9مصاحف

9 مصاحف روابط 9 مصاحف

     تفسير القرطبي

الخميس، 7 مايو 2020

فوائد من الجواب الكافى

روابط موقع الكلم الطيب

فوائد من الجواب الكافى
روابط وقع الكلم الطيب


الدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه ، وحصول المطلوب ، ولكن قد يتخلف عنه أثره ، إما لضعفه في نفسه ؛ بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان ، وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء فيكون بمنزلة القوس الرخو جداً ، وإما لحصول المانع من الإجابة من أكل الحرام ورين الذنوب


للدعاء مع البلاء ثلاث مقامات : أحدها : أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه . الثاني : أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء ، فيصاب به العبد ، ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفاً . الثالث : أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه .


ما استجلبت نعم الله واستدفعت نقمه بمثل طاعته ، والتقرب إليه ، والإحسان إلى خلقه


أعظم الناس غروراً من اغتر بالدنيا وعاجلها ، فآثرها على الآخرة ، ورضي بها بديلاً من الآخرة .


لا تحسب إن قوله تعالى : ( إن الأبرار لفي نعيم . وإن الفجار لفي جحيم ) مقصور على نعيم الآخرة وجحيمها فقط ، بل في دورهم الثلاثة كذلك ، أعني دار الدنيا ، ودار البرزخ ، ودار القرار ، فهؤلاء في نعيم ، وهؤلاء في جحيم ، وهل النعيم إلا نعيم القلب ؟ وهل العذاب إلا عذاب القلب ؟ .


كل من أحب شيئاً غير الله عذب به ثلاث مرات : في هذه الدار ، فهو يعذب به قبل حصوله حتى يحصل ، فإذا حصل عذب به حال حصوله بالخوف من سلبه وفواته ، والتنغيص والتنكيد عليه وأنواع المعارضات ، فإذا سلبه اشتد عذابه عليه ، فهذه ثلاثة أنواع من العذاب في هذه الدار


النظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان ، فإن النظرة تولد الخطرة ، ثم تولد الخطرة فكرة ، ثم تولد الفكرة شهوة ، ثم تولد الشهوة إرادة ، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة ، فيقع الفعل ولا بد ما لم يمنع مانع ، ولهذا قيل : الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده .


الحكمة من ابتلاء الله لعبده بالمحن إن الله تعالى لم يبتله ليهلكه ، وإنما ابتلاه ليمتحن صبره وعبوديته ، فإن لله تعالى على العبد عبودية في الضراء ، كما له عليه عبودية في السراء ، وله عليه عبودية فيما يكره كما له عليه عبودية فيما يحب ، وأكثر الخلق يعطون العبودية فبما يحبون ، والشأن في إعطاء العبودية في المكاره ، ففيه تفاوتت مراتب العباد ، وبحسبه كانت منازلهم عند الله تعالى


إذا أراد الله بعبده خيراً فتح له من أبواب التوبة ، والندم ، والانكسار ، والذل ، والافتقار ، والاستعانة به ، وصدق الملجأ إليه ، ودوام التضرع ، والدعاء ، والتقرب إليه بما أمكن من الحسنات .


استقامة القلب بشيئين : أحدهما : أن تكون محبة الله تعالى تتقدم عنده على جميع المحاب ، فإذا تعارض حب الله وحب غيره ، سبق حب الله حب ما سواه ، وما أسهل هذا بالدعوى ، وما أصعبه بالفعل الثانية : تعظيم الأمر والنهي ، وهو ناشئ عن تعظيم الآمر والناهي


قضى الله قضاء لا يرد ولا يدفع ، أن من أحب شيئاً سواه عذب به ولا بد ، وأن من خاف غيره سلط عليه ، وأن من اشتغل بشيء غيره كان شؤماً عليه ، ومن آثر غيره عليه لم يبارك فيه


تتفاضل الأعمال عند الله بتفاضــل ما في القلـوب من الإيمان والإخلاص والمحبة وتوابعها .


ليس الشأن في العمل ، إنما الشأن كل الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه و معرفة ما يفسد الأعمال في حال وقوعها ، ويبطلها ويحبطها بعد وقوعها من أهم ما ينبغي أن يفتش عليه العبد ، ويحرص على عمله ويحذره .


ما أمر الله بأمر إلا كان للشيطان نزغتان إما تقصير وتفريط ، وإما إفراط وغلو ، فلا يبالي بما ظفر من العبد من الخطيئتين


للصدقة تأثيراً عجيباً في دفع أنواع البلاء ، ولو كانت من فاجر أو ظالم ، بل من كافر ، فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعاً من البلاء ، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم ، وأهل الأرض كلهم مقرون به لأنهم جربوه


صدأ القلب بأمرين : بالغفلة والذنب ، وجلاؤه بشيئين : بالاستغفار والذكر


سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة . وقال لي مرة : ما يصنع أعدائي بي ؟ أنا جنتي وبستاني في صدري ، إن رحت فهي معي لا تفارقني ، وإن حبسي خلوة ، وقتلي شهادة ، وإخراجي من بلدي سياحـة . وكان يقول في محبسه في القلعة : لو بذلت لهم ملء هذه القلعـة ذهباً ما عدل عندي شكر هذه النعمـة . وكان يقول في سجوده وهو محبوس : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك . وقال لي مرة : المحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى ، والمأسور من أسره هواه .


أفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان و ذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده ، لأن ذكر القلب يثمر المعرفة ، ويهيج المحبة ، ويثير الحياء ، ويبعث على المخافة ، ويدعو إلى المراقبة ، ويزع عن التقصير في الطاعات ، والتهاون في المعاصي والسيئات ، وذكر اللسان لا يثمر شيئاً من ذلك الإثمار ، وإن أثمر شيئاً منها فثمرة ضعيفة .


الذكر أفضل من الدعاء ، لأن الذكر ثناء على الله بجميل أوصافه وآلائه وأسمائه ، والدعاء سؤال العبد حاجته فأين هذا من هذا والدعاء الذي يتقدمـه الذكر والثناء ، أفضل وأقرب إلى الإجابـة من الدعاء المجرد ، فإن إنضاف إلى ذلك إخبار العبد بحاله ومسكنته وافتقاره واعترافه كان أبلغ في الإجابة وأفضل .


إضاعة الوقت أشد من الموت ، لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة ، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها


أعظم الربح في الدنيا أن تشغل نفسك كل وقت بما هو أولى بها وأنفع لها في معادها


بعض نتائج المعصية : قلة التوفيق ، وفساد الرأي ، وخفاء الحق ، وفساد القلب ، وخمول الذكر ، وإضاعة الوقت ، ونفْرة الخلق والوحشة بين العبد وبين ربه ، ومنع إجابة الدعاء ، وقسوة القلب ، ومحق البركة في الرزق والعمر ، وحرمان العلم ، ولباس الذل .


دخل الناس النار من ثلاثة أبواب : باب شبهة أورثت شكاً في دين الله . وباب شهوة أورثت تقديم الهوى على طاعته ومرضاته . وباب غضب أورث العدوان على الآخرين .


أصول الخطايا كلها ثلاثة : الكبر : وهو الذي أصار إبليس إلى ما أصاره . والحرص : وهو الذي أخرج آدم من الجنة . والحسد : وهو الذي جر أحد ابني آدم على قتل أخيه .


أخسر الناس صفقة من اشتغل عن الله بنفسه ، بل أخسر منه من اشتغل عن نفسه بالناس .


علق الله سبحانه الهداية بالجهاد [ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ] فأكمل الناس هداية أعظمـهم جهاداً ، وأفرض الجهاد جهاد النفس وجهاد الهوى ، وجهاد الشيطان وجهاد الدنيا


أصول المعاصي كلها ، كبارها وصغارها ، ثلاثة : تعلق القلب بغير الله ، وطاعة القوة الغضبية ، والقوة الشهوانية ، وهي الشرك والظلم والفواحش ، فغاية التعلق بغير الله شرك وأن يُدعى معه إله آخر ، وغاية طاعة القوة الغضبية القتل ، وغاية القوة الشهوانية الزنا ، ولهذا جمع الله سبحانه بين الثلاثة في قوله (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ ) .


إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده تحمّل الله سبحانه حوائجه كلها ، وحمل عنه كل ما أهمه ، وفرغ قلبه لمحبته ، ولسانه لذكره ، وجوارحه لطاعته


سر التوكل وحقيقته هو اعتماد القلب على الله وحده ، فلا يضره مباشرة الأسباب مع خلو القلب من الاعتماد عليها والركون إليها ، كما لا ينفعه قوله : توكلت على الله ، مع اعتماده على غيره وركونه إليه وثقته به ، فتوكل اللسان شيء ، وتوكل القلب شيء ، فقول العبد : توكلت على الله مع اعتماد قلبه على غيره ، مثل قوله : تبتُ إلى الله ، وهو مصر على معصيته مرتكب لها .


ما ضربَ عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبعد عن الله . خلقت النار لإذابة القلوب القاسية . أبعد القلوب من الله القلب القاسي


إذا قسا القلب قحطت العين . قسوة القلب من أربعة أشياء إذا جاوزت قدر الحاجة : الأكل والنوم والكلام والمخالطة . كما أن البدن إذا مرض لم ينفع فيه الطعام والشراب ، فكذلك القلب إذا مرض بالشهوات لم تنجح فيه المواعظ .


القلوب المتعلقة بالشهوات محجوبة عن الله بقدر تعلقها بها . القلوب آنية الله في أرضه ، فأحبها إليه أرقها وأصلبها وأصفاها .


من أراد صفاء قلبه فليؤثر الله على شهوته


خراب القلب من الأمن والغفلة ، وعمارته من الخشية والذكر . الشوق إلى الله ولقائه نسيم يهب على القلب يُروّح عنه وهج الدنيا


لا تستصعب مخالفة الناس والتحيز إلى الله ورسوله ولو كنت وحدك ، فإن الله معك ، وأنت بعينه وكلاءته وحفظه لك ، وإنما امتحن يقينك وصبرك ، وأعظم الأعوان لك على هذا بعد عون الله التجرد من الطمع والفزع ، فمتى تجردت منهما هان عليك التحيز إلى الله ورسوله ، وكنت دائماً في الجانب الذي فيه الله ورسوله .


الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة ، والورع ترك ما يخشى ضرره في الآخرة


من علامات السعادة والفلاح أن العبد كلما زيد في علمه زيد في تواضعه ورحمته . وكلما زيد في عمله زيد خوفه وحذره . وكلما زيد في عمره نقص من حرصه . وكلما زيد في ماله زيد في سخائه وبذله . وكلما زيد في قدره وجاهه زيد في قربه من الناس وقضاء حوائجهم والتواضع لهم


ليس على العبد أضر من ملَلهِ لنِعَم الله ، فإنه لا يراها نعمة ، ولا يشكره عليها ولا يفرح بها ، بل يسخطها ويشكوها ويعدّها مصيبة ، هذا وهي من أعظم نعم الله عليه ، فأكثر الناس أعداء نعم الله عليهم .


من صدق الله في جميع أموره صَنَع الله له فوق ما يصنع لغيره ، وهذا الصدق معنى يلتئم من صحة الإخلاص وصدق التوكل ، فأصدق الناس من صحّ إخلاصه وتوكله


للعبد بين يدي الله موقفان : موقف بين يديه في الصلاة ، وموقف بين يديه يوم لقائه . فمن قام بحق الموقف الأول هوّن عليه الموقف الآخر ، ومن استهان بهذا الموقف ولم يوفه حقه شدد عليه ذلك الموقف


إذا استغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله ، وإذا فرحوا بالدنيا فافرح أنت بالله ، وإذا أنسوا بأحبابهم فاجعل أنسك بالله ، وإذا تعرفوا إلى ملوكهم وكبرائهم وتقربوا إليهم لينالوا بهم العزة والرفعة ، فتعرف أنت إلى الله وتودد إليه ، تنل بذلك غاية العز والرفعة .


إنما تحصل الهموم والغموم والأحزان من جهتين : أحدهما : الرغبة في الدنيا والحرص عليها . والثاني : التقصير في أعمال البر والطاعة


كل من أحب شيئاً دون الله لغير الله فإن مضرته أكثر من منفعته ، وعذابه أعظم من نعيمه ، فما علق العبد رجاءه وتوكله بغير الله إلا خاب من تلك الجهة ، ولا استنصر بغيره إلا خذل .


الرب تعالى أسماؤه كلها حسنى ليس فيها اسم سوء ، وأوصافه كلها كمال ليس فيها صفة نقص ، وأفعاله كلها حكمة ليس فيها فعل خال عن الحكمة والمصلحة


إذا ابتلى الله عبده بشيء من أنواع البلايا والمحن : فإن ردّه ذلك الابتلاء والمحن إلى ربه ، وجمعه عليه وطرحه ببابه ، فهو علامة سعادته وإرادة الخير به ، والشدة بتراء لا دوام لها وإن طالت . وإن لم يردّه ذلك البلاء إليه بل شرد قلبه عنه ورده إلى الخلق وأنساه ذكر ربه والضراعة إليه والتذلل بين يديه والتوبة والرجوع إليه فهو علامة شقاوته وإرادة الشر به .


إن الله إذا أراد بعبده خيراً سلب رؤية أعماله الحسنة من قلبه ، والإخبار بها من لسانه ، وشغله برؤية ذنبه ، فلا يزال نصب عينيه حتى يدخل الجنة


طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ، وويل لمن نسي عيبه وتفرغ لعيوب الناس ، فالأول علامة السعادة والثاني علامة الشقاوة


على قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار ، يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم، وعلى قدر سيره على هذا الصراط يكون سيره على ذاك الصراط، فمنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالطرْف، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كشد الركاب


العمل لأجل الناس وابتغاء الجاه والمنزلة عندهم، ورجائهم للضر والنفع منهم: لا يكون من عارف بهم البتة، بل جاهل بشأنهم، وجاهل بربه، فمن عرف الناس أنزلهم منازلهم، ومن عرف الله أخلص له أعماله وأقواله


صحة التوبة تتوقف على الإقلاع عن الذنب ، والندم عليه ، والعزم على ترك معاودته


كان شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية


الإنصاف في معاملة الله : أن يعطى العبودية حقها وأن لا ينازع ربه صفات إلهيته التي لا تليق بالعبد ولا تنبغي له : من العظمة والكبرياء والجبروت ومن إنصافه لربه : أن لا يشكر سواه على نعمه وينساه ولا يستعين بها على معاصيه ولا يحمد على رزقه غيره ولا يعبد سواه


كلما كان العبد حسن الظن بالله حسن الرجاء له صادق التوكل عليه : فإن الله لا يخيب أمله فيه ألبتة ، فإنه سبحانه لا يخيب أمل آمل ولا يضيع عمل عامل


الرضى يفرغ قلب العبد ويقلل همه وغمه فيتفرغ لعبادة ربه بقلب خفيف من أثقال الدنيا وهمومها . وأن الرضى يخلص العبد من مخاصمة الرب تعالى في أحكامه وأقضيته فإن السخط عليه مخاصمة له فيما لم يرض به العبد .


متى وصل اليقين إلى القلب امتلأ نوراً وإشراقاً وانتفى عنه كل ريب وشك وسخط وهم وغم فامتلأ محبة لله وخوفاً منه ورضيً به وشكراً له وتوكلاً عليه


إذا كان يوم معاد الخليقة ؛ ميز الله الخبيث من الطيب ، فجعل الطيب وأهله في دار على حدة لا يخالطهم غيرهم ، وجعل الخبيث وأهله على حدة لا يخالطهم غيرهم ، فعاد الأمرين إلى دارين فقط : الجنة ، وهي دار الطيبين ، والنار ، وهي دار الخبيثين


الفرق بين اسم محمد وأحمد الفرق بينهما : أن محمداً هو كثير الخصال التي يحمد عليها، وأحمد هو الذي يحمد أكثر مما يحمد غيره، فمحمد في الكثرة والكمية، وأحمد في الصفة والكيفية


ما مضى لا يدفع بالحزن ، بل بالرضى ، والحمد ، والصبر ، والإيمان بالقدر ، وقول العبد : قدر الله وما شاء فعل . وما يستقبل لا يدفع أيضاً بالهم ، بل إما أن يكون له حيلة في دفعه ، فلا يعجز عنه ، وإما أن لا تكون له حيلة في دفعه ، فلا يجزع منه .


هناك محبتان . محبة هي جنة الدنيا ، وسرور النفس ، ولذة القلب ، ونعيم الروح ، وغذاؤها ودواؤها ، بل حياتها وقرة عينها ، وهي محبة الله وحده بكل القلب . ومحبة هي عذاب الروح ، وغم النفس ، وسجن القلب ، وضيق الصدر ، وهي سبب الألم والنكد والعناء ، وهي محبة ما سواه سبحانه


قال ابن القيم رحمه الله: لا تتم الرغبة في الآخرة إلا بالزهد في الدنيا، فإيثار الدنيا على الآخرة إما من فساد في الإيمان، وإما من فساد في العقل، أو منهما معاً.


قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "جميع الأمم المكذِّبة لأنبيائهم إنما حملهم على كفرهم وهلاكهم حبُّ الدنيا .. فكل خطيئة في العالم أصلها حبُّ الدنيا، فحب الدنيا والرياسة هو الذي عمر النار بأهلها، والزهد في الدنيا والرياسة هو الذي عمر الجنة بأهلها .. والدنيا تسحر العقول أعظم سحر .. ".


قال ابن القيم : "لا تتمُّ الرغبة في الآخرة إلا بالزهد في الدنيا، ولا يستقيم الزهد في الدنيا إلا بالنظر في الآخرة وإقبالها ومجيئها ولا بد، ودوامها وبقائها وشرف ما فيها من الخيرات والمسرَّات، كما قال الله - سبحانه -: {وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: 17]، فهي خيرات كاملة دائمة، وهذه خيالات ناقصة منقطعة مضمحلة".


للعبد ستر بينه وبين الله وبينه وبين الناس، فمن هتك الستر الذي بينه وبين الله هتك الله الستر الذي بينه وبين الناس‏.‏ للعبد رب هو ملاقيه وبيت هو ساكنه، فينبغي له أن يسترضي ربه قبل لقائه، ويعمر بيته قبل انتقاله إليه‏


الدنيا من أولها إلى آخرها لا تساوي غم ساعة فكيف بغم العمر‏.‏


كيف يكون عاقلا من باع الجنة بما فيها بشهوة ساعة‏.‏


المخلوق إذا خفته استوحشت منه وهربت منه، والرب تعالى إذا خفته أنست به وقربت إليه‏.‏


دافع الخطرة، فإن لم تفعل صارت فكرة، فدافع الفكرة، فإن لم تفعل صارت شهوة، فحاربها، فإن لم تفعل صارت عزيمة وهِمَّة‏.‏ فإن لم تدافعها صارت فعلا‏.‏


من عظم وقار الله في قلبه أن يعصيه وقره الله في قلوب الخلق أن يذلوه‏.‏


ليس العجب من مملوك يتذلل لله ويتعبد له ولا يمل من خدمته مع حاجته وفقره إليه، إنما العجب من مالك يتحبب إلى مملوك بصنوف إنعامه ويتودد إليه بأنواع إحسانه مع غناه عنه‏.‏ كفى بك عزًّا أنك له عبد ** وكفى بك فخراً أنه لك رب


ودع ابن عون ‏ رجلاً فقال‏:‏ عليك بتقوى الله، فإن المتقي ليست عليه وحشة‏.‏ وقال زيد بن أسلم‏ كان يقال‏:‏ من اتقى الله أحبه الناس وإن كرهوا‏.‏ وقال الثوري لابن أبى ذئب‏:‏ إن اتقيت الله كفاك الناس، وإن اتقيت الناس لن يغنوا عنك من الله شيئا‏


احترز من عدوين هلك بهما أكثر الخلق‏:‏ صادّ عن سبيل الله بشبهاته وزخرف قوله، ومفتون بدنياه ورئاسته‏.‏


ما أتي من أتي إلا من قِبَل إضاعة الشكر وإهمال الافتقار والدعاء، ولا ظفر من ظفر بمشيئة الله وعونه إلا بقيامه بالشكر وصدق الافتقار والدعاء‏.‏ وملاك ذلك الصبر فإنه من الإيمان بمنزله الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس فلا بقاء لجسد‏.‏


من وطن قلبه عند ربه سكن واستراح، ومن أرسله في الناس اضطرب واشتد به القلق‏.‏ لا تدخل محبة الله في قلب فيه حب الدنيا إلا كما يدخل الجمل في سم الإبرة‏.‏ إذا أحب الله عبدا اصطنعه لنفسه واجتباه لمحبته واستخلصه لعبادته فشغل همته بخدمته‏.‏

فائدة من كتاب لا تحزن

يقولُ ابنُ القيِّم : (( أجمع العارفون بالله على أنَّ الخِذْلان : أنْ يكلك اللهُ على نفسِك ، ويُخلِّي بينك وبينها . والتوفيقُ أنْ لا يكِلك اللهُ إلى نفسِك .

مختارات من الحكم والمواعظ مدارج السالكين لابن القيم

كلما كان العبد حسن الظن بالله حسن الرجاء له صادق التوكل عليه : فإن الله لا يخيب أمله فيه ألبتة ، فإنه سبحانه لا يخيب أمل آمل ولا يضيع عمل عامل.


قال ابن القيم رحمه الله : " المؤمن المخلص لله من أطيب الناس عيشا وأنعمهم بالا وأشرحهم صدرا وأسرهم قلبا، وهذه جنة عاجلة قبل الجنة الآجلة "


قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - : من أعجب الأشياء أن تعرف ربك ثم لا تحبه وأن تسمع داعيه ثم تتأخر عن الاجابة وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعمل غيره وان تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تطلب الأنس بطاعته .


قال الإمام ابن القيم - رحمه الله : تمامُ الخذلان انشغال العبد بالنعمة عن المنعم وبالبلية عن المبتلي؛ فليس دومًا يبتلي ليعذّب وإنما قد يبتلي ليُهذّب.


قوله تعالى : { وكان الكافر على ربه ظهيرا } [الفرقان:55] هذا من ألطف خطاب القرآن وأشرف معانيه، فالمؤمن دائما مع الله على نفسه وهواه وشيطانه وعدو ربه، وهذا معنى كونه من حزب الله وجنده وأوليائه، والكافر مع شيطانه ونفسه وهواه على ربه، وعبارات السلف على هذا تدور.


قَـال ابن القَيم رَحمهُ الله: مَن دعَا إلـى مـَحَـبّـة الله أَحـَـبَّـه الله.