العدة شرح العمدة الذكاة توضيح لفرضية التذكية فيما يأكله المسلم
باب الذكاة يباح كل ما في البحر بغير ذكاة، «لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في البحر: " الحل ميتته»
(13) إلا ما يعيش في البر فلا يحل حتى يذكى، إلا السرطان ونحوه
(14) ولا يباح من البري شيء بغير ذكاة
(15) إلا الجراد وشبهه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[باب الذكاة]
(يباح كل ما في البحر بغير ذكاة، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في البحر: «هو الطهور ماؤه، الحل ميتته» .
مسألة 13: (إلا ما يعيش في البر) من دواب البحر (فلا يباح حتى يذكى) كالطيور والسلحفاة وكلب الماء، قال أحمد: كلب الماء نذبحه، ولا أرى بأسًا بالسلحفاة إذا ذبحت. وقال: السرطان لا بأس به. فقيل له: يذبح؟ قال: لا، وروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «كل شيء في البحر مذبوح» وروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الله ذبح كل شيء في البحر لابن آدم» وروي نحو ذلك عن أبي بكر. وقد صح أن أبا عبيدة وأصحابه وجدوا على ساحل البحر دابة يقال لها العنبر ميتة فأكلوا منها شهرًا وادهنوا حتى سمنوا، ولا يذكى السرطان لأنه ليس له نفس سائلة.
مسألة 14: (ولا يباح من البري شيء بغير ذكاة) لقوله سبحانه: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] إلى قوله: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] فيدل ذلك على اشتراط الذكاة في الحل، ولأن غير المذكى يسمى ميتة، والميتة حرام، ولما أباح النبي ميتة البحر دل على تحريم غيرها وأن الذكاة شرط فيها.
مسألة 15: (إلا الجراد وشبهه) فإنه يباح أكله بإجماع أهل العلم، وقد قال عبد الله بن أبي أوفى: «غزونا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبع غزوات نأكل الجراد» (رواه البخاري) وقد
(1/489)
(16) والذكاة تنقسم ثلاثة أقسام: نحر وذبح وعقر، ويستحب نحر الإبل وذبح ما سواها
(17) فإن نحر ما يذبح أو ذبح ما ينحر فجائز
(18) ويشترط للذكاة كلها ثلاثة شروط: أحدها: أهلية المذكي وهو أن يكون عاقلًا قادرًا على الذبح مسلمًا أو كتابيًا، فأما الطفل والمجنون والسكران والكافر الذي ليس بكتابي فلا تحل ذبيحته الثاني: أن يذكر اسم الله تعالى عند الذبح وإرسال الآلة في الصيد إن كان ناطقا، وإن كان أخرس أشار إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أحلت لنا ميتتان ودمان» (رواه ابن ماجه) فالميتتان السمك والجراد ولا فرق بين أن يموت بسبب أو غيره لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أحلت لنا ميتتان» ولم يفصل، ولأنه لو افتقر إلى سبب لافتقر إلى ذبح وذابح وآلة كبهيمة الأنعام.
مسألة 16: (والذكاة تنقسم ثلاثة أقسام: نحر وذبح وعقر، ويستحب نحر الإبل وذبح ما سواها) فالنحر هو أن يضربها بحربة أو نحوها في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر، وثبت " «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحر بدنة وضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده» متفق عليه. وأما الذبح فهو عبارة عن قطع الودجين والحلقوم والمريء وذلك معلوم في الغنم والبقر والطيور، وقد روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «الذكاة في الحلق واللبة» وروي ذلك عن عمر، رواه سعيد والأثرم وسيأتي ذلك. وأما العقر فهو في الصيد وما لا يقدر على تذكيته فيرميه بنشابة أو يطعنه برمح في أي موضع اتفق فيحل.
مسألة 17: (فإن ذبح ما ينحر أو نحر ما يذبح فجائز) لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعدي: " «أمر الدم بما شئت» (رواه أبو داود) وقالت أسماء: «نحرنا فرسًا على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأكلناه» (رواه البخاري) ، وعن عائشة قالت: «نحر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حجة الوداع بقرة واحدة» (رواه أبو داود) ولأن ما كان ذكاة في حيوان كان ذكاة بحيوان آخر كسائر الحيوانات.
مسألة 18: (ويشترط للذكاة كلها ثلاثة شروط: أحدها: أهلية المذكي) ولها ثلاثة شروط: الأول: (أن يكون عاقلًا) يعرف الذبح ليقصده، فإن كان لا يعقل كالطفل والمجنون والسكران لم يحل ما ذبحه لأنه لا يصح منه القصد فأشبه ما لو ضرب إنسانًا بسيف فقطع عنق شاة، وكذلك لو وقعت الحديدة بنفسها على عنق شاة فذبحتها لم تحل.
والثاني: أن يكون (قادرًا على الذبح) ليتحقق منه، فلو كان صبيًا أو امرأة صح. قال
(1/490)
السماء فإن ترك التسمية على الذبيحة عامدا لم تحل
(19) وإن تركها ساهيا حلت
(20) وإن تركها على الصيد لم يحل عمدا كان أو سهوا
[العُدَّة شرح العُمْدة]
ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إباحة ذبيحة المرأة والصبي. والثالث: الدين، فيشترط أن يكون (مسلمًا أو كتابيًا) لأن الله سبحانه أحل لنا ما ذكيناه بقوله: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وأحل طعام أهل الكتاب بقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] معناه: ذبائحهم، كذا فسره العلماء، ولأن المذكاة من جملة الأطعمة. وأما غير الكتابي كالوثني فلا تحل ذبيحته ولا طعامه. الشرط (الثاني للذكاة أن يذكر اسم الله تعالى عند الذبح وعند إرسال الآلة في الصيد إن كان ناطقًا، وإن أخرس أشار إلى السماء) فتشترط التسمية في حق كل ذابح مع العمد سواء كان مسلمًا أو كتابيًا لقوله سبحانه: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] فإن لم يعلم أسمَّى الكتابي أم لا فذبيحته حلال، لأن الله سبحانه أباح لنا أكل ما ذبحه الكتابي وقد علم أننا لا نقف على كل ذابح.
مسألة 19: (وإن ترك التسمية على الذبيحة ساهيًا حلت) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» وقد روي عن ابن عباس أنه قال: من نسي التسمية فلا بأس. وروى سعيد قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ذبيحة المسلم حلال وإن له يسم إذا لم يتعمد» وقوله سبحانه: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] محمول على من ترك عمدًا بدليل قوله: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] والناسي ليس بفاسق.
مسألة 20: (وإن تركها على الصيد لم يحل، عمدًا كان أو سهوًا) هذا تحقيق المذهب، ونقل حنبل عن أحمد: إن نسي التسمية على الذبيحة والكلب أكل، قال الخلال: سها حنبل في نقله، فإن في أول مسألته إذا نسي وقتل لم يأكل، ودليل الأولى قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] وقال: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ} [المائدة: 4] وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إذا أرسلت كلبك وسميت فكل. قلت: وأرسل كلبي فأجد معه كلبًا آخر؟ قال: لا تأكل، فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره» متفق عليه، وفي لفظ " «إذا خالط كلابًا لم يذكر اسم الله عليها فأمسكن وقتلن فلا تأكل» (رواه البخاري) وفي حديث ثعلبة «ما صدت بقوسك وذكرت اسم الله عليه فكل» (رواه مسلم)
(1/491)
الثالث: أن يذكي بمحدد، سواء كان من حديد أو حجر أو قصب أو غيره، إلا السن والظفر، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل، ليس السن والظفر»
(21) ويعتبر في الصيد أن يصيد بمحدد أو يرسل جارحا فيجرح الصيد، فإن قتل الصيد بحجر أو بندق أو شبكة، أو قتل الجارح الصيد بصدمته أو خنقه أو روعته لم يحل
(22) وإن صاد بالمعراض أكل ما قتل بحده دون ما قتل بعرضه
(23) وإن نصب المناجيل للصيد وسمى فعقرت الصيد أو قتلته حل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إباحة ذبيحة المرأة والصبي. والثالث: الدين، فيشترط أن يكون (مسلمًا أو كتابيًا) لأن الله سبحانه أحل لنا ما ذكيناه بقوله: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وأحل طعام أهل الكتاب بقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] معناه: ذبائحهم، كذا فسره العلماء، ولأن المذكاة من جملة الأطعمة. وأما غير الكتابي كالوثني فلا تحل ذبيحته ولا طعامه. الشرط (الثاني للذكاة أن يذكر اسم الله تعالى عند الذبح وعند إرسال الآلة في الصيد إن كان ناطقًا، وإن أخرس أشار إلى السماء) فتشترط التسمية في حق كل ذابح مع العمد سواء كان مسلمًا أو كتابيًا لقوله سبحانه: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] فإن لم يعلم أسمَّى الكتابي أم لا فذبيحته حلال، لأن الله سبحانه أباح لنا أكل ما ذبحه الكتابي وقد علم أننا لا نقف على كل ذابح.
مسألة 19: (وإن ترك التسمية على الذبيحة ساهيًا حلت) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» وقد روي عن ابن عباس أنه قال: من نسي التسمية فلا بأس. وروى سعيد قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ذبيحة المسلم حلال وإن له يسم إذا لم يتعمد» وقوله سبحانه: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] محمول على من ترك عمدًا بدليل قوله: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] والناسي ليس بفاسق.
مسألة 20: (وإن تركها على الصيد لم يحل، عمدًا كان أو سهوًا) هذا تحقيق المذهب، ونقل حنبل عن أحمد: إن نسي التسمية على الذبيحة والكلب أكل، قال الخلال: سها حنبل في نقله، فإن في أول مسألته إذا نسي وقتل لم يأكل، ودليل الأولى قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] وقال: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ} [المائدة: 4] وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إذا أرسلت كلبك وسميت فكل. قلت: وأرسل كلبي فأجد معه كلبًا آخر؟ قال: لا تأكل، فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره» متفق عليه، وفي لفظ " «إذا خالط كلابًا لم يذكر اسم الله عليها فأمسكن وقتلن فلا تأكل» (رواه البخاري) وفي حديث ثعلبة «ما صدت بقوسك وذكرت اسم الله عليه فكل» (رواه مسلم)
(1/491)
الثالث: أن يذكي بمحدد، سواء كان من حديد أو حجر أو قصب أو غيره، إلا السن والظفر، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل، ليس السن والظفر»
(21) ويعتبر في الصيد أن يصيد بمحدد أو يرسل جارحا فيجرح الصيد، فإن قتل الصيد بحجر أو بندق أو شبكة، أو قتل الجارح الصيد بصدمته أو خنقه أو روعته لم يحل
(22) وإن صاد بالمعراض أكل ما قتل بحده دون ما قتل بعرضه
(23) وإن نصب المناجيل للصيد وسمى فعقرت الصيد أو قتلته حل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
وقوله: «عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان» يقتضي نفي الإثم لأنه جعل الشرط المعدوم كالموجود، بدليل ما لو نسي شروط الصلاة، والفرق بين الصيد والذبيحة أن الذبح وقع في محله فجاز أن يسامح فيه بخلاف الصيد، والأحاديث بخلاف هذا لا نعلم لها أصلًا.
الشرط (الثالث: أن يذكي بمحدد سواء كان من حديد أو حجر أو قصب أو غيره، إلا السن والظفر لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكله ما لم يكن سنًا أو ظفرًا» متفق عليه.
مسألة 21: (ويعتبر في الصيد أن يصيد بمحدد أو يرسل جارحًا يجرح الصيد) لأن الاصطياد قام مقام الذكاة، والجارح آلة كالسكين، وعقره الحيوان بمنزلة إفراء الأوداج. قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «فإن أخذ الكلب ذكاته» (رواه البخاري) والصائد بمنزلة المذكي. وكذلك السهم ينبغي أن يكون محددًا، فإن كان غير محدد كالمصطاح لم يحل، أو قتل بالمعراض فإنه يحل ما أصاب بحده ولا يحل ما أصاب بعرضه لأن هذا كله من الموقوذة (وكذا لو قتل الصيد بحجر أو بندق أو شبكة فمات فيها أو قتل الجارح الصيد بصدمته أو بخنقه أو روعته لم يحل) لأنه موقوذ.
مسألة 22: (وإن صاد بالمعراض أكل ما قتل بحده، ولم يأكل ما قتل بعرضه) لذلك.
مسألة 23: (وإن نصب المناجل للصيد وسمى فعقرت الصيد أو قتلته حل) لأنه قتل الصيد بحديدة على الوجه المعتاد فأشبه ما لو رماه بها، ولأنه قصد قتل الصيد بما قد
(1/492)
فصل: ويشترط في الذبح والنحر خاصة شرطان: أحدهما أن يكون في الحلق واللبة فيقطع الحلقوم والمريء وما لا تبقى الحياة مع قطعه، الثاني: أن يكون في المذبوح حياة يذهبها الذبح، فإن لم يكن فيه إلا كحياة المذبوح وما أبينت حشوته لم يحل بالذبح ولا النحر، وإن لم يكن كذلك حل لما «روى كعب قال: كانت لنا غنم ترعى بسلع فأبصرت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
جرت العادة بالصيد به أشبه ما ذكرناه، ولأن التسبب جرى مجرى المباشرة في الضمان فكذلك في الصيد، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «كلْ ما ردت عليك يدك» (رواه أبو داود) .
[فصل فيما يشترط في الذبح والنحر]
فصل: ويشترط في الذبح والنحر خاصة شرطان: أحدهما: أن يكون في الحلق واللبة فيقطع الحلقوم والمريء وما لا تبقى الحياة مع قطعه) فيعتبر في الذكاة قطع الحلقوم والمريء، ويكفي ذلك فيهما، وعن الإمام أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواية أخرى أنه يعتبر مع هذا قطع الودجين، لما روى أبو هريرة قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن شريطة الشيطان، وهي التي تذبح فتقطع الجلد ولا تفري الأوداج ثم يترك حتى يموت» رواه أبو داود. ودليل الأولى أنه قطع ما لا تبقى الحياة مع فقده في محل الذبح فأجزأ كما لو قطع الودجين، فأما الحديث فمحمول على من لم يقطع المريء.
فإذا ثبت هذا فالكمال أن يقطع الأربعة: الحلقوم وهو مجرى النفس، والمريء وهو مجرى الطعام والشراب، والودجين وهما عرقان محيطان بالحلقوم لأنه أعجل لخروج روح الحيوان فيخف عليه فيكون أولى.
الشرط (الثاني: أن يكون في المذبوح حياة يذهبها الذبح، فإن لم يكن فيه إلا كحياة المذبوح وما أبينت حشوته لم يحل بالذبح ولا النحر) لأن هذا قد صار في حكم الميت، ولهذا لو أبان رجل حشوة إنسان فضرب الآخر عنقه كان القاتل الأول. ولو ذبح الشاة بعد ذبح المجوسي لم تحل، (وإن لم يكن كذلك حل) بالذبح، يعني بذلك أن يدركها وفيها حياة بحيث إذا ذبحها يكون الذبح هو الذي قتلها لقوله سبحانه: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] ، وفي
(1/493)
جارية لنا شاة موتى فكسرت حجرا فذبحتها به، فسئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك فأمر بأكلها»
(24) وأما العقر فهو القتل بجرح في غير الحلق واللبة، ويشرع في كل حيوان معجوز عنه من الصيد والأنعام، لما «روى أبو رافع أن بعيرا ند فأعياهم، فأهوى إليه رجل بسهم فحبسه فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " وإن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش، فما غلبكم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
حديث «جارية كعب أنها أصيبت شاة من غنمها فأدركتها فذبحتها بحجر، فسئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " كلوها» (رواه البخاري) سواء كانت قد انتهت إلى حال يعلم أنها لا تعيش معه أو تعيش لعموم الآية والخبر وكون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يسأل ولم يستفصل، وقال الإمام أحمد في بهيمة عقرت بهيمة حتى تبين فيها آثار الموت إلا أن فيها الروح، فقال: إذا مصعت بذنبها أو طرفت بعينها وسال الدم فأرجو إن شاء الله أن لا يكون بأكلها بأس، وسئل الإمام أحمد عن شاة مريضة خافوا عليها الموت فذبحوها فلم يعلم منها أكثر من أنها طرفت بعينها أو حركت يدها أو رجلها أو ذنبها بضعف فنهر الدم، قال: فلا بأس، وقال بعض أصحابنا: إذا انتهت إلى حد لا تعيش معه لم تبح بالذكاة، ونص عليه الإمام إذا شق الذئب بطنها فخرج قصبها فذبحها لا تؤكل، وقال: إن كان يعلم أنها تموت من عقر السبع فلا تؤكل وإن ذكاها، وقد يخاف على الشاة الموت من العلة والشيء يصيبها فبادرها فذبحها فيأكلها، وليس هذا مثل هذه، ولا ندري لعلها تعيش، والتي خرجت أمعاؤها قد علم أنها لا تعيش، وقال شيخنا: والأول أصح لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - انتهى به الجرح إلى حد علم أنه لا يعيش فصحت وصاياه ووجبت عليه العبادة، ولأن ما ذكرناه فيما قبل يرد هذا، قال: وما رويناه عن الإمام أحمد فالصحيح أنها إذا كانت تعيش زمانًا يكون الموت بالذبح أسرع منه حلت بالذبح. والله أعلم.
مسألة 24: (وأما العقر فهو الجرح في غير الحلق واللبة، وشرع في كل حيوان معجوز عنه من الصيد والأنعام، لما «روى رافع بن خديج - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فند بعير، وكان في القوم خيل يسيرة فطلبوه فأعياهم، فأهوى إليه رجل بسهم فحبسه الله، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش، فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا»
(1/494)
منها فاصنعوا به هكذا»
(25) ولو تردى بعير في بئر فتعذر نحره فجرح في أي موضع من جسده فمات به حل أكله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
متفق عليه. وحرن ثور في بعض دور الأنصار فضربه رجل بالسيف وذكر اسم الله عليه، فسأل عنه عليا فقال: ذكاة وجبت، فأمرهم بأكله.
وتردى بعير في بئر فذكي من قبل شاكلته فبيع بعشرين درهمًا فأخذ ابن عمر عشرة بدرهمين، رواه سعيد، ولأنه حيوان غير مقدور على تذكيته فأشبه الوحشي.
مسألة 25: (ولو تردى بعير في بئر فتعذر نحره فجرح في أي موضع من جسده فمات حل أكله) لذلك.
(1/495)
كتاب الصيد (1) كل ما أمكن ذبحه من الصيد لم يبح إلا بذبحه
(2) وما تعذر ذبحه فمات بعقره حل بشروط ستة، ذكرنا منها ثلاثة في الذكاة) (والرابع: أن يكون الجارح الصائد معلمًا
(3) وهو ما يسترسل إذا أرسل ويجيب إذا دعي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
كتاب الصيد مسألة 1: (كل ما أمكن ذبحه من الصيد لم يبح إلا بذبحه) وقد سبق ذكر المعجوز عن تذكيته فأما المقدور عليه فلا يباح إلا بالذبح بلا خلاف بين أهل العلم، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث عدي: «فإن أدركته حيًا فاذبحه» .
مسألة 2: (وما تعذر ذبحه فمات بعقره حل بشروط ستة، ذكرنا منها ثلاثة في الذكاة) وقد مضى تعليلها (والرابع: أن يكون الجارح الصائد معلمًا) ولا خلاف في اعتبار هذا الشرط، والأصل فيه قوله سبحانه: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] ، «وروى أبو ثعلبة الخشني قال: أتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: يا رسول الله، أنا بأرض صيد أصيد بقوسي وأصيد بكلبي المعلم وأصيد بكلبي الذي ليس بمعلم، فأخبرني ما يصلح لي؟ قال: " أما ما ذكرت أنكم بأرض صيد فما صدت بقوسك وذكرت اسم الله عليه فكل، وما صدت بكلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل، وما صدت بكلبك الذي ليس بمعلم فأدركت ذكاته فكل» متفق عليه.
مسألة 3: (ويعتبر في تعليمه ثلاثة شروط: إذا أرسله استرسل، وإذا زجره انزجر، وإذا أمسك لم يأكل) إذا كان كلبًا أو فهدًا ويتكرر هذا منه مرة بعد أخرى حتى يصير معلمًا في حكم العرف. ولا يعتبر ترك الأكل في الطائر، لأن تعليمه بأن يأكل عند أهل العرف بذلك، فإن أكل غير الطائر من الصيد لم يبح في إحدى الروايتين، والثانية يباح، وروي ذلك عن جماعة من الصحابة لعموم قوله: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] وعن أبي ثعلبة:
(1/497)
ويعتبر في الكلب والفهد خاصة أنه إذا أمسك لم يأكل، ولا يعتبر ذلك في الطائر الثاني: أن يرسل الصائد الآلة، فإن استرسل الكلب بنفسه لم يبح صيده الثالث: أن يقصد الصيد، فإن أرسل سهمه ليصيب به غرضا أو كلبه ولا يرى صيدا فأصاب صيدا لم يبح
(4) ومتى شارك في الصيد ما لا يباح قتله مثل أن يشارك كلبه أو سهمه كلب أو سهم لا يعلم مرسله أو لا يعلم أنه سمي عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل، وإن أكل» ذكره الإمام أحمد وأخرجه أبو داود، ودليل الرواية الأولى أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في حديث عدي بن حاتم: «إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك، قلت: وإن قتل؟ قال: وإن قتل إلا أن يأكل الكلب، فإن أكل فلا تأكل، فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه» متفق عليه. وأما الآية فإنها تتناول ما أمسك علينا، وهذا إنما أمسك على نفسه. وحديث أبي ثعلبة قال الإمام أحمد: يختلفون فيه عن هشيم، وعلى أن حديث عدي أصح لأنه متفق عليه، وعدي بن حاتم أضبط ولفظه أبين، لأنه ذكر الحكم والعلة، قال أحمد: حديث الشعبي عن عدي من أصح ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الشعبي يقول: كان جاري وربيطي فحدثني، والعمل عليه. (الثاني: وهو الخامس، أن يرسل الصائد المصيد فإن استرسل بنفسه فقتل لم يبح صيده) لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أرسلت كلبك وسميت فكل» ولأن إرسال الجارحة جعل بمنزلة الذبح، ولهذا اعتبرت التسمية معه. (الثالث: وهو السادس، أن يقصد الصيد، فإن أرسل سهمه ليصيب به غرضًا ولا يرى صيدًا فأصاب صيدًا لم يبح) لأنه لم يقصد برميه عينًا فأشبه من نصب سكينًا فانذبحت بها شاة.
مسألة 4: (ومتى شارك في الصيد ما لا يباح قتله، مثل أن يشارك كلبه أو سهمه كلب أو سهم لا يعلم مرسله أو لا يعلم أنه سمي عليه لم يبح) لما «روي أن عديًا قال: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: إني أرسل كلبي فأجد معه كلبًا آخر، قال: " لا تأكل، فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على الآخر» (رواه البخاري) وفي لفظ «فإن وجدت مع كلبك كلبًا آخر فخشيت أن يكون أخذ معه وقد قتله فلا تأكله فإنما ذكرت اسم
(1/498)
(5) أو رماه بسهم مسموم يعين على قتله أو غرق في ماء أو وجد به أثرا غير أثر السهم أو الكلب يحتمل أنه مات لم يحل، لما روى عدي بن حاتم أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فأمسك عليك فأدركته حيا فاذبحه، وإن قتل ولم يأكل منه فكله فإن أخذ الكلب له ذكاة، فإن أكل فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه، وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره، وإذا أرسلت سهمك فاذكر اسم الله عليه، وإن غاب عنك يوما أو يومين ولم تجد فيه إلا أثر سهمك فكله إن شئت، وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل فإنك لا تدري الماء قتله أو قتله سهمك»
باب المضطر (6) ومن اضطر في مخمصة فلم يجد إلا محرما فله أن يأكل منه ما يسد رمقه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الله على كلبك» ، وفي لفظ " «فإنك لا تدري أيهما قتل» أخرجه البخاري، ولأنه شك في وجود الاصطياد المباح فوجب إبقاء حكم التحريم، وكذلك الحكم في سهمه إذا وجد معه سهمًا آخر وقد قتل لا يباح لأنه إنما ذكر اسم الله على سهمه ولم يذكره على سهم غيره. والحديث حجة فيهما جميعًا. وفي بعض ألفاظ حديث عدي: «فإن لم تجد فيه إلا أثر سهمك فكله إن شئت» مفهومه أنه إن وجد فيه أثر غيره لا يأكله.
مسألة 5: (وإن رماه بسهم مسموم يعين على قتله) ويحتمل أنه مات به لم يحل، لأن قتله بالسهم المسموم حرام، وقتله بالسهم مباح، فقد اشتبه المحظور بالمباح فيحرم، كما لو مات بسهم مجوسي ومسلم (وإن رماه فغرق في ماء) يحتمل أنه مات بذلك (حرم) لأن في بعض ألفاظ حديث عدي: «وإن وجدته غريقًا في الماء فلا تأكل، فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك» (رواه مسلم) .
باب المضطر (ومن اضطر في مخمصة فلم يجد إلا محرمًا فله أن يأكل منه ما يسد به رمقه) أجمع العلماء على إباحة الأكل من الميتة للمضطر، وكذلك سائر المحرمات التي لا تزيل العقل. والأصل فيه قوله سبحانه: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] ويباح له أكل ما يسد به الرمق ويأمن معه
(1/499)
(6) وإن وجد متفقًا على تحريمه ومختلفا فيه أكل من المختلف فيه
(7) فإن لم يجد إلا طعامًا لغيره به مثل ضرورته لم يبح له أخذه
(8) وإن كان مستغنيًا عنه أخذه منه بثمنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الموت بالإجماع، ويحرم عليه ما زاد على الشبع بالإجماع، وفي الشبع روايتان: أحدهما: لا يباح، والثانية: يحل له الشبع، اختارها أبو بكر لما روى جابر بن سمرة «أن رجلًا نزل الحرة فنفقت عنده ناقة فقال: اسلخها حتى نقدد لحمها وشحمها ونأكله، فقال: حتى أسأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: هل عندك غنى يغنيك؟ قال: لا. قال: فكلوها» ولم يفرق، رواه أبو داود. ولأن ما جاز سد الرمق منه جاز الشبع منه كالمباح، ودليل الأولى أن الآية الكريمة دلت على تحريم الميتة ثم استثنى منها ما اضطر إليه، فإذا اندفعت الضرورة لم يحل له الأكل كحالة الابتداء، ولأنه بعد سد الرمق غير خائف للتلف فلم يجز له الأكل كغير المضطر، يحققه أنه بعد سد الرمق كهو قبل أن يضطر وثَمّ لم يبح له الأكل، هكذا هنا.
إذا ثبت هذا فإن الضرورة المبيحة هي التي يخاف منها التلف إن ترك الأكل، قال الإمام أحمد: إذا كان يخشى على نفسه أن يتلف، سواء كان من جوع أو يخاف إن ترك الأكل عجز عن المشي وانقطع عن الرفقة أو يعجز عن الركوب فيهلك.
مسألة 6: (وإن وجد متفقًا على تحريمه ومختلفًا فيه أكل من المختلف فيه) لأنه أخف تحريمًا، كالخنزير متفق على تحريمه والثعلب مختلف فيه والقنفذ وما شاكل ذلك.
مسألة 7: (فإن لم يجد إلا طعامًا لغيره به مثل ضرورته لم يبح له أخذه) لأن صاحب الطعام ساواه في الضرورة وانفرد بالملك فأشبه غير حال الضرورة.
مسألة 8: (وإن كان مستغنيًا عنه أخذه منه بثمنه) لأنه أمكن الوصول إليه برضا صاحبه، قال القاضي: فإن لم يبعه إلا بأكثر من ثمن مثله فاشتراه بذلك لم يلزمه إلا بثمن مثله لأنه صار مستحقًا له بقيمته، فإن كان العوض معه دفعه إليه وإلا بقي في ذمته، ولا يباح للمضطر من مال غيره إلا ما يباح له من الميتة، «قال أبو هريرة: " قلنا: يا رسول الله ما يحل لأحدنا من مال أخيه إذا اضطر إليه؟ قال: يأكل ولا يحمل، ويشرب ولا يحمل» .
(1/500)
(9) فإن منعه منه أخذه قهراً وضمنه له متى قدر، فإن قتل المضطر فهو شهيد وعلى قاتله ضمانه، وإن قتل المانع فلا ضمان فيه
(10) ولا يباح التداوي بمحرم
(11) ولا شرب الخمر لمن عطش
(12) ويباح دفع الغصة بها إذا لم يجد مائعًا غيرها
باب النذر من نذر طاعة لزمه فعلها لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 9: (فإن منعه منه أخذه قهرًا وضمنه له متى قدر) على مثله أو قيمته، وذلك لأن صاحب الطعام إذا كان مستغنيًا عنه لزمه بذله للمضطر، لأنه يتعلق به إحياء نفس آدمي معصوم، فلزمه بذله له كما يلزمه بذل منافعه في تخليصه من الغرق والحرق، فإن لم يبذله له فللمضطر أخذه منه قهرًا لأنه مستحق له دون مالكه فجاز له أخذه كعين ماله، فإن احتيج في ذلك إلى قتال فله المقاتلة عليه (فإن قتل المضطر فهو شهيد وعلى الآخر ضمانه) بالقصاص أو الدية (وإن آل آخذه إلى قتل مالكه فهو هدر) كما قلنا في الصائل إذا قتله المصول عليه دفعًا عن نفسه ولم يمكنه دفعه إلا بالقتل.
مسألة 10: (ولا يباح التداوي بمحرم) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لا شفاء لأمتي فيما حرم عليها» رواه الإمام أحمد في كتاب الأشربة ولفظه: «إن الله لم يجعل فيما حرم عليكم شفاء» .
مسألة 11: (ولا يجوز شرب الخمر من عطش) لأنه لا يروي.
مسألة 12: (ويباح دفع الغصة بها إذا لم يجد مائعًا غيرها) لأنه حالة ضرورة، إذ لو لم يفعل ذلك لخاف الموت لأنها تقتل صاحبها.
وقوله: «عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان» يقتضي نفي الإثم لأنه جعل الشرط المعدوم كالموجود، بدليل ما لو نسي شروط الصلاة، والفرق بين الصيد والذبيحة أن الذبح وقع في محله فجاز أن يسامح فيه بخلاف الصيد، والأحاديث بخلاف هذا لا نعلم لها أصلًا.
الشرط (الثالث: أن يذكي بمحدد سواء كان من حديد أو حجر أو قصب أو غيره، إلا السن والظفر لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكله ما لم يكن سنًا أو ظفرًا» متفق عليه.
مسألة 21: (ويعتبر في الصيد أن يصيد بمحدد أو يرسل جارحًا يجرح الصيد) لأن الاصطياد قام مقام الذكاة، والجارح آلة كالسكين، وعقره الحيوان بمنزلة إفراء الأوداج. قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «فإن أخذ الكلب ذكاته» (رواه البخاري) والصائد بمنزلة المذكي. وكذلك السهم ينبغي أن يكون محددًا، فإن كان غير محدد كالمصطاح لم يحل، أو قتل بالمعراض فإنه يحل ما أصاب بحده ولا يحل ما أصاب بعرضه لأن هذا كله من الموقوذة (وكذا لو قتل الصيد بحجر أو بندق أو شبكة فمات فيها أو قتل الجارح الصيد بصدمته أو بخنقه أو روعته لم يحل) لأنه موقوذ.
مسألة 22: (وإن صاد بالمعراض أكل ما قتل بحده، ولم يأكل ما قتل بعرضه) لذلك.
مسألة 23: (وإن نصب المناجل للصيد وسمى فعقرت الصيد أو قتلته حل) لأنه قتل الصيد بحديدة على الوجه المعتاد فأشبه ما لو رماه بها، ولأنه قصد قتل الصيد بما قد
(1/492)
فصل: ويشترط في الذبح والنحر خاصة شرطان: أحدهما أن يكون في الحلق واللبة فيقطع الحلقوم والمريء وما لا تبقى الحياة مع قطعه، الثاني: أن يكون في المذبوح حياة يذهبها الذبح، فإن لم يكن فيه إلا كحياة المذبوح وما أبينت حشوته لم يحل بالذبح ولا النحر، وإن لم يكن كذلك حل لما «روى كعب قال: كانت لنا غنم ترعى بسلع فأبصرت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
جرت العادة بالصيد به أشبه ما ذكرناه، ولأن التسبب جرى مجرى المباشرة في الضمان فكذلك في الصيد، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «كلْ ما ردت عليك يدك» (رواه أبو داود) .
[فصل فيما يشترط في الذبح والنحر]
فصل: ويشترط في الذبح والنحر خاصة شرطان: أحدهما: أن يكون في الحلق واللبة فيقطع الحلقوم والمريء وما لا تبقى الحياة مع قطعه) فيعتبر في الذكاة قطع الحلقوم والمريء، ويكفي ذلك فيهما، وعن الإمام أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواية أخرى أنه يعتبر مع هذا قطع الودجين، لما روى أبو هريرة قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن شريطة الشيطان، وهي التي تذبح فتقطع الجلد ولا تفري الأوداج ثم يترك حتى يموت» رواه أبو داود. ودليل الأولى أنه قطع ما لا تبقى الحياة مع فقده في محل الذبح فأجزأ كما لو قطع الودجين، فأما الحديث فمحمول على من لم يقطع المريء.
فإذا ثبت هذا فالكمال أن يقطع الأربعة: الحلقوم وهو مجرى النفس، والمريء وهو مجرى الطعام والشراب، والودجين وهما عرقان محيطان بالحلقوم لأنه أعجل لخروج روح الحيوان فيخف عليه فيكون أولى.
الشرط (الثاني: أن يكون في المذبوح حياة يذهبها الذبح، فإن لم يكن فيه إلا كحياة المذبوح وما أبينت حشوته لم يحل بالذبح ولا النحر) لأن هذا قد صار في حكم الميت، ولهذا لو أبان رجل حشوة إنسان فضرب الآخر عنقه كان القاتل الأول. ولو ذبح الشاة بعد ذبح المجوسي لم تحل، (وإن لم يكن كذلك حل) بالذبح، يعني بذلك أن يدركها وفيها حياة بحيث إذا ذبحها يكون الذبح هو الذي قتلها لقوله سبحانه: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] ، وفي
(1/493)
جارية لنا شاة موتى فكسرت حجرا فذبحتها به، فسئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك فأمر بأكلها»
(24) وأما العقر فهو القتل بجرح في غير الحلق واللبة، ويشرع في كل حيوان معجوز عنه من الصيد والأنعام، لما «روى أبو رافع أن بعيرا ند فأعياهم، فأهوى إليه رجل بسهم فحبسه فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " وإن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش، فما غلبكم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
حديث «جارية كعب أنها أصيبت شاة من غنمها فأدركتها فذبحتها بحجر، فسئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " كلوها» (رواه البخاري) سواء كانت قد انتهت إلى حال يعلم أنها لا تعيش معه أو تعيش لعموم الآية والخبر وكون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يسأل ولم يستفصل، وقال الإمام أحمد في بهيمة عقرت بهيمة حتى تبين فيها آثار الموت إلا أن فيها الروح، فقال: إذا مصعت بذنبها أو طرفت بعينها وسال الدم فأرجو إن شاء الله أن لا يكون بأكلها بأس، وسئل الإمام أحمد عن شاة مريضة خافوا عليها الموت فذبحوها فلم يعلم منها أكثر من أنها طرفت بعينها أو حركت يدها أو رجلها أو ذنبها بضعف فنهر الدم، قال: فلا بأس، وقال بعض أصحابنا: إذا انتهت إلى حد لا تعيش معه لم تبح بالذكاة، ونص عليه الإمام إذا شق الذئب بطنها فخرج قصبها فذبحها لا تؤكل، وقال: إن كان يعلم أنها تموت من عقر السبع فلا تؤكل وإن ذكاها، وقد يخاف على الشاة الموت من العلة والشيء يصيبها فبادرها فذبحها فيأكلها، وليس هذا مثل هذه، ولا ندري لعلها تعيش، والتي خرجت أمعاؤها قد علم أنها لا تعيش، وقال شيخنا: والأول أصح لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - انتهى به الجرح إلى حد علم أنه لا يعيش فصحت وصاياه ووجبت عليه العبادة، ولأن ما ذكرناه فيما قبل يرد هذا، قال: وما رويناه عن الإمام أحمد فالصحيح أنها إذا كانت تعيش زمانًا يكون الموت بالذبح أسرع منه حلت بالذبح. والله أعلم.
مسألة 24: (وأما العقر فهو الجرح في غير الحلق واللبة، وشرع في كل حيوان معجوز عنه من الصيد والأنعام، لما «روى رافع بن خديج - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فند بعير، وكان في القوم خيل يسيرة فطلبوه فأعياهم، فأهوى إليه رجل بسهم فحبسه الله، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش، فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا»
(1/494)
منها فاصنعوا به هكذا»
(25) ولو تردى بعير في بئر فتعذر نحره فجرح في أي موضع من جسده فمات به حل أكله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
متفق عليه. وحرن ثور في بعض دور الأنصار فضربه رجل بالسيف وذكر اسم الله عليه، فسأل عنه عليا فقال: ذكاة وجبت، فأمرهم بأكله.
وتردى بعير في بئر فذكي من قبل شاكلته فبيع بعشرين درهمًا فأخذ ابن عمر عشرة بدرهمين، رواه سعيد، ولأنه حيوان غير مقدور على تذكيته فأشبه الوحشي.
مسألة 25: (ولو تردى بعير في بئر فتعذر نحره فجرح في أي موضع من جسده فمات حل أكله) لذلك.
(1/495)
كتاب الصيد (1) كل ما أمكن ذبحه من الصيد لم يبح إلا بذبحه
(2) وما تعذر ذبحه فمات بعقره حل بشروط ستة، ذكرنا منها ثلاثة في الذكاة) (والرابع: أن يكون الجارح الصائد معلمًا
(3) وهو ما يسترسل إذا أرسل ويجيب إذا دعي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
كتاب الصيد مسألة 1: (كل ما أمكن ذبحه من الصيد لم يبح إلا بذبحه) وقد سبق ذكر المعجوز عن تذكيته فأما المقدور عليه فلا يباح إلا بالذبح بلا خلاف بين أهل العلم، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث عدي: «فإن أدركته حيًا فاذبحه» .
مسألة 2: (وما تعذر ذبحه فمات بعقره حل بشروط ستة، ذكرنا منها ثلاثة في الذكاة) وقد مضى تعليلها (والرابع: أن يكون الجارح الصائد معلمًا) ولا خلاف في اعتبار هذا الشرط، والأصل فيه قوله سبحانه: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] ، «وروى أبو ثعلبة الخشني قال: أتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: يا رسول الله، أنا بأرض صيد أصيد بقوسي وأصيد بكلبي المعلم وأصيد بكلبي الذي ليس بمعلم، فأخبرني ما يصلح لي؟ قال: " أما ما ذكرت أنكم بأرض صيد فما صدت بقوسك وذكرت اسم الله عليه فكل، وما صدت بكلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل، وما صدت بكلبك الذي ليس بمعلم فأدركت ذكاته فكل» متفق عليه.
مسألة 3: (ويعتبر في تعليمه ثلاثة شروط: إذا أرسله استرسل، وإذا زجره انزجر، وإذا أمسك لم يأكل) إذا كان كلبًا أو فهدًا ويتكرر هذا منه مرة بعد أخرى حتى يصير معلمًا في حكم العرف. ولا يعتبر ترك الأكل في الطائر، لأن تعليمه بأن يأكل عند أهل العرف بذلك، فإن أكل غير الطائر من الصيد لم يبح في إحدى الروايتين، والثانية يباح، وروي ذلك عن جماعة من الصحابة لعموم قوله: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] وعن أبي ثعلبة:
(1/497)
ويعتبر في الكلب والفهد خاصة أنه إذا أمسك لم يأكل، ولا يعتبر ذلك في الطائر الثاني: أن يرسل الصائد الآلة، فإن استرسل الكلب بنفسه لم يبح صيده الثالث: أن يقصد الصيد، فإن أرسل سهمه ليصيب به غرضا أو كلبه ولا يرى صيدا فأصاب صيدا لم يبح
(4) ومتى شارك في الصيد ما لا يباح قتله مثل أن يشارك كلبه أو سهمه كلب أو سهم لا يعلم مرسله أو لا يعلم أنه سمي عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل، وإن أكل» ذكره الإمام أحمد وأخرجه أبو داود، ودليل الرواية الأولى أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في حديث عدي بن حاتم: «إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك، قلت: وإن قتل؟ قال: وإن قتل إلا أن يأكل الكلب، فإن أكل فلا تأكل، فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه» متفق عليه. وأما الآية فإنها تتناول ما أمسك علينا، وهذا إنما أمسك على نفسه. وحديث أبي ثعلبة قال الإمام أحمد: يختلفون فيه عن هشيم، وعلى أن حديث عدي أصح لأنه متفق عليه، وعدي بن حاتم أضبط ولفظه أبين، لأنه ذكر الحكم والعلة، قال أحمد: حديث الشعبي عن عدي من أصح ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الشعبي يقول: كان جاري وربيطي فحدثني، والعمل عليه. (الثاني: وهو الخامس، أن يرسل الصائد المصيد فإن استرسل بنفسه فقتل لم يبح صيده) لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أرسلت كلبك وسميت فكل» ولأن إرسال الجارحة جعل بمنزلة الذبح، ولهذا اعتبرت التسمية معه. (الثالث: وهو السادس، أن يقصد الصيد، فإن أرسل سهمه ليصيب به غرضًا ولا يرى صيدًا فأصاب صيدًا لم يبح) لأنه لم يقصد برميه عينًا فأشبه من نصب سكينًا فانذبحت بها شاة.
مسألة 4: (ومتى شارك في الصيد ما لا يباح قتله، مثل أن يشارك كلبه أو سهمه كلب أو سهم لا يعلم مرسله أو لا يعلم أنه سمي عليه لم يبح) لما «روي أن عديًا قال: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: إني أرسل كلبي فأجد معه كلبًا آخر، قال: " لا تأكل، فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على الآخر» (رواه البخاري) وفي لفظ «فإن وجدت مع كلبك كلبًا آخر فخشيت أن يكون أخذ معه وقد قتله فلا تأكله فإنما ذكرت اسم
(1/498)
(5) أو رماه بسهم مسموم يعين على قتله أو غرق في ماء أو وجد به أثرا غير أثر السهم أو الكلب يحتمل أنه مات لم يحل، لما روى عدي بن حاتم أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فأمسك عليك فأدركته حيا فاذبحه، وإن قتل ولم يأكل منه فكله فإن أخذ الكلب له ذكاة، فإن أكل فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه، وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره، وإذا أرسلت سهمك فاذكر اسم الله عليه، وإن غاب عنك يوما أو يومين ولم تجد فيه إلا أثر سهمك فكله إن شئت، وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل فإنك لا تدري الماء قتله أو قتله سهمك»
باب المضطر (6) ومن اضطر في مخمصة فلم يجد إلا محرما فله أن يأكل منه ما يسد رمقه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الله على كلبك» ، وفي لفظ " «فإنك لا تدري أيهما قتل» أخرجه البخاري، ولأنه شك في وجود الاصطياد المباح فوجب إبقاء حكم التحريم، وكذلك الحكم في سهمه إذا وجد معه سهمًا آخر وقد قتل لا يباح لأنه إنما ذكر اسم الله على سهمه ولم يذكره على سهم غيره. والحديث حجة فيهما جميعًا. وفي بعض ألفاظ حديث عدي: «فإن لم تجد فيه إلا أثر سهمك فكله إن شئت» مفهومه أنه إن وجد فيه أثر غيره لا يأكله.
مسألة 5: (وإن رماه بسهم مسموم يعين على قتله) ويحتمل أنه مات به لم يحل، لأن قتله بالسهم المسموم حرام، وقتله بالسهم مباح، فقد اشتبه المحظور بالمباح فيحرم، كما لو مات بسهم مجوسي ومسلم (وإن رماه فغرق في ماء) يحتمل أنه مات بذلك (حرم) لأن في بعض ألفاظ حديث عدي: «وإن وجدته غريقًا في الماء فلا تأكل، فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك» (رواه مسلم) .
باب المضطر (ومن اضطر في مخمصة فلم يجد إلا محرمًا فله أن يأكل منه ما يسد به رمقه) أجمع العلماء على إباحة الأكل من الميتة للمضطر، وكذلك سائر المحرمات التي لا تزيل العقل. والأصل فيه قوله سبحانه: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] ويباح له أكل ما يسد به الرمق ويأمن معه
(1/499)
(6) وإن وجد متفقًا على تحريمه ومختلفا فيه أكل من المختلف فيه
(7) فإن لم يجد إلا طعامًا لغيره به مثل ضرورته لم يبح له أخذه
(8) وإن كان مستغنيًا عنه أخذه منه بثمنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الموت بالإجماع، ويحرم عليه ما زاد على الشبع بالإجماع، وفي الشبع روايتان: أحدهما: لا يباح، والثانية: يحل له الشبع، اختارها أبو بكر لما روى جابر بن سمرة «أن رجلًا نزل الحرة فنفقت عنده ناقة فقال: اسلخها حتى نقدد لحمها وشحمها ونأكله، فقال: حتى أسأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: هل عندك غنى يغنيك؟ قال: لا. قال: فكلوها» ولم يفرق، رواه أبو داود. ولأن ما جاز سد الرمق منه جاز الشبع منه كالمباح، ودليل الأولى أن الآية الكريمة دلت على تحريم الميتة ثم استثنى منها ما اضطر إليه، فإذا اندفعت الضرورة لم يحل له الأكل كحالة الابتداء، ولأنه بعد سد الرمق غير خائف للتلف فلم يجز له الأكل كغير المضطر، يحققه أنه بعد سد الرمق كهو قبل أن يضطر وثَمّ لم يبح له الأكل، هكذا هنا.
إذا ثبت هذا فإن الضرورة المبيحة هي التي يخاف منها التلف إن ترك الأكل، قال الإمام أحمد: إذا كان يخشى على نفسه أن يتلف، سواء كان من جوع أو يخاف إن ترك الأكل عجز عن المشي وانقطع عن الرفقة أو يعجز عن الركوب فيهلك.
مسألة 6: (وإن وجد متفقًا على تحريمه ومختلفًا فيه أكل من المختلف فيه) لأنه أخف تحريمًا، كالخنزير متفق على تحريمه والثعلب مختلف فيه والقنفذ وما شاكل ذلك.
مسألة 7: (فإن لم يجد إلا طعامًا لغيره به مثل ضرورته لم يبح له أخذه) لأن صاحب الطعام ساواه في الضرورة وانفرد بالملك فأشبه غير حال الضرورة.
مسألة 8: (وإن كان مستغنيًا عنه أخذه منه بثمنه) لأنه أمكن الوصول إليه برضا صاحبه، قال القاضي: فإن لم يبعه إلا بأكثر من ثمن مثله فاشتراه بذلك لم يلزمه إلا بثمن مثله لأنه صار مستحقًا له بقيمته، فإن كان العوض معه دفعه إليه وإلا بقي في ذمته، ولا يباح للمضطر من مال غيره إلا ما يباح له من الميتة، «قال أبو هريرة: " قلنا: يا رسول الله ما يحل لأحدنا من مال أخيه إذا اضطر إليه؟ قال: يأكل ولا يحمل، ويشرب ولا يحمل» .
(1/500)
(9) فإن منعه منه أخذه قهراً وضمنه له متى قدر، فإن قتل المضطر فهو شهيد وعلى قاتله ضمانه، وإن قتل المانع فلا ضمان فيه
(10) ولا يباح التداوي بمحرم
(11) ولا شرب الخمر لمن عطش
(12) ويباح دفع الغصة بها إذا لم يجد مائعًا غيرها
باب النذر من نذر طاعة لزمه فعلها لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 9: (فإن منعه منه أخذه قهرًا وضمنه له متى قدر) على مثله أو قيمته، وذلك لأن صاحب الطعام إذا كان مستغنيًا عنه لزمه بذله للمضطر، لأنه يتعلق به إحياء نفس آدمي معصوم، فلزمه بذله له كما يلزمه بذل منافعه في تخليصه من الغرق والحرق، فإن لم يبذله له فللمضطر أخذه منه قهرًا لأنه مستحق له دون مالكه فجاز له أخذه كعين ماله، فإن احتيج في ذلك إلى قتال فله المقاتلة عليه (فإن قتل المضطر فهو شهيد وعلى الآخر ضمانه) بالقصاص أو الدية (وإن آل آخذه إلى قتل مالكه فهو هدر) كما قلنا في الصائل إذا قتله المصول عليه دفعًا عن نفسه ولم يمكنه دفعه إلا بالقتل.
مسألة 10: (ولا يباح التداوي بمحرم) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لا شفاء لأمتي فيما حرم عليها» رواه الإمام أحمد في كتاب الأشربة ولفظه: «إن الله لم يجعل فيما حرم عليكم شفاء» .
مسألة 11: (ولا يجوز شرب الخمر من عطش) لأنه لا يروي.
مسألة 12: (ويباح دفع الغصة بها إذا لم يجد مائعًا غيرها) لأنه حالة ضرورة، إذ لو لم يفعل ذلك لخاف الموت لأنها تقتل صاحبها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق