: كنت ألقى من المذي شدة وعناء فقلت: يا رسول الله، فكيف بما أصاب ثوبي منه؟ قال: " يكفيك أن تأخذ كفاً من ماء فتنضح به حيث ترى أنه أصاب منه» قال الترمذي: حديث صحيح، والثانية: يجب غسله لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بغسل الذكر منه، ولأنه نجاسة من كبير أشبه البول، وعنه أنه كالمني لأنه خارج بسبب الشهوة أشبه المني، ويعفى عن يسيره لأنه يشق التحرز منه لكونه يخرج من غير اختيار.

مسألة 18: (ويعفى عن يسير الدم) في غير المائعات (وما تولد منه من القيح والصديد) لأنه لا يمكن التحرز منه، فإن الغالب أن الإنسان لا يخلو من حكة أو بثرة. وروي عن جماعة من الصحابة الصلاة مع يسير الدم ولم يعرف لهم مخالف، (وحد اليسير هو ما لا يفحش في النفس) ، لقول ابن عباس - قال الخلال: الذي استقر عليه قوله -: إن الفاحش ما يستفحشه كل إنسان في نفسه.

مسألة 19: (ومني الآدمي) طاهر، لأن «عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كانت تفرك المني من ثوب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَمتفق عليه، ولأنه بدء خلق الآدمي أشبه الطين، وعنه أنه نجس ويعفى عن يسيره كالدم، لأن «عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كانت تغسله من ثوب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (رواه البخاري) حديث صحيح، وعنه لا يعفى عن يسيره لأنه يمكن التحرز منه.

مسألة 20: (وبول ما يؤكل لحمه طاهر) لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر العرنيين أن يشربوا من أبوال إبل الصدقة وألبانها، ولو كان نجساً ما أمرهم به» . متفق عليه، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلوا في مرابض الغنم» (رواه الترمذي) ولا تخلو من أبعارها، ولم يكن لهم مصليات، فدل على طهارته. قال الترمذي: حديث حسن.

(1/18)


باب الآنية (21) لا يجوز استعمال آنية الذهب والفضة في طهارة ولا غيرها، لما روى حذيفة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة»
(22) وحكم المضبب بهما حكمهما إلا أن تكون الضبة يسيرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
فإن قيل: إنما أذن في شرب أبوال الإبل للتداوي.
قلنا: لا يصح ذلك لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الله لم يجعل فيما حرم عليكم شفاء» رواه أحمد في كتاب الأشربة. وفي لفظ رواه ابن أبي الدنيا في ذم المسكر: «إن الله لم يجعل في حرام شفاء» وعنه أنه نجس، لأنه رجيع من حيوان أشبه بول ما لا يؤكل لحمه، وحكم الروث والمني حكم البول قياساً عليه.

[باب الآنية]
مسألة 21: (لا يجوز استعمال آنية الذهب والفضة في طهارة ولا غيرها، لما روى حذيفة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة» وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الذي يشرب في آنية الذهب والفضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم» متفق عليهما، توعد عليه بالنار فدل على تحريمه، ولأن فيه سرفاً وخيلاء وكسر قلوب الفقراء.

مسألة 22: (وحكم المضبب بهما حكمهما) ، لأنه إذا استعمله فقد استعملهما (إلا أن تكون الضبة يسيرة من الفضة) كتشعب القدح فلا بأس بها إذا لم يباشرها بالاستعمال، لما روي أن «قدح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة» رواه

(1/19)


من الفضة
(23) ويجوز استعمال سائر الآنية الطاهرة واتخاذها
(24) واستعمال أواني
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
البخاري. واشترط أبو الخطاب أن يكون لحاجة، لأن الرخصة وردت في شعب القدح وهو لحاجة. وقال القاضي: يباح من غير حاجة لأنه يسير.

مسألة 23: (ويجوز استعمال سائر الآنية الطاهرة واتخاذها) ولو كانت ثمينة مثل الياقوت والبلور والعقيق، وغير ثمينة كالخزف والخشب والصفر والجلود، لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ من تور من صفر، وتور من حجارة، ومن قربة وإداوة، واغتسل من جفنة» - روى البخاري «من تور الصفر» - وإنما جاز استعمال الثمين لأنه ليس فيه كسر قلوب الفقراء لأنه لا يعرفه إلا خواص الناس.

مسألة 24: (ويجوز استعمال أواني أهل الكتاب وثيابهم ما لم تعلم نجاستها) وهم قسمان:
من لا يستحل الميتة كاليهود فأوانيهم طاهرة لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أضافه يهودي بخبز وإهالة سنخة» ، أخرجه الإمام أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الزهد، وتوضأ عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من جرة نصرانية.
والثاني: من يستحل الميتات كعباد الأصنام والمجوس وبعض النصارى، فما لم يستعملوه من آنيتهم فهو طاهر، وما استعملوه فهو نجس، لما روى «أبو ثعلبة الخشني قال: قلت: يا رسول الله إنا بأرض قوم من أهل الكتاب أفنأكل في آنيتهم؟ قال: "لا تأكلوا فيها، إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها ثم كلوا فيها» متفق عليه، وما شك في استعمال فهو طاهر، لأن الأصل طهارته. وذكر أبو الخطاب أن أواني الكفار طاهرة كذلك.
وفي كراهية استعمالها روايتان: إحداهما: يكره لهذا الحديث، والثانية: لا يكره لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكل فيها.
فأما ثيابهم فما لم يلبسوا أو علا من ثيابهم كالعمامة والطيلسان فهو طاهر، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه كانوا يلبسون ثياباً من نسج الكفار، وما لاقى عوراتهم فقال الإمام أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أحب إلي أن يعيد إذا صلى فيها، فيحتمل وجوب الإعادة وهو قول القاضي لأنهم يتعبدون بالنجاسة، ويحتمل أن لا يجب وهو قول أبي الخطاب، لأن الأصل الطهارة فلا تزول عنها بالشك. وعنه أن من لا تحل ذبيحتهم لا يستعمل ما استعملوه من آنيتهم إلا

(1/20)


أهل الكتاب وثيابهم ما لم تعلم نجاستها
(25) وصوف الميتة وشعرها طاهر
(26) وكل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
بعد غسلها لحديث أبي ثعلبة، لأنه يدل على غسل آنية من لا تحل ذبيحته لكونه أمر بغسل آنية أهل الكتاب وإن كانت ذبائحهم حلالاً.

مسألة 25: (وصوف الميتة وشعرها طاهر) لأنه لا روح فيه ولا يحله الموت فلا ينجس بالموت كالبيض إذا كان في الدجاجة، ودليل أنه لا روح فيه أنه لا يحس ولا يألم ولأنه لو انفصل حال الحياة كان طاهراً ولو كانت فيه حياة لتنجس بذلك؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أبين من حي فهو ميت» رواه الترمذي بمعناه وقال: حديث حسن غريب. والنمو لا يدل على الحياة بدليل الحشيش والبيض.

مسألة 26: (وكل جلد ميتة دبغ أو لم يدبغ فهو نجس) لما روى أحمد في مسنده بإسناده عن عبد الله بن عكيم أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب إلى جهينة: «كنت رخصت لكم في جلود الميتة، فإذا أتاكم كتابي هذا فلا تنتفعوا منها بإهاب ولا عصب» (رواه الترمذي) قال الإمام أحمد: إسناده جيد يرويه يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، قال الترمذي: سمعت أحمد بن الحسن يقول: كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا الحديث لما ذكر فيه قبل وفاته بشهرين وكان يقول: هذا آخر أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم ترك أحمد هذا الحديث لما اضطربوا في إسناده حيث روى بعضهم فقال: عن عبد الله بن عكيم عن أشياخ من جهينة. ولأنه جزء من الميتة فلم يطهر بالدباغ كاللحم. وعنه يطهر منها جلد ما كان طاهراً حال الحياة، لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجد شاة ميتة فقال: "هلا انتفعتم بجلدها" قالوا: إنها ميتة قال: "إنما حرم أكلها» (رواه مسلم) وفي لفظ: «ألا أخذوا

(1/21)


جلد ميتة دبغ أو لم يدبغ فهو نجس
(27) وكذلك عظامها
(28) وكل ميتة نجسة إلا الآدمي
(29) وحيوان الماء الذي لا يعيش إلا فيه «لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في البحر: هو الطهور ماؤه الحل ميتته»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
إهابها فدبغوه فانتفعوا به» رواه مسلم، وفي حديث ابن عباس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر» (رواه مسلم) .

مسألة 27: (وكذلك عظامها) ، لأن ذلك من أجزائها فيدخل في عموم قوله سبحانه: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] .

مسألة 28: (وكل ميتة نجسة) لقوله سبحانه: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] (إلا الآدمي) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لأبي هريرة: «سبحان الله، إن المؤمن لا ينجس» متفق عليه، ولم يفرق بين الحياة والموت، ولأنه لو نجس بالموت لم يجب غسله، لأنه يكون تكثيراً للنجاسة. وعنه ما يدل على نجاسته بالموت، لأنه حيوان له نفس سائلة أشبه سائر الحيوانات.

مسألة 29: (وحيوان الماء الذي لا يعيش إلا فيه) طاهر إذا مات حلال الأكل «لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في البحر: هو الطهور ماؤه الحل ميتته» قال الترمذي: حديث حسن

(1/22)


(30) وما لا نفس له سائلة إذا لم يكن متولداً من النجاسات
باب قضاء الحاجة (31) يستحب لمن أراد دخول الخلاء أن يقول: بسم الله أعوذ بالله من الخبث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
صحيح، وقال الله سبحانه: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ} [المائدة: 96] وحل الأكل يدل على الطهارة، لأن النجس لا يحل أكله.

مسألة 30: (وما لا نفس له سائلة) إذا مات فهو طاهر (إذا لم يكن متولداً من النجاسات) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليمقله - أي يغمسه - ثلاث مرات ثم ليطرحه فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء وأنه يتقي بالذي فيه الداء» (رواه البخاري) قال ابن المنذر: ثبت أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال ذلك، ولولا أنه طاهر بعد موته لما أمر بمقله ثلاثاً؛ لأن الظاهر أنه يموت بذلك فيتنجس الطعام فيكون أمراً بإفساده، ولأنه لا نفس له سائلة أشبه دود الخل فإنه لا ينجس المائع الذي تولد منه إجماعاً، وأما ما تولد من النجاسات فينجس لأن أصله نجس.

[باب قضاء الحاجة]
مسألة 31: (يستحب لمن أراد دخول الخلاء أن يقول: بسم الله) لما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول: بسم الله» رواه ابن ماجه. ويقول أيضاً ما روى أنس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا دخل الخلاء قال: «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» متفق عليهما، ويقول ما روى

(1/23)


والخبائث ومن الرجس الشيطان الرجيم،
(32) وإذا خرج قال: غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني
(33) ويقدم رجله اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج
(34) ولا يدخله بشيء فيه ذكر الله تعالى إلا من حاجة
(35) ويعتمد في جلوسه على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
أبو أمامة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «لا يعجز أحدكم أن يقول إذا دخل مرفقه: اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم» رواه ابن ماجه. قال أبو عبيد: الخبث بسكون الباء: الشر، والخبائث: الشياطين. وقيل: الخبث بضم الباء، والخبائث: ذكور الشياطين وإناثهم.

مسألة 32: (وإذا خرج قال: غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني) لما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك» رواه أبو داود والترمذي، ولما روى أنس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول ذلك إذا خرج. أخرجه ابن ماجه.

مسألة 33: (ويقدم رجله اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج) ، لأن اليسرى للأذى واليمنى لما سواه.

مسألة 34: (ولا يدخله بشيء فيه اسم الله تعالى إلا من حاجة) تنزيهاً له، وقد روى أنس قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا دخل الخلاء وضع خاتمه» ، رواه أبو داود، وقال: هذا حديث منكر، وقيل: إنما وضع خاتمه، لأن فيه: " محمد رسول الله" فإن أدار فصه إلى باطن كفه فلا بأس، فإن احتاج إلى ذلك دخل به وستره، لأنها حالة ضرورة.

مسألة 35: (ويعتمد في جلوسه على رجله اليسرى) ، لأنه أسهل لخروج الخارج

(1/24)


رجله اليسرى
(36) وإن كان في الفضاء أبعد واستتر
(37) ويرتاد لبوله موضعاً رخواً
(38) ولا يبول في ثقب ولا شق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
وروى سراقة بن مالك قال: «علمنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أتينا الخلاء أن نتوكأ على اليسرى» ، رواه الطبراني في معجمه.

مسألة 36: (وإن كان في الفضاء أبعد واستتر) لما روى المغيرة قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا ذهب أبعد» ، رواه أبو داود، وعن جابر قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أراد الخلاء - يعني البراز - انطلق حتى لا يراه أحد» ، رواه أبو داود، وفي مسلم عن المغيرة قال: «كنت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأتى حاجته فأبعد في المذهب حتى توارى عني» ، ويستتر لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أتى الغائط فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيباً من رمل فليستدبره» وفي حديث: «خرج ومعه درقة فاستتر بها ثم بال» ، رواهما أبو داود.

مسألة 37: (ويرتاد لبوله موضعاً رخواً) لكيلا يترشش عليه منه، قال أبو موسى: «كنت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأراد أن يبول فأتى دمثاً في أصل جدار فبال ثم (قال) : "إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله» رواه أبو داود.

مسألة 38: (ولا يبول في ثقب ولا شق) لما روى أبو داود عن عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن يبال في الجحر» ، قيل لقتادة: وما يكره من البول في الجحر؟ قال: يقال: إنها مساكن الجن، ولا يؤمن أن يخرج منه حيوان فيلسعه، أو يكون مسكناً للجن فيؤذيهم بذلك فيؤذونه.

(1/25)


(39) ولا طريق ولا ظل نافع ولا تحت شجرة مثمرة
(40) ولا يستقبل شمساً ولا قمراً ولا يستقبل القبلة (41) ولا يستدبرها لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 39: (ولا يبول في طريق ولا ظل نافع ولا تحت شجرة مثمرة) ، لأنه يؤذي الناس بذلك، وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اتقوا اللاعنين، قالوا: وما اللاعنان؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم» أخرجه مسلم.

مسألة 40: (ولا يستقبل شمساً ولا قمراً) تكريماً لهما، (ولا يستقبل القبلة) في الفضاء، لما روى أبو أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره، شرقوا أو غربوا» قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا فيها مراحيض قد بنيت نحو القبلة، فننحرف عنها ونستغفر الله عز وجل، متفق عليه، ولمسلم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا جلس أحدكم إلى حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها» ".
1 -
مسألة 41: وفي استدبارها في الفضاء روايتان: إحداهما لا يجوز للخبر، والأخرى: يجوز، لما روى «ابن عمر قال: رقيت يوماً على بيت حفصة فرأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة» ، متفق عليه.
1 -
مسألة 42: وفي استقبالها في البنيان روايتان: إحداهما: لا يجوز لعموم النهي، والأخرى: يجوز لما روى عراك عن عائشة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر له أن قوماً يكرهون استقبال القبلة بفروجهم قال: أقد فعلوها؟ استقبلوا بمقعدي القبلة» ، قال الإمام أحمد: أحسن ما روي في الرخصة حديث عائشة وإن كان مرسلاً فإن مخرجه حسن، وسماه مرسلاً لأن عراكاً لم يسمع من عائشة. وعن مروان الأصغر قال: رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة ثم جلس فبال إليها. فقلت: يا أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن

(1/26)


ويجوز ذلك في البنيان (43) وإذا انقطع البول مسح من أصل ذكره إلى رأسه ثم ينتره ثلاثاً
(44) ولا يمس ذكره بيمينه، ولا يستجمر بها
(45) ثم يستجمر وتراً
(46) ثم يستنجي بالماء
(47) فإن اقتصر على الاستجمار أجزأه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
هذا؟ قال: إنما نهي عنه في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس، رواه أبو داود.

مسألة 43: (وإذا انقطع البول مسح من أصل ذكره إلى رأسه ثم ينتره ثلاثاً) ليخرج ما قرب من رأس الذكر ولا يخرج بعد الاستنجاء.

مسألة 44: (ولا يمس ذكره بيمينه، ولا يستجمر بها) لما روى أبو قتادة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه ولا يتمسح من الخلاء بيمينه» متفق عليه، وقالت عائشة: «كانت يمين رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لطهوره وطعامه، وكانت يده اليسرى للخلاء وما سواه من أذى» ، أخرجه أبو داود.

مسألة 45: (ثم يستجمر وتراً) ، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من استجمر فليوتر» متفق عليه، ولأبي داود «من استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج» .

مسألة 46: (ثم يستنجي بالماء) ، لأن «عائشة قالت: مرن أزواجكن أن يتبعوا الحجارة الماء من أثر الغائط والبول، فإني أستحيهم، وإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفعله» ، قال الترمذي: حديث صحيح.

مسألة 47: (فإن اقتصر على الاستجمار أجزأه) إذا أنقى وأكمل العدد، لقوله

(1/27)


(48) وإنما يجزئ الاستجمار إذا لم يتعد الخارج موضع الحاجة
(49) ولا يجزئ أقل من ثلاث مسحات منقية
(50) ويجوز الاستجمار بكل طاهر
(51) ويكون منقياً
(52) إلا الروث والعظام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه» رواه أبو داود.

مسألة 48: (وإنما يجزئ الاستجمار إذا لم يتعد الخارج موضع الحاجة) مثل أن يتعدى إلى الصفحتين ومعظم الحشفة فلا يجزئ إلا الماء، لأن ذلك نادر فلم يجزئ فيه المسح كيده.

مسألة 49: (ولا يجزئ أقل من ثلاث مسحات منقية) إما بحجر ذي شعب ثلاث أو بثلاثة أحجار، لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بثلاثة أحجار وقال: "فإنها تجزئ عنه» أخرجه أبو داود، وقال: «لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار» رواه مسلم، فإن لم ينق بثلاث مسحات زاد حتى ينقي، والإنقاء أن يخرج الأخير ليس عليه بلة.

مسألة 50: (ويجوز الاستجمار بكل طاهر) ، لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ألقى الروثة وقال: "إنها ركس» رواه البخاري.

مسألة 51: (ويكون منقياً) لأنه المقصود من الاستجمار، فلا يجزئ الزجاج والفحم الرخو لأنه لا ينقي.

مسألة 52: (إلا الروث والعظام) لما روى ابن مسعود أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن» رواه الترمذي.

(1/28)


(53) وما له حرمة
باب الوضوء (54) لا يصح الوضوء ولا غيره من العبادات إلا أن ينويه، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»
(55) ثم يقول: بسم الله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 53: (وما له حرمة) يعني لا يستنجى بما له حرمة كالطعام، لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الاستجمار بالروث والرمة» وعلل ذلك بكونه زاد إخواننا من الجن أن لا تفسده عليهم، فزادنا أولى أن لا يجوز الاستجمار به، فإن حرمة بني آدم أعظم فحرمة زادهم أكثر، وكذلك الورق المكتوب وما يتصل بحيوان كيده وذنبه وصوفه المتصل به، لأن له حرمة أشبه الطعام

[باب الوضوء]
مسألة 54: (لا يصح الوضوء ولا غيره من العبادات إلا أن ينويه، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

مسألة 55: (ثم يقول: بسم الله) وهي سنة وليست واجبة، لما روى سعيد في سننه عن مكحول أنه قال: إذا تطهر الرجل وذكر اسم الله تعالى طهر جسده كله، وإذا لم يذكر اسم الله حين يتوضأ لم يطهر فيه إلا مكان الوضوء، ونحوه عن الحسن بن عمار، ولأن الوضوء عبادة فلا تجب فيه التسمية كسائر العبادات، أو طهارة فلا تجب فيها التسمية كالطهارة من النجاسة، وعنه أنها واجبة مع الذكر لما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» رواه أبو داود والترمذي، إلا أن الإمام أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: ليس يثبت في هذا حديث ولا أعلم فيه حديثاً له إسناد جيد.

(1/29)


(56) ويغسل كفيه ثلاثاً
(57) ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثاً يجمع بينها بغرفة واحدة أو ثلاث
(58) ثم يغسل وجهه ثلاثاً من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 56: (ويغسل كفيه ثلاثاً) وذلك سنة، لأن عثمان وصف وضوء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «فأفرغ على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مرات» ، متفق عليه، ولأن اليدين آلة نقل الماء إلى الأعضاء ففي غسلهما احتياط لجميع الوضوء.

مسألة 57: (ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثاً يجمع بينها بغرفة واحدة أو ثلاث) لما روى عبد الله بن زيد أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تمضمض واستنشق ثلاثاً بثلاث غرفات» متفق عليه، وروى البخاري أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تمضمض واستنثر ثلاثاً ثلاثا من غرفة واحدة» ، وإن أفرد لكل عضو ثلاث غرفات جاز، لأن الكيفية في الغسل غير واجبة.
والمضمضة والاستنشاق واجبان في الطهارتين الصغرى والكبرى، لأن غسل الوجه فيهما واجب بغير خلاف، وهما من الوجه ظاهراً [بدليل أحكام خمسة] يفطر الصائم بوصول القيء إليهما إذا استدعاه، ولا يفطر بوضع الطعام فيهما، ولا يحد بوضع الخمر فيهما، ولا تنشر حرمة الرضاع بوصول اللبن إليهما، ويجب غسلهما من النجاسة، وهذه أحكام الظاهر، ولو كانا باطنين لانعكست هذه الأحكام.
وعنه أن الاستنشاق وحده واجب لأن فيه أحاديث صحاحاً تخصه، منها قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من توضأ فليستنثر» وفي رواية لأبي داود: «فليجعل في أنفه ماء ثم ليستنثر» متفق عليهما، ولمسلم: «من توضأ فليستنشق» وفي رواية لأبي داود عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثاً» وهذا أمر يقتضي الوجوب.
وعنه أنهما واجبان في الكبرى دون الصغرى، لأن الكبرى يجب فيها غسل كل ما أمكن غسله من الجسد كبواطن الشعور الكثيفة ولم يمسح فيها [في الكبرى] على الحوائل فوجبا فيها بخلاف الصغرى.

مسألة 58: (ثم يغسل وجهه ثلاثاً من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين

(1/30)


والذقن طولاً، ومن الأذن إلى الأذن عرضاً
(59) ويخلل لحيته إن كانت كثيفة وإن كانت تصف البشرة لزمه غسلها
(60) ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً، ويدخلهما في الغسل
(61) ثم يمسح رأسه مع الأذنين، يبدأ بيديه من مقدمه ثم يمرهما إلى قفاه ثم يردهما إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
والذقن طولاً، ومن الأذن إلى الأذن عرضاً) لما روي عن علي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ ثلاثاً ثلاثاً» ، قال الترمذي: حديث علي أحسن شيء في هذا الباب وأصح، وفي رواية ابن ماجه «توضأ ثلاثاً ثلاثاً وقال: ["هذا وضوء الأنبياء من قبلي» وفي حديث عثمان «أنه توضأ ثلاثاً ثلاثاً وقال] : "من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام وركع ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه» رواه مسلم، وقوله: من منابت شعر الرأس أي في حق غالب الناس ولا يعتبر كل أحد في نفسه، بل لو كان أصلع غسل إلى حد منابت الشعر في الغالب، والأقرع الذي ينزل شعره في وجهه يغسل منه الذي ينزل عن حد الغالب.

مسألة 59: (ويخلل لحيته) كالشوارب (إن كانت كثيفة) ، لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخلل لحيته» (وإن كانت تصف البشرة لزمه غسلها) ، لأنها إذا كانت تصف البشرة حصلت المواجهة بالبشرة فوجب غسلها وغسل الشعر الذي فيها تبعاً لها، وإن كانت لا تصف البشرة حصلت المواجهة بها فأجزأ غسلها من غسل البشرة.

مسألة 60: (ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً، ويدخل المرفقين في الغسل) ، لقوله سبحانه: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] ويجب غسل المرفقين، لأن «جابراً قال: كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا توضأ أمر الماء على مرفقيه» ، وهذا يصلح بياناً للآية.

مسألة 61: (ثم يمسح رأسه مع الأذنين) ، لقوله: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] وروى

(1/31)


مقدمه
(62) ثم يغسل رجليه إلى الكعبين ثلاثاً ويدخلهما في الغسل
(63) ويخلل أصابعهما
(64) ثم يرفع نظره إلى السماء فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
(65) والواجب من ذلك النية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
عبد الله بن زيد في صفة وضوء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «فمسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان، الذي بدأ منه» متفق عليه، والباء في قوله: {بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] للإلصاق، فكأنه قال: وامسحوا رءوسكم كقوله: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] قال ابن برهان: من زعم أن الباء للتبعيض فقد جاء أهل اللغة بما لا يعرفونه، وقوله: (مع الأذنين) أي أنهما من الرأس يمسحان معه، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «والأذنان من الرأس» رواه أبو داود، وروت الربيع «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح برأسه وصدغيه وأذنيه مسحة واحدة» ، رواه الترمذي وصححه.

مسألة 62: (ثم يغسل رجليه إلى الكعبين ثلاثاً) لقوله سبحانه: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] «وتوضأ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فغسل رجليه» متفق عليه، وفعله مفسر لمحمل الآية، ورأى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقواماً يتوضئون وأعقابهم تلوح فقال: «ويل للأعقاب من النار» رواه مسلم.

مسألة 63: (ويخلل أصابعهما) لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للقيط بن صبرة: «أسبغ الوضوء وخلل الأصابع» وهو حديث صحيح رواه الترمذي.

مسألة 64: (ثم يرفع نظره إلى السماء) إذا فرغ من وضوئه ثم يقول ما روى عمر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فتح الله له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء» رواه مسلم.

مسألة 65: (والواجب من ذلك النية) وهي شرط لطهارة الأحداث كلها لما روي عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إنما الأعمال بالنيات

(1/32)


(66) والغسل مرة مرة ما خلا الكفين
(67) ومسح الرأس كله
(68) وترتيب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
وإنما لكل امرئ ما نوى» متفق عليه، ولأنها عبادة فلا تصح بغير نية كالصلاة، ولأنها طهارة للصلاة فاعتبرت لها النية كالتيمم.

مسألة 66: (والغسل مرة مرة) [يعني الغسل الواجب مرة مرة] لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ مرة مرة وقال: "هذا وضوء من لم يتوضأ به لم يقبل الله منه صلاة" ثم توضأ مرتين مرتين وقال: "وهذا وضوء، من توضأه أعطاه الله كفلين من الأجر "ثم توضأ ثلاثاً ثلاثاً وقال: "وهذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلي» أخرجه ابن ماجه.
وقوله: (ما خلا الكفين) يعني أن غسلهما غير واجب، وقد ذكرنا ذلك في السنن.

مسألة 67: (ومسح الرأس كله) [فرض] لحديث عبد الله بن زيد وقد سبق، وعنه يجزئ مسح بعضه، ونقل عن سلمة بن الأكوع أنه كان يمسح مقدم رأسه، وابن عمر مسح اليافوخ، ودليله ما روى المغيرة بن شعبة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح بناصيته و [كمل المسح على] عمامته» ، ولأن من مسح بعض رأسه يقال مسح برأسه كما يقال: مسح برأس اليتيم، وقيل رأسه.
واختلف أصحابنا في قدر البعض المجزئ، قال القاضي: قدر الناصية لحديث المغيرة.
وحكى أبو الخطاب عن أحمد لا يجزئ إلا مسح أكثره لأن الأكثر يطلق عليه اسم الشيء الكامل.

مسألة 68: (وترتيب الوضوء على ما ذكرنا) لأن الله سبحانه أمر بغسل الأعضاء وذكر فيها [أي الأعضاء] ما يدل على الترتيب، فإنه أدخل ممسوحاً بين مغسولين، والعرب لا تقطع النظير عن نظيره إلا لفائدة، والفائدة هاهنا الترتيب، وسيقت الآية لبيان الواجب فيكون واجباً، ولهذا لم يذكر فيها شيئاً من السنن، ولأنه متى اقتضى اللفظ الترتيب كان مأموراً به والأمر يقتضي الوجوب، وكل من حكى وضوء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حكاه

(1/33)


الوضوء على ما ذكرنا
(69) ولا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله
(70) والمسنون
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مرتباً، وهو مفسر لما في كتاب الله تعالى، وتوضأ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرتباً وقال: «هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به» أي بمثله.

مسألة 69: (ولا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله) وذلك هو الموالاة وفيها روايتان: إحداهما ليست واجبة؛ لأن المأمور به الغسل وقد أتى به، والثانية هي واجبة لأن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - روى «أن رجلاً ترك موضع ظفر من قدمه فأبصره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "ارجع فأحسن وضوءك" فرجع ثم صلى» ، رواه مسلم، وروى أبو داود والأثرم «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يعيد الوضوء والصلاة» ، وقال الأثرم: ذكر أبو عبد الله إسناد هذا الحديث، قلت له: إسناده جيد؟ قال: نعم، ولو لم تجب الموالاة أجزأه غسلها، ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والى بين الغسل، وقوله: " ولا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله "يعني في الزمان المعتدل، قال ابن عقيل: التفريق المبطل ما يفحش في العادة لأنه لم يحد في الشرع فيرجع فيه إلى العادة كالتفرق والإحراز.

مسألة 70: (والمسنون التسمية) وقد سبق بيانه، (وغسل الكفين) وقد سبق أيضاً، (والمبالغة في المضمضة والاستنشاق إلا أن يكون صائماً) وصفة المبالغة اجتذاب الماء بالنفس إلى أقصى الأنف، وفي المضمضة وهي إدارة الماء في أقصى الفم، وهو مستحب إلا أن يكون صائماً لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للقيط بن صبرة: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً» أخرجه الترمذي وقال: حديث صحيح.

(1/34)


التسمية وغسل الكفين والمبالغة في المضمضة والاستنشاق إلا أن يكون صائماً
(71) وتخليل اللحية والأصابع ومسح الأذنين
(72) وغسل الميامن قبل المياسر
(73) والغسل ثلاثاً ثلاثاً
(74) وتكره الزيادة عليها
(75) والإسراف في الماء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 71: (وتخليل اللحية والأصابع) وقد سبق، (ومسح الأذنين) مستحب أيضاً لما روى ابن عباس: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما» ، قال الترمذي: حديث صحيح.

مسألة 72: (وغسل الميامن قبل المياسر) لقول عائشة: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحب التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله» ، متفق عليه، وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا توضأتم فابدأوا بميامنكم» رواه أبو داود وابن ماجه، وحكى علي وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «وضوء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فبدأ باليمنى قبل اليسرى» ، رواهما أبو داود.

مسألة 73: (والغسل ثلاثاً ثلاثاً) لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ ثلاثاً ثلاثاً ثم قال: "هذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلي» أخرجه ابن ماجه.

مسألة 74: (وتكره الزيادة عليها) لما في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «جاء أعرابي إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسأله عن الوضوء فأراه ثلاثاً ثلاثاً ثم قال: "هذا الوضوء، فمن زاد على هذا فقد أساء وظلم» أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه.

مسألة 75: (ويكره الإسراف في الماء) لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مر على سعد وهو يتوضأ فقال: "لا تسرف" قال: يا رسول الله أفي الماء إسراف؟ قال: "نعم، وإن كنت على نهر جار» رواه ابن ماجه.

(1/35)


(76) ويسن السواك
(77) عند تغير الفم وعند القيام من النوم وعند الصلاة لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة»
(78) ويستحب في سائر الأوقات إلا للصائم بعد الزوال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 76: (ويسن السواك) في جميع الأوقات، لأن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا دخل بيته بدأ بالسواك» ، رواه مسلم، وروى أحمد في المسند أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب» رواه البخاري عن عائشة تعليقاً، وروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان كثيراً ما يولع بالسواك.

مسألة 77: ويتأكد استحبابه في ثلاثة مواضع: (عند تغير الفم) لأن الأصل استحبابه لإزالة الرائحة، (وعند القيام من النوم) لما روى حذيفة قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك، متفق عليه، يعني يغسله، يقال: شاصه وماصه إذا غسله، (وعند الصلاة لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» متفق عليه.

مسألة 78: (ويستحب في سائر الأوقات) لما سبق (إلا للصائم بعد الزوال) فلا يستحب، قال ابن عقيل: لا يختلف المذهب أنه لا يستحب للصائم السواك بعد الزوال، وهل يكره؟ على روايتين:
إحداهما: يكره لأنه يزيل خلوف فم الصائم وهو أطيب عند الله من ريح المسك، ولأنه أثر عبادة مستطاب شرعاً فكرهت إزالته كدم الشهيد.
والثانية: لا يكره لأن عامر بن ربيعة قال: «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما لا أحصي يتسوك وهو صائم» ، قال الترمذي: حديث حسن.

(1/36)


باب مسح الخفين (79) يجوز المسح على الخفين
وما أشبههما من (80) الجوارب (81) الصفيقة التي (82) تثبت في القدمين، والجراميق
التي (83) تجاوز الكعبين
في (84) الطهارة الصغرى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[باب المسح على الخفين]
مسألة 79: (يجوز المسح على الخفين) من غير خلاف لما روى جرير قال: «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بال ثم توضأ ومسح على خفيه» ، متفق عليه، قال إبراهيم: كان يعجبهم هذا لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة.

مسألة 80: (ويجوز المسح على الجوارب والجراميق) ، لما روى المغيرة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح على الجوربين والنعلين» ، أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، قال أحمد: يذكر المسح على الجوربين عن سبعة أو ثمانية من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والجرموق في معنى الخف، لأنه ملبوس ساتر للقدم يمكن متابعة المشي فيه أشبه الخف.

مسألة 81: ويشترط للجورب (أن يكون صفيقاً يستر القدم) لأنه إذا كان خفيفاً يصف القدم لم يجز المسح عليه لأنه غير ساتر فلم يجز المسح عليه كالخف المخرق. مسألة 82: ويشترط (أن يثبت في القدم) بنفسه من غير شد، فإن كان يسقط من القدم لسعته أو ثقله لم يجز المسح عليه، لأن الذي تدعو الحاجة إليه هو الذي يثبت بنفسه، ولأن الأصل في المسح هو الخف وغيره مقيس عليه، والخف يثبت بنفسه، فما لا يثبت بنفسه لا يلحق به.
مسألة 83: ويشترط في الجرموق (أن يجاوز الكعبين) لأنهما من محل الفرض، فيشترط سترهما كبقية القدم.

مسألة 84: ويختص المسح (بالطهارة الصغرى) دون الكبرى لما روى صفوان بن عسال المرادي قال: «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كنا مسافرين - أو سفراً - أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، لكن من غائط وبول ونوم» ، حديث صحيح رواه

(1/37)


(85) يوماً وليلة للمقيم، وثلاثاً للمسافر (86) من الحدث إلى مثله، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يمسح المسافر ثلاثا أيام ولياليهن، والمقيم يوماً وليلة»
(87) ومتى مسح ثم انقضت المدة أو خلع قبلها بطلت طهارته
(88) ومن مسح مسافراً ثم أقام
أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الترمذي، إلا الجبيرة فإنه يمسح عليها في الكبرى أيضاً إلى أن يحلها، لحديث صاحب الشجة، وسيأتي إن شاء الله.

مسألة 85: (ويمسح المقيم يوماً وليلة، وثلاثاً للمسافر) لما روى عوف بن مالك: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بالمسح على الخفين ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوماً وليلة للمقيم» ، قال أحمد: هذا أجود حديث في المسح لأنه في غزوة تبوك، آخر غزاة غزاها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو آخر فعله، وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «جعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للمقيم يوماً وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن» ، رواه مسلم.
1 -
مسألة 86: وابتداء مدة المسح من الحدث بعد اللبس إلى مثله، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن والمقيم يوماً وليلة» ، رواه ابن ماجه، وقوله: «يمسح المسافر» يعني يستبيح المسح، وإنما يستبيحه من حين الحدث، ولأنها عبادة مؤقتة فاعتبر أول وقتها من حين جواز فعلها كالصلاة، ومن المسح بعده لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بالمسح ثلاثة أيام فاقتضى أن تكون الثلاثة كلها يمسح فيها.

مسألة 87: (ومتى مسح ثم انقضت المدة أو خلع قبلها بطلت طهارته) لأن المسح أقيم مقام الغسل، فإذا زال بطلت الطهارة في القدمين فبطلت في جميعها، لأنها لا تتبعض، وعنه يجزيه مسح رأسه وغسل قدميه في ذلك كله لأنه زال بدل غسلهما فأجزأه المبدل كالمتيمم يجد الماء.

مسألة 88: (ومن مسح مسافراً ثم أقام أتم مسح مقيم) لأنها عبادة يختلف حكمها في الحضر والسفر، فإذا وجد أحد طرفيها في الحضر غلب حكم الحضر كالصلاة.

(1/38)


(89) مقيماً ثم سافر أتم مسح مقيم
(90) ويجوز المسح على العمامة إذا كانت ذات ذؤابة
(91) ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه
(92) ومن شرط المسح على جميع ذلك أن يلبسه على طهارة كاملة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 89: (وإن مسح مقيماً ثم سافر أتم مسح مقيم) كذلك، وعنه يتم مسح مسافر لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يمسح المسافر ثلاثة أيام» رواه أبو داود، وهذا مسافر، واختار هذه الرواية أبو بكر عبد العزيز [غلام] الخلال وقال: رجع أحمد عن قوله الأول إلى هذا.

مسألة 90: (ويجوز المسح على العمامة إذا كانت ذات ذؤابة) لما روى المغيرة قال: «توضأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومسح على الخفين والعمامة» حديث صحيح [رواه الترمذي] وعن عمرو بن أمية قال: «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمسح على عمامته وخفيه» رواهما البخاري، ويشترط أن يكون لها ذؤابة أو محنكة، لأن ما لا ذؤابة لها ولا حنك تشبه عمائم أهل الذمة، وقد نهي عن التشبه بهم فلم تستبح بها الرخصة كالخف المغصوب، وإن كانت ذات حنك ولم يكن لها ذؤابة جاز المسح عليها لأنها تفارق عمائم أهل الذمة.

مسألة 91: (ويشترط أن تكون ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه) عفي عنه للحرج.

مسألة 92: (ومن شرط المسح على جميع ذلك أن يلبسه على طهارة كاملة) لما روى المغيرة قال: «كنت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفر فأهويت لأنزع خفيه، قال: "دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين" فمسح عليهما» ، متفق عليه.

(1/39)


(93) ويجوز المسح على الجبيرة
(95) إذا لم يتعد بشدها موضع الحاجة إلى أن يحلها)
(96) والرجل والمرأة في ذلك سواء، إلا أن المرأة لا تمسح على العمامة
باب نواقض الوضوء وهي سبعة: الخارج من السبيلين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 93: (ويجوز المسح على الجبيرة) «لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الذي أصابه حجر في رأسه فشجه: "إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعمر - أو يعصب - على جرحه خرقة ويمسح عليها ويغسل سائر جسده» رواه أبو داود، وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «انكسرت إحدى زندي فأمرني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أمسح عليها» ، رواه ابن ماجه، ولأنه ملبوس يشق نزعه أشبه الخف.
1 -
مسألة 94: وفي اشتراط تقدم الطهارة لها روايتان: إحداهما: يشترط كالخف فإن لبسها على غير طهارة أو جاوز بها موضع الحاجة وخاف الضرر بنزعها تيمم لها كالجريح، والثانية: لا يشترط، لأنه مسح أجيز للضرورة فلم يشترط تقدم الطهارة له كالتيمم.

مسألة 95: (ويشترط أن لا يتجاوز بالشد موضع الحاجة) لأن المسح عليها إنما جاز للضرورة فوجب أن يتقيد الجواز بموضع الضرورة ويمسح عليها (إلى أن يحلها) لأن الحاجة تدعو إلى ذلك.

مسألة 96: (والرجل والمرأة في ذلك سواء) ، لأن ذلك ثبت رخصة وما ثبت رخصة استوى فيه الرجل والمرأة كسائر الرخص [وهذا في الخف وما في معناه والجبيرة، فأما العمامة فلا يجوز المسح عليها للمرأة، لأنها إن لبستها لغير حاجة فهي محرمة عليها لتشبهها بالرجال، والرخص لا تستباح بالمعصية، وإن احتاجت إلى لبسها فهو نادر لا يفرد بحكم، والله أعلم] .

[باب نواقض الوضوء]
(وهي سبعة: أحدها: الخارج من السبيلين) قليلاً كان أو كثيراً، وهو نوعان: معتاد

(1/40)


والخارج النجس من سائر البدن إذا فحش، وزوال العقل إلا النوم اليسير جالساً أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
كالبول والغائط فينقض بغير خلاف قاله ابن عبد البر، قال الله سبحانه: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] والثاني نادر كالدود والشعر والحصى فينقض لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للمستحاضة: «توضئي لكل صلاة» رواه أبو داود، ودمها غير معتاد ولأنه خارج من السبيلين أشبه المعتاد.
(الثاني خروج النجاسات من سائر البدن) وذلك نوعان: غائط وبول فينقض قليله وكثيره لدخوله في عموم النص [وهو من سائر البدن] المذكور، والثاني: دم وقيح فينقض كثيره [لا الصديد] لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لفاطمة: «إنه دم عرق فتوضئي لكل صلاة» رواه الترمذي، علل بكونه دم عرق وهذا كذلك، ولأنها نجاسة خارجة من البدن أشبهت الخارج من السبيل، ولا ينقض يسيره، لقول ابن عباس في الدم: إذا كان فاحشاً فعليه الإعادة، قال أحمد: عدة من الصحابة تكلموا فيه: ابن عمر عصر بثرة فخرج دم فصلى ولم يتوضأ، وابن أبي أوفى عصر دملاً، وابن عباس قال: إذا كان فاحشاً [فإنه ينقض] ، وابن المسيب أدخل أصابعه العشر أنفه فأخرجها ملطخة بالدم وهو في الصلاة، ولم يعرف لهم مخالف فكان إجماعاً.
(الثالث زوال العقل) وهو نوعان:
أحدهما: النوم لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «العينان وكاء السه، فمن نام فليتوضأ» رواه أبو داود، ولقول صفوان: لكن من بول وغائط ونوم، ولأن النوم هو مظنة الحدث فقام مقامه كسائر المظنات، ولا يخلو من أربعة أحوال: أحدها: أن يكون مضطجعاً [على شقه] أو

(1/41)


قائماً، ولمس الذكر بيده
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
متكئاً [أو مستلقيا] أو معتمداً على شيء فينقض قليله وكثيره للخبر، [وعنه في المسند: والمحتبي إذا كثر، فمفهومه أنه لا ينقض اليسير ذكرها القاضي في الوجهين] والثاني: أن يكون جالساً غير معتمد على شيء فلا ينقض قليله لما روى أنس بن مالك أن أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانوا ينتظرون العشاء فينامون قعوداً ثم يصلون ولا يتوضأون، رواه مسلم، ولأنه يشق التحرز منه وأكثر وجوده في منتظري الصلاة فعفي عنه، وإن كثر نقض لأنه لا يعلم بالخارج مع استثقاله ويمكن التحرز منه، الثالث: القائم، فيه روايتان: أولاهما: إلحاقه بحالة الجلوس لأنه في معناه، والثانية: ينقض يسيره لأنه لا يتحفظ تحفظ الجالس، الرابع: الراكع والساجد فيه روايتان: أولاهما: أنه كالمضطجع [لأن ينفرج محل الحدث فلا يتحفظ أشبه المضطجع] ، والثانية: أنه كالجالس، لأنه على [حال من] أحوال الصلاة أشبه الجالس، والمرجع في اليسير والكثير إلى العرف والعادة.
النوع الثاني: زوال العقل بجنون أو إغماء أو سكر فينقض الوضوء لأنه لما نص على النقض بالنوم نبه على نقضه بهذه الأشياء، لأنها أبلغ في إزالة العقل، ولا فرق بين الجالس وغيره والقليل والكثير، لأن صاحب هذه الأمور لا يحس بحال بخلاف النائم فإنه إذا نبه انتبه.
(الرابع لمس الذكر بيده) وفيه ثلاث روايات: إحداهن: لا ينقض لما روى قيس بن طلق عن أبيه «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن الرجل يمس فرجه وهو في الصلاة قال: " وهل هو إلا بضعة منك» رواه أبو داود [وصححه الطحاوي وغيره وضعفه الشافعي وأحمد، قال أبو زرعة: قيس لا تقوم بروايته حجة، وقيل منسوخ] ، والثانية: ينقض لما روت بسرة بنت صفوان أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من مس ذكره فليتوضأ» رواه أبو داود، قال أحمد هو

(1/42)


وأن تمس بشرته بشرة أنثى لشهوة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
حديث صحيح، وروى أبو هريرة نحوه وهو متأخر عن حديث طلق، لأن في حديث طلق أنه قدم وهم يؤسسون المسجد وأبو هريرة قدم حين فتحت خيبر فيكون ناسخاً له، وسواء مسه ببطن الكف أو بظهره، ولأن أبا هريرة روى أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينهما ستر فليتوضأ» رواه أحمد في مسنده، واليد المطلقة تتناول اليد إلى الكوع لأنه لما قال: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] في حق السارق تناول ذلك لا غير.

مسألة 97: ولا ينقض اللمس بالذراع لأنه ليس من اليد، الرواية الثالثة إن قصد إلى مسه نقض، ولا ينقض من غير قصد لأنه لمس فلم ينقض من غير قصد كلمس النساء.
(الخامس أن تمس بشرته بشرة أنثى) وفيه ثلاث روايات: إحداهن: ينقض بكل حال لقوله سبحانه: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] والثانية: لا ينقض بحال لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل عائشة ثم صلى ولم يتوضأ» ، رواه أبو داود، و [قال: هو مرسل] لأنه يرويه إبراهيم النخعي عن عائشة ولم يسمع منها، وقالت عائشة: «فقدت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فجعلت أطلبه فوقعت يدي على قدميه وهو ساجد» ، رواه مسلم، ولو بطل وضوؤه لفسدت صلاته، والرواية الثالثة: وهي ظاهر المذهب أنه ينقض إذا كان (لشهوة) ولا ينقض لغير شهوة جمعاً بين الآية والخبر، ولأن اللمس ليس بحدث إنما هو داع إلى الحدث فاعتبرت الحالة التي يدعو فيها إلى الحدث كالنوم ولا فرق [في اللمس] بين الصغيرة والكبيرة وذات المحرم وغيرها لعموم الدليل فيه.

(1/43)


والردة عن الإسلام، وأكل لحم الجزور، لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قيل له: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم توضأوا منها، قيل: أفنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ
(98) ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث، أو تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو على ما تيقن منهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
(السادس الردة عن الإسلام) وهو أن ينطق بكلمة الكفر أو يعتقدها أو يشك شكاً يخرجه عن الإسلام فينتقض وضوؤه لقول الله عز وجل: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] والطهارة عمل، ولأن الردة حدث لقول ابن عباس: الحدث حدثان وأشدهما حدث اللسان، فيدخل في عموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» متفق عليه، ولأنها طهارة عن حدث فأبطلتها الردة كالتيمم.
(السابع أكل لحم الجزور) لما روى جابر بن سمرة «أن رجلاً سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ. قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم توضأ من لحوم الإبل» رواه مسلم، قال أحمد: حديثان صحيحان عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديث البراء بن عازب وحديث جابر بن سمرة.

مسألة 98: (ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث، أو تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو على ما تيقن منهما) لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه هل خرج منه شيء أم لم يخرج فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً» متفق عليه، ولأن اليقين لا يزول بالشك.

(1/44)


باب الغسل من الجنابة (99) والموجب له خروج المني وهو الماء الدافق
(100) والتقاء الختانين
(101) والواجب فيه النية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[باب الغسل من الجنابة]
مسألة 99: (والموجب له خروج المني الدافق) بلذة، لأن أم سليم قالت: «يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "نعم، إذا رأت الماء» متفق عليه.

مسألة 100: (والتقاء الختانين) ، وهو تغييب الحشفة في الفرج [قبلا كان أو دبرا، من آدمي أو بهيمة، حي أو ميت] وإن عري عن الإنزال{ قلت المدون طبعا هذه فروض جدلية ساقطة في دين الله لأن من يبحث عن التطهر من الجنابة احري به ان يطهر اخلاقه } ثم يقول الشارح لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس الختان الختان وجب الغسل» رواه مسلم، وختان الرجل الجلدة التي تبقى بعد القطع، وختان المرأة جلدة [كعرف الديك] في أعلى الفرج يقطع منها في الختان، فإذا غابت الحشفة في الفرج تحاذى ختاناهما فيقال التقيا وإن لم يتماسا، وغير ذلك مقيس عليه لأنه فرج أشبه قبل المرأة.

مسألة 101: (والواجب فيه النية، وتعميم بدنه بالغسل مع المضمضة والاستنشاق)
واعلم أن الغسل ضربان: كمال، وإجزاء، فالكمال أن يتوضأ [كما يتوضأ] للصلاة، ثم يغتسل، وقد دل عليه حديث عائشة وميمونة، فروت عائشة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه ثلاثاً، وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يخلل شعره بيده حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده» ، وقالت ميمونة: «وضع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وضوء الجنابة فأفرغ على يديه فغسلهما مرتين أو ثلاثاً، ثم أفرغ بيمينه على شماله فغسل مذاكيره، ثم ضرب يده بالأرض - أو الحائط - مرتين أو

، (102) وتعميم بدنه بالغسل مع المضمضة والاستنشاق
(103) وتسن التسمية ويدلك بدنه بيده، ويفعل كما «روت ميمونة قالت: سترت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاغتسل من الجنابة، فبدأ فغسل يديه، ثم صب بيمينه على شماله فغسل فرجه وما أصابه ثم ضرب بيده على الحائط والأرض، ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفاض الماء على بدنه، ثم تنحى فغسل رجليه»
(104) ولا يجب نقض الشعر في غسل الجنابة إذا روى أصوله
(105) وإذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
ثلاثاً، ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه وذراعيه ثم أفاض الماء على رأسه، ثم غسل سائر جسده، فأتيته بالمنديل فلم يردها وجعل ينفض الماء بيديه» ، متفق عليهما.
1 -
مسألة 102: وأما صفة الإجزاء فهو أن يعم بدنه بالماء في الغسل، وينوي به الغسل والوضوء، ويتمضمض ويستنشق، لأن ذلك هو المأمور به بقوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وقوله: {حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43] .

مسألة 103: (وتسن التسمية) لما سبق في الوضوء (وأن يدلك بدنه بيده) ليصل الماء إلى جميع بدنه.

مسألة 104: (ولا يجب نقض الشعر) ، لأن الله سبحانه وتعالى قال: {حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43] أوجب الغسل ولم يذكر نقض الشعر ولو كان واجباً لذكره، لكن يجب غسله وتروية أصوله، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تحت كل شعرة جنابة، فاغسلوا الشعر وأنقوا البشرة» رواه الترمذي.

مسألة 105: (وإذا نوى بغسله الطهارتين أجزأ عنهما) لأنهما عبادتان من جنس
نوى بغسله الطهارتين أجزأ عنهما
(106) وكذلك لو تيمم للحدثين والنجاسة على بدنه أجزأ عن جميعها وإن نوى بعضها فليس له إلا ما نوى بهما وجهه وكفيه
باب التيمم وصفته أن يضرب بيديه على الصعيد الطيب ضربة واحدة فيمسح بهما وجهه وكفيه، «لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمار: إنما كان يكفيك هكذا" وضرب بيديه الأرض فمسح وجهه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
فتدخل الصغرى في الكبرى كالعمرة مع الحج، وهو صفة الإجزاء لما سبق، وعنه لا يجزئ الغسل عن الوضوء، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل ذلك، ولأن الجنابة والحدث وجدا منه فوجبت لهما الطهارتان كما لو كانا متفرقين.

مسألة 106: (وكذلك لو تيمم للحدثين والنجاسة على بدنه أجزأ عن جميعها) لما سبق، (وإن نوى بعضها فليس له إلا ما نوى) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس للمرء من عمله إلا ما نوى» رواه البخاري.

[باب التيمم]
(وصفته أن يضرب بيديه على الصعيد الطيب ضربة واحدة فيمسح بهما وجهه وكفيه، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث عمار: «إنما كان يكفيك هكذا" وضرب بيديه الأرض فمسح بهما وجهه وكفيه» متفق عليه، وقال القاضي: المسنون ضربتان يمسح بإحداهما وجهه وبالأخرى يديه إلى المرفقين، لما روى ابن الصمة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «التيمم ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين» رواه مالك، ولنا ما سبق، وأما حديث ابن الصمة ففي الصحيح: «مسح وجهه ويديه» رواه البخاري، فيكون حجة لنا، لأن اليد عند إطلاق الشرع تتناول اليد إلى الكوع بدليل قوله سبحانه: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً} [المائدة: 38] الآية، وذكر الضربتين فيه فلم يصح، قال أحمد: من قال ضربتين فإنما هو شيء زاده.

(1/47)


وكفيه»
(107) وإن تيمم بأكثر من ضربة أو مسح أكثر جاز
(108) وله شروط أربعة: أحدها: العجز عن استعمال الماء، إما لعدمه أو لخوف الضرر من استعمال لمرض أو برد شديد)
(109) أو لخوف العطش على نفسه أو رفيقه أو بهيمته، أو خوف على نفسه أو ماله في طلبه
(110) أو تعذر إلا بثمن كثير
(111) فإن أمكنه استعماله في بعض بدنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 107: (وإن تيمم بأكثر من ضربة أو مسح أكثر جاز) ، لحديث ابن الصمة فإنه دل على جواز التيمم بضربتين، وحديث عمار يدل على الإجزاء بضربة، ولا تنافي بينهما، ولأن الله سبحانه قال: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] ولم يذكر عدداً، ومن ضرب ضربتين أو مسح أكثر من اليد [إلى الكوع] فقد وفى بموجب النص.

مسألة 108: (وله شروط أربعة: أحدها: العجز عن استعمال الماء، إما لعدمه) لقوله سبحانه: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] (أو لخوف الضرر من استعماله لمرض أو برد شديد) أو جرح، لقوله سبحانه: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء: 43] الآية «ولحديث عمرو: احتلمت في ليلة باردة فخشيت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت وصليت بأصحابي، وعلم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك فلم يأمره بالإعادة» ، رواه أبو داود.

مسألة 109: (أو لخوف العطش على نفسه) حكاه ابن المنذر إجماعاً (أو لخوفه على رفيقه أو بهيمته، أو خوف على نفسه أو ماله في طلبه) ، لأنه خائف الضرر باستعماله فجاز له التيمم لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ضرر ولا ضرار» رواه ابن ماجه.

مسألة 110: (أو تعذر إلا بثمن كثير) يزيد على ثمن المثل، أو لمن يعجز عن أدائه كذلك.

مسألة 111: (فإن أمكنه استعماله في بعض بدنه) ولم يمكن في بعضه كالمجروح استعمله وتيمم للباقي لأنه خائف على نفسه أشبه المريض.

(1/48)


(112) أو وجد ماء لا يكفيه لطهارته استعمله وتيمم للباقي، الثاني: دخول الوقت فلا يتيمم لفريضة قبل وقتها ولا لنافلة في وقت النهي عنها، الثالث: النية
(113) فإن تيمم لنافلة لم يصل بها فرضاً
(114) وإن تيمم لفريضة فله فعلها وفعل ما شاء من الفرائض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 112: (وإن وجد ماء لا يكفي لطهارته لزمه استعماله وتيمم للباقي) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» رواه البخاري، هذا إن كان جنباً، وإن كان محدثاً فعلى وجهين: أحدهما يلزمه استعماله كالجنب، والثاني لا يلزمه، وهذا مبني على وجوب الموالاة، وفيها روايتان، فإن قلنا بوجوبها لم يلزمه استعماله لأنه لا يفيد، وإن قلنا إنها غير واجبة لزمه، لأنها تفيد رفع الحدث عن بعض بدنه، وأما الجنابة فليس فيها موالاة لأن الأصل عدم الموالاة في الطهارتين، لأن الله أمر بالغسل فيها [لا غير] وإنما وجبت في الوضوء لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر الذي رأى في قدمه لمعة لم يصبها الماء بإعادة الوضوء والصلاة» ، أخرجه أبو داود، فبقي غسل الجنابة على الأصل.
الشرط (الثاني: دخول الوقت فلا يجوز التيمم لفرض قبل دخول وقته ولا لنافلة في وقت النهي عنها) لأنه قبل الوقت مستغن عن التيمم فلم يجز تيممه، كما لو تيمم وهو واجد الماء، ولأن التيمم إنما جاز للحاجة إلى الصلاة، وقبل الوقت هو غير محتاج إلى الصلاة، وكذلك وقت النهي.
الشرط (الثالث: النية) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما الأعمال بالنيات» رواه البخاري.

مسألة 113: (فإن تيمم لنافلة لم يصل به فرضاً) لأن التيمم لا يرفع الحدث، فلا يباح الفرض حتى ينويه لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما الأعمال بالنيات» رواه مسلم.

مسألة 114: (وإن تيمم لفريضة فله فعلها) لأنه نواها (وله فعل ما شاء من والنوافل حتى يخرج وقتها الرابع: التراب، فلا يتيمم إلا بتراب طاهر له غبار
(115) ويبطل التيمم ما يبطل طهارة الماء
(116) وخروج الوقت
(117) والقدرة على استعمال الماء
(118) وإن كان في الصلاة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الفرائض والنوافل حتى يخرج وقتها) لأنها طهارة أباحت فرضاً فأباحت سائر ما ذكرناه، أشبه الوضوء.
الشرط (الرابع: التراب، فلا يتيمم إلا بتراب طاهر) لأن الله سبحانه قال: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] قال ابن عباس: الصعيد تراب الحرث، والطيب الطاهر، ويشترط أن يكون (له غبار) لقوله سبحانه: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] و"من" للتبعيض، وما لا غبار له لا يمسح بشيء منه.

مسألة 115: (ويبطل التيمم ما يبطل طهارة الماء) لأنه بدل عنه.

مسألة 116: (ويبطل بخروج الوقت) ، لأنها طهارة ضرورة فتقدر بقدر الضرورة، وقدر الضرورة الوقت فتقيد به، لأنه وقت الحاجة.

مسألة 117: (ويبطل بالقدرة على استعمال الماء) : لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التراب كافيك ما لم تجد الماء، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك» أخرجه أبو داود.

مسألة 118: وتبطل طهارته (وإن كان في الصلاة) لأنه لو كان خارج الصلاة لبطلت فكذلك في الصلاة.
  باب الحيض (ويمنع عشرة أشياء: فعل الصلاة، ووجوبها)
(119) وفعل الصيام
(120) والطواف
(121) وقراءة القرآن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[باب الحيض]
(ويمنع الحيض عشرة أشياء: فعل الصلاة، ووجوبها) ، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا «أقبلت الحيضة فدعي الصلاة» متفق عليه، وقالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «كنا نحيض على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة» ، متفق عليه، ولو كانت واجبة لأمر بقضائها.

مسألة 119: (وفعل الصيام) ولا يسقط وجوبه لحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أليس إحداكن إذا حاضت لم تصم ولم تصل " قلن بلى» ، رواه البخاري.

مسألة 120: (والطواف) بالبيت، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعائشة: «إذا حضت فافعلي ما يفعل الحاج، غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري» متفق عليه.

مسألة 121: (وقراءة القرآن) ، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن» رواه أبو داود.

(1/51)


(122) ومس المصحف
(123) واللبث في المسجد
(124) والوطء في الفرج
(125) وسنة الطلاق
(126) والاعتداد بالأشهر
(127) ويوجب الغسل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 122: (ومس المصحف) ، لقوله سبحانه: {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] .

مسألة 123: (واللبث في المسجد) ، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا أحل المسجد لحائض» رواه أبو داود.

مسألة 124: (والوطء في الفرج) لقوله سبحانه: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] ، ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» رواه أبو داود.

مسألة 125: (وسنة الطلاق) لأن «ابن عمر لما طلق امرأته وهي حائض أمره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالرجعة حتى تطهر [ثم تحيض ثم تطهر] ، ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك» ، رواه البخاري.

مسألة 126: (والاعتداد بالأشهر) ، لأنها إذا صارت ممن تحيض اعتدت بالحيض لقوله سبحانه: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] .

مسألة 127: (ويوجب الغسل) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي» متفق عليه.

(1/52)


(128) والبلوغ
(129) والاعتداد به
(130) فإذا انقطع الدم أبيح فعل الصوم
(131) والطلاق
(132) ولم يبح سائرها حتى تغتسل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 128: (والبلوغ) يعني يثبت به البلوغ، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» رواه أبو داود، أوجب عليها السترة بوجود الحيض، فدل على أن التكليف حصل به، وإنما يحصل ذلك بالبلوغ.

مسألة 129: (والاعتداد به) يعني إذا وجد اعتدت به، لقوله سبحانه: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] وقبل أن تحيض كانت تعتد بالشهور لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] .

مسألة 130: (فإذا انقطع الدم أبيح فعل الصوم) للحائض كما يباح للجنب.

مسألة 131: (ويباح الطلاق) إذا انقطع الدم، لأنه إنما حرم طلاق الحائض وهذه طاهر.

مسألة 132: (ولا يباح سائرها حتى تغتسل) ، أما الصلاة فلا تباح لها لقيام الحدث بها وكذا الطواف لأنه صلاة، ولا يباح لها قراءة القرآن ولا مس المصحف ولا اللبث في المسجد لقيام الحدث الأكبر بها ولما سبق في أول الباب، ولا يباح الوطء في الفرج، لأن الله سبحانه أباحه بشرطين انقطاع الدم والغسل بقوله سبحانه: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] معناه حين ينقطع دمهن، ثم قال: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] معناه اغتسلن {فَأْتُوهُنَّ} [البقرة: 222] .
1 -
مسألة 133: وأما منع الاعتداد بالأشهر فباق، لأنها صارت ممن تحيض فعدتها الحيض.

(1/53)


(134 ويجوز الاستمتاع من الحائض بما دون الفرج لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اصنعوا كل شيء غير النكاح»
(135) وأقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوماً
(136) وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوماً
(137) ولا حد لأكثره
(138) وأقل سن تحيض له المرأة تسع سنين
(139) وأكثره ستون
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 134: (ويجوز الاستمتاع من الحائض بما دون الفرج) كالقبلة ونحوها لما روي أن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض» ، متفق عليه، و (قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» .

مسألة 135: (وأقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوماً) لأن الشارع علق على الحيض أحكاماً ولم يبين أقله وأكثره، فعلم أنه رد ذلك إلى العرف، والعرف شاهد بذلك، قال عطاء: رأينا من تحيض يوماً ورأينا من تحيض خمسة عشر يوماً، وحكي ذلك عن غيره.

مسألة 136: (وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوماً) لما روى [شريح] عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه سئل عن امرأة ادعت انقضاء عدتها في شهر فقال لشريح: قل فيها، قال: إن جاءت ببطانة من أهلها يشهدون أنها حاضت في شهر ثلاث مرات تترك الصلاة فيها وإلا فهي كاذبة، فقال علي: قالون، يعني جيد بلسان الروم، وهذا اتفاق منهما على إمكان ثلاث حيضات في شهر، ولا يمكن إلا بما ذكرنا من أقل الطهر، ويكون أقل الحيض يوماً وليلة، وعنه أقله خمسة عشر لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تمكث إحداكن شطر عمرها لا تصلي» رواه أحمد.

مسألة 137: (وليس لأكثره حد) لأنه لا نص فيه ولا نعلم له دليلاً.

مسألة 138: (وأقل سن تحيض له المرأة تسع سنين) فإذا رأت قبل ذلك دماً فليس بحيض ولا تتعلق به أحكامه لأنه لم يثبت في الوجود لامرأة حيض قبل ذلك، وقد روي عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة.

مسألة 139: (وأكثره ستون) سنة، لأنها إذا بلغت ذلك يئست من الحيض لأنه لم يوجد بمثلها حيض معتاد، فإن رأت دماً فهو دم فساد.
1 -

(1/54)


(141) والمبتدأة إذا رأت الدم لوقت تحيض في مثله جلست
(142) فإن انقطع لأقل من يوم وليلة فليس بحيض وإن جاوز ذلك ولم يعبر أكثر الحيض فهو حيض فإذا تكرر ثلاثة أشهر بمعنى واحد صار عادة
(143) وإن عبر أكثر الحيض فالزائد استحاضة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 140: وعنه أن أكثره خمسون سنة، فإن رأت دماً بعد الخمسين ففيه روايتان: إحداهما: هو دم فساد أيضاً، لأن عائشة قالت: إذا بلغت المرأة خمسين سنة خرجت من حد الحيض، والثانية: إن تكرر بها الدم فهو حيض، وهذه أصح؛ لأن ذلك قد وجد فروي أن هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة ولدت موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولها ستون سنة، ذكره الزبير بن بكار في كتاب النسب وقال: لا تلد لخمسين إلا عربية، ولا تلد لستين إلا قرشية، وعنه أن نساء العجم ييئسن في خمسين سنة، ونساء العرب إلى ستين لأنهن أقوى جبلة.

مسألة 141: (والمبتدأة إذا رأت الدم لوقت تحيض لمثله جلست) يعني تركت الصلاة [لأنه يمكن أن يكون حيضا فتركت الصلاة من أجله كغير المبتدأة] .

مسألة 142: (فإن انقطع لأقل من يوم وليلة فليس بحيض) ويكون دم فساد، (وإن جاوز ذلك ولم يعبر أكثر الحيض فهو حيض) لأنه دم يصلح أن يكون حيضاً فتجلسه كاليوم والليلة، (فإذا تكرر ثلاثة أشهر بمعنى واحد صار عادة) لتكراره في الأشهر الثلاثة، لأن العادة من المعاودة، وعنه إذا زاد على يوم وليلة روايات أربع: إحداهن: هذه المذكورة، والثانية: تغتسل عقيب اليوم والليلة وتصلي لأن العبادة واجبة بيقين، وما زاد على أقل الحيض مشكوك فيه فلا تسقطها بالشك، فإن انقطع دمها ولم يعبر أكثر الحيض اغتسلت غسلاً ثانياً ثم تفعل ذلك في شهر آخر، وعنه في شهرين آخرين، فإن كان في الأشهر كلها مدته واحدة علمت أن ذلك حيضها فانتقلت إليه وعملت عليه وأعادت ما صامته من الفرض لأنا تبينا أنها صامته في حيضها، والثالثة: تجلس ستاً أو سبعاً لأنه غالب حيض النساء، ثم تغتسل وتصلي، والرابعة: تجلس عادة نسائها لأن الغالب أنها تشبههن في ذلك.

مسألة 143: (وإن عبر) يعني زاد على (أكثر الحيض فالزائد استحاضة، وعليها أن تغتسل عند آخر الحيض) لأن الحائض إذا طهرت وجب عليها الغسل [بالإجماع] ، لقوله سبحانه وتعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البقرة: 222] الآية.

(1/55)


وعليها أن تغتسل عند آخر الحيض
(144) وتغسل فرجها وتعصبه ثم تتوضأ لوقت كل صلاة وتصلي وكذا حكم من به سلس البول وما في معناه
(145) فإذا استمر بها الدم في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 144: والمستحاضة في حكم الطاهرات في وجوب العبادة وفعلها، (فإذا أرادت الصلاة غسلت فرجها وما أصابها من الدم حتى إذا استنقت عصبت فرجها) واستوثقت بالشد والتلجم، وهو أن تستثفر بخرقة مشقوقة الطرفين تشدهما على جنبيها ووسطها على الفرج، وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث أم سلمة: «لتستثفر بثوب» رواه أبو داود، وقال لحمنة: «تلجمي» رواه الترمذي، (ثم تتوضأ لوقت كل صلاة وتصلي) لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لحمنة بنت جحش حين شكت إليه كثرة الدم: " أنعت لك الكرسف» رواه أبو داود، يعني به القطن، تحشي به المكان، «قالت: إنه أشد من ذلك، قال: "تلجمي» ، وفي حديث أم سلمة أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فاستفتت لها أم سلمة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها [بترك الصلاة قدر ذلك الذي أصابها] فإذا هي خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل» رواه أبو داود.
(ومن به سلس البول في معنى الاستحاضة) ولا فرق بينهما [ومثله الجريح الذي لا يرفأ دمه] .

مسألة 145: (فإذا استمر بها الدم في الشهر الآخر فإن كانت معتادة فحيضها أيام عادتها) لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لفاطمة بنت أبي حبيش: «دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي» متفق عليه.

(1/56)


الشهر الآخر فإن كانت معتادة فحيضها أيام عادتها
(146) وإن لم تكن معتادة وكان لها تمييز - وهو أن يكون بعض دمها أسود ثخيناً وبعضه أحمر رقيقاً - فحيضها زمن الأسود الثخين
(147) وإن كانت مبتدأة أو ناسية لعادتها ولا تمييز لها فحيضها من كل شهر ستة أيام أو سبعة، لأنه غالب عادات النساء
(148) والحامل لا تحيض
(148) إلا أن ترى الدم قبل ولادتها بيوم أو يومين أو ثلاثة فيكون دم نفاس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 146: (وإن لم تكن معتادة وكان لها تمييز - وهو أن يكون بعض دمها أسود ثخيناً وبعضه أحمر رقيقاً - فحيضها زمن الأسود الثخين) لما روي «أن فاطمة بنت أبي حبيش قالت: يا رسول الله إني أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: "إن ذلك عرق وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي» متفق عليه، يعني بإقباله سواده ونتنه، وبإدباره رقته وحمرته، وفي لفظ قال لها: «إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي، إنما ذلك عرق» رواه النسائي، ولأنه خارج من الفرج موجب للغسل فيرجع إلى صفته عند الاشتباه كالمذي والمني.

مسألة 147: (وإن كانت مبتدأة أو ناسية لعادتها ولا تمييز لها فحيضها من كل شهر ستة أيام أو سبعة، لأنه غالب عادات النساء) ، وعنه تجلس عادة نسائها لأن الظاهر أنها تشبههن في ذلك، وعنه أقله، لأنه اليقين، وعنه أكثره يصلح أن يكون حيضاً.

مسألة 148: (والحامل لا تحيض) ، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سبايا أوطاس: «لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تستبرئ بحيضة» رواه أبو داود، فجعل وجود الحيض علماً على براءة الرحم، ولو كان يجتمع معه لم يكن وجوده علماً على عدمه.

مسألة 149: (إلا أن ترى الدم قبل ولادتها بيومين أو ثلاثة فيكون دم نفاس) لأنه دم سببه الولادة فكان نفاساً كالخارج بعد الولادة، والله أعلم.

(1/57)


باب النفاس وهو الدم الخارج بسبب الولادة، وحكمه حكم الحيض فيما يحل ويحرم ويجب ويسقط به وأكثره أربعون يوماً
(150) ولا حد لأقله، ومتى رأت الطهر اغتسلت وهي طاهرة
(151) وإن عاد في مدة الأربعين فهو نفاس أيضاً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[باب النفاس]
(وهو الدم الخارج بسبب الولادة، وحكمه حكم الحيض فيما يحل ويحرم ويجب ويسقط به) لأنه دم حيض مجتمع احتبس لأجل الحمل (وأكثره أربعون يوماً) لما روت أم سلمة «قالت: كانت النفساء على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تقعد بعد نفاسها أربعين يوماً أو أربعين ليلة» رواه أبو داود، والترمذي، وقال: أجمع أهل العلم من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومن بعدهم من التابعين أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوماً، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فتغتسل وتصلي.

مسألة 150: (وليس لأقله حد، أي وقت رأت الدم لطهر فهي طاهر) تغتسل وتصلي كالحيض.

مسألة 151: (فإن عاد في مدة الأربعين فهو نفاس) لأنه في مدته أشبه الأول، وعنه أنه مشكوك فيه، تصوم وتصلي وتقضي الصوم احتياطاً، لأن الصوم واجب بيقين فلا يجوز تركه لعارض مشكوك فيه، ويفارق الحيض المشكوك فيه وهو ما زاد على الست والسبع في حق الناسية فإنه يتكرر ويشق قضاؤه والنفاس بخلافه.

====================================
























http://www.islamilimleri.com/Kulliyat/Fkh/4Hanbeli/ebook_09_arrow_l.gif

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )
http://www.islamilimleri.com/Kulliyat/Fkh/4Hanbeli/ebook_09_arrow_r.gif





http://www.islamilimleri.com/Kulliyat/Fkh/4Hanbeli/goodstar_bar.gif


العدة شرح العمدة



كتاب الصلاة
روى عبادة بن الصامت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة، فمن حافظ عليهن كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له» (1) فالصلوات الخمس واجبة على كل مسلم عاقل بالغ
(2) إلا الحائض والنفساء
(3) فمن
ـــــــــــــــــــــــــــــ

[العُدَّة شرح العُمْدة]

//////////////////////////////[كتاب الصلاة]///////////////////////////

مسألة 1: (الصلوات الخمس واجبة على كل مسلم عاقل بالغ) لقوله عز وجل: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] وقال في حديث معاذ لما بعثه إلى اليمن: «إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة» متفق عليه، ولأن الكافر لا يصح منه أداؤها ولا يلزمه قضاؤها، أشبه المجنون، فإنها لا تجب عليه ولا على الصبي، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق، والصبي حتى يبلغ، والنائم حتى يستيقظ» رواه الترمذي.

مسألة 2: (إلا الحائض والنفساء) ، لقول عائشة: كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة، متفق عليه، والنفساء مثلها.

مسألة 3: (فمن جحد وجوبها لجهله عرف ذلك، وإن جحدها عناداً كفر) بالإجماع

(1/59)


جحد وجوبها لجهله عرف ذلك، وإن جحدها عناداً كفر
(4) ولا يحل تأخيرها عن وقت وجوبها
(5) إلا لناو جمعها
(6) أو مشتغل بشرطها
(7) فإن تركها تهاوناً بها استتيب ثلاثاً، فإن تاب وإلا قتل)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
وحكمه حكم المرتدين، وإن كان متهاوناً بها وهو مقر بوجوبها دعي إليها ويقال له: إن صليت وإلا قتلناك، فإن صلى وإلا قتل بالسيف، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة» حديث صحيح رواه مسلم.

مسألة 4: (ولا يحل تأخيرها عن وقتها) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث أبي قتادة: «أما إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى، فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها» أخرجه مسلم، وهذا يدل على أنه لا يجوز تأخيرها عن وقتها لأنه سماه تفريطاً.

مسألة 5: (إلا لناو جمعها) فيجوز تأخير الأولى حتى يدخل وقت الثانية، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفعله، متفق عليه.

مسألة 6: (ويجوز تأخيرها للمشتغل بشرطها) ، لأنها لا تصح بدون شرطها المقدور عليه، فمتى كان شرطاً مقدوراً عليه وجب عليه الاشتغال بتحصيله ولا يأثم بتأخير الصلاة في مدة تحصيله كالمشتغل بنفس الوضوء والاغتسال.

مسألة 7: (فإن تركها تهاوناً بها استتيب ثلاثاً، فإن تاب وإلا قتل) بالسيف لما سبق، واختلفت الرواية في الذي يجب قتله، فقال القاضي: فيه روايتان: إحداهما يجب قتله إذا ترك صلاة واحدة حتى تضايق وقت الثانية، لأنه إذا ترك الأولى لم يعلم بأنه عزم على تركها، فإذا خرج وقتها علمنا أنه تركها، لكن لا يجب قتله لأنها فائتة، والفائتة وقتها موسع فيصبر له حتى يتضايق وقت الثانية، والرواية الثانية: لا يجب قتله حتى يترك ثلاث صلوات ويتضايق وقت الرابعة عن فعلها لأنه قد يترك الصلاة والصلاتين والثلاث لشبهة،

(1/60)


باب الأذان والإقامة وهما مشروعان للصلوات الخمس دون غيرها للرجال دون النساء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
فإذا رأيناه ترك الرابعة علمنا أنه عزم على تركها فيجب قتله، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ترك الصلاة متعمداً فقد برئت منه الذمة» رواه ابن ماجه، وهذا يدل على إباحة قتله، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نهيت عن قتل المصلين» رواه أبو داود، فمفهومه أنه لم ينه عن قتل غيرهم، وقال: «بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة» رواه مسلم، والكفر مبيح للقتل بدليل قوله: «لا يباح دم مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير حق» متفق على معناه.
1 -
مسألة 8: فإذا وجب قتله لم يقتل حتى يستتاب ثلاثاً ويضيق عليه ويدعى إلى فعل كل صلاة في وقتها ويقال له: إن صليت وإلا قتلناك، لأنه قتل لترك واجب فتقدمه الاستتابة كقتل المرتد، فإن تاب وإلا قتل بالسيف لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته» رواه مسلم.

[باب الأذان والإقامة]
(وهما مشروعان للصلوات الخمس دون غيرها) لأن المقصود منه الإعلام بوقت الصلاة المفروضة على الأعيان، وهذا لا يوجد في غيرها، ولأن مؤذني النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما كانوا يؤذنون لها دون غيرها، وذلك مشروع (للرجال دون النساء) وقال الحسن وإبراهيم والشعبي وسليمان بن يسار: ليس على النساء أذان ولا إقامة، رواه سعيد في سننه.

(1/61)


(9 والأذان خمس عشرة كلمة لا ترجيع فيه، والإقامة إحدى عشرة كلمة
(10) وينبغي أن يكون المؤذن أميناً، صيتاً، عالماً بالأوقات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 9: (والأذان خمس عشرة كلمة لا ترجيع فيه، والإقامة إحدى عشرة كلمة) وأصله حديث عبد الله بن زيد أنه قال: «لما أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالناقوس ليضرب به الناس لجمع الصلاة طاف بي - وأنا نائم - رجل يحمل ناقوساً فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت: بلى، فقال: تقول: "الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله "قال: ثم استأخر عني غير بعيد قال: ثم تقول إذا قمت للصلاة ... فذكر الإقامة مفردة غير أنه يقول" قد قامت الصلاة "مرتين، ثم لما أصبحت أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبرته بما رأيت فقال: "إنها لرؤيا حق إن شاء الله تعالى، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فيؤذن به فإنه أندى صوتاً منك» رواه أبو داود، وصححه الترمذي، فهذه صفة الأذان والإقامة المستحبين، لأن بلالاً كان يؤذن به سفراً وحضراً مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى أن مات، والترجيع أن يذكر الشهادتين مرتين يخفض بذلك صوته ثم يعيدهما رافعاً بهما صوته، وتثنية الإقامة أن يجعلها مثل الأذان، فإن رجع في الأذان أو ثنى الإقامة فلا بأس فإنه قد روي في حديث أبي محذورة كذلك وهو حديث صحيح.

مسألة 10: (وينبغي أن يكون المؤذن أميناً، صيتاً، عالماً بالأوقات) لأنه يؤتمن على الأوقات، فإن لم يكن عدلاً غرهم بأذانه في غير الوقت، ويكون صيتاً، لأنه أبلغ في الإعلام المقصود بالأذان، وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعبد الله: «ألقه على بلال فإنه أندى صوتاً منك» رواه الترمذي، ويكون عالماً بالأوقات ليتمكن من الأذان في أوائلها.

(1/62)


(11) ويستحب أن يؤذن قائماً متطهراً
(12) على موضع عال
(13) مستقبل القبلة
(14) فإذا بلغ الحيعلة التفت يميناً وشمالاً ولا يزيل قدميه، ويجعل إصبعيه في أذنيه
(15) ويترسل في الأذان ويحدر الإقامة
(16) ويقول في أذان الصبح بعد الحيعلة: "الصلاة خير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 11: (ويستحب أن يؤذن قائماً) «لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لبلال: "قم فأذن» رواه مسلم، ولأنه أبلغ في الإسماع، ويكون (متطهراً) ، لما روى أبو هريرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يؤذن إلا متوضئ» رواه الترمذي، وروي موقوفاً على أبي هريرة وهو أصح.

مسألة 12: ويكون (على موضع عال) لأنه أبلغ في الإعلام، وقد روي أن بلالاً كان يؤذن على سطح امرأة.

مسألة 13: ويكون (مستقبل القبلة) وهذا إجماع ولأن مؤذني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانوا يؤذنون مستقبلي القبلة.

مسألة 14: (فإذا بلغ الحيعلة التفت يميناً وشمالاً ولا يزيل قدميه، ويجعل إصبعيه في أذنيه) ، لما روى أبو جحفة قال: «أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في قبة حمراء من أدم، وأذن بلال فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا يميناً وشمالاً يقول: "حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح» متفق عليه، وفي لفظ «ولم يستدر وإصبعاه في أذنيه» ، رواه الترمذي.

مسألة 15: (ويترسل في الأذان ويحدر الإقامة) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يا بلال، إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فأحدر» رواه أبو داود، ولأن الأذان إعلام الغائبين، والترسل فيه أبلغ في الإعلام، والإقامة إعلام الحاضرين، فلم يحتج إلى الترسل فيها.

مسألة 16: (ويقول في أذان الصبح: الصلاة خير من النوم" مرتين) رواه النسائي

(1/63)


من النوم" مرتين
(17) ولا يؤذن قبل الأوقات إلا لها لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم»
(18) ويستحب لمن سمع المؤذن أن يقول كما يقول، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
(ويكون بعد الحيعلة) لما روى النسائي عن أبي محذورة قال: «قلت يا رسول الله علمني سنة الأذان، فذكر إلى أن قال بعد قوله: "حي على الفلاح" فإن كان الصبح قلت: " الصلاة خير من النوم" مرتين و"الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله» رواه النسائي.

مسألة 17: (ولا يؤذن قبل الوقت إلا لها) قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من السنة أن يؤذنوا للصلاة بعد دخول وقتها إلا الفجر (لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم» متفق عليه، وخص الفجر بذلك لأنه وقت النوم لينتبه الناس ويتأهبوا إلى الخروج للصلاة، وليس ذلك في غيرها، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن بلالاً يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم» رواه أبو داود.

مسألة 18: (ويستحب لمن سمع المؤذن أن يقول كما يقول المؤذن، لما روى أبو سعيد أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا سمعتم النداء فقولوا كما يقول» متفق عليه إلا في الحيعلة فإنه يقول عندها ما روي عن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمداً رسول الله فقال: أشهد أن محمداً رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر، فقال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله فقال: لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه دخل الجنة» رواه مسلم، قال الأثرم: هذا من الأحاديث الجياد.

(1/64)


باب شروط الصلاة (هي ستة: أحدها الطهارة من الحدث، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صلاة لمن أحدث حتى يتوضأ» (الشرط الثاني: الوقت، ووقت الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله)
(19) ووقت العصر وهي الوسطى من آخر وقت الظهر إلى أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[باب شروط الصلاة]
(هي ستة: أحدها الطهارة من الحدث، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث أبي هريرة: «لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ» متفق عليه، وقد مضى ذكر الطهارة وحكمها.
(الثاني: الوقت، ووقت الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله) بعد القدر الذي زالت عليه الشمس، لما روى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أمني جبريل عند البيت مرتين فصلى بي الظهر في المرة الأولى حين زالت الشمس والفيء مثل الشراك، ثم صلى بي المرة الأخيرة حين صار ظل كل شيء مثله، وقال: الوقت ما بين هذين» قال الترمذي: حديث حسن، ويعرف زوال الشمس بطول الظل بعد تناهي قصره.

مسألة 19: (ووقت العصر وهي الوسطى) لما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله يوم الأحزاب: «شغلونا عن صلاة العصر صلاة الوسطى، ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً» متفق عليه (وأول وقتها) إذا صار ظل كل شيء مثله وهو (آخر وقت الظهر) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث جبريل: «وصلى بي العصر حين صار ظل كل شيء مثله» رواه

(1/65)


تصفر الشمس
(20) ثم يذهب وقت الاختيار، ويبقى وقت الضرورة إلى غروب الشمس
(21) ووقت المغرب إلى أن يغيب الشفق الأحمر
(22) ووقت العشاء من ذلك إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
أبو داود (وآخره ما لم تصفر الشمس) لما روى ابن عمر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «وقت العصر ما لم تصفر الشمس» رواه مسلم، وعنه أن آخره إذا صار ظل كل شيء مثليه لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث جبريل: «وصلى بي العصر في المرة الأخيرة حين صار ظل كل شيء مثليه» رواه الترمذي.

مسألة 20: (ثم يذهب وقت الاختيار، ويبقى وقت الضرورة إلى غروب الشمس) ، والضرورة العذر، يعني لا يباح تأخيرها إلا لعذر، لما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من أدرك سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته، ومن أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته» متفق عليه، وفي رواية: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» متفق عليه.

مسألة 21: (ووقت المغرب من الغروب إلى مغيب الشفق الأحمر) لما روى بريدة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بلالاً فأقام المغرب حين غابت الشمس، ثم صلى المغرب في اليوم الثاني قبل أن يغيب الشفق، ثم قال: "وقت صلاتكم ما بين ما رأيتم» رواه مسلم، وفي لفظ رواه الترمذي: «فأخر المغرب إلى قبيل أن يغيب الشفق» .

مسألة 22: (ووقت العشاء من ذلك) يعني من مغيب الشفق (إلى نصف الليل) لما روى عبد الله بن عمر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «وقت العشاء إلى نصف الليل» رواه مسلم،

(1/66)


نصف الليل
(23) ثم يبقى وقت الضرورة إلى طلوع الفجر الثاني
(24) ووقت الفجر من ذلك إلى طلوع الشمس
(25) ومن كبر للصلاة قبل خروج وقتها فقد أدركها
(26) والصلاة في أول الوقت أفضل
(27) إلا في العشاء الآخرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
وعنه إلى ثلث الليل لما روى بريدة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى العشاء في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل» رواه مسلم من حديث ابن عباس في صلاة جبريل مثله.

مسألة 23: (ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الضرورة إلى طلوع الفجر الثاني) وهو البياض المعترض في المشرق ولا ظلمة بعده، لحديث أبي هريرة «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» متفق عليه.

مسألة 24: (ووقت الفجر من ذلك إلى طلوع الشمس) يعني من طلوع الفجر الثاني إجماعاً إلى طلوع الشمس، لما روى بريدة عن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه أمر بلالاً فأقام الفجر حين طلع الفجر، فلما كان اليوم الثاني صلى الفجر فأسفر بها ثم قال: "وقت صلاتكم ما بين ما رأيتم» رواه مسلم، وفي حديث أبي هريرة: «من أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته» متفق عليه، وللنسائي: «فقد أدركها» .

مسألة 25: (ومن كبر للصلاة قبل خروج وقتها فقد أدركها) كذلك، وأما ما دون الركعة فقال القاضي: ظاهر كلام أحمد أنه يدركها بإدراكه لأن الإدراك إذا تعلق به حكم في الصلاة استوى فيه الركعة وما دونها كإدراك المسافر صلاة المقيم والمأموم صلاة الإمام.

مسألة 26: (الصلاة في أول الوقت أفضل) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أول الوقت رضوان الله، وآخره عفو الله» رواه الترمذي، [وروى أبو برزة قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس» ، يعني: تزول، متفق عليه] .

مسألة 27: (إلا العشاء الآخرة) لقول أبي برزة: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستحب أن يؤخر العشاء» ، متفق عليه.

(1/67)


(28) وفي شدة الحر الظهرالشرط الثالث: ستر العورة بما لا يصف البشرة
(29) ويجب سترها بما يستر لون البشرة من الثياب والجلود أو غيرها
(30) وعورة الرجل والأمة ما بين السرة والركبة
(31) والحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 28: (وفي شدة الحر الظهر) لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أبردوا بالظهر في شدة الحر، فإن شدة الحر من فيح جهنم» متفق عليه.
(الشرط الثالث: ستر العورة بما لا يصف البشرة) واجب؛ لما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» رواه أبو داود.

مسألة 29: (ويجب سترها بما يستر لون البشرة من الثياب والجلود أو غيرها) فإن وصف لون البشرة لم يعتد به؛ لأنه غير ساتر.

مسألة 30: (وعورة الرجل والأمة ما بين السرة والركبة) لما روى أبو أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أسفل السرة وفوق الركبتين من العورة» رواه أبو بكر بإسناده.
وعن جرهد أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: «غط فخذك، فإن الفخذ من العورة» رواه الإمام أحمد في المسند، وعنه أنها الفرجان من الرجل لما روى أنس: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم خيبر حسر الإزار عن فخذه حتى أني لأنظر إلى بياض فخذ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، رواه البخاري.

مسألة 31: (والحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها) لقوله سبحانه: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قال ابن عباس: وجهها وكفيها، ولأنه يحرم ستر الوجه في الإحرام وستر الكفين بالقفازين، ولو كانا عورة لم يجز كشفهما، وعنه في الكفين هما عورة لأن المشقة لا تلحق بسترهما فأشبها سائر بدنها.
وما عدا هذا عورة لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» رواه أبو

(1/68)


(33) وأم الولد والمعتق بعضها كالأمة
(34) ومن صلى في ثوب مغصوب أو دار مغصوبة لم تصح صلاته
(35) ولبس الذهب والحرير مباح للنساء دون الرجال
(36) إلا عند الحاجة لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الذهب والحرير: هذان «حرام على ذكور أمتي حل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
داود، وعن أم سلمة أنها قالت: «يا رسول الله تصلي المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار؟ فقال: "نعم، إذا كان سابغاً يغطي ظهور قدميها» رواه أبو داود. مسألة 32: (وعورة الأمة كعورة الرجل) لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا زوج أحدكم أمته عبده أو أجيره فلا ينظر إلى شيء من عورته، فإن ما تحت السرة إلى الركبة عورة» يريد الأمة، رواه الدارقطني، ولأن من لم يكن رأسه عورة لم يكن صدره عورة كالرجل.

مسألة 33: (وأم الولد والمعتق بعضها كالأمة) لأن الرق باق فيها، إلا أنه يستحب لهما التستر لما فيها من شبه الأحرار، وعنه أنهما كالحرة لذلك.

مسألة 34: (ومن صلى في ثوب مغصوب أو دار مغصوبة لم تصح صلاته) ، لأنه استعمل في شرط العبادة ما يحرم استعماله فلم يصح كما لو صلى في ثوب نجس، ولأن الصلاة قربة وهي منهي عنها على هذا الوجه فكيف يتقرب بما هو عاص به أو يؤمر بما هو منهي عنه؟ وعنه يصح، لأن التحريم لا يعود إلى الصلاة فلم يمنع صحتها، كما لو غسل ثوبه بماء مغصوب أو صلى من عليه عمامة حرير.

مسألة 35: (ولبس الحرير والذهب مباح للنساء دون الرجال) ، لما روى أبو موسى أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «حرم لبس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم» قال الترمذي: حديث صحيح، قال ابن عبد البر: هذا إجماع.

مسألة 36: (إلا عند الحاجة) كحكة أو قمل أو مرض ينفعه لبسه، لأن أنساً روى «أن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام شكوا القمل إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرخص لهما في قميص الحرير فرأيته عليهما» ، متفق عليه، وغير القمل الذي ينفع فيه لبس الحرير في معناه فيقاس عليه، فأما لبسه للحرب فظاهر كلام أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إباحته مطلقاً لأنه سئل عن لبسه في الحرب فقال: أرجو أن لا يكون به بأس.

(1/69)


لإناثهم»
(37) ومن صلى من الرجال في ثوب واحد بعضه على عاتقه أجزأه ذلك
(38) فإن لم يجد إلا ما يستر عورته سترها
(39) فإن لم يكف جميعها ستر الفرجين فإن لم يكفهما جميعاً ستر أحدهما فإن عدم الستر بكل حال صلى جالساً يومئ بالركوع والسجود وإن صلى قائماً جاز
(40) ومن لم يجد إلا ثوباً نجساً أو مكاناً نجساً صلى فيهما ولا إعادة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 37: (ومن صلى من الرجال في ثوب واحد بعضه على عاتقه أجزأه ذلك) لما روى أبو هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء» متفق عليه.

مسألة 38: (فإن لم يجد إلا ما يستر عورته سترها) ، لأن سترها شرط لصحة الصلاة وقد قدر عليه فلزمه كسائر شروطها، ولأن ذلك واجب في غير الصلاة ففيها أولى.

مسألة 39: (فإن لم يكف جميعها ستر الفرجين) ، لأنهما أغلظ (فإن لم يكفهما جميعاً ستر أيهما شاء) وستر الدبر أولى في أحد الوجهين، لأنه أفحش، وفي الآخر القبل، لأنه يستقبل به القبلة، والدبر يستر بالإليتين، وأيهما ستر أجزأه (فإن عدم الستر بكل حال صلى جالساً يومئ إيماء بالسجود) ، لأنه يحصل به ستر أغلظ العورة وهو آكد لذلك، وعنه يصلي قائماً ويركع ويسجد لأن المحافظة على ثلاثة أركان أولى من المحافظة على بعض شرط.

مسألة 40: (ومن لم يجد إلا ثوباً نجساً أو مكاناً نجساً صلى فيهما ولا إعادة عليه) لأن ستر العورة واجب في الصلاة وغيرها وهو مخاطب بها مأمور بها، فإذا صلى فقد أتى بما أمر به فيخرج عن العهدة، وعنه يعيد إذا صلى في الثوب النجس لأنه ترك شرطاً مقدوراً عليه.
(الشرط الرابع: الطهارة من النجاسة في بدنه وثوبه وموضع صلاته) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأسماء في دم الحيض: «حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء وصلي فيه» رواه الترمذي، فدل على أنها ممنوعة من الصلاة فيه قبل غسله.

(1/70)


عليه الشرط الرابع: الطهارة من النجاسة في بدنه وثوبه وموضع صلاته
(41) إلا النجاسة المعفو عنها كيسير الدم ونحوه
(42) وإن صلى وعليه نجاسة لم يكن علم بها أو علم بها ثم نسيها فصلاته صحيحة وإن علم بها في الصلاة أزالها وبنى على صلاته
(43) والأرض كلها مسجد تصح الصلاة فيها
(44) إلا المقبرة والحمام والحش وأعطان الإبل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 41: (إلا النجاسة المعفو عنها كيسير الدم) لأنه عفي عنها لمشقة التحرز على ما سبق في باب المياه.

مسألة 42: (وإن صلى وعليه نجاسة لم يكن علم بها أو علم بها ثم نسيها) ففيها روايتان: إحداهما: يعيد لأنها طهارة واجبة فلم تسقط بالجهل كالوضوء، والثانية: لا يعيد لما روى أبو سعيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خلع نعليه في الصلاة فخلع الناس نعالهم، فقال: "ما لكم خلعتم نعالكم" فقالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، فقال: "أتاني جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فأخبرني أن فيهما قذراً» رواه أبو داود، فوجه الحجة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن علم بالنجاسة حتى أخبر بها، وبنى على صلاته، ولو بطلت لاستأنفها [كالسترة] ، والناسي مثله فعلى هذا (إن علم بها في الصلاة) فأمكنه إزالتها بغير عمل كثير (أزالها وبنى على صلاته) كما فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإن لم يمكنه إلا بعمل كثير استأنفها كالسترة إذا وجدها وهو في الصلاة بعيدة منه.

مسألة 43: (والأرض كلها مسجد) [وطهور] (تصح الصلاة فيها) ، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً» رواه البخاري.

مسألة 44: (إلا المقبرة والحمام والحش وأعطان الإبل) أما المقبرة والحمام فلما روى أبو سعيد أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام» رواه أبو

(1/71)


(45) وقارعة الطريق الشرط الخامس: استقبال القبلة إلا في النافلة على الراحلة للمسافر فإنه يصلي حيث كان وجهه
(46) والعاجز عن الاستقبال لخوف أو غيره فيصلي كيفما أمكنه
(47) ومن عداهما لا تصح صلاته إلا مستقبل الكعبة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
داود، وأما الحش فبطريق التنبيه عليه بالنهي في هذين الموضعين، لأن احتمال النجاسة فيه أكثر وأغلب.

مسألة 45: وأما أعطان الإبل فلما روى جابر بن سمرة «أن رجلاً قال: يا رسول الله، أنصلي في مرابض الغنم؟ قال: " نعم"، قال: أنصلي في مبارك الإبل؟ قال: "لا» رواه مسلم، ولأنها مظنة النجاسة فإن البعير إذا برك صار سترة للبائل، بخلاف الغنم فإنها لا تستر فأقمنا المظنة مقام حقيقة النجاسة.
(الشرط الخامس: استقبال القبلة) لقوله سبحانه: {الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] (إلا في النافلة على الراحلة للمسافر فإنه يصلي حيث كان وجهه) لما روى ابن عمر «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه يومئ برأسه، وكان يوتر على بعيره» ، متفق عليه.

مسألة 46: (والعاجز عن الاستقبال لخوف أو غيره) لأنه فرض عجز عنه أشبه القيام، وقال الله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] ، قال ابن عمر: كان «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي مستقبل القبلة وغير مستقبلها» ، رواه البخاري ولأنه عاجز عن القيام أشبه المربوط.

مسألة 47: (وما عداهما لا تصح صلاته إلا مستقبل القبلة) يعني ما عدا النافلة على الراحلة والعاجز، لقوله سبحانه: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] وهو عام خرج منه الصورتان بما ذكرناه من الدليل، بقي ما عداهما على مقتضى النص.

(1/72)


(48 فإن كان قريباً منها لزمته الصلاة إلى عينها وإن كان بعيداً فإلى جهتها
(49) وإن خفيت القبلة في الحضر سأل واستدل بمحاريب المسلمينفإن أخطأ فعليه الإعادة
(50) وإن خفيت في السفر اجتهد وصلى ولا إعادة عليه
(51) وإن اختلف مجتهدان لم يتبع أحدهما صاحبه ويتبع الأعمى والعامي أوثقهما في نفسه الشرط السادس النية للصلاة بعينها
(52) ويجوز تقديمها على التكبير بالزمن اليسير إذا لم يفسخها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 48: (فإن كان قريباً من الكعبة لزمته الصلاة إلى عينها) وهو من كان عند الكعبة يراها أو قريباً منها للآية (وإن كان بعيداً فإلى جهتها) ، لأنه لا يقدر على إصابة العين بخلاف القريب وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما بين المشرق والمغرب قبلة» قال الترمذي: حديث صحيح.

مسألة 49: (وإن خفيت القبلة في الحضر سأل واستدل بمحاريب المسلمين) لأنها دليل عليها (فإن أخطأ فعليه الإعادة) ، لأن الظاهر أنه فرط في السؤال.

مسألة 50: (وإن خفيت القبلة في السفر اجتهد وصلى ولا إعادة عليه) وإن أخطأ لأنه أتى بالمأمور فيخرج من عهدة الأمر، ودليل أنه أتى بما أمر به أنه اجتهد وليس عليه أكثر من الاجتهاد، وهو مأمور بالصلاة إلى الجهة التي يغلب على ظنه بعد الاجتهاد أنها جهة الكعبة فيخرج عن العهدة لأنه ليس في وسعه أكثر من ذلك.

مسألة 51: (وإن اختلف مجتهدان لم يتبع أحدهما الآخر) كما نقول في المجتهدين في الأحكام (ويتبع الأعمى والعامي أوثقهما في نفسه) كما نقول في الأحكام.
(الشرط السادس النية للصلاة بعينها) فلا تصح إلا بها إجماعاً لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما الأعمال بالنيات» رواه البخاري، ولأنها عبادة أشبهت الصوم، ويجب أن ينويها بعينها إن كانت معينة ظهراً أو عصراً لتتميز عن غيرها، وإن كانت سنة معينة كالوتر لزم تعيينها، وإن لم تكن معينة كالنافلة المطلقة أجزأه نية الصلاة، لأنها غير معينة.

مسألة 52: (ويجوز تقديم النية على التكبير بالزمن اليسير إذا لم يفسخها) لأنها عبادة يشترط لها النية فجاز تقديمها عليها كالصوم، ولأن أولها من أجزائها يكفي استصحاب النية فيه كسائر أجزائها.

(1/73)


باب آداب المشي إلى الصلاة (يستحب المشي إلى الصلاة بسكينة ووقارويقارب بين خطاه
(53) ولا يشبك أصابعه ويقول: بسم الله {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} [الشعراء: 78] الآيات إلى قوله: {إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 89] ويقول (اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي هذا، فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياء ولا سمعة، خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك أسألك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[باب آداب المشي إلى الصلاة]
(يستحب المشي إليها بسكينة ووقار) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ائتوها وعليكم السكينة والوقار» رواه البخاري (ويقارب بين خطاه) لتكثر الخطا فتكثر الحسنات، وفي مسند أبي حميد «عن زيد بن ثابت قال: أقيمت الصلاة، وخرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمشي وأنا معه، فقارب في الخطا فقال لي: "تدري لم فعلت هذا، لتكثر خطاي في طلب الصلاة» [رواه الطبراني] .

مسألة 53: (ولا يشبك أصابعه) لما روى أبو داود عن كعب بن عجرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامداً إلى المسجد فلا يشبكن يديه فإنما هو في صلاة» [رواه أبو داود] (ويقول: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} [الشعراء: 78] إلى قوله {إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 89] ويقول) ما روى الإمام أحمد في المسند عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من خرج من بيته إلى الصلاة فقال: (اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وأسألك بحق ممشاي هذا، فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياء ولا سمعة، خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك فأسألك أن تعيذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) أقبل الله عليه بوجهه واستغفر له سبعون ألف ملك» [رواه أحمد] وروى ابن عباس «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(1/74)


أن تنقذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)
(54) فإذا سمع الإقامة لم يسع إليها، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وائتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا»
(55) وإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة
(56) وإذا أتى المسجد قدم رجله اليمنى في الدخول وقال: بسم الله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
خرج إلى الصلاة وهو يقول: "اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي لساني نوراً، وفي بصري نوراً، واجعل من خلفي نوراً، ومن أمامي نوراً، واجعل من فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، وأعطني نوراً» رواه مسلم.

مسألة 54: (فإذا سمع الإقامة لم يسع إليها، لما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وائتوها وعليكم السكينة والوقار، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا» وعن أبي قتادة قال: «بينما نحن نصلي مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ سمع جلبة رجال، فلما صلى قال: "ما شأنكم" قالوا: استعجلنا إلى الصلاة، قال: "فلا تفعلوا، إذا أتيتم الصلاة فعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا» متفق عليهما، وفي رواية "فاقضوا" قال أحمد: ولا بأس إذا طمع أن يدرك التكبيرة الأولى أن يسرع شيئاً ما لم تكن عجلة تقبح، فقد جاء عن أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنهم كانوا يعجلون شيئاً إذا تخوفوا فوات التكبيرة وطمعوا في إدراكها.

مسألة 55: (وإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» متفق عليه، ولأن ما يفوته مع الإمام أفضل مما يأتي به فلم يشتغل به كما لو خاف فوات الركعة، وقد روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج حين أقيمت الصلاة فرأى ناساً يصلون فقال: "صلاتان معاً» روته عائشة [رواه الترمذي] ورواه ابن عبد البر وقال: كل هذا إنكار منه لهذا الفعل.

مسألة 56: (وإذا أتى المسجد قدم رجله اليمنى في الدخول وقال: بسم الله

(1/75)


والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج قدم رجله اليسرى وقال ذلك، إلا أنه يقول: وافتح لي أبواب فضلك
باب صفة الصلاة (57) وإذا قام إلى الصلاة قال: الله أكبر يجهر بها الإمام وبسائر التكبير ليسمع من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج قدم رجله اليسرى وقال مثل ذلك، إلا أنه يقول: وافتح لي أبواب فضلك) لما روي عن فاطمة بنت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علمها أن تقول ذلك إذا دخلت المسجد، وروى مسلم عن أبي حميد - أو أبي أسيد - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا «دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل اللهم إني أسألك من فضلك» ".
ويستحب تقديمها وهي اليمنى في الدخول وتأخيرها في الخروج؛ لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يحب التيامن في شأنه كله» ، روته عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -[رواه البخاري] .

[باب صفة الصلاة]
مسألة 57: (وإذا قام إلى الصلاة قال: الله أكبر) والسنة أن يقوم إليها عند قول المؤذن: "قد قامت الصلاة" لأنه دعا إلى القيام فاستحب المبادرة إليها عنده، والقيام فيها ركن لقوله سبحانه: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمران: «صل قائماً» ثم يقول: "الله أكبر" وهي ركن لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تحريمها التكبير» رواه أبو داود، «وكان

(1/76)


خلفه ويخفيه غيره
(58) ويرفع يديه عند ابتداء التكبير إلى حذو منكبيه أو إلى فروع أذنيه ويجعلهما تحت سرته
(59) ويجعل بصره إلى موضع سجوده ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك
(60) ثم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
(61) ثم يقول: بسم الله الرحمن الرحيم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ولا يجهر بشيء من ذلك لقول أنس: «صليت خلف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يجهر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفتتح الصلاة بقوله: "الله أكبر» لم ينقل عنه غير ذلك حتى فارق الدنيا (يجهر بها الإمام وبسائر التكبير حتى يسمع من خلفه) ليكبروا بعد تكبيره (ويخفيه غيره) وبالقراءة بقدر ما يسمع نفسه، ويجب عليه ذلك، ولا يكون كلام بدون الصوت، والصوت ما يتأتى سماعه، وأقرب السامعين إليه نفسه فمتى لم يسمعها لم يعلم أنه أتى بكلام، إلا أن يكون به طرش فيأتي به بحيثما يسمعه لو كان سميعاً.

مسألة 58: (ويرفع يديه عند ابتداء التكبير إلى حذو منكبيه أو إلى فروع أذنيه) لما روى ابن عمر «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك، ولا يفعل ذلك في السجود» ، متفق عليه.

مسألة 59: (ويجعل نظره إلى موضع سجوده) لأنه أخشع للمصلي وأكف لنظره (ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك) قال الإمام أحمد: أما أنا فأذهب إلى ما روي عن عمر، يعني ما رواه الأسود أنه صلى خلف عمر فسمعه كبر فقال: سبحانك اللهم وبحمدك ... الحديث.

مسألة 60: (ثم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) لقوله سبحانه: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقوله [رواه أبو داود] قاله ابن المنذر.

مسألة 61: (ثم يقول: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ولا يجهر بشيء من ذلك لما روى

(1/77)


ببسم الله الرحمن الرحيم»
(62) ثم يقرأ الفاتحة
(63) ولا صلاة لمن لم يقرأ بها)
(64) إلا المأموم فإن قراءة الإمام له قراءة
(65) ويستحب أن يقرأ في سكتات الإمام وفيما لا يجهر فيه
(66) ثم يقرأ بسورة تكون في الصبح من طوال المفصل، وفي المغرب من قصاره، وفي سائر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
أنس قال: «صليت خلف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - فلم أسمع أحداً منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم» متفق عليه.

مسألة 62: (ثم يقرأ الفاتحة) وهي ركن، لما روى عبادة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» متفق عليه.

مسألة 63: (ولا صلاة لمن لم يقرأ بها) للحديث.

مسألة 64: (إلا المأموم فإن قراءة الإمام له قراءة) لقوله سبحانه: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] وروى الإمام محمد بن وكيع عن سفيان عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» وروى الخلال والدارقطني عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يكفيك قراءة الإمام خافت أو جهر» ولأن القراءة لو كانت واجبة عليه لم تسقط عن المسبوق كبقية أركانها.

مسألة 65: (ويستحب أن يقرأ في سكتات الإمام وما لا يجهر فيه) لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإذا أسررت بقراءتي فاقرأوا» رواه الدارقطني، وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: إن للإمام سكتتان، فاغتنموا فيهما القراءة بفاتحة الكتاب: إذا دخل في الصلاة، وإذا قال: {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] .

مسألة 66: (ثم يقرأ سورة تكون في الصبح من طوال المفصل، وفي المغرب من قصاره، وفي سائر الأوقات من أواسطه) ، لما روى جابر «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ في الفجر بـ (ق) » رواه مسلم، وعنه «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في الظهر والعصر بـ {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} [الطارق: 1]

(1/78)


الصلوات من أوسطه
(67) ويجهر الإمام بالقراءة في الصبح والأوليين من المغرب والعشاء، ويسر فيما عدا ذلك
(68) ثم يكبر ويركع ويرفع يديه كرفعه الأول
(69) ثم يضع يديه على ركبتيه ويفرج أصابعه ويمد ظهره ويجعل رأسه حياله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
، {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج: 1] ونحوها من السور» رواه أبو داود، وعنه «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا وجبت الشمس صلى الظهر وقرأ بنحو {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] والعصر كذلك والصلاة كلها، إلا الصبح فإنه كان يطيلها» ، رواه أبو داود، وأما المغرب فإنه يستحب تعجيلها للخلاف في وقتها فيقرأ فيها من قصار المفصل، وقد روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ فيها بالتين والزيتون [رواه مسلم] .

مسألة 67: (ويجهر الإمام بالقراءة في الصبح والأوليين من المغرب والعشاء، ويسر فيما عدا ذلك) ولا خلاف في استحباب ذلك، والأصل فيه فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد ثبت ذلك بنقل الخلف عن السلف.

مسألة 68: (ثم يكبر ويركع ويرفع يديه كرفعه الأول) والركوع ركن؛ لقوله سبحانه: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] ويكبر، لما روى أبو هريرة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا قام إلى الصلاة كبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه، يفعل ذلك في صلاته كلها» ، متفق عليه. ويرفع يديه، وهو مستحب في ثلاثة مواضع لما سبق في حديث ابن عمر.

مسألة 69: (ثم يضع يديه على ركبتيه ويفرج أصابعه ويمد ظهره ويجعل رأسه حياله) لما روى أبو حميد «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر

(1/79)


(70) ثم يقول: سبحان ربي العظيم" ثلاثاً
(71) ثم يرفع رأسه
(72) قائلاً سمع الله لمن حمده
(73) ويرفع يديه كرفعه الأول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
ظهره» ، وفي لفظ «ركع ثم اعتدل ولم يصوب رأسه ولم يقنع» ، وفي حديث أبي حميد «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وضع يديه على ركبتيه كأنه قابض عليهما ووتر يديه فنحاهما عن جنبيه» ، صحيح.

مسألة 70: (ثم يقول: سبحان ربي العظيم" ثلاثاً) وهو واجب لما روى عقبة بن عامر «أنه لما نزل {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 96] قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اجعلوها في ركوعكم" فلما نزل {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] قال: "اجعلوها في سجودكم» رواه أبو داود، وعنه ليس بواجب؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يعلمها للمسيء في صلاته [رواه البخاري] .

مسألة 71: (ثم يرفع رأسه) وهذا الرفع والاعتدال ركنان لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للمسيء في صلاته: «ثم ارفع حتى تعتدل قائماً» [رواه النسائي] .

مسألة 72: (ثم يقول سمع الله لمن حمده) قال أبو حميد في صفة صلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثم قال سمع الله لمن حمده ورفع يديه» [رواه الترمذي] وفي حديث ابن عمر المتفق عليه «وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك ويقول سمع الله لمن حمده» .

مسألة 73: (ويرفع يديه كرفعه الأول) ، وموضع الرفع بعد اعتداله قائماً، ووجه

(1/80)


(74) فإذا اعتدل قائماً قال: ربنا ولك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد
(75) ويقتصر المأموم على قول ربنا ولك الحمد
(76) ثم يخر ساجداً مكبراً (77) ولا يرفع يديه
(78) ويكون أول ما يقع منه على الأرض ركبتاه ثم كفاه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
حديث ابن عمر المتفق عليه، وفي بعض ألفاظه: «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا ركع، وبعدما يرفع رأسه» .

مسألة 74: (فإذا اعتدل قائماً قال: ربنا ولك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد) لما روى أبو سعيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا رفع رأسه قال ذلك، متفق عليه.

مسألة 75: (ويقتصر المأموم على قول ربنا ولك الحمد) لا يستحب له الزيادة على ذلك نص عليه، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد» [رواه البخاري] ولم يأمرهم بغيره.

مسألة 76: (ثم يخر ساجداً مكبراً) والسجود والطمأنينة فيه ركنان لحديث المسيء في صلاته، وينحط مكبراً لحديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يكبر حين يسجد» ، متفق عليه.
مسألة 77: (ولا يرفع يديه) لما سبق من حديث ابن عمر.

مسألة 78: (ويكون أول ما يقع منه على الأرض ركبتاه ثم كفاه ثم جبهته وأنفه) لما روى وائل بن حجر قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه» ، رواه أبو داود.

(1/81)


ثم جبهته وأنفه
(79) ويجافي عضديه عن جنبه وبطنه عن فخذيه
(80) ويجعل يديه حذو منكبيه
(81) ويكون على أطراف قدميه
(82) ثم يقول: سبحان ربي الأعلى ثلاثاً
(83) ثم يرفع رأسه مكبراً ويجلس مفترشاً فيفرش رجله اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 79: (ويجافي عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه) لما روى أبو حميد أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جافى عضديه عن إبطيه «، ووصف البراء سجود النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فوضع يديه بالأرض ورفع عجيزته» ، رواه أبو داود.

مسألة 80: (ويجعل يديه حذو منكبيه) لما روى أبو حميد «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وضع كفيه حذو منكبيه» .

مسألة 81: (ويكون على أطراف قدميه) لما روى ابن عباس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أمرت بالسجود على سبعة أعظم: الجبهة واليدين والركبتين وأطراف القدمين» متفق عليه.

مسألة 82: (ثم يقول: سبحان ربي الأعلى ثلاثاً) لما روى ابن مسعود أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا سجد أحدكم فليقل سبحان ربي الأعلى ثلاثاً وذلك أدناه» رواه الأثرم والترمذي.

مسألة 83: (ثم يرفع رأسه مكبراً ويجلس مفترشاً) لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للأعرابي: «ثم ارفع حتى تطمئن جالساً» [رواه مسلم] وهذا الجلوس والطمأنينة فيه ركنان للخبر،

(1/82)


ويثني أصابعها نحو القبلة
(84) ويقول: ربي اغفر لي ثلاثاً
(85) ثم يسجد السجدة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
ومعنى الافتراش أن (يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى ويثني أصابعها نحو القبلة) لقول أبي حميد في صفة صلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها، ثم اعتدل حتى رجع كل عضو في موضعه» [رواه أبو داود] وقالت عائشة: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى وينهى عن عقبة الشيطان» ، رواه مسلم.

مسألة 84: (ويقول: رب اغفر لي ثلاثاً) لما «روى حذيفة أنه صلى مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان يقول بين السجدتين: "رب اغفر لي» رواه النسائي.

مسألة 85: (ثم يسجد السجدة الثانية كالأولى سواء، ثم يرفع رأسه مكبراً) لحديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
(وينهض قائماً) لما روى أبو هريرة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان ينهض على صدور قدميه» [رواه الترمذي] .
وفي حديث وائل بن حجر: «وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه» ، وفي لفظ: «فإذا نهض نهض على ركبتيه واعتمد على فخذيه» ، رواه أبو داود.

(1/83)


الثانية كالأولى، ثم يرفع رأسه مكبراً وينهض قائماً فيصلي الثانية كالأولى
(87) فإذا فرغ منهما جلس للتشهد مفترشاً، ويضع يده اليسرى على فخذه اليسرى ويده اليمنى على فخذه اليمنى، يقبض منها الخنصر والبنصر ويحلق الإبهام مع الوسطى ويشير بالسبابة في تشهده مراراً
(88) ويقول: "التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله" فهذا أصح ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التشهد
(89) ثم يقول:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 86: (ويصلي الثانية كالأولى) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للأعرابي: «ثم اصنع ذلك في صلاتك كلها» إلا في تكبيرة الإحرام والاستفتاح، وفي الاستعاذة روايتان.

مسألة 87: (فإذا فرغ منهما جلس للتشهد مفترشاً) ، لقول أبي حميد في صفة صلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإذا جلس في الركعتين جلس على اليسرى ونصب الأخرى، وفي لفظ فافترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمنى على قبلته» ، حديث صحيح [رواه الترمذي] .

مسألة 88: (ويتشهد) كما روى عبد الله بن مسعود قال: «علمني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التشهد - كفي بين كفيه - كما يعلمني السورة من القرآن (التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، (متفق عليه) ، وقال الترمذي: هذا أصح حديث روي في التشهد) » اختاره أحمد كذلك، فإن تشهد بغيره مما صح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتشهد ابن عباس وغيره جاز، نص عليه.

مسألة 89: (ثم يقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) وهو واجب لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث كعب بن عجرة: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك

(1/84)


اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد
(90) ويستحب أن يتعوذ من عذاب القبر ومن عذاب جهنم ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال
(91) ثم يسلم عن يمينه "السلام عليكم ورحمة الله" وعن يساره كذلك)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد» متفق عليه، أمر والأمر يقتضي الوجوب، وقد روي «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد» [رواه مسلم] أي ذلك أجزأه.

مسألة 90: (ويستحب أن يتعوذ) من أربع، وهي ما روى أبو هريرة قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدعو: اللهم إني أعوذ بك (من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال) » متفق عليه.

مسألة 91: (ثم يسلم عن يمينه "السلام عليكم ورحمة الله" وعن يساره كذلك) وهو ركن لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وتحليلها التسليم» رواه أبو داود، وروى ابن مسعود «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسلم عن يمينه: "السلام عليكم ورحمة الله" وعن يساره "السلام عليكم ورحمة الله» وفي لفظ: «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسلم حتى يرى بياض خده عن يمينه وعن يساره» ، رواه مسلم، والتسليمة الثانية سنة؛ لأن عائشة روت «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سلم فسلم مرة واحدة تلقاء وجهه» ، رواه ابن ماجه، وكذلك روي عن سلمة بن الأكوع عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،

(1/85)


(92) وإن كانت الصلاة أكثر من ركعتين نهض بعد التشهد الأول كنهوضه من السجود ثم يصلي ركعتين لا يقرأ فيهما بعد الفاتحة شيئاً
(93) فإذا جلس للتشهد الأخير تورك، فنصب رجله اليمنى، وفرش اليسرى، وأخرجهما عن يمينه
(94) ولا يتورك إلا في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
ولأنه إجماع حكاه ابن المنذر [عمن يحفظه من أهل العلم، وقال عمار بن أبي عمار: كان مسجد الأنصار يسلمون تسليمتين، وكان مسجد المهاجرين يسلمون فيه تسليمة واحدة، ولأن التسليمة الأولى قد خرج بها من الصلاة فلم يجب ما بعدها كالثالثة] .

مسألة 92: (وإن كانت الصلاة أكثر من ركعتين نهض بعد التشهد الأول كنهوضه من السجود ثم يصلي ركعتين لا يقرأ فيهما بعد الفاتحة شيئاً) [ولا يجهر فيهما] لما روى أبو قتادة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ في الظهر في الركعتين الأوليين بأم الكتاب وسورتين وفي الركعتين الأخيرتين بأم الكتاب» [رواه البخاري] ، وكتب عمر إلى شريح أن اقرأ في الركعتين الأوليين بأم الكتاب وسورة وفي الأخريين بأم القرآن، [وترك الجهر اتباعا للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك بنقل الخلف عن السلف] .

مسألة 93: (فإذا جلس للتشهد الأخير تورك، فنصب رجله اليمنى، وفرش اليسرى، وأخرجهما عن يمينه) ، فإن في بعض روايات أبي حميد: «حتى إذا كان في الرابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض وأخرج قدميه من ناحية واحدة» رواه أبو داود، وفي رواية «جلس على إليتيه، وجعل بطن قدمه اليسرى عند مأبض اليمنى، ونصب قدمه اليمنى» كما قال الخرقي، وأيهما فعل جاز.

مسألة 94: (ولا يتورك إلا في صلاة فيها تشهدان في الأخير منهما) لما روى وائل بن حجر «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما جلس للتشهد افترش رجله اليسرى ونصب رجله اليمنى، ولم يفرق بين كونه آخراً أو وسطاً» [رواه أبو داود] ، وفي حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(1/86)


صلاة فيها تشهدان في الأخير منهما
(95) فإذا سلم استغفر ثلاثاً وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام
باب أركان الصلاة وواجباتها (96) أركانها: اثنا عشر: القيام مع القدرة، وتكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة والركوع، والرفع منه، والسجود، والجلوس عنه، والطمأنينة في هذه الأركان، والتشهد الأخير، والجلوس له، والتسليمة الأولى، وترتيبها على ما ذكرناه
(97) فهذه الأركان لا تتم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
كان يقول في كل ركعتين التحية، وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى» ، رواه مسلم، واحتج به أحمد، وهذان الحديثان يقتضيان كل تشهد بالافتراش، إلا أنه خرج من عمومهما التشهد الثاني لحديث أبي حميد، لخصوصه في التشهد الأخير، والخاص يقدم على العام، ففيما عداه يبقى على مقتضى العموم.

مسألة 95: (فإذا سلم استغفر ثلاثاً وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام) ، قال ثوبان: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا انصرف من صلاته قال ذلك» ، رواه مسلم، قال الأوزاعي: يقول: أستغفر الله أستغفر الله.

[باب أركان الصلاة وواجباتها]
مسألة 96: (أركانها اثنا عشر: القيام، وتكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والركوع، والرفع منه، والسجود، والجلوس عنه، والطمأنينة في هذه الأركان، والتشهد الأخير، والجلوس له، والتسليمة الأولى، وترتيبها على ما ذكرناه) وقد سبق ذكر أدلته في صفة الصلاة سوى الترتيب، ودليل أنه ركن في الصلاة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاها مرتبة وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» [رواه البخاري] .

مسألة 97: (فهذه الأركان لا تتم الصلاة إلا بها) بدليل قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للأعرابي: «ارجع فصل فإنك لم تصل» [رواه مسلم] حين ترك هذه الأفعال.

(1/87)


الصلاة إلا بها
(98) وواجباتها سبعة: التكبير غير تكبيرة الإحرام، والتسبيح في الركوع والسجود مرة مرة، والتسميع والتحميد في الرفع من الركوع، وقول: ربي اغفر لي" بين السجدتين، والتشهد الأول، والجلوس له، والصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التشهد الأخير، فهذه إن تركها عمداً بطلت صلاته، وإن تركها سهواً سجد لها
(99) وما عدا هذا فسنن لا تبطل الصلاة بعمدها. ولا يجب السجود لسهوها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 98: (وواجباتها سبعة: التكبير غير تكبيرة الإحرام، والتسبيح في الركوع والسجود مرة مرة، والتسميع والتحميد في الرفع من الركوع، وقول "رب اغفر لي" بين السجدتين، والتشهد الأول، والجلوس له، والصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التشهد الأخير، فهذه إن تركها عمداً بطلت صلاته، وإن تركها سهواً جبرها بالسجود) لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما ترك التشهد الأول وقام إلى الثالثة سبحوا له فلم يرجع، حتى إذا جلس للتسليم سجد سجدتين وهو جالس» [رواه الترمذي] ولولا أن التشهد يسقط بالسهو لرجع إليه ولما سجد جبراً لنسيانه، فدل على وجوبه ووجوب السجود له، وغير التشهد من الواجبات مقيس عليه ومشبه به، ولا يمتنع أن يكون للعبادات واجبات تجبر إذا تركها وواجبات لا تجبر فلا تصح العبادات بدونها سميت لذلك أركاناً، كالحج في واجباته وأركانه، وعنه أنها سنة سبق توجيهها في صفة الصلاة، فعلى هذا لا تبطل الصلاة بتركها، وحكمها في السجود حكم السنن على ما يأتي.

مسألة 99: (وما عدا هذا فسنن لا تبطل الصلاة بتركها ولا يشرع السجود لها) وهي قسمان: سنن أقوال، وسنن أفعال: فأما سنن الأقوال فقد ذكر عنه في الجهر والإخفات روايتان:
إحداهما: لا يشرع له السجود قياساً على رفع اليدين.
والأخرى: يشرع لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين» [رواه مسلم] .
وإذا قلنا يشرع فهو مستحب نص عليه فقال: إن شاء سجد، ولأنه شرع جبراً لما ليس بواجب فأولى أن لا يكون واجباً، وفي بقيتها وجهان قياساً على الجهر والإخفات، وأما سائر السنن فقال القاضي: لا يسجد لها بحال ولا نعلم أحداً خالف هذا لأنه ليس من جنسه ما شرع له السجود.

(1/88)


باب سجدتي السهو (100) والسهو على ثلاثة أضرب: أحدها: زيادة فعل من جنس الصلاة كركعة أو ركن، فتبطل الصلاة بعمده ويسجد لسهوه
(101) وإن ذكر وهو في الركعة الزائدة جلس في الحال
(102) وإن سلم عن نقص في صلاته أتى بما بقي عليه منها ثم سجد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[باب سجدتي السهو]
مسألة 100: (والسهو على ثلاثة أضرب: أحدها زيادة فعل من جنسها كركعة أو ركن، فتبطل الصلاة بعمده لما سبق ويسجد لسهوه) لما روى ابن مسعود قال: «صلى بنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمساً، فلما انفتل من الصلاة توشوش القوم بينهم، فقال: "ما شأنكم" قالوا: يا رسول الله هل زيد في الصلاة شيء؟ قال: "لا" قالوا: فإنك صليت خمساً، فانفتل فسجد سجدتين ثم سلم، ثم قال: "إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين» وفي لفظ «فإذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين» رواه مسلم.

مسألة 101: (وإن ذكر وهو في الركعة الزائدة جلس في الحال) ، فإن لم يجلس في الحال بطلت صلاته لأنه ترك الواجب عمداً.

مسألة 102: (وإن سلم عن نقص في صلاته أتى بما بقي عليه منها ثم سجد) لما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «صلى بنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إحدى صلاتي العشاء فصلى ركعتين ثم سلم فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فوضع يديه عليها كأنه غضبان وخرجت السرعان من المسجد فقالوا: أقصرت الصلاة؟ وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه، وفي القوم رجل في يديه طول يقال له ذو اليدين، فقال: يا رسول الله، أنسيت أم قصرت الصلاة؟ قال: "لم أنس ولم تقصر" فقال: "أكما يقول ذو اليدين " قالوا: نعم، فتقدم فصلى ما ترك من صلاته، ثم سلم ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه

(1/89)


(103) ولو فعل ما ليس من جنس الصلاة لاستوى عمده وسهوه، فإن كان كثيراً أبطلها، وإن كان يسيراً - «كفعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حمله أمامة وفتحه الباب لعائشة» - فلا بأس، الضرب الثاني: النقص كنسيان واجب، فإن قام عن التشهد الأول فذكر قبل أن يستتم قائماً رجع فأتى به
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
فكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه فكبر، فقال: ربما سألوه، ثم سلم قال: نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم» ، متفق عليه.

مسألة 103: (ولو فعل ما ليس من جنس الصلاة لاستوى عمده وسهوه) يعني في الإبطال (فإن كان كثيراً) في العادة متوالياً كالمشي والحك والتروح (يبطل) إجماعاً، لأنه من غير جنس الصلاة ولا يشرع له سجود لذلك (وإن قل لم يبطلها) لما روى أبو قتادة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى وهو حامل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع إذا قام حملها وإذا سجد وضعها» ، متفق عليه، وروي «أنه فتح الباب لعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وهو في الصلاة» [رواه النسائي] (والقليل ما شابه فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في فتحه الباب وحمله أمامة) والكثير ما عد في العرف كثيراً فيبطل، إلا أن يفعله متفرقاً بدليل حمل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأمامة في صلاته حيث فعله متفرقاً لم يبطل وإن كان كثيراً.
(الضرب الثاني النقص كنسيان واجب، فإن قام عن التشهد فذكر قبل أن يستتم قائماً رجع فأتى به) لما روى لمغيرة بن شعبة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا قام أحدكم في الركعتين ولم يستتم قائماً فليجلس، فإذا استتم قائماً فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو» رواه أبو داود، ولأنه أخل بواجب وذكر قبل الشروع في ركن مقصود فلزمه الإتيان به كما لو لم تفارق إليتاه الأرض.

(1/90)


(104) وإن استتم قائماً لم يرجع
(105) وإن نسي ركناً فذكره قبل شروعه في قراءة ركعة أخرى رجع فأتى به وبما بعده) (وإن ذكره بعد ذلك بطلت الركعة التي تركه منها
(106) وإن نسي أربع سجدات من أربع ركعات فذكر في التشهد سجد في الحال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 104: (وإن استتم قائماً لم يرجع) للخبر، ولأنه تلبس بركن فلم يرجع إلى واجب.

مسألة 105: (وإن نسي ركناً فذكره قبل شروعه في قراءة ركعة أخرى رجع فأتى به وبما بعده) لأنه ذكره في موضعه فيأتي به، كما لو ترك سجدة من الركعة الأخيرة فذكرها قبل السلام فإنه يأتي بها في الحال، (وإن ذكره بعد ذلك بطلت الركعة التي تركه منها) وصارت الثانية أولاه ويسجد قبل السلام بدليل المزحوم عن السجود في الجمعة إذا زال الزحام والإمام راكع في الثانية فإنه يتبعه ويسجد معه ويكون السجود من الثانية لا تتم به الأولى كذلك هنا.

مسألة 106: (وإن نسي أربع سجدات من أربع ركعات فذكر في التشهد سجد سجدة في الحال فصحت له ركعة، ثم يأتي بثلاث ركعات) ويسجد للسهو، لأنه إذا ترك السجدة من الركعة الأولى فشرع في قراءة الركعة الثانية بطلت الأولى لما بيناه في التي قبلها، وإذا ترك من الثانية سجدة ثم شرع في قراءة الركعة الثالثة بطلت الثانية وكذلك الثالثة، فإذا ترك من الرابعة سجدة وذكر في التشهد سجد سجدة وتصح له ركعة لأنه ذكره في موضعه ويأتي بثلاث ركعات ويسجد قبل السلام، ودليل ذلك مسألة المزحوم في الجمعة، وعنه تبطل صلاته لأنه يفضي إلى عمل كثير غير معتد به.
(الضرب الثالث: الشك، فمن شك في ترك ركن فهو كتركه له) لأن الأصل عدمه، (وإن شك في عدد الركعات بنى على اليقين) لما روى أبو سعيد قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أو أربعاً فليطرح الشك وليبن على ما تيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته، وإن كان صلى أربعاً كانت ترغيماً للشيطان» رواه مسلم، وعنه يبني على غالب ظنه ويتم

(1/91)


فصحت له ركعة، ثم يأتي بثلاث ركعات، الضرب الثالث: الشك، فمن شك في ترك ركن فهو كتركه له، ومن شك في عدد الركعات بنى على اليقين
(107) إلا الإمام خاصة فإنه يبني على غالب ظنه
(108) ولكل سهو سجدتان قبل السلام، إلا من سلم عن نقص في صلاته، والإمام إذا بنى على غالب ظنه
(109) والناسي للسجود قبل السلام فإنه يسجد سجدتين بعد سلامه ثم يتشهد ويسلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
صلاته ويسجد بعد السلام، لما روى ابن مسعود قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، وليتم ما بقي عليه، ثم يسجد سجدتين» متفق عليه، وللبخاري: بعد التسليم.

مسألة 107: (إلا الإمام خاصة فإنه يبني على غالب ظنه) لأن له من يذكره إن غلط فلا يخرج منها على شك، والمنفرد يبني على اليقين لأنه لا يأمن الخطأ وليس له من يذكره فيلزمه البناء على اليقين كيلا يخرج من الصلاة شاكاً، وهذا ظاهر المذهب، فيحمل حديث ابن مسعود على الإمام وحديث أبي سعيد على المنفرد جمعاً بين الحديثين، وعنه يبني الإمام على اليقين كالمنفرد.

مسألة 108: (ولكل سهو سجدتان قبل السلام) لحديث أبي سعيد (إلا في موضعين: أحدهما إذا سلم من نقص في صلاته) ناسياً فإنه إذا لم يطل الفصل يأتي بما ترك ويتشهد ويسلم، لحديث أبي هريرة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بهم إحدى صلاتي العشاء فسلم من ركعتين» ..، الحديث [رواه البخاري] ، (و) الموضع الثاني (إذا بنى الإمام على غالب ظنه) فإنه يسجد بعد السلام لحديث ابن مسعود [رواه مسلم] وعنه ما كان من زيادة فهو بعد السلام لحديث ذي اليدين وحديث ابن مسعود [رواه مسلم] وما كان من نقص كان قبله لحديث ابن بحينة حين ترك التشهد الأول.

مسألة 109: (والناسي للسجود قبل السلام فإنه يسجد سجدتين بعد السلام ثم يتشهد ويسلم) وذلك ما لم يطل الفصل أو يخرج من المسجد، لما روى ابن مسعود أن

(1/92)


(110) وليس على المأموم سجود سهو، إلا أن يسهو إمامه فيسجد معه
(111) ومن سها إمامه أو نابه أمر في صلاته فالتسبيح للرجال والتصفيق للنساء
باب صلاة التطوع وهي على خمسة أضرب: أحدها: السنن الرواتب، وهي التي «قال ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: عشر ركعات حفظتهن من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سجد بعد السلام والكلام، رواه مسلم، وحديث ذي اليدين، وإن طال الفصل لم يسجد، واختلف في المدة فقال الخرقي: ما لم يخرج من المسجد وإن خرج لم يسجد، نص عليه لأنه محل الصلاة وموضعها فاعتبرت المدة كخيار المجلس، وقال القاضي: إن طال الفصل لم يسجد وإن لم يطل سجد، ويرجع في الطول والقصر إلى العادة لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجع إلى المسجد بعدما خرج منه فأتم صلاته في حديث عمران بن حصين [رواه مسلم] ، فالسجود أولى، وعنه يسجد وإن خرج وتباعد لأنه جبران فيأتي به بعد طول الزمان كجبرانات الحج، قال مالك يأتي به ولو بعد شهر.

مسألة 110: (وليس على المأموم سجود إلا أن يسهو إمامه) لما روى ابن عمر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس على من خلف الإمام سهو، فإن سها إمامه فعليه وعلى من خلفه» رواه الدارقطني، ولأن المأموم تابع للإمام (فلزمه متابعته في السجود) وفي تركه، لقوله: «إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه» [رواه مسلم] .

مسألة 111: (ومن سها إمامه أو نابه أمر في صلاته فالتسبيح للرجال والتصفيق للنساء) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا نابكم أمر فليسبح الرجال وليصفق النساء» متفق عليه.

[باب صلاة التطوع]
(وهي على خمسة أضرب: أحدها: السنن الراتبة، وهي عشر ركعات، قال ابن عمر: «حفظت من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين

(1/93)


بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل الفجر» ، وحدثتني حفصة: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا طلع الفجر وأذن المؤذن صلى ركعتين» وهما آكدها
(112) ويستحب تخفيفهما، وفعلهما في البيت أفضل
(113) وكذلك ركعتا المغرب الضرب الثاني الوتر ووقته ما بين العشاء والفجر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
بعد المغرب في بيته وركعتين بعد العشاء في بيته وركعتين قبل الصبح، كانت ساعة لا يدخل على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيها، وحدثتني حفصة أنه كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر صلى ركعتين» متفق عليه، وآكدها ركعتا الفجر) قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن على شيء من النوافل أشد تعاهداً منه على ركعتي الفجر» [رواه مسلم] ، وقال: «ركعتا الفجر أحب إلي من الدنيا وما فيها» رواه مسلم، وقال: «صلوها ولو طردتكم الخيل» رواه أبو داود.

مسألة 112: (ويستحب تخفيفهما) لأن عائشة قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخفف الركعتين قبل الصلاة حتى أقول هل قرأ فيهما بأم القرآن» ، أخرجه أبو داود.

مسألة 113: (وكذلك ركعتا المغرب) لأنها سنة المغرب، والمغرب يستحب تخفيفها فكذلك سنتها.
(الضرب الثاني الوتر ووقتها ما بين العشاء والفجر) لما روى أبو بصرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الله زادكم صلاة فصلوها ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح، الوتر الوتر» رواه أحمد، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة» متفق عليه.

(1/94)


(114) وأقله ركعة
(115) وأكثره إحدى عشرة
(116) وأدنى الكمال ثلاث بتسليمتين
(117) ويقنت في الثالثة بعد الركوع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 114: (وأقله ركعة) لما روى أبو أيوب أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الوتر حق على كل مسلم، فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل» رواه أبو داود.

مسألة 115: (وأكثره إحدى عشرة ركعة) لما روت عائشة قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي ما بين العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة» ، متفق عليه.

مسألة 116: (وأدنى الكمال ثلاث بتسليمتين) لما روى عبد الله «أن رجلاً سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الوتر فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "افصل بين الواحدة والثنتين بالتسليم» رواه الأثرم.

مسألة 117: (ويقنت بعد الركوع) لما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قنت بعد الركوع» ، رواه مسلم، والقنوت الدعاء، وهو ما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قنت فقال: " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك ونؤمن بك ونتوب إليك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله، ونشكرك ولا نكفرك، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق، اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك " وهاتان السورتان في مصحف أبي، وروى الحسن قال: «علمني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلمات أقولهن في الوتر: "اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي

(1/95)


الضرب الثالث: التطوع المطلق، وتطوع الليل أفضل من تطوع النهار
(118) والنصف الأخير أفضل من الأول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت» رواه الترمذي وقال: لا يعرف عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في القنوت أحسن من هذا، وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول في آخر الوتر: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» رواه الطيالسي وأبو داود.
(الثالث التطوع المطلق، وتطوع الليل أفضل من تطوع النهار) لأن الله سبحانه أمر به نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1] {قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا} [المزمل: 2] ، وقال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79] وروى أبو هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل» قال الترمذي: حديث صحيح.

مسألة 118: (والنصف الأخير من الليل أفضل من النصف الأول) لما روي عن عائشة قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينام أول الليل ويحيي آخره، ثم إن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته ثم ينام، فإذا كان عند النداء الأول وثب فأفاض عليه الماء، وإن لم يكن جنباً توضأ» [رواه مسلم] .

(1/96)


(119) وصلاة الليل مثنى مثنى
(120) وصلاة القاعد على النصف من صلاة القائم، الضرب الرابع: ما تسن له الجماعة وهو ثلاثة أنواع: أحدها: التراويح وهي عشرون ركعة بعد العشاء في رمضان، والثاني: صلاة الكسوف، فإذا كسفت الشمس أو القمر فزع الناس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 119: (وصلاة الليل مثنى مثنى) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلاة الليل مثنى مثنى» متفق عليه.

مسألة 120: (وصلاة القاعد على النصف من صلاة القائم) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة» رواه مسلم، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من صلى قائماً فهو أفضل، ومن صلى قاعداً فله نصف أجر صلاة القائم» رواه البخاري، وقالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يمت حتى كان كثير من صلاته وهو جالس» ، أخرجه مسلم.
(الرابع ما تسن له الجماعة، وهو ثلاثة أنواع: أحدها التراويح، وهي عشرون ركعة بعد العشاء في رمضان) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من صام رمضان وأقامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه، وقام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأصحابه ثلاثاً ثم تركها خشية أن تفرض، فكان الناس يصلون لأنفسهم، حتى خرج عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهم أوزاع يصلون فجمعهم على أبي بن كعب، قال السائب بن زيد: لما جمع عمر الناس على أبي بن كعب كان يصلي بهم عشرين ركعة، والسنة فعلها جماعة كذلك أخرجه البخاري.
(النوع الثاني صلاة الكسوف، فإذا انكسفت الشمس أو القمر فزع الناس إلى الصلاة) لما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «خسفت الشمس على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فبعث منادياً ينادي: "الصلاة جامعة" وخرج إلى المسجد فصف الناس وراءه وصلى أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات» ، متفق عليه، وروى ابن مسعود قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

(1/97)


إلى الصلاة
(121) إن أحبوا جماعة وإن أحبوا أفراداً
(122) فيكبر ويقرأ الفاتحة وسورة طويلة ثم يركع ركوعاً طويلاً، ثم يرفع فيقرأ الفاتحة وسورة طويلة دون التي قبلها، ثم يركع فيطيل دون الذي قبله، ثم يرفع ثم يسجد سجدتين طويلتين، ثم يقوم فيفعل مثل ذلك فتكون أربع ركعات وأربع سجدات، الثالث: صلاة الاستسقاء، إذا أجدبت الأرض واحتبس القطر خرج الناس مع الإمام متخشعين متبذلين متذللين متضرعين، فيصلي بهم ركعتين كصلاة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
«إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل يخوف بهما عباده، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد من الناس، فإذا رأيتم منها شيئاً فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم» رواه البخاري عن أبي بكر.

مسألة 121: (إن أحبوا جماعة وإن أحبوا فرادى) لإطلاق الأمر بها في حديث أبي مسعود [رواه مسلم] ، والأفضل الجماعة لفعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بها في جماعة [رواه البخاري] .

مسألة 122: (فيكبر ويقرأ الفاتحة وسورة طويلة ويفعل ما روت عائشة) «قالت: خسفت الشمس في حياة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فخرج إلى المسجد فقام فكبر وصف الناس وراءه فاقترأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قراءة طويلة، ثم كبر وركع ركوعاً طويلاً، ثم رفع رأسه وقال: "سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد" ثم قام فاقترأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى، ثم كبر وركع ركوعاً هو أدنى من ركوعه الأول ثم قال: "سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد" ثم سجد، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك (حتى استكمل أربع ركعات وأربع سجدات) فانجلت الشمس» ، متفق عليه، وفي رواية، «فرأيت أنه قرأ في الأولى سورة البقرة وفي الثانية بسورة آل عمران» .
(الثالث: صلاة الاستسقاء، إذا أجدبت الأرض واحتبس القطر خرجوا مع الإمام) على «الصفة التي خرج عليها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للاستسقاء (متبذلاً متواضاً متخشعاً متضرعاً)

(1/98)


العيد
(123) ثم يخطب بهم خطبة واحدة
(124) ويكثر فيها من الاستغفار وتلاوة الآيات التي فيها الأمر به
(125) ويحول الناس أرديتهم
(126) وإن خرج معهم أهل الذمة لم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
حتى أتى المصلى، فلم يخطب كخطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير، (وصلى ركعتين كما يصلي في العيدين) » حديث صحيح [رواه الترمذي] .

مسألة 123: (ثم يخطب خطبة واحدة) يفتحها بالتكبير كخطبة العيد بعد الصلاة لأن أبا هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: صلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم خطب بنا [رواه أحمد] وهذا صريح ولأنها تشبه صلاة العيد وخطبتها بعد الصلاة، وعنه لا يخطب لقول ابن عباس لم يخطب كخطبتكم هذه.

مسألة 124: (ويكثر فيها من الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر به) مثل {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 11] ، {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 3] .

مسألة 125: (ويحول الناس أرديتهم) وهو أن يجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل ذلك تفاؤلاً أن يحول الله الجدب خصباً، وروى سعيد بإسناده «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج إلى المصلى فاستسقى، فاستقبل القبلة وقلب رداءه وصلى ركعتين» ، قال سفيان: جعل اليمين على الشمال.

مسألة 126: (وإن خرج أهل الذمة لم يمنعوا) لأنهم يطلبون الرزق فلا يمنعون منه (وينفردون عن المسلمين) [بحيث إن أصابهم عذاب لم يصب غيرهم] .

(الخامس سجود التلاوة، وهي أربع عشرة سجدة، في الحج منها اثنتان) لما روى عمرو بن العاص: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقرأه خمس عشرة سجدة، منها ثلاث في المفصل

(1/99)


يمنعوا، ويؤمروا أن ينفردوا عن المسلمين
الضرب الخامس سجود التلاوة، وهي أربع عشرة سجدة، في الحج منها اثنتان
(127) ويسن السجود للتالي والمستمع دون السامع
(128) ويكبر إذا سجد وإذا رفع رأسه، ثم يسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
واثنتان في الحج» رواه أبو داود، والصحيح أن سجدة ص ليست من عزائم السجود، قاله ابن عباس رواه أبو داود، وقد روى عقبة بن عامر أنه قال: «يا رسول الله في الحج سجدتان؟ قال: "نعم، فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما» رواه أبو داود.

مسألة 127: (ويسن السجود للتالي والمستمع دون السامع) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سجد وسجد أصحابه معه ولا نعلم فيه خلافاً، وروى مسلم عن ابن عمر قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ علينا السورة في غير الصلاة فيسجد ونسجد معه حتى لا يجد أحدنا مكاناً لموضع جبهته» [رواه مسلم] ، فأما السامع غير القاصد للسماع فلا يستحب له، لما روي عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه مر بقاص فقرأ القاص سجدة ليسجد عثمان معه فلم يسجد وقال: إنما السجدة على من استمع، وقال عمر وابن مسعود، وإنما جلسنا لها، ولا مخالف لهما في عصرهم إلا قول ابن عمر: إنما السجدة على من سمعها، فيحتمل أنه أراد من سمع عن قصد فيحمل كلامه عليه جمعاً بين أقوالهم.

مسألة 128: (ويكبر إذا سجد وإذا رفع ثم يسلم) لأن ابن عمر قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه» [رواه أبو داود] ،

(1/100)


باب الساعات التي نهي عن الصلاة فيها وهي خمس: بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد طلوعها حتى ترتفع قيد رمح، وعند قيامها حتى تزول، وبعد العصر حتى تتضيف الشمس للغروب. وإذا تضيفت حتى تغرب
(129) فهذه الساعات التي لا يصلي فيها تطوعاً إلا في إعادة الجماعة إذا أقيمت وهو في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
ويكبر للرفع منه لأنها صلاة ذات إحرام أشبهت صلاة الجنازة، ويسلم أيضاً عند فراغه لذلك.

[باب الساعات التي نهي عن الصلاة فيها]
(وهي خمس: بعد طلوع الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس، وعند طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح، وعند قيامها حتى تزول، وإذا تضيفت للغروب حتى تغرب) والأصل فيها أحاديث: منها ما روي عن ابن عباس قال: شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس» [رواه البخاري] ، وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس» متفق عليهما، وفي لفظ لمسلم عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا بدا حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تبرز، وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب» [رواه مسلم] وله عن عقبة بن عامر قال: «ثلاث ساعات كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل، وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب» [رواه مسلم] .

مسألة 129: (فهذه الساعات لا يجوز أن يصلي فيها تطوعاً لذلك إلا إعادة الجماعة إذا أقيمت وهو في المسجد) وقد كان صلى، لما روى جابر بن زيد عن أبيه

(1/101)


المسجد
(130) وركعتي الطواف بعده
(131) والصلاة على الجنازة
(132) وقضاء الرواتب في وقتين منها وهما بعد الفجر وبعد العصر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
قال: «شهدت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حجته فصليت معه صلاة الفجر، فلما قضى صلاته إذا هو برجلين في آخر القوم لم يصليا معه فقال: "ما منعكما أن تصليا معنا؟ " فقالا: يا رسول الله صلينا في رحالنا، فقال: "لا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم، فإنها لكما نافلة» [رواه الترمذي] [وهذا الحديث في الصحيح] رواه الأثرم، ورواه الترمذي ولفظه: «إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام فليصل معه فإنها له نافلة» [رواه أبو داود] وقال: حديث حسن [صحيح، وهذا بعمومه دليل على جواز الإعادة على الإطلاق في كل صلاة] .

مسألة 130: (وركعتي الطواف) لما روى جبير بن مطعم أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى في أي ساعة من ليل أو نهار» رواه الترمذي، وقال: حديث صحيح، وهو عام.

مسألة 131: (والصلاة على الجنازة) ولا خلاف فيها، قال ابن المنذر: إنها تصلى في وقت النهي.

مسألة 132: (وقضاء السنن الرواتب في وقتين منها وهما بعد الفجر وبعد العصر) لما روى قيس بن قهد قال: «رآني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا أصلي ركعتي الفجر بعد صلاة الصبح فقال: "ما هاتان الركعتان يا قيس " قلت: يا رسول الله لم أكن صليت ركعتي الفجر فهما هاتان، فسكت» ، وسكوته دليل على الجواز، لأنه لا يقر على الخطأ، رواه أحمد

(1/102)


(133) ويجوز قضاء المفروضات
باب الإمامة روى أبو مسعود البدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء قأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سناً، ولا يؤمن الرجل الرجل في بيته، ولا في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
وأبو داود، وقال: إسناده ليس بمتصل، محمد بن إبراهيم، لم يسمع من قيس، وروى مسلم عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينهى عنهما ثم رأيته يصليهما، وقال: «يا بنت أبي أمية أتاني أناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر، فهما هاتان» [ولأن لها سببا فجازت في وقت النهي كركعتي الطواف] ، وصح من حديث عائشة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى الركعتين اللتين قبل العصر بعدها» (صحيح) .

مسألة 133: (ويجوز قضاء الفوائت المفروضات) في جميع الأوقات، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها» متفق عليه، وفي حديث أبي قتادة: «وإنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى، فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها» [رواه مسلم] ، ولأنه وقت نهي فجاز فيه قضاء الفوائت كالوقتين فإن من خالف فيها سلم في وقتين وخالف في ثلاثة وهي المذكورة في حديث عقبة بن عامر إلا عصر يومه فإنه سلم أن يصليها قبل غروب الشمس.

[باب الإمامة]
(روى أبو مسعود البدري أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سناً - أو قال سلماً - ولا يؤمن الرجل الرجل في بيته ولا في سلطانه، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه» رواه مسلم، وقال لمالك بن الحويرث وصاحبه: «إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكما وليأمكما أكبركما" وكانت قراءتهما متقاربة» حديث صحيح [رواه مسلم] .

(1/103)


سلطانه، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه» وقال لمالك بن الحويرث وصاحبه: «إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكما وليؤمكما أكبركما، وكانت قراءتهما متقاربة»
(134) ولا تصح الصلاة خلف من صلاته فاسدة، إلا لمن لم يعلم بحدث نفسه ولم يعلمه المأموم حتى سلم فإنه يعيد وحده
(135) ولا تصح خلف تارك ركن، إلا إمام الحي إذا صلى جالساً لمرض يرجى برؤه فإنهم يصلون وراءه جلوساً
(136) إلا أن يبتدئها قائماً ثم يعتل فيجلس فإنهم يأتمون وراءه قياماً
(137) ولا تصح إمامة المرأة بالرجال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 134: (ولا تصح الصلاة خلف من صلاته فاسدة) كالمحدث الذي يعلم حدث نفسه لفوات الشرط (فإن جهل هو والمأموم حتى قضوا الصلاة صحت صلاة المأموم وحده) لما روي أن عمر صلى بالناس الصبح ثم خرج إلى الجرف فأهرق الماء، فوجد في ثوبه احتلاماً فأعاد الصلاة ولم يعد الناس [رواه مالك] ، وروى الأثرم نحو هذا عن عثمان وعلي وابن عمر ولم يعرف لهم مخالف فكان إجماعاً، ولأن هذا مما يخفى فكان المأموم معذوراً في الاقتداء به.

مسألة 135: (ولا تصح خلف تارك ركن، إلا إمام الحي إذا صلى جالساً لمرض يرجى برؤه فإنهم يصلون وراءه جلوساً) لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بهم جالساً فصلى قوم وراءه قياماً فأشار إليهم أن اجلسوا، ثم قال: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون» متفق عليه.

مسألة 136: (فإن ابتدأ بهم الصلاة قائماً ثم اعتل وجلس أتموا خلفه قياماً) لأن عائشة قالت: «لما ثقل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس" فلما دخل أبو بكر في الصلاة خرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فجاء حتى جلس عن يسار أبي بكر فكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي بالناس جالساً وأبو بكر قائم يقتدي بصلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر» ، متفق عليه، فأتموا قياماً لابتدائهم قياماً.

مسألة 137: (ولا تصح إمامة المرأة بالرجال) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تؤمن امرأة رجلاً» رواه ابن ماجه من حديث جابر، ولأنها ليست من أهل الكمال أشبهت الصبي.

(1/104)


(138) ومن به سلس البول
(139) والأمي الذي لا يحسن الفاتحة أو يخل بحرف منها إلا بمثلهم
(140) ويجوز ائتمام المتوضئ بالمتيمم
(141) والمفترض بالمتنفل
(142) وإذا كان المأموم واحداً وقف عن يمين الإمام)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 138: (ولا تصح إمامة من به سلس البول) والمستحاضة لأنه أخل بشرط وهي الطهارة.

مسألة 139: (ولا تصح إمامة الأمي الذي لا يحسن الفاتحة أو يخل بحرف منها إلا بمثله) لأنه عجز عن ركن الصلاة أشبه من عجز عن السجود.

مسألة 140: (ويجوز ائتمام المتوضئ بالمتيمم) لأن المتيمم العادم للماء كالمتوضئ القادر على الماء، لأن «عمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صلى بأصحابه في غزوة ذات السلاسل بالتيمم وأخبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك فلم ينكر عليه» [رواه أبو داود] .

مسألة 141: (ويصح ائتمام المفترض بالمتنفل) لما روى جابر: «أن معاذاً كان يصلي مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم يرجع فيصلي بقومه تلك الصلاة» ، متفق عليه، وروى الأثرم: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بطائفة من أصحابه في الخوف ركعتين ثم سلم، ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين أيضاً ثم سلم» [رواه البخاري] ، والثانية منهما تقع نافلة وقد أم بها مفترضين، ولأنهما صلاتان اتفقتا في الأفعال فجاز ائتمام المصلي في إحداهما بالمصلي في الأخرى كالمتنفل خلف المفترض، وعنه لا يجوز، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه» متفق عليه، ولأن صلاة المأموم لا تتأدى بنية الإمام فأشبهت الجمعة خلف من يصلي الظهر، والأولى أولى، فالمراد بقوله: «لا تختلفوا على أئمتكم» يعني في الأفعال، ولهذا قال: «فإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا» ولهذا يصح ائتمام المتنفل بالمفترض مع اختلاف نيتهما، والقياس ينتقض بالمسبوق في الجمعة يدرك أقل من ركعة ينوي الظهر خلف من يصلي الجمعة.

مسألة 142: (وإذا كان المأموم واحدا وقف عن يمين الإمام) إن كان ذكراً، لما

(1/105)


(فإن وقف عن يساره أو قدامه
(143) أو وحده لم تصح
(144) إلا أن تكون امرأة فتقف وحدها خلفه
(145) وإن كانوا جماعة وقفوا خلفه
(146) فإن وقفوا عن يمينه أو عن جانبيه صح
(147) فإن وقفوا قدامه أو عن يساره لم تصح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
روي عن ابن عباس قال: «بت عند خالتي ميمونة، فقام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي من الليل، فقمت فوقفت عن يساره، فأخذ بذؤابتي فأدارني عن يمينه» ، متفق عليه.
(فإن وقف عن يساره لم تصح صلاته) للحديث.

مسألة 143: (فإن وقف وحده خلف الصف لم يصح) لما روى أبو داود بإسناده عن وابصة بن معبد: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد» [رواه أبو داود] ، قال أحمد: حديث وابصة حسن، قال ابن المنذر: ثبت الحديث، وفي حديث علي بن شيبان أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لرجل فرد خلف الصف: «استقبل صلاتك، ولا صلاة لفرد خلف الصف» رواه الأثرم [رواه أحمد] وهو نص.

مسألة 144: (إلا أن تكون امرأة فتقف وحدها خلفه) لما روى أنس قال: «قام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصففت أنا واليتيم وراءه، والمرأة خلفنا، فصلى ركعتين» ، متفق عليه.

مسألة 145: (وإن كانوا جماعة وقفوا خلفه) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي بأصحابه فيقفون خلفه، ولما وقف جابر وجبار عن يمينه وشماله أخرهما بيده إلى خلفه.

مسألة 146: (فإن وقفوا عن يمينه أو عن جانبيه صح) لما روي «أن ابن مسعود صلى بين علقمة والأسود، فلما فرغوا قال: هكذا رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فعل، رواه أبو داود.

مسألة 147: (فإن وقفوا قدامه لم يصح) لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما جعل الإمام

(1/106)


(148) وإن صلت امرأة بنساء قامت معهن في الصف وسطهن
(149) وكذلك إمام الرجال العراة يقوم وسطهم
(150) وإن اجتمع رجال وصبيان وخناثى ونساء قدم الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء
(151) ومن كبر قبل سلام الإمام فقد أدرك الجماعة
(152) ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة وإلا فلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
ليؤتم به» [رواه مسلم] لأنهم يرونه فيقتدون به، بخلاف ما لو كانوا قدامه، ولأنه أخطأ موقفه فلم تصح صلاته كما لو صلى في بيته بصلاة الإمام.

مسألة 148: (وإن صلت امرأة بالنساء قامت معهن في الصف وسطاً) لما روى سعيد بن منصور أن أم سلمة أمت النساء فقامت وسطهن، وروي عن إبراهيم قال: تؤم المرأة النساء في رمضان، وتقوم معهن في صفهن، يركعن بركوعها ويسجدن بسجودها، ولأن المرأة يستحب لها التستر فلهذا يستحب لها ترك التجافي، وكونها في وسط الصف أستر لها فاستحب لها ذلك كالعريان.

مسألة 149: (وكذلك إمام الرجال العراة يقوم وسطهم) ليكون أستر له فلا يرون عورته.

مسألة 150: (فإن اجتمع رجال وصبيان وخناثى ونساء تقدم الرجال) لأنهم أفضل (ثم الصبيان) لأنهم يلونهم في الفضيلة (ثم الخناثى) لاحتمال أن يكونوا رجالاً (ثم النساء) والأصل في ذلك ما روي عن أبي مالك الأشعري أنه قال: «ألا أحدثكم بصلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: أقام الصلاة فصف الرجال ثم صف خلفهم الغلمان ثم صلى بهم، قال: هكذا، قال عبد الأعلى: لا أحسبه إلا قال: صلاة أمتي» [رواه أبو داود] .

مسألة 151: (ومن كبر قبل سلام الإمام فقد أدرك الجماعة) ، لأنه أدرك جزءاً من صلاة الإمام فأشبه ما لو أدرك ركعة، ولأنه إذا أدرك جزءاً من الصلاة فدخل مع الإمام لزمه أن ينوي الصفة التي هو عليها وهو كونه مأموماً فيدرك فضل الجماعة.

مسألة 152: (ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة وإلا فلا) لما روى أبو هريرة

(1/107)


باب صلاة المريض والمريض إذا كان القيام يزيد في مرضه صلى جالساً، فإن لم يطق فعلى جنبه، «لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمران بن حصين: "صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنبك»
(153) فإن شق عليه فعلى ظهره
(154) فإن عجز عن الركوع والسجود أومأ إيماء
(155) وعليه قضاء ما فاته من الصلوات في إغمائه
(156) وإن شق عليه فعل كل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا أدركتم السجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً، ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة» رواه أبو داود.

[باب صلاة المريض]
(والمريض إذا كان القيام يزيد في مرضه صلى جالساً، فإن لم يطق فعلى جنب، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لعمران بن حصين: «صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنبك» (رواه البخاري) وأجمعوا على أن فرض من لا يطيق القيام أن يصلي جالساً.

مسألة 153: (فإن شق عليه) يعني الصلاة على جنبه (صلى على ظهره) ووجهه ورجلاه إلى القبلة لأن ذلك أسهل عليه.

مسألة 154: (فإن عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما) ، لأنه عاجز عنهما، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه اعتباراً بأصلهما.

مسألة 155: (وعليه قضاء ما فاته من الصلوات في إغمائه) كالنائم، ثم يقضي ما فاته من الصلوات.

مسألة 156: (وإن شق عليه فعل كل صلاة في وقتها فله الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما) لأن ابن عباس قال: «جمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر» ، متفق عليه، وقد أجمعنا على أن الجمع لا يجوز من غير عذر فلم يبق إلا لمرض، ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر

(1/108)


صلاة في وقتها فله الجمع بين الظهر والعصر وبين العشاءين في وقت إحداهما
(157) فإن جمع في وقت الأولى اشترط نية الجمع عند فعلها ويعتبر استمرار العذر حتى يشرع في الثانية منهما
(158) ولا يفرق بينهما إلا بقدر الوضوء
(159) وإن أخر اعتبر استمرار العذر إلى دخول وقت الثانية، وأن ينوي الجمع في وقت الأولى قبل أن يضيق عن فعلها
(160) ويجوز الجمع للمسافر الذي له القصر
(161) ويجوز في المطر بين العشاءين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
سهلة بنت سهيل وحمنة بنت جحش بالجمع بين الصلاتين لأجل الاستحاضة وهو نوع مرض، وهو مخير في التقديم والتأخير أي ذلك فعل جاز، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقدم إذا ارتحل بعد دخول الوقت ويؤخر إذا ارتحل قبله طلباً للأسهل، فكذلك المريض.

مسألة 157: (فإن جمع في وقت الأولى اشترط نية الجمع عند فعلها) لأنها نية يفتقر إليها فاعتبرت عند الإحرام كنية القصر (ويعتبر استمرار العذر حتى يشرع في الثانية منهما) لأن افتتاح الأولى موضع النية وبافتتاح الثانية يحصل الجمع فاعتبر العذر فيهما.

مسألة 158: (ولا يفرق بينهما إلا بقدر الوضوء) لأن معنى الجمع المتابعة والمقاربة ولا يحصل ذلك مع الفرق الطويل، والمرجع في طول ذلك وقصره إلى العرف، وقدر الوضوء يسير في العرف فقدرناه به.

مسألة 159: (وإن أخر اعتبر استمرار العذر إلى دخول وقت الثانية) ، لأنه وقت الجمع (ويعتبر أن ينوي الجمع في وقت الأولى قبل أن يضيق عن فعلها) لذلك.

مسألة 160: (ويجوز الجمع للمسافر الذي له القصر) لما روى أنس: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا أعجل به السير يؤخر الظهر إلى وقت العصر فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حتى يغيب الشفق» ، متفق عليه.

مسألة 161: (ويجوز في المطر بين العشاءين خاصة) ، لأن أبا سلمة قال: «من السنة إذا كان في يوم مطر أن يجمع بين المغرب والعشاء» ، وكان ابن عمر يجمع إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء ولا يجمع بين الظهر والعصر للمطر، وأما المطر الذي لا يبل الثياب فلا يبيح الجمع لعدم المشقة فيه، وكذلك الطل والثلج كالمطر.

(1/109)


باب صلاة المسافر (162) وإذا كانت مسافة سفره ستة عشر فرسخاً وهي مسيرة يومين قاصدين وكان مباحاً له قصر الرباعية خاصة
(163) إلا أن يأتم بمقيم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[باب صلاة المسافر]
مسألة 162: (والمسافر إذا كانت مسافة سفره ستة عشر فرسخاً، وهي مسيرة يومين قاصدين وكان مباحاً فله قصر الرباعية خاصة) ويشترط للقصر شروط:
منها: أن يكون طويلاً قدره أربعة برد، وهي ستة عشر فرسخاً كل فرسخ ثلاثة أميال، قال القاضي: الميل اثنا عشر ألف قدم وذلك نحو يومين قاصدين، لما روي عن ابن عباس أنه قال: يا أهل مكة، لا تقصروا في أقل من أربعة برد ما بين عسفان إلى مكة، وكان ابن عباس وابن عمر لا يقصران في أقل من أربعة برد، ولأنها مسافة تجمع مشقة السفر من الحل والشد فجاز فيها القصر كمسيرة ثلاثة أيام.
الشرط الثاني: أن يكون سفره مباحاً، فإن سافر في معصية كالآبق وقاطع الطريق والتجارة في الخمر لم يقصر ولم يترخص بشيء من رخص السفر، لأنه لا يجوز تعليق الرخص بالمعاصي لما فيه من الإعانة عليها والدعاية إليها، والشرع لا يرد بذلك.
الشرط الثالث: أن القصر في الرباعية خاصة إلى ركعتين، فلا يجوز قصر الفجر ولا المغرب إجماعاً، لأن قصر الصبح يجحف بها، وقصر المغرب يخرجها عن كونها وتراً.
الشرط الرابع: شروعه في السفر بخروجه من بيوت قريته أو خيام قومه، لأن الله سبحانه قال: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: 101] ولا يكون ضارباً في الأرض حتى يخرج.

مسألة 163: (إلا أن يأتم بمقيم) فعليه الإتمام لأن «ابن عباس سئل: ما بال المسافر يصلي ركعتين حال الانفراد، وأربعاً إذا ائتم بمقيم؟ فقال: تلك السنة» ، رواه الإمام أحمد، وهو ينصرف إلى سنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولأنه قول جماعة من الصحابة ولم يعرف لهم في عصرهم مخالف من الصحابة فكان إجماعاً.

(1/110)


(164) أو لم ينو القصر
(165) أو نسي صلاة حضر فيذكرها في السفر أو صلاة سفر فيذكرها في الحضر فعليه الإتمام
(166) وللمسافر أن يتم
(167) والقصر أفضل
(168) ومن نوى الإقامة أكثر من إحدى وعشرين صلاة أتم، وإن لم يجمع على ذلك قصر أبداً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 164: (أو لا ينوي القصر) مع نية الإحرام فإنه يلزمه الإتمام، لأن الإتمام هو الأصل فإطلاق النية ينصرف إليه، كما لو نوى الصلاة مطلقاً انصرف إلى الانفراد الذي هو الأصل.

مسألة 165: (أو نسي صلاة حضر فيذكرها في السفر، أو صلاة سفر فيذكرها في الحضر فإن عليه الإتمام) لأن صلاة الحضر وجبت أربعاً وصلاة السفر - إذا ذكرها في الحضر - وجبت أربعاً، لأن المبيح للقصر هو السفر وقد زال فيلزمه الإتمام لأنه الأصل.

مسألة 166: (وللمسافر أن يتم) لقوله سبحانه: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: 101] مفهومه أن القصر رخصة يجوز تركها، وعن عائشة أنها قالت: «خرجت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في عمرة رمضان فأفطر وصمت، وقصر وأتممت، فقلت: يا رسول الله بابي أنت وأمي، أفطرت وصمت، وأتممت وقصرت، فقال: " أحسنت» رواه أبو داود الطيالسي، ولأنه تخفيف أبيح في السفر فجاز تركه كالمسح ثلاثاً.

مسألة 167: (والقصر أفضل) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه داوموا عليه وعابوا من تركه، قال عبد الرحمن بن يزيد: صلى عثمان أربعاً، فقال عبد الله: «صليت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتين ومع أبي بكر ركعتين ومع عمر ركعتين ثم انصرفت بكم الطرق، ولوددت أن حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان» ، متفق عليه.

مسألة 168: (ومن نوى الإقامة أكثر من إحدى وعشرين صلاة أتم، فإن لم يجمع على ذلك قصر أبداً) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقام بمكة فصلى إحدى وعشرين صلاة يقصر فيها،

(1/111)


باب صلاة الخوف وتجوز صلاة الخوف على كل صفة صلاها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والمختار منها أن يجعلهم الإمام طائفتين: طائفة تحرس والأخرى تصلي معه ركعة، فإذا قام إلى الثانية نوت مفارقته وأتمت صلاتها وذهبت تحرس، وجاءت الأخرى فصلت معه الركعة الثانية، فإذا جلس للتشهد قامت فأتت بركعة أخرى، وينتظر حتى تتشهد ثم يسلم بها
(169) وإن اشتد الخوف صلوا رجالاً وركباناً إلى القبلة وإلى غيرها، يومئون بالركوع والسجود، وكذلك كل خائف على نفسه يصلي على حسب حاله، ويفعل كل ما يحتاج إلى فعله من هرب أو غيره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
لأنه قدم لصبح رابعة إلى يوم التروية فصلى الصبح ثم خرج، فمن أقام مثل إقامته قصر، ومن زاد أتم، قال أنس: أقمنا بمكة عشراً نقصر الصلاة، ومعناه ما ذكرناه، لأنه حسب خروجه إلى منى وعرفة وما بعده من العشر.

[باب صلاة الخوف]
(وتجوز صلاة الخوف على كل صفة صلاها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قال أحمد: صح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من خمسة أوجه أو ستة - أو قال: ستة أو سبعة - يروى فيها كلها جائز، قال شيخنا (والمختار منها هو الذي اختاره الإمام أحمد) وهو ما «روى صالح بن خوات عن من صلى مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صلت معه وطائفة وجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائماً وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالساً وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم» ، متفق عليه، ورواه سهل بن أبي حثمة أيضاً، قال أبو الخطاب: ويشترط لهذه الصلاة أن يكون العدو في غير جهة القبلة، ونص أحمد خلافه.

مسألة 169: (فإن اشتد الخوف صلوا رجالاً وركباناً إلى القبلة وإلى غيرها، يومئون بالركوع والسجود) على قدر طاقتهم، لأن الله سبحانه قال: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] (وكذلك كل خائف على نفسه يصلي على حسب حاله ويفعل كل ما يحتاج إلى فعله من هرب أو غيره) للآية.

(1/112)


باب صلاة الجمعة كل من لزمته المكتوبة لزمته الجمعة
(170) إن كان مستوطناً ببناء، وبينه وبين الجامع فرسخ فما دون ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[باب صلاة الجمعة]
(كل من لزمته المكتوبة لزمته الجمعة) فهي واجبة لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليطبعن الله على قلوبهم» رواه البخاري [واللفظ لمسلم] ، وعن جابر قال: «خطبنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "اعلموا أن الله قد افترض عليكم الجمعة في يومي هذا في شهري هذا في مقامي هذا، فمن تركها في حياتي أو بعدي وله إمام عادل أو جائر استخفافاً بها أو جحوداً لها فلا جمع الله شمله، ولا بارك له في أمره» رواه ابن ماجه.

مسألة 170: (تجب الجمعة بشروط: أحدها (أن يكون مستوطناً) وهو الإقامة في قرية مبنية بحجارة أو لبن أو قصب أو ما جرت به العادة (بالبناء) لا يظعن عنها صيفاً ولا شتاء، فأما أهل الخيام وبيوت الشعر فلا جمعة عليهم، لأن قبائل العرب كانت حول المدينة فلم يقيموا جمعة ولا أمرهم بها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولو أمرهم لم يخف ذلك ولم يترك نقله لكثرته وعموم البلوى به، الشرط الثاني (أن يكون بينه وبين الجامع فرسخ فما دون) ، وإن كان أبعد من فرسخ فلا جمعة عليه، لأن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صلى صلاة العيد يوم جمعة ثم قال لأهل العوالي: من أراد منكم أن ينصرف فلينصرف ومن أراد أن يقيم حتى يصلي الجمعة فليقم، وروى عبد الله بن عمر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الجمعة على من سمع النداء» رواه أبو داود، ولا يمكن اعتبار سماع حقيقة النداء لأنه قد يكون ثقيل السمع أو في مكان

(1/113)


(171) إلا المرأة والعبد
(172) والمسافر
(173) والمعذور بمرض أو مطر (174) أو خوف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مستتر لا يسمع أو غير مصغ أو يكون النداء ضعيفاً أو في حال هبوب الرياح، فينبغي أن يقدر بمقدار لا يختلف، والموضع الذي يسمع منه النداء في الغالب إذا كان المؤذن صيتاً في موضع عال والرياح ساكنة والمستمع سميعاً غير ساه هو الفرسخ أو ما قاربه فيحد به.

مسألة 171: (إلا المرأة والعبد) لما روى طارق بن شهاب أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة: مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض» رواه أبو داود، وقال: طارق أدرك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يسمع منه.

مسألة 172: (والمسافر) لا تجب عليه لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يصلها بعرفة حيث كان مسافراً.

مسألة 173: (والمعذور بمطر أو مرض أو خوف) ، أما المعذور بمرض فلحديث طارق وقد سبق، وأما المعذور لمطر فلما روي عن ابن عمر قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينادي مناديه في الليلة المطيرة أو الباردة: "صلوا في رحالكم» متفق عليه، والمطر الذي يعذر به هو الذي يبل الثياب، لأن في الخروج فيه مشقة.
1 -
مسألة 174: (وأما الخوف فلما روى ابن عباس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من سمع النداء فلم يمنعه من اتباعه عذر - قالوا: وما العذر يا رسول الله؟ قال: خوف أو مرض - لم يقبل الله الصلاة التي صلى» رواه أبو داود.

(1/114)


(175) وإن حضروها أجزأتهم ولم تنعقد بهم إلا لمعذور إذا حضر وجبت عليه وانعقدت به
(176) ومن شرط صحتها فعلها في وقتها
(177) في قرية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
والخوف ثلاثة أنواع: أحدها: الخوف على المال من سلطان أو لص، أو يكون له خبز في تنور أو طبيخ على النار يخاف حريقه وما أشبه ذلك، فهذا كله عذر عن الجمعة والجماعة لأنه خوف فيدخل في عموم الحديث، الثاني: الخوف على نفسه مثل أن يخاف من سلطان يأخذه أو عدو أو سبع أو سيل لذلك، الثالث: الخوف على ولده وأهله أن يضيعوا أو يكون ولده ضائعاً ويرجو وجوده في تلك الحال، فيعذر بذلك لأنه خوف.

مسألة 175: (وإن حضروها أجزأتهم) لأن سقوطها عنهم كان رخصة، فإذا تكلفوا فعلها أجزأتهم كالمريض يتكلف الصلاة قائماً، (ولم تنعقد بهم) لأنهم من غير أهل الوجوب، فلم تنعقد بهم كالنساء (إلا المعذور إذا حضرها وجبت عليه وانعقدت به) لأن سقوطها عنه كان لدفع المشقة، فإذا حضر زالت المشقة فوجبت عليه وانعقدت به.

مسألة 176: (ومن شرط صحتها فعلها في وقتها) فلا تصح قبل وقتها ولا بعده إجماعاً، وآخر وقتها آخر وقت الظهر إجماعاً، فأما أوله فذكر القاضي أنها تجوز في وقت العيد لأن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال في رواية عبد الله: يجوز أن تصلى الجمعة قبل الزوال، يذهب إلى أنها كصلاة العيد لحديث وكيع عن جعفر بن برقان عن عبد الله بن سيدان قال: شهدت الجمعة مع أبي بكر، فكانت صلاته وخطبته قبل انتصاف النهار، وشهدتها مع عمر بن الخطاب فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول قد انتصف النهار، ثم صليتها مع عثمان فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول قد زال النهار، فما رأيت أحداً عاب ذلك ولا أنكره، وهذا نقل للإجماع، وعن جابر قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي الجمعة ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حتى تزول الشمس» ، أخرجه مسلم.

مسألة 177: ومن شرط صحتها أن يفعلها في قرية) يستوطنها أربعون رجلاً من أهل وجوبها سكنى إقامة لا يظعنون، فإذا اجتمعت هذه الشروط في قرية وجبت الجمعة على أهلها وصحت بها، لأن كعباً قال: أول من جمع بنا أسعد بن زرارة في هزم النبيت

(1/115)


(178) وأن يحضرها من المستوطنين بها أربعون من أهل وجوبها
(179) وأن تتقدمها خطبتان
(180) في كل خطبة حمد الله تعالى
(181) والصلاة على رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقراءة آية والموعظة
(182) ويستحب أن يخطب على منبر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
من حرة بني بياضة في نقيع يقال له نقيع الخضمات، قلت: كم كنتم يومئذ؟ قال: أربعون، رواه أبو داود والأثرم، قال الخطابي: حرة بني بياضة قرية على ميل من المدينة.

مسألة 178: (وأن يحضرها من المستوطنين بها أربعون من أهل وجوبها) ، لأن جابراً قال: «مضت السنة أن في كل أربعين فما فوقها جمعة» .

مسألة 179: (وأن تتقدمها خطبتان) لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخطب خطبتين يقعد بينهما» ، متفق عليه، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلوا كما رأيتموني أصلي» [رواه البخاري] وقالت عائشة: إنما أقرت الجمعة ركعتين من أجل الخطبة.

مسألة 180: (في كل خطبة حمد الله تعالى) [والثناء عليه] لأن جابراً قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب الناس يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله [ثم يقول] : "من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له» [رواه مسلم] .

مسألة 181: (والصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ومن فروض الخطبة أربعة: الأول: حمد الله، وقد سبق، والثاني: الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله افتقرت إلى ذكر رسول الله كالأذان، الثالث: قراءة آية فصاعداً، لأن جابر بن سمرة قال: «كانت صلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قصداً وخطبته قصداً، يقرأ آيات من القرآن ويذكر الناس» ، رواه أبو داود ولأن الخطبة فرض في الجمعة فوجبت فيها القراءة كالصلاة، والرابع (الموعظة) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يعظ، وهي القصد من الخطبة في حديث جابر بن سمرة: «يقرأ آيات ويذكر الناس» .

مسألة 182: (ويستحب أن يخطب على منبر) أو موضع عال، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخطب على منبره، ولأنه أبلغ في الإعلام.

(1/116)


(183 فإذا صعد أقبل على الناس فسلم عليهم
(184) ثم يجلس إلى فراغ الأذان، ثم يقوم الإمام فيخطب بهم، ثم يجلس، ثم يخطب الخطبة الثانية
(185) ثم تقام الصلاة فينزل فيصلي بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة
(187) فمن أدرك معه منها ركعة أتمها جمعة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 183: (فإذا صعد أقبل على الناس فسلم عليهم) ، لأن جابراً قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا صعد المنبر سلم عليهم» ، رواه ابن ماجه.

مسألة 184: (ثم يجلس إلى فراغ الأذان، ثم يقوم الإمام فيخطب بهم، ثم يجلس، ثم يخطب الخطبة الثانية) لأن ابن عمر قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن، ثم يقوم فيخطب، ثم يجلس فلا يتكلم، ثم يقوم فيخطب» رواه أبو داود، ولأن جابر بن سمرة قال: «إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخطب قائماً ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب، فمن حدثك أنه كان يخطب جالساً فقد كذب» ، رواه مسلم.

مسألة 185: (ثم تقام الصلاة فينزل فيصلي بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة) إجماعاً نقل الخلف عن السلف.
1 -
مسألة 186 ويستحب أن يقرأ في الأولى بالحمد وسورة الجمعة، وفي الثانية بالمنافقين أو بسبح والغاشية، لما روى أبو هريرة قال: «سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ بسورة الجمعة والمنافقين في الجمعة» ، وفي حديث النعمان: «كان يقرأ في العيدين والجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية» ، رواهما مسلم.

مسألة 187: (فمن أدرك معه منها ركعة أتمها جمعة) لما روى أبو هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدرك الصلاة» رواه الأثرم، ورواه ابن ماجه ولفظه " فليصل إليها أخرى ".

(1/117)


(188) وإلا أتمها ظهراً
(189) وكذلك إن نقص العدد
(190) أو خرج الوقت وقد صلوا ركعة أتموها جمعة وإلا أتموها ظهراً
(191) ولا يجوز أن يصلي في المصر أكثر من جمعة إلا أن تدعو الحاجة إلى أكثر منها
(192) ويستحب لمن أتى الجمعة أن يغتسل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
وفي حديث أبي هريرة المتفق عليه: «من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة» .

مسألة 188: (وإن أدرك أقل من ركعة أتمها ظهراً) قال الخرقي: إذا كان قد دخل بنية الظهر فظاهر هذا أنه لو نوى جمعة لزمه الاستئناف لأنهما صلاتان لا تتأدى إحداهما بنية الأخرى فلم يجز بناؤها عليها كالظهر والعصر، وقال أبو إسحاق بن شاقلا: ينوي جمعة لئلا تخالف نيته نية إمامه، ثم يبني عليها ظهراً لأنهما فرض وقت واحد ردت إحداهما من أربع إلى ركعتين فجاز أن يبني عليها الأربع كالتامة مع المقصورة.

مسألة 189: (وكذلك إن نقص العدد) يعني عن الأربعين وقد صلوا منها ركعة أتموها جمعة، لأنه شرط يختص بالجمعة فلم يعتبر في أكثر من ركعة كالجماعة، وإن نقصوا قبل ركعة أتموها ظهراً كالمسبوق بركوع الثانية.

مسألة 190: (وإن خرج الوقت وقد صلوا ركعة أتموها جمعة) لما سبق، (وإن خرج الوقت وقد صلوا أقل من ركعة أتموها ظهراً) لذلك، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدرك الصلاة» رواه ابن ماجه، مفهومه أن من أدرك أقل لا يكون مدركاً لها.

مسألة 191: (ولا يجوز أن يصلي في المصر أكثر من جمعة) ، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخلفاءه لم يقيموا إلا جمعة واحدة (إلا أن تدعو الحاجة إلى أكثر منها) فيجوز، لأنها تفعل في الأمصار العظيمة في جوامع من غير نكير فكان إجماعاً، ولأنها صلاة عيد فجاز فعلها في موضعين مع الحاجة كغيرها.

مسألة 192: (ويستحب لمن أتى الجمعة أن يغتسل ويلبس ثوبين نظيفين ويتطيب) لما روى سلمان أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا «يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر بما استطاع من طهر ويدهن من دهنه ويمس من طيب بيته ولا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم

(1/118)


ويلبس ثوبين نظيفين ويتطيب ويبكر إليها
(193) فإن جاء والإمام يخطب لم يجلس حتى يصلي ركعتين يوجز فيهما
(194) ولا يجوز الكلام والإمام يخطب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر الله له ما بينه وبين الجمعة الأخرى» رواه البخاري، وعنه الغسل واجب لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «غسل الجمعة على كل محتلم، وسواك، وأن يمس طيباً» رواه مسلم، والمذهب الأول، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، وإن اغتسل فالغسل أفضل» قال الترمذي: حديث حسن، والمراد بالخبر الأول تأكيد الاستحباب، وكذلك ذكر فيه السواك والطيب وليسا واجبين، (ويبكر إليها) لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من غسل واغتسل يوم الجمعة وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها» رواه ابن ماجه والترمذي.

مسألة 193: (فإن جاء والإمام يخطب لم يجلس حتى يصلي ركعتين يوجز فيهما) لما روى جابر قال: «دخل رجل والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب، فقال: "صليت يا فلان" قال: لا، قال: "فصل ركعتين» متفق عليه، زاد مسلم: ثم قال: «إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليوجز فيهما» .

مسألة 194: (ولا يجوز الكلام والإمام يخطب) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب: أنصت، فقد لغوت» متفق عليه، وعنه لا يحرم، لما روى أنس قال:

(1/119)


(195) إلا الإمام أو من كلمه الإمام
باب صلاة العيدين وهي فرض على الكفاية إذا قام بها أربعون من أهل المصر سقطت عن سائرهم
(196) ووقتها من ارتفاع الشمس إلى الزوال
(197) والسنة فعلها في المصلى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
«بينما النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب يوم الجمعة إذ قام رجل فقال: يا رسول الله، هلك الكراع، هلك الشاء، فادع الله أن يسقينا» ، متفق عليه، ويحتمل أنه في مخاطبة الإمام خاصة لأنه لا يشتغل بتكليمه عن سماع خطبته.

مسألة 195: (إلا الإمام أو من كلمه الإمام) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال للرجل: " صليت يا فلان " وقال هو على المنبر: «إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين» ولحديث أنس في الذي قال للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هلك الكراع هلك الشاء» .

[باب صلاة العيدين]
(وهي فرض على الكفاية إذا قام بها أربعون من أهل المصر سقطت عن سائرهم) بدليل قوله سبحانه: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] المشهور في التفسير أن المراد به صلاة العيد، وهو أمر والأمر يقتضي الوجوب، ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والخلفاء من بعده كانوا يداومون عليها، ولأنها من شعائر الإسلام الظاهرة فأشبهت الجهاد.

مسألة 196: (وأول وقتها من ارتفاع الشمس إلى الزوال) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفعلها في هذا الوقت.

مسألة 197: (والسنة فعلها في المصلى) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والخلفاء بعده كانوا يفعلونها في الصحراء، فإن كان ثم عذر من مطر أو نحوه لم يكره فعلها في الجامع، لما روى أبو هريرة قال: «أصابنا مطر في يوم عيد، فصلى بنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المسجد» ، رواه أبو داود.

(1/120)


(198) وتعجيل الأضحى وتأخير الفطر
(199) والفطر في الفطر خاصة قبل الصلاة
(200) ويسن أن يغتسل ويتنظف ويتطيب
(201) فإذا حلت الصلاة تقدم الإمام فصلى بهم ركعتين بلا أذان ولا إقامة، يكبر في الأولى سبعاً بتكبيرة الإحرام، وفي الثانية خمساً سوى تكبيرة القيام
(202) ويرفع يديه مع كل تكبيرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 198: (والسنة تعجيل الأضحى وتأخير الفطر) لأن السنة إخراج الفطرة قبل الصلاة، ففي تأخيرها توسيع لوقتها، ولا يجوز التضحية إلا بعد الصلاة، ففي تعجيلها مبادرة إلى الأضحية.

مسألة 199: (ويسن الفطر في الفطر خاصة قبل الصلاة) ويمسك في الأضحى حتى يصلي، لما روى بريدة قال: «كان رسول الله لا يخرج يوم الفطر حتى يفطر، ولا يطعم يوم النحر حتى يصلي» ، رواه الترمذي.

مسألة 200: (ويسن أن يغتسل ويتنظف ويتطيب) لما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في يوم جمعة من الجمع: «إن هذا يوم جعله الله عيداً للمسلمين، فاغتسلوا» [رواه ابن ماجه] ولأنه يوم شرع فيه الاجتماع للصلاة فسن فيه ذلك كالجمعة.

مسألة 201: (فإذا حلت الصلاة تقدم الإمام وصلى بهم ركعتين بلا أذان ولا إقامة) ولا خلاف بينهم أن صلاة العيد مع الإمام ركعتان (يكبر في الأولى) بعد الاستفتاح وقبل التعوذ (ستاً سوى تكبيرة الإحرام، وفي الثانية) بعد القيام من السجود (خمساً) لما روت عائشة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «التكبير في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمس سوى تكبيرة القيام» رواه أبو داود.

مسألة 202: (ويرفع يديه مع كل تكبيرة) لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يرفع يديه مع

(1/121)


(203) ويحمد الله ويصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين كل تكبيرتين
(204) ثم يقرأ الفاتحة وسورة يجهر فيهما بالقراءة)
(205) فإذا سلم خطب بهم خطبتين
(206) فإن كان فطراً حثهم على الصدقة وبين لهم حكمها، وإن كان أضحى بين لهم حكم الأضحية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
التكبير» ، وروى الأثرم عن عمر أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة في الجنازة والعيد، ولا يعرف له مخالف.

مسألة 203: (ويحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين كل تكبيرتين) لما روى الأثرم في سننه عن علقمة أن علقمة وعبد الله بن مسعود وأبا موسى وحذيفة خرج عليهم الوليد بن عقبة قبل العيد يوماً فقال: إن هذا العيد قد دنا، فكيف التكبير فيه؟ فقال عبد الله: تبدأ تكبر تكبيرة تفتتح بها الصلاة وتحمد ربك وتصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك، إلى أن قال: وتركع ثم تقوم فتقرأ وتحمد ربك وتصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم تدعو ثم تكبر، وتفعل مثل ذلك، وذكر في الحديث: فقال أبو موسى وحذيفة: صدق.

مسألة 204: (ثم يقرأ الفاتحة وسورة يجهر فيهما بالقراءة) ، لما روى النعمان بن بشير قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية، وربما اجتمعا في يوم واحد فقرأ بهما» [رواه أحمد] ، وقال ابن المنذر: أكثر أهل العلم يرون الجهر بالقراءة، وفي إخبار من أخبر بقراءة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دليل على أنه كان يجهر، ولأنها صلاة عيد أشبهت الجمعة.

مسألة 205: (فإذا سلم خطب بهم خطبتين) يجلس بينهما، لما روى ابن ماجه عن أبي الزبير عن جابر قال: «خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم فطر أو أضحى فخطب خطبة قائماً ثم قعد قعدة ثم قام» [رواه ابن ماجه] .

مسألة 206: (فإن كان فطراً حثهم فيها على الصدقة وبين لهم ما يخرجون) فيذكر لهم قدرها ووجوبها ووقت إخراجها، (وإن كان أضحى رغبهم في الأضحية) ووقتها وأنها

(1/122)


والتكبيرات الزوائد والخطبتان سنة
(207) ولا يتنفل قبل صلاة العيد ولا بعدها في موضعها
(208) ومن أدرك الإمام قبل سلامه أتمها على صفتها
(209) ومن فاتته فلا قضاء عليه، فإن أحب صلاها تطوعاً، إن شاء ركعتين، وإن شاء أربعاً، وإن شاء صلاها على صفتها
(210) ويستحب التكبير في ليلتي العيدين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
سنة وما يجزئ منها والعيوب التي تمنع منها ليعملوا بذلك، (والتكبيرات الزوائد والذكر بينها سنة) وهي التي بين تكبيرات الصلاة وقد سبق ذكرها، بدليل حديث علقمة وابن مسعود، ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول ذلك.

مسألة 207: (ولا يتنفل قبل صلاة العيد ولا بعدها في موضعها) إماماً كان أو مأموماً، لما روى ابن عباس «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها» ، متفق عليه، ولا بأس بالصلاة بعد رجوعه لما روى أبو سعيد قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يصلي قبل العيد شيئاً، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين» ، رواه ابن ماجه.

مسألة 208: (ومن أدرك الإمام قبل سلامه أتمها على صفتها) لأنه قضاء فكان على صفته كبقية الصلوات.

مسألة 209: (وإن فاتته فلا قضاء عليه) لأنها ليست فرض عين فلا يلزمه قضاؤها كصلاة الجنازة (وإن أحب صلاها تطوعاً: إن شاء ركعتين، وإن شاء أربعاً، وإن شاء صلاها على صفتها) لأنه تطوع نهار فكانت الخيرة إليه فيه كصلاة الضحى، يعني إن شاء ركعتين وإن شاء أربعا، وعن عبد الله بن مسعود: من فاته صلاة العيد فليصل أربعاً، وإن شاء صلاها على صفتها، لأن أنساً - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يجمع أهله ويصلي بهم ركعتين يكبر فيهما، ولأنه قضاء فكان على صفته كبقية الصلوات.

مسألة 210: (ويستحب التكبير في ليلتي العيدين) لقوله سبحانه: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] وعن ابن عباس قال: حق على المسلمين إذا رأوا هلال شوال

(1/123)


ويكبر في الأضحى عقيب الفرائض في الجماعة من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق
(211) وصفة التكبير شفعاً: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
أن يكبروا، هذا في الفطر، (وأما في الأضحى فالتكبير فيه) على ضربين: مطلق ومقيد، فالمطلق التكبير في جميع الأوقات من أول الشهر إلى آخر أيام التشريق، لقوله سبحانه: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] قيل هي أيام التشريق، وقيل أيام النحر، وقيل العشر، والتكبير من أول العشر إلى آخر أيام التشريق يجمع الأقوال الثلاثة، وأما المقيد فهو التكبير (في أدبار الصلوات، من صلاة الصبح يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق) ، قيل لأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أي حديث تذهب إلى أن التكبير من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق؟ قال: بالإجماع، علي وعمر وابن عباس وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.

مسألة 211: (وصفة التكبير شفعاً: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد) لأن ذلك يروى عن علي وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وفي حديث جابر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كبر تكبيرتين، ولأنه تكبير خارج الصلاة فكان شفعاً كتكبير الأذان

===========================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق