فضائل كثرة ذكر الله كسب رضا الله تعالى. سبب في ذكر الله لعبده؛
فإذا ذكر الله عبده، فإنه يتولّى شأنه، ويقضي حوائجه،
ويلبيه عند ندائه، ويحفظه، ويكون في معيّته.
ذكر الله فيه تنقية للقلب من شوائب الذنوب وأصدائها، وجلاء له من كل كدر، وطمأنينة وراحة حتى وقت الشدائد. أمان من عذاب الله تعالى. الدخول فيمن أظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. الفلاح والنجاة في الدنيا والآخرة. سبب في البعد عن الغفلة، وتذكر العبد لربه عندما يهمّ في فعل معصية. الحصول على المغفرة والأجر العظيم من الله عز وجل،
وكذلك الوصول إلى الجنة. رقّة القلب والتخلص من قساوته، وإقباله على الله من أجل القرب منه. سبب في جلب الرزق. اجتماع سهولته مع عظم ثوابه. أمان من النفاق؛ لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً. طرد الشيطان ووساوسه، وإضعاف تسلطه على النفس، وكلما كان الذكر أكثر، ابتعد الشيطان عن المسلم. سبب لاجتماع الملائكة في المجلس الذي يُذكَر فيه الله. سعادة للذاكر وجليسه. إلهام اللسان النطقَ بالشهادة عند الموت. مساواته لعتق الرقاب. مباهاة الله تعالى ملائكتَه بمجالس الذاكرين. سبب في جلب النعم ودفع النقم. الاشتغال بالذكر انشغالٌ بالكلام الحق عن اللغو والباطل. إكساب البدن والروح قوة لا يمكن التحلي بها دون ذكر. نضارة الوجه ونوره في الدنيا والآخرة. الدليل على أفضلية الذكر هناك العديد من النصوص الواردة الدالة على أفضلية الذكر، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبِّئُكُم بخَيرِ أعمالِكُم، وأزكاها عندَ مَليكِكُم وأرفعِها في درَجاتِكُم وخَيرٌ لكُم مِن إنفاقِ الذَّهبِ والورِقِ وخَيرٌ لكُم مِن أن تَلقوا عدوَّكُم فتضرِبوا أعناقَهُم ويضرِبوا أعناقَكُم. قالوا بلَى يا رسولَ اللَّهِ ، قالَ ذِكرُ اللَّهِ) [حديث صحيح]. اشتراط الله تعالى كثرة الذكر عندما أمر به، ولم يشترط الكثرة في غيره من الأعمال. تميزه عن غيره باكتساب معية الله تعالى وتوفيقه. من أنواع الذكر التسبيح. التحميد. التهليل. التكبير. الحوقلة؛ أي قول: لا حول ولا قوة إلا بالله. الاستغفار. الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم./منقول
------------------------
إكثار من ذكر الله والاستغفار والصلاة والسلام على النبي ﷺ من أعظم الأسباب في طمأنينة القلوب وفي راحتها وفي السكون إلى الله والأنس به وزوال الوحشة والذبذبة والحيرة، فالذي أوصاك به هذا الرجل قد أحسن في هذه الوصية لكن ليس للاستغفار حد محدود، ولا للصلاة على النبي ﷺ حد محدود، بل تكثر من الصلاة على النبي ﷺ ولا يتعين في مائة، بل تكثر الصلاة والسلام على النبي ﷺ وتستغفر كثيرًا مائة وأكثر وأقل.
أما التحديد بمائة فليس له أصل ولكنك تكثر من الصلاة والسلام على النبي ﷺ قائمًا وقاعدًا في الليل والنهار وفي الطريق وفي البيت؛ لأن الله جل وعلا قال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب:56]، وقال النبي ﷺ: من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرًا، فأكثر من ذلك وأبشر بالخير وليس هناك حد محدود تصلي على النبي ﷺ ما تيسر عشرًا عشرين ثلاثين مائة ألف أكثر أقل على حسب التيسير بغير تحديد، وهكذا الاستغفار تكثر من الاستغفار لأنك مأمور بهذا قال الله : وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ[البقرة:199]، قال سبحانه: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ[هود:3].
فالاستغفار له شأن عظيم، في الحديث الآخر يقول ﷺ: من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب، وجاء عنه ﷺ أنه قال: من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات غفرت خطاياه، فهذا له شأن عظيم فينبغي لك أن تكثر من الاستغفار في جميع الأوقات، وتقول بعد كل صلاة: أستغفر الله ثلاث مرات من حين تسلم وبعدها تقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام! حين تسلم تستغفر ثلاثًا، وتقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، كان النبي يبدأ بهذا حين يسلم عليه الصلاة والسلام في صلواته الخمس، وتكثر من الاستغفار في الليل والنهار أول النهار وأول الليل وآخر النهار كل هذا مطلوب.
أما لا إله إلا الله فقد جاء فيها حديث صحيح: أن من قالها مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتب الله له مائة حسنة، ومحا عنه مائة سيئة، وكان في حرز من الشيطان في يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر من عمله، فهذا شيء ثابت عن النبي ﷺ ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي ﷺ أنه قال: من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في اليوم مائة مرة؛ كانت له عدل عشر رقاب يعني: يعتقها وكتب الله له مائة حسنة، ومحا عنه مائة سيئة، وكان في حرز من الشيطان في يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر من عمله، وهذا فضل عظيم، فينبغي المحافظة على هذا كل يوم.
زاد الترمذي رحمه الله في روايته: يحيي ويميت: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير بإسناد صحيح، فهذا ذكر عظيم وفائدته عظيمة وفضله كبير، تقول - كل يوم سواءً في أول النهار أو في آخره أو في وسطه أو في الليل -: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير له في هذا فضل عظيم.
وهكذا سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم لها فضل عظيم، قال النبي ﷺ: كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.
وهكذا سبحان الله العظيم وبحمده عدد خلقه سبحان الله رضا نفسه سبحان الله زنة عرشه سبحان الله مداد كلماته ثلاث مرات لها شأن عظيم، دخل النبي ﷺ ذات يوم على جويرية وهي في مجلسها - في مصلاها - بعد الصبح دخل عليها ضحى وقال: ما زلت مكانك الذي فارقتك عليه؟ قالت: نعم، قال: لقد قلت بعدك كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله العظيم وبحمده عدد خلقه سبحان الله رضا نفسه سبحان الله زنة عرشه سبحان الله مداد كلماته.
وهكذا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لها شأن عظيم قال النبي ﷺ: أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وقال عليه الصلاة والسلام: لئن أقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام: الباقيات الصالحات: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فعليك يا أخي بالإكثار من هذه الأذكار فبها تطمئن القلوب وبها تستقيم الأحوال وبها توفق للأعمال الصالحات والتوبة النصوح من سائر السيئات.
فعليك بتقوى الله والاستقامة على دينه والحذر من المعاصي دائمًا وعليك التوبة إلى الله مما تقدم من المعاصي والسيئات، عليك أن تكثر من هذه الأذكار، ومن الصلاة والسلام على رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأبشر بالخير وأبشر بالعاقبة الحميدة، وأبشر بصلاح القلب وانشراحه، وزوال الذبذبة والحيرة، هذا وعده سبحانه لمن استقام على أمره، وسارع إلى طاعته، وأكثر من ذكره، ومن الصلاة والسلام على رسوله عليه الصلاة والسلام.
رزقنا الله وإياك الاستقامة وأعاذنا وإياك من نزغات الشيطان وهدانا جميعًا صراطه المستقيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
المقدم: جزاكم الله خيرًا.
------------------
قصص واقعية عن فضل ذكر الله
٩ فبراير ٢٠١٧ ·
ذكر الله - فضله وفوائده
الحمد لله، والصلاه والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
فإن ذكر الله نعمة كبرى، ومنحة عظمى، به تستجلب النعم، وبمثله تستدفع النقم، وهو قوت القلوب، وقرة العيون، وسرور النفوس، وروح الحياة، وحياة الأرواح. ما أشد حاجة العباد إليه، وما أعظم ضرورتهم إليه، لا يستغني عنه المسلم بحال من الأحوال.
ولما كان ذكر الله بهذه المنزلة الرفيعة والمكانة العالية فأجدر بالمسلم أن يتعرف على فضله وأنواعه وفوائده، وفيما يلي صفحات من كلام العلامة ابن القيم، نقلناها باختصار من كتابه "الوابل الصيب". قال رحمه الله:
فضل الذكر
عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله : { ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم } قالوا: بلى يا رسول الله. قال: { ذكر الله عز وجل } [رواه أحمد].
وفي صحيح البخاري عن أبي موسى، عن النبي قال: { مثل الذي يذكر ربه، والذي لايذكر ربه مثل الحي والميت }.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { يقول الله تبارك وتعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة }.
وقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً [الأحزاب:41]، وقال تعا لى: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ [الأحزاب:35]، أي: كثيراً. ففيه الأ مر با لذكر بالكثرة والشدة لشدة حاجة العبد إليه، وعدم استغنائه عنه طرفة عين.
وقال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه: ( لكل شيء جلاء، وإن جلاء القلوب ذكر الله عز وجل ).
ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما، وجلاؤه بالذكر، فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء. فإذا ترك الذكر صدئ، فإذا ذكره جلاه.
و صدأ القلب بأمرين: بالغفلة والذنب، وجلاؤه بشيئين: بالاستغفار والذكر.
قال تعالى: وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُط [الكهف:28].
فإذا أراد العبد أن يقتدي برجل فلينظر: هل هو من أهل الذكر، أو من الغافلين؟ وهل الحاكم عليه الهوى أو الوحي؟ فإن كان الحاكم عليه هو الهوى وهو من أهل الغفلة، وأمره فرط، لم يقتد به، ولم يتبعه فإنه يقوده إلى الهلاك.
أنواع الذكر
الذكر نوعان:
أحدهما: ذكر أسماء الرب تبارك وتعالى وصفاته، والثناء عليه بهما، وتنزيهه وتقديسه عما لا يليق به تبارك وتعالى، وهذا
أيضاً نوعان:
أحدهما: إنشاء الثناء عليه بها من الذاكر، فأفضل هذا النوع أجمعه للثناء وأعمه، نحو ( سبحان الله عدد خلقه ).
النوع الثاني: الخبر عن الرب تعالى بأحكام أسمائه وصفاته، نحو قولك: الله عز وجل يسمع أصوات عباده.
وأفضل هذا النوع: الثناء عليه بما أثنى به على نفسه، وبما أثنى به عليه رسول الله من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تشبيه ولا تمثيل. وهذا النوع أيضاً ثلاثة أنواع:
1 - حمد.
2 - وثناء.
3 - و مجد.
فالحمد لله الإخبار عنه بصفات كماله سبحانه وتعالى مع محبته والرضا به، فإن كرر المحامد شيئاً بعد شيء كانت ثناء، فإن كان المدح بصفات الجلال والعظمة والكبرياء والملك كان مجداً.
وقد جمع الله تعالى لعبده الأنواع الثلاثة في أول الفاتحة، فإذا قال العبد: الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قال الله: { حمدني عبدي }، وإذا قال: الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ قال: { أثنى عليّ عبدي }، وإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قال: { مجّدني عبدي } [رواه مسلم].
النوع الثاني من الذكر: ذكر أمره ونهيه وأحكامه: وهو أيضاً نوعان:
أحدهما: ذكره بذلك إخباراً عنه بأنه أمر بكذا، ونهيه عن كذا.
الثاني: ذكره عند أمره فيبادر إليه، وعند نهيه فيهرب منه، فإذا اجتمعت هذه الأنواع للذاكر فذكره أفضل الذكر وأجله وأعظمه فائدة.
فهذا الذكر من الفقه الأكبر، وما دونه أفضل الذكر إذا صحت فيه النية.
و من ذكره سبحانه وتعالى: ذكر آلائه وإنعامه وإحسانه وأياديه، ومواقع فضله على عبيده، وهذا أيضاً من أجل أنواع الذكر.
فهذه خمسة أنواع، وهي تكون بالقلب واللسان تارة، وذلك أفضل الذكر. وبالقلب وحده تارة، وهي الدرجة الثانية، وباللسان وحده تارة، وهي الدرجة الثالثة.
فأفضل الذكر: ما تواطأ عليه القلب واللسان، وإنما كان ذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده، لأن ذكر القلب يثمر المعرفة بالله، ويهيج المحبة، ويثير الحياء، ويبعث على المخافة، ويدعو إلى المراقبة، ويزع عن التقصير في الطاعات، والتهاون في المعاصي والسيئات، وذكر اللسان وحده لا يوجب شيئاً من هذه الآثار، وإن أثمر شيئاً منها فثمرة ضعيفة.
الذكر أفضل من الدعاء
الذكرأفضل من الدعاء، لأن الذكر ثناء على الله عز وجل بجميل أوصافه وآلائه وأسمائه، والدعاء سؤال العبد حاجته، فأين هذا من هذا؟
ولهذا جاء في الحديث: { من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين }.
ولهذا كان المستحب في الدعاء أن يبدأ الداعي بحمد الله تعالى، والثناء عليه بين يدي حاجته، ثم يسأل حاجته، وقد أخبر النبي أن الدعاء يستجاب إذا تقدمه الثناء والذكر، وهذه فائدة أخرى من فوائد الذكر والثناء، أنه يجعل الدعاء مستجاباً.
فالدعاء الذي يتقدمه الذكر والثناء أفضل وأقرب إلى الإجابة من الدعاء المجرد، فإن انضاف إلى ذلك إخبار العبد بحاله ومسكنته، وإفتقاره واعترافه، كان أبلغ في الإجابة وأفضل.
قراءة القرأن أفضل من الذكر
قراءة القرآن أفضل من الذكر، والذكر أفضل من الدعاء، هذا من حيث النظر إلى كل منهما مجرداً.
وقد يعرض للمفضول ما يجعله أولى من الفاضل، بل يعينه، فلا يجوز أن يعدل عنه إلى الفاضل، وهذا كالتسبيح في الركوع والسجود، فإنه أفضل من قراءة القرآن فيهما، بل القراءة فيهما منهي عنها نهي تحريم أو كراهة، وكذلك الذكر عقب السلام من الصلاة - ذكر التهليل، والتسبيح، والتكبير، والتحميد - أفضل من الاشتغال عنه بالقراءة، وكذلك إجابة المؤذن.
وهكذا الأذكار المقيدة بمحال مخصوصة أفضل من القراءة المطلقة، والقراءة المطلقة أفضل من الأذكار المطلقة، اللهم إلا أن يعرض للعبد ما يجعل الذكر أو الدعاء أنفع له من قراءة القران، مثاله: أن يتفكر في ذنوبه، فيحدث ذلك له توبةً واستغفاراً، أو يعرض له ما يخاف أذاه من شياطين الإنس والجن، فيعدل إلى الأذكار والدعوات التي تحصنه وتحوطه.
فهكذا قد يكون اشتغاله بالدعاء والحالة هذه أنفع، وإن كان كل من القراءة والذكر أفضل وأعظم أجراً.
وهذا باب نافع يحتاج إلى فقه نفس، فيعطي كل ذى حق حقه، ويوضع كل شيء موضعه.
ولما كانت الصلاة مشتملة على القراءة والذكر والدعاء، وهي جامعة لأجزاء العبودية على أتم الوجوه، كانت أفضل من كل من القراءة والذكر والدعاء بمفرده، لجمعها ذلك كله مع عبودية سائر الأعضاء.
فهذا أصل نافع جداً، يفتح للعبد باب معرفة مراتب الأعمال وتنزيلها منازلها، لئلا يشتغل بمفضولها عن فاضلها، فيربح إبليس الفضل الذي بينهما، أو ينظر إلى فاضلها فيشتغل به عن مفضولها وإن كان ذلك وقته، فتفوته مصلحته بالكلية، لظنه أن اشتغاله بالفاضل أكثر ثواباً وأعظم أجراً، وهذا يحتاج إلى معرفة بمراتب الأعمال وتفاوتها ومقاصدها، وفقه في إعطاء كل عمل منها حقه، وتنزيله في مرتبته.
من فوائد الذكر
وفي الذكر نحو من مائة فائدة.
إحداها: أنه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره.
الثانية: أنه يرضي الرحمن عز وجل.
الثالثة: أنه يزيل الهم والغم عن القلب.
الرابعة: أنه يجلب للقلب الفرح والسرور والبسط.
الخامسة: أنه يقوي القلب والبدن.
السادسة: أنه ينور الوجه والقلب.
السابعة: أنه يجلب الرزق. الثامنة: أنه يكسو الذاكر المهابة والحلاوة والنضرة.
التاسعة: أنه يورثه المحبة التي هي روح الإسلام.
العاشرة: أنه يورثه المراقبة حتى يدخله في باب الإحسان.
الحادية عشرة: أنه يورثه الإنابة، وهي الرجوع إلى الله عز وجل
الثانية عشرة: أنه يورثه القرب منه.
الثالثة عشرة: أنه يفتح له باباً عظيماً من أبواب المعرفة.
الرابعة عشرة: أنه يورثه الهيبة لربه عز وجل وإجلاله.
الخامسة عشرة: أنه يورثه ذكر الله تعالى له، كما قال تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152].
السادسة عشرة: أنه يورث حياة القلب.
السابعة عشرة: أنه قوة القلب والروح.
الثامنة عشرة: أنه يورث جلاء القلب من صدئه.
التاسعة عشرة: أنه يحط الخطايا ويذهبها، فإنه من أعظم الحسنات، والحسنات يذهبن السيئات.
العشرون: أنه يزيل الوحشة بين العبد وبين ربه تبارك وتعا لى.
الحادية والعشرون: أن ما يذكر به العبد ربه عز وجل من جلاله وتسبيحه وتحميده، يذكر بصاحبه عند الشدة.
الثانية والعشرون: أن العبد إذا تعرف إلى الله تعالى بذكره في الرخاء عرفه في الشدة.
الثالثة والعشرون: أنه منجاة من عذاب الله تعالى.
الرابعة والعشرون: أنه سبب نزول السكينة، وغشيان الرحمة، وحفوف الملائكة بالذاكر.
الخامسة والعشرون: أنه سبب إشتغال اللسان عن الغيبة، والنميمة، والكذب، والفحش، والباطل.
السادسة والعشرون: أن مجالس الذكر مجالس الملائكة، ومجالس اللغو والغفلة مجالس الشياطين.
السابعة والعشرون: أنه يؤمّن العبد من الحسرة يوم القيامة.
الثامنة والعشرون: أن الاشتغال به سبب لعطاء الله للذاكر أفضل ما يعطي السائلين.
التاسعة والعشرون: أنه أيسر العبادات، وهو من أجلها وأفضلها.
الثلاثون: أن العطاء والفضل الذي رتب عليه لم يرتب على غيره من الأعمال.
الحادية والثلاثون: أن دوام ذكر الرب تبارك وتعالى يوجب الأمان من نسيانه الذي هو سبب شقاء العبد في معاشه و معا ده.
الثانـية والثلاثون: أنه ليس في الأعمال شيء يعم الأوقات والأحوال مثله.
الثالثة والثلاثون: أن الذكر نور للذاكر في الدنيا، ونور له في قبره، ونور له في معاده، يسعى بين يديه على الصراط.
الرابعة والثلاثون: أن الذكر رأس الأمور، فمن فتح له فيه فقد فتح له باب الدخول على الله عز وجل.
الخامسة والثلاثون: أن في القلب خلة وفاقة لا يسدها شيء البتة إلا ذكر الله عز وجل.
السادسة والثلاثون: أن الذكر يجمع المتفرق، ويفرق المجتمع، ويقرب البعيد، ويبعد القريب. فيجمع ما تفرق على العبد من قلبه وإرادته، وهمومه وعزومه، ويفرق ما اجتمع عليه من الهموم، والغموم، والأحزان، والحسرات على فوات حظوظه ومطالبه، ويفرق أيضاً ما اجتمع عليه من ذنوبه وخطاياه وأوزاره، ويفرق أيضاً ما اجتمع على حربه من جند الشيطان، وأما تقريبه البعيد فإنه يقرب إليه الآخرة، ويبعد القريب إليه وهي الدنيا.
السابعة والثلاثون: أن الذكر ينبه القلب من نومه، ويوقظه من سباته. الثامنة والثلاثون: أن الذكر شجرة تثمر المعارف والأحوال التي شمر إليها السالكون.
التا سعة والثلاثون: أن الذاكر قريب من مذكوره، ومذكوره معه، وهذه المعية معية خاصة غير معية العلم والإحاطة العامة، فهي معية بالقرب والولاية والمحبة والنصرة والتو فيق.
الأربعون: أن الذكر يعدل عتق الرقاب، ونفقة الأموال، والضرب بالسيف في سبيل الله عز وجل.
الحادية والأربعون: أن الذكر رأس الشكر، فما شكر الله تعالى من لم يذكره.
الثانية والأربعون: أن أكرم الخلق على الله تعالى من المتقين من لا يزال لسانه رطباً بذكره.
الثالثة والأربعون: أن في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله تعالى.
الرابعة والأربعون: أن الذكر شفاء القلب ودواؤه، والغفلة مرضه.
الخامسة والأربعون: أن الذكر أصل موالاة الله عز وجل ورأسها والغفلة أصل معاداته ورأسها.
السادسة والأربعون: أنه جلاب للنعم، دافع للنقم بإذن الله.
السابعة والأربعون: أنه يوجب صلاة الله عز وجل وملائكته على الذاكر.
الثامنة والأربعون: أن من شاء أن يسكن رياض الجنة في الدنيا، فليستوطن مجالس الذكر، فإنها رياض الجنة.
التاسعة والأربعون: أن مجالس الذكر مجالس الملائكة، ليس لهم مجالس إلا هي.
الخمسون: أن الله عز وجل يباهي بالذاكرين ملائكته.
الحادية والخمسون: أن إدامة الذكر تنوب عن التطوعات، وتقوم مقامها، سواء كانت بدنية أو مالية، أو بدنية مالية.
الثانية والخمسون: أن ذكر الله عز وجل من أكبر العون على طاعته، فإنه يحببها إلى العبد، ويسهلها عليه، ويلذذها له، ويجعل قرة عينه فيها.
الثالثة والخمسون: أن ذكر الله عز وجل يذهب عن القلب مخاوفه كلها ويؤمنه.
الرابعة والخمسون: أن الذكر يعطي الذاكر قوة، حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يطيق فعله بدونه.
الخامسة والخمسون: أن الذاكرين الله كثيراً هم السابقون من بين عمال الآخرة.
السادسة والخمسون: أن الذكر سبب لتصديق الرب عز وجل عبده، ومن صدقه الله تعالى رجي له أن يحشر مع الصادقين.
السابعة والخمسون: أن دور الجنة تبني بالذكر، فإذا أمسك الذاكر عن الذكر، أمسكت الملائكة عن البناء.
الثامنة والخمسون: أن الذكر سد بين العبد وبين جهنم.
التاسعة والخمسون: أن ذكر الله عز وجل يسهل الصعب، وييسر العسير، ويخفف المشاق.
الستون: أن الملائكة تستغفر للذاكر كما تستغفر للتائب.
الحادية والستون: أن الجبال والقفار تتباهي وتستبشر بمن يذكر الله عز وجل عليها.
الثانية والستون: أن كثرة ذكر الله عز وجل أمان من النفاق.
الثالثة والستون: أن للذكر لذة عظيمه من بين الأعمال الصالحة لا تشبهها لذة.
الرابعة والستون: أن في دوام الذكر في الطريق، والبيت، والبقاع، تكثيراً لشهود العبد يوم القيامة، فإن الأرض تشهد للذاكر يوم القيامة.
------------------------------ومن موسوعة النابولسي
فإذا ذكر الله عبده، فإنه يتولّى شأنه، ويقضي حوائجه،
ويلبيه عند ندائه، ويحفظه، ويكون في معيّته.
ذكر الله فيه تنقية للقلب من شوائب الذنوب وأصدائها، وجلاء له من كل كدر، وطمأنينة وراحة حتى وقت الشدائد. أمان من عذاب الله تعالى. الدخول فيمن أظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. الفلاح والنجاة في الدنيا والآخرة. سبب في البعد عن الغفلة، وتذكر العبد لربه عندما يهمّ في فعل معصية. الحصول على المغفرة والأجر العظيم من الله عز وجل،
وكذلك الوصول إلى الجنة. رقّة القلب والتخلص من قساوته، وإقباله على الله من أجل القرب منه. سبب في جلب الرزق. اجتماع سهولته مع عظم ثوابه. أمان من النفاق؛ لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً. طرد الشيطان ووساوسه، وإضعاف تسلطه على النفس، وكلما كان الذكر أكثر، ابتعد الشيطان عن المسلم. سبب لاجتماع الملائكة في المجلس الذي يُذكَر فيه الله. سعادة للذاكر وجليسه. إلهام اللسان النطقَ بالشهادة عند الموت. مساواته لعتق الرقاب. مباهاة الله تعالى ملائكتَه بمجالس الذاكرين. سبب في جلب النعم ودفع النقم. الاشتغال بالذكر انشغالٌ بالكلام الحق عن اللغو والباطل. إكساب البدن والروح قوة لا يمكن التحلي بها دون ذكر. نضارة الوجه ونوره في الدنيا والآخرة. الدليل على أفضلية الذكر هناك العديد من النصوص الواردة الدالة على أفضلية الذكر، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبِّئُكُم بخَيرِ أعمالِكُم، وأزكاها عندَ مَليكِكُم وأرفعِها في درَجاتِكُم وخَيرٌ لكُم مِن إنفاقِ الذَّهبِ والورِقِ وخَيرٌ لكُم مِن أن تَلقوا عدوَّكُم فتضرِبوا أعناقَهُم ويضرِبوا أعناقَكُم. قالوا بلَى يا رسولَ اللَّهِ ، قالَ ذِكرُ اللَّهِ) [حديث صحيح]. اشتراط الله تعالى كثرة الذكر عندما أمر به، ولم يشترط الكثرة في غيره من الأعمال. تميزه عن غيره باكتساب معية الله تعالى وتوفيقه. من أنواع الذكر التسبيح. التحميد. التهليل. التكبير. الحوقلة؛ أي قول: لا حول ولا قوة إلا بالله. الاستغفار. الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم./منقول
------------------------
إكثار من ذكر الله والاستغفار والصلاة والسلام على النبي ﷺ من أعظم الأسباب في طمأنينة القلوب وفي راحتها وفي السكون إلى الله والأنس به وزوال الوحشة والذبذبة والحيرة، فالذي أوصاك به هذا الرجل قد أحسن في هذه الوصية لكن ليس للاستغفار حد محدود، ولا للصلاة على النبي ﷺ حد محدود، بل تكثر من الصلاة على النبي ﷺ ولا يتعين في مائة، بل تكثر الصلاة والسلام على النبي ﷺ وتستغفر كثيرًا مائة وأكثر وأقل.
أما التحديد بمائة فليس له أصل ولكنك تكثر من الصلاة والسلام على النبي ﷺ قائمًا وقاعدًا في الليل والنهار وفي الطريق وفي البيت؛ لأن الله جل وعلا قال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب:56]، وقال النبي ﷺ: من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرًا، فأكثر من ذلك وأبشر بالخير وليس هناك حد محدود تصلي على النبي ﷺ ما تيسر عشرًا عشرين ثلاثين مائة ألف أكثر أقل على حسب التيسير بغير تحديد، وهكذا الاستغفار تكثر من الاستغفار لأنك مأمور بهذا قال الله : وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ[البقرة:199]، قال سبحانه: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ[هود:3].
فالاستغفار له شأن عظيم، في الحديث الآخر يقول ﷺ: من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب، وجاء عنه ﷺ أنه قال: من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات غفرت خطاياه، فهذا له شأن عظيم فينبغي لك أن تكثر من الاستغفار في جميع الأوقات، وتقول بعد كل صلاة: أستغفر الله ثلاث مرات من حين تسلم وبعدها تقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام! حين تسلم تستغفر ثلاثًا، وتقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، كان النبي يبدأ بهذا حين يسلم عليه الصلاة والسلام في صلواته الخمس، وتكثر من الاستغفار في الليل والنهار أول النهار وأول الليل وآخر النهار كل هذا مطلوب.
أما لا إله إلا الله فقد جاء فيها حديث صحيح: أن من قالها مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتب الله له مائة حسنة، ومحا عنه مائة سيئة، وكان في حرز من الشيطان في يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر من عمله، فهذا شيء ثابت عن النبي ﷺ ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي ﷺ أنه قال: من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في اليوم مائة مرة؛ كانت له عدل عشر رقاب يعني: يعتقها وكتب الله له مائة حسنة، ومحا عنه مائة سيئة، وكان في حرز من الشيطان في يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر من عمله، وهذا فضل عظيم، فينبغي المحافظة على هذا كل يوم.
زاد الترمذي رحمه الله في روايته: يحيي ويميت: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير بإسناد صحيح، فهذا ذكر عظيم وفائدته عظيمة وفضله كبير، تقول - كل يوم سواءً في أول النهار أو في آخره أو في وسطه أو في الليل -: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير له في هذا فضل عظيم.
وهكذا سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم لها فضل عظيم، قال النبي ﷺ: كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.
وهكذا سبحان الله العظيم وبحمده عدد خلقه سبحان الله رضا نفسه سبحان الله زنة عرشه سبحان الله مداد كلماته ثلاث مرات لها شأن عظيم، دخل النبي ﷺ ذات يوم على جويرية وهي في مجلسها - في مصلاها - بعد الصبح دخل عليها ضحى وقال: ما زلت مكانك الذي فارقتك عليه؟ قالت: نعم، قال: لقد قلت بعدك كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله العظيم وبحمده عدد خلقه سبحان الله رضا نفسه سبحان الله زنة عرشه سبحان الله مداد كلماته.
وهكذا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لها شأن عظيم قال النبي ﷺ: أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وقال عليه الصلاة والسلام: لئن أقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام: الباقيات الصالحات: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فعليك يا أخي بالإكثار من هذه الأذكار فبها تطمئن القلوب وبها تستقيم الأحوال وبها توفق للأعمال الصالحات والتوبة النصوح من سائر السيئات.
فعليك بتقوى الله والاستقامة على دينه والحذر من المعاصي دائمًا وعليك التوبة إلى الله مما تقدم من المعاصي والسيئات، عليك أن تكثر من هذه الأذكار، ومن الصلاة والسلام على رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأبشر بالخير وأبشر بالعاقبة الحميدة، وأبشر بصلاح القلب وانشراحه، وزوال الذبذبة والحيرة، هذا وعده سبحانه لمن استقام على أمره، وسارع إلى طاعته، وأكثر من ذكره، ومن الصلاة والسلام على رسوله عليه الصلاة والسلام.
رزقنا الله وإياك الاستقامة وأعاذنا وإياك من نزغات الشيطان وهدانا جميعًا صراطه المستقيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
المقدم: جزاكم الله خيرًا.
------------------
قصص واقعية عن فضل ذكر الله
٩ فبراير ٢٠١٧ ·
ذكر الله - فضله وفوائده
الحمد لله، والصلاه والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
فإن ذكر الله نعمة كبرى، ومنحة عظمى، به تستجلب النعم، وبمثله تستدفع النقم، وهو قوت القلوب، وقرة العيون، وسرور النفوس، وروح الحياة، وحياة الأرواح. ما أشد حاجة العباد إليه، وما أعظم ضرورتهم إليه، لا يستغني عنه المسلم بحال من الأحوال.
ولما كان ذكر الله بهذه المنزلة الرفيعة والمكانة العالية فأجدر بالمسلم أن يتعرف على فضله وأنواعه وفوائده، وفيما يلي صفحات من كلام العلامة ابن القيم، نقلناها باختصار من كتابه "الوابل الصيب". قال رحمه الله:
فضل الذكر
عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله : { ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم } قالوا: بلى يا رسول الله. قال: { ذكر الله عز وجل } [رواه أحمد].
وفي صحيح البخاري عن أبي موسى، عن النبي قال: { مثل الذي يذكر ربه، والذي لايذكر ربه مثل الحي والميت }.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { يقول الله تبارك وتعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة }.
وقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً [الأحزاب:41]، وقال تعا لى: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ [الأحزاب:35]، أي: كثيراً. ففيه الأ مر با لذكر بالكثرة والشدة لشدة حاجة العبد إليه، وعدم استغنائه عنه طرفة عين.
وقال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه: ( لكل شيء جلاء، وإن جلاء القلوب ذكر الله عز وجل ).
ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما، وجلاؤه بالذكر، فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء. فإذا ترك الذكر صدئ، فإذا ذكره جلاه.
و صدأ القلب بأمرين: بالغفلة والذنب، وجلاؤه بشيئين: بالاستغفار والذكر.
قال تعالى: وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُط [الكهف:28].
فإذا أراد العبد أن يقتدي برجل فلينظر: هل هو من أهل الذكر، أو من الغافلين؟ وهل الحاكم عليه الهوى أو الوحي؟ فإن كان الحاكم عليه هو الهوى وهو من أهل الغفلة، وأمره فرط، لم يقتد به، ولم يتبعه فإنه يقوده إلى الهلاك.
أنواع الذكر
الذكر نوعان:
أحدهما: ذكر أسماء الرب تبارك وتعالى وصفاته، والثناء عليه بهما، وتنزيهه وتقديسه عما لا يليق به تبارك وتعالى، وهذا
أيضاً نوعان:
أحدهما: إنشاء الثناء عليه بها من الذاكر، فأفضل هذا النوع أجمعه للثناء وأعمه، نحو ( سبحان الله عدد خلقه ).
النوع الثاني: الخبر عن الرب تعالى بأحكام أسمائه وصفاته، نحو قولك: الله عز وجل يسمع أصوات عباده.
وأفضل هذا النوع: الثناء عليه بما أثنى به على نفسه، وبما أثنى به عليه رسول الله من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تشبيه ولا تمثيل. وهذا النوع أيضاً ثلاثة أنواع:
1 - حمد.
2 - وثناء.
3 - و مجد.
فالحمد لله الإخبار عنه بصفات كماله سبحانه وتعالى مع محبته والرضا به، فإن كرر المحامد شيئاً بعد شيء كانت ثناء، فإن كان المدح بصفات الجلال والعظمة والكبرياء والملك كان مجداً.
وقد جمع الله تعالى لعبده الأنواع الثلاثة في أول الفاتحة، فإذا قال العبد: الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قال الله: { حمدني عبدي }، وإذا قال: الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ قال: { أثنى عليّ عبدي }، وإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قال: { مجّدني عبدي } [رواه مسلم].
النوع الثاني من الذكر: ذكر أمره ونهيه وأحكامه: وهو أيضاً نوعان:
أحدهما: ذكره بذلك إخباراً عنه بأنه أمر بكذا، ونهيه عن كذا.
الثاني: ذكره عند أمره فيبادر إليه، وعند نهيه فيهرب منه، فإذا اجتمعت هذه الأنواع للذاكر فذكره أفضل الذكر وأجله وأعظمه فائدة.
فهذا الذكر من الفقه الأكبر، وما دونه أفضل الذكر إذا صحت فيه النية.
و من ذكره سبحانه وتعالى: ذكر آلائه وإنعامه وإحسانه وأياديه، ومواقع فضله على عبيده، وهذا أيضاً من أجل أنواع الذكر.
فهذه خمسة أنواع، وهي تكون بالقلب واللسان تارة، وذلك أفضل الذكر. وبالقلب وحده تارة، وهي الدرجة الثانية، وباللسان وحده تارة، وهي الدرجة الثالثة.
فأفضل الذكر: ما تواطأ عليه القلب واللسان، وإنما كان ذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده، لأن ذكر القلب يثمر المعرفة بالله، ويهيج المحبة، ويثير الحياء، ويبعث على المخافة، ويدعو إلى المراقبة، ويزع عن التقصير في الطاعات، والتهاون في المعاصي والسيئات، وذكر اللسان وحده لا يوجب شيئاً من هذه الآثار، وإن أثمر شيئاً منها فثمرة ضعيفة.
الذكر أفضل من الدعاء
الذكرأفضل من الدعاء، لأن الذكر ثناء على الله عز وجل بجميل أوصافه وآلائه وأسمائه، والدعاء سؤال العبد حاجته، فأين هذا من هذا؟
ولهذا جاء في الحديث: { من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين }.
ولهذا كان المستحب في الدعاء أن يبدأ الداعي بحمد الله تعالى، والثناء عليه بين يدي حاجته، ثم يسأل حاجته، وقد أخبر النبي أن الدعاء يستجاب إذا تقدمه الثناء والذكر، وهذه فائدة أخرى من فوائد الذكر والثناء، أنه يجعل الدعاء مستجاباً.
فالدعاء الذي يتقدمه الذكر والثناء أفضل وأقرب إلى الإجابة من الدعاء المجرد، فإن انضاف إلى ذلك إخبار العبد بحاله ومسكنته، وإفتقاره واعترافه، كان أبلغ في الإجابة وأفضل.
قراءة القرأن أفضل من الذكر
قراءة القرآن أفضل من الذكر، والذكر أفضل من الدعاء، هذا من حيث النظر إلى كل منهما مجرداً.
وقد يعرض للمفضول ما يجعله أولى من الفاضل، بل يعينه، فلا يجوز أن يعدل عنه إلى الفاضل، وهذا كالتسبيح في الركوع والسجود، فإنه أفضل من قراءة القرآن فيهما، بل القراءة فيهما منهي عنها نهي تحريم أو كراهة، وكذلك الذكر عقب السلام من الصلاة - ذكر التهليل، والتسبيح، والتكبير، والتحميد - أفضل من الاشتغال عنه بالقراءة، وكذلك إجابة المؤذن.
وهكذا الأذكار المقيدة بمحال مخصوصة أفضل من القراءة المطلقة، والقراءة المطلقة أفضل من الأذكار المطلقة، اللهم إلا أن يعرض للعبد ما يجعل الذكر أو الدعاء أنفع له من قراءة القران، مثاله: أن يتفكر في ذنوبه، فيحدث ذلك له توبةً واستغفاراً، أو يعرض له ما يخاف أذاه من شياطين الإنس والجن، فيعدل إلى الأذكار والدعوات التي تحصنه وتحوطه.
فهكذا قد يكون اشتغاله بالدعاء والحالة هذه أنفع، وإن كان كل من القراءة والذكر أفضل وأعظم أجراً.
وهذا باب نافع يحتاج إلى فقه نفس، فيعطي كل ذى حق حقه، ويوضع كل شيء موضعه.
ولما كانت الصلاة مشتملة على القراءة والذكر والدعاء، وهي جامعة لأجزاء العبودية على أتم الوجوه، كانت أفضل من كل من القراءة والذكر والدعاء بمفرده، لجمعها ذلك كله مع عبودية سائر الأعضاء.
فهذا أصل نافع جداً، يفتح للعبد باب معرفة مراتب الأعمال وتنزيلها منازلها، لئلا يشتغل بمفضولها عن فاضلها، فيربح إبليس الفضل الذي بينهما، أو ينظر إلى فاضلها فيشتغل به عن مفضولها وإن كان ذلك وقته، فتفوته مصلحته بالكلية، لظنه أن اشتغاله بالفاضل أكثر ثواباً وأعظم أجراً، وهذا يحتاج إلى معرفة بمراتب الأعمال وتفاوتها ومقاصدها، وفقه في إعطاء كل عمل منها حقه، وتنزيله في مرتبته.
من فوائد الذكر
وفي الذكر نحو من مائة فائدة.
إحداها: أنه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره.
الثانية: أنه يرضي الرحمن عز وجل.
الثالثة: أنه يزيل الهم والغم عن القلب.
الرابعة: أنه يجلب للقلب الفرح والسرور والبسط.
الخامسة: أنه يقوي القلب والبدن.
السادسة: أنه ينور الوجه والقلب.
السابعة: أنه يجلب الرزق. الثامنة: أنه يكسو الذاكر المهابة والحلاوة والنضرة.
التاسعة: أنه يورثه المحبة التي هي روح الإسلام.
العاشرة: أنه يورثه المراقبة حتى يدخله في باب الإحسان.
الحادية عشرة: أنه يورثه الإنابة، وهي الرجوع إلى الله عز وجل
الثانية عشرة: أنه يورثه القرب منه.
الثالثة عشرة: أنه يفتح له باباً عظيماً من أبواب المعرفة.
الرابعة عشرة: أنه يورثه الهيبة لربه عز وجل وإجلاله.
الخامسة عشرة: أنه يورثه ذكر الله تعالى له، كما قال تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152].
السادسة عشرة: أنه يورث حياة القلب.
السابعة عشرة: أنه قوة القلب والروح.
الثامنة عشرة: أنه يورث جلاء القلب من صدئه.
التاسعة عشرة: أنه يحط الخطايا ويذهبها، فإنه من أعظم الحسنات، والحسنات يذهبن السيئات.
العشرون: أنه يزيل الوحشة بين العبد وبين ربه تبارك وتعا لى.
الحادية والعشرون: أن ما يذكر به العبد ربه عز وجل من جلاله وتسبيحه وتحميده، يذكر بصاحبه عند الشدة.
الثانية والعشرون: أن العبد إذا تعرف إلى الله تعالى بذكره في الرخاء عرفه في الشدة.
الثالثة والعشرون: أنه منجاة من عذاب الله تعالى.
الرابعة والعشرون: أنه سبب نزول السكينة، وغشيان الرحمة، وحفوف الملائكة بالذاكر.
الخامسة والعشرون: أنه سبب إشتغال اللسان عن الغيبة، والنميمة، والكذب، والفحش، والباطل.
السادسة والعشرون: أن مجالس الذكر مجالس الملائكة، ومجالس اللغو والغفلة مجالس الشياطين.
السابعة والعشرون: أنه يؤمّن العبد من الحسرة يوم القيامة.
الثامنة والعشرون: أن الاشتغال به سبب لعطاء الله للذاكر أفضل ما يعطي السائلين.
التاسعة والعشرون: أنه أيسر العبادات، وهو من أجلها وأفضلها.
الثلاثون: أن العطاء والفضل الذي رتب عليه لم يرتب على غيره من الأعمال.
الحادية والثلاثون: أن دوام ذكر الرب تبارك وتعالى يوجب الأمان من نسيانه الذي هو سبب شقاء العبد في معاشه و معا ده.
الثانـية والثلاثون: أنه ليس في الأعمال شيء يعم الأوقات والأحوال مثله.
الثالثة والثلاثون: أن الذكر نور للذاكر في الدنيا، ونور له في قبره، ونور له في معاده، يسعى بين يديه على الصراط.
الرابعة والثلاثون: أن الذكر رأس الأمور، فمن فتح له فيه فقد فتح له باب الدخول على الله عز وجل.
الخامسة والثلاثون: أن في القلب خلة وفاقة لا يسدها شيء البتة إلا ذكر الله عز وجل.
السادسة والثلاثون: أن الذكر يجمع المتفرق، ويفرق المجتمع، ويقرب البعيد، ويبعد القريب. فيجمع ما تفرق على العبد من قلبه وإرادته، وهمومه وعزومه، ويفرق ما اجتمع عليه من الهموم، والغموم، والأحزان، والحسرات على فوات حظوظه ومطالبه، ويفرق أيضاً ما اجتمع عليه من ذنوبه وخطاياه وأوزاره، ويفرق أيضاً ما اجتمع على حربه من جند الشيطان، وأما تقريبه البعيد فإنه يقرب إليه الآخرة، ويبعد القريب إليه وهي الدنيا.
السابعة والثلاثون: أن الذكر ينبه القلب من نومه، ويوقظه من سباته. الثامنة والثلاثون: أن الذكر شجرة تثمر المعارف والأحوال التي شمر إليها السالكون.
التا سعة والثلاثون: أن الذاكر قريب من مذكوره، ومذكوره معه، وهذه المعية معية خاصة غير معية العلم والإحاطة العامة، فهي معية بالقرب والولاية والمحبة والنصرة والتو فيق.
الأربعون: أن الذكر يعدل عتق الرقاب، ونفقة الأموال، والضرب بالسيف في سبيل الله عز وجل.
الحادية والأربعون: أن الذكر رأس الشكر، فما شكر الله تعالى من لم يذكره.
الثانية والأربعون: أن أكرم الخلق على الله تعالى من المتقين من لا يزال لسانه رطباً بذكره.
الثالثة والأربعون: أن في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله تعالى.
الرابعة والأربعون: أن الذكر شفاء القلب ودواؤه، والغفلة مرضه.
الخامسة والأربعون: أن الذكر أصل موالاة الله عز وجل ورأسها والغفلة أصل معاداته ورأسها.
السادسة والأربعون: أنه جلاب للنعم، دافع للنقم بإذن الله.
السابعة والأربعون: أنه يوجب صلاة الله عز وجل وملائكته على الذاكر.
الثامنة والأربعون: أن من شاء أن يسكن رياض الجنة في الدنيا، فليستوطن مجالس الذكر، فإنها رياض الجنة.
التاسعة والأربعون: أن مجالس الذكر مجالس الملائكة، ليس لهم مجالس إلا هي.
الخمسون: أن الله عز وجل يباهي بالذاكرين ملائكته.
الحادية والخمسون: أن إدامة الذكر تنوب عن التطوعات، وتقوم مقامها، سواء كانت بدنية أو مالية، أو بدنية مالية.
الثانية والخمسون: أن ذكر الله عز وجل من أكبر العون على طاعته، فإنه يحببها إلى العبد، ويسهلها عليه، ويلذذها له، ويجعل قرة عينه فيها.
الثالثة والخمسون: أن ذكر الله عز وجل يذهب عن القلب مخاوفه كلها ويؤمنه.
الرابعة والخمسون: أن الذكر يعطي الذاكر قوة، حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يطيق فعله بدونه.
الخامسة والخمسون: أن الذاكرين الله كثيراً هم السابقون من بين عمال الآخرة.
السادسة والخمسون: أن الذكر سبب لتصديق الرب عز وجل عبده، ومن صدقه الله تعالى رجي له أن يحشر مع الصادقين.
السابعة والخمسون: أن دور الجنة تبني بالذكر، فإذا أمسك الذاكر عن الذكر، أمسكت الملائكة عن البناء.
الثامنة والخمسون: أن الذكر سد بين العبد وبين جهنم.
التاسعة والخمسون: أن ذكر الله عز وجل يسهل الصعب، وييسر العسير، ويخفف المشاق.
الستون: أن الملائكة تستغفر للذاكر كما تستغفر للتائب.
الحادية والستون: أن الجبال والقفار تتباهي وتستبشر بمن يذكر الله عز وجل عليها.
الثانية والستون: أن كثرة ذكر الله عز وجل أمان من النفاق.
الثالثة والستون: أن للذكر لذة عظيمه من بين الأعمال الصالحة لا تشبهها لذة.
الرابعة والستون: أن في دوام الذكر في الطريق، والبيت، والبقاع، تكثيراً لشهود العبد يوم القيامة، فإن الأرض تشهد للذاكر يوم القيامة.
------------------------------ومن موسوعة النابولسي
بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم
الخطبة : 0731 - ذكر الله تعالى1 - قصة معبرة عن حاتم الأصم.
2000-01-21
الخطبة الأولى:
الحمد لله، ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكلي إلا على الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذنٌ بخبر، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومن والاه، ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
نعم الله على الإنسان كثيرة و الشكر يقيدها و يثبتها :
الخطبة : 0731 - ذكر الله تعالى1 - قصة معبرة عن حاتم الأصم.
2000-01-21
الخطبة الأولى:
الحمد لله، ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكلي إلا على الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذنٌ بخبر، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومن والاه، ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
نعم الله على الإنسان كثيرة و الشكر يقيدها و يثبتها :
أيها الأخوة الكرام، شيء يحير، ما الموضوع الذي ينبغي أن أبدأ به أول خطبة حرة بعد شهر الصيام؟
أيها الأخوة الكرام: لا يخلو المؤمن من أحوال ثلاثة، لعله في نعمة من الله عز وجل، ينبغي أن يشكر، وإذا كان في ابتلاء من الله عز وجل ينبغي أن يصبر، وإذا كان في ذنب أو تقصير ينبغي أن يستغفر، فإذا كانت أحواله هذه فهو من أسعد الناس، يشكر عند الرخاء، ويصبر عند الابتلاء، ويستغفر عند التقصير أو الذنب.
أيها الأخوة الكرام، نعم الله تترادف على الإنسان، فإذا أراد أن تثبت، إن أراد أن يقيدها عليه أن يشكر، إن أراد أن يحفظها عليه أن يشكر، إن أراد أن يزداد منها عليه أن يشكر.
﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾
[ سورة إبراهيم: 7 ]
والشكر في أصله أن تعزو النعمة إلى الله عز وجل، أن ترى المنعم من خلال النعمة، لا أن تقف عند النعمة، الإنسان بين أحول ثلاثة إن كان في نعمة فعليه أن يشكر، إن شكر قيد هذه النعمة، وإن شكر زادت عليه هذه النعمة:
﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾
[ سورة إبراهيم: 7 ]
شكر الله يقوم على أسس ثلاثة :
أيها الأخوة الكرام، لكن هذا الشكر ينبغي أن يكون على أسس ثلاثة، أولاً: أن يعترف بها باطناً ويتحدث بها ظاهراً، وأن يصرفها في مرضاة الله عز وجل، فأية نعمة صرفت في وجه لا يرضي الله هذا نوع من كفرها، كفر النعمة أن تنفقها فيما لا يرضي الله عز وجل، والمؤمن لعله في حالة أخرى، لعله في محنة من الله عز وجل، ابتلاه بها، فالمؤمن حيال هذه المحنة التي ابتلاه الله بها ينبغي أن يصبر، ومعنى الصبر أن يحبس نفسه عن السخط، وأن يحبس لسانه عن الشكوى، وأن يحبس جوارحه عن المعصية، كاللطم، وشقّ الثياب، ونحو ذلك، فمدار الصبر على هذه الأركان الثلاثة، أن يحبس نفسه عن السخط، وأن يحبس لسانه عن الشكوى، وأن يحبس جوارحه عن المعصية.
أيها الأخوة الكرام، فإذا قام العبد بما ينبغي حيال هذه المحنة انقلبت في حقه منحة، فالمحنة في الصبر تصبح منحاً، لذلك قالوا: ما من محنة إلا وراءها منحة وما من شدِّة إلا وراءها شدَّة إلى الله عز وجل، الشر المطلق لا وجود له في الكون، إنه يتناقض مع وجود الله.
﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
[ سورة آل عمران: 26 ]
لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار :
أيها الأخوة الكرام، إن كان في نعمة عليه أن يشكر، عليه أن يعترف بها باطناً، وأن يذكرها بلسانه ظاهراً، وأن يصرفها في طاعة الله تطبيقاً، وإن كان في محنة، عليه أن يحبس نفسه عن سوء الظن بالله عز وجل، وعليه أن يحبس لسانه عن الشكوى، وعليه أن يحبس جوارحه عن أن ترتكب معصية حيال هذه المحنة، إن فعل ذلك أصبحت الشدة شدة إليه، وأصبحت المحن منحًا من الله عز وجل، ما لك يا بنية؟ قالت: حمى لعنها الله، قال عليه الصلاة والسلام: لا تلعنيها، فو الذي نفسه محمد بيده لا تدع المؤمن وعليه من ذنب.
أيها الأخوة الكرام، فالحالات الثلاث إن كان في ذنب، أو إن كان في تقصير، فالمؤمن ليس معصوماً، لكن قد يقع في مخالفة بسيطة ينبغي ألا يصر عليها، فإذا أصرّ على الصغيرة، انقلبت إلى كبيرة، فقد ورد أنه لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار.
﴿يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً﴾
[ سورة نوح: 10 ـ 12 ]
اعلم علم اليقين أنك في مأمنين، وفي بحبوحتين، وفي سلامتين، مأمن طاعة الله.
﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ﴾
[ سورة النساء: 147 ]
ومأمن الاستغفار، لو زلت القدم، لو انحرفت المسيرة، لو تاه الإنسان، عليه أن يستغفر، فإذا استقام فهو في بحبوحة السلامة، وإذا زلت قدمه فهو في بحبوحة الاستغفار، فإن أذنب ولم يعبأ ولم يستغفر فلينتظر تأديب الله عز وجل.
ذكر الله ينقذ الإنسان من وساوس الشيطان :
أيها الأخوة الكرام، الشيء الذي ينبغي أن يفعله الإنسان في أكثر أوقاته هو ذكر الله تعالى، يقول عليه الصلاة والسلام.
((آمركم أن تذكروا الله تعالى ))
[ الترمذي عن زيد بن سلام]
فالعبد لا ينقذ نفسه من الشيطان إلا بذكر الله، فلو لم يكن بالذكر إلا هذه الخصلة الواحدة لكان حقيقاً بالعبد ألا يفتر لسانه من ذكر الله تعالى، فإنه لا يحرز أي لا ينقذ نفسه من عدوه إلا بالذكر، ولا يدخل عليه العدو إلا من باب الغفلة، بالذكر تحصن من الشيطان، وبالغفلة يخترق الشيطان الإنسان، وإذا ذكر العبد ربه يخنس الشيطان، يخنس عدو الله، يتصاغر وينقمع، لهذا سمي الوسواس الخناس، معنى خناس: لمجرد أن تذكر الله عز وجل يخنس، ويتراجع، وينمحق.
يقول ابن عباس رحمه الله تعالى ورضي عنه: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، وإذا ذكر الله تعالى خنس.
وفي مسند الإمام أحمد رحمه الله تعالى أن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
((ما عمل أدمي عملاً قط أنجى له من عذاب الله من ذكر الله عز وجل))
[ أحمد عن معاذ بن جبل ]
وقال معاذ: قال رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((ألا أخبركم بخير أعمالكم - دققوا في هذا الحديث - وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، ومن أن تلقوا عدوهم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، فقال: ذكر الله عز وجل ))
[مالك والترمذي وأحمد في المسند والحاكم في المستدرك عن أبي الدرداء ]
﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾
[ سورة العنكبوت: 45 ]
أي أكبر ما فيها، لقول الله عز وجل:
﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾
[ سورة طه: 14]
وحينما قال الله عز وجل:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾
[ سورة الأحزاب: 41]
قال علماء التفسير: الأمر هنا ينصب على الذكر الكثير، لأن المنافقين يذكرون الله، ولكن لا يذكرون الله إلا قليلاً، العبرة بالذكر الكثير.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾
[ سورة الأحزاب: 41-42]
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام:
((ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان عليهم حسرة))
[ مسلم عن أبي هريرة]
ذكر الله يشحذ الهمة و يقوي العزيمة :
أيها الأخوة، دققوا في حياتكم، في لقاءاتكم، في اجتماعاتكم، في ولائمكم، واحتفالاتكم، في ندواتكم، في سفركم، في حضركم، دققوا، الحديث حول ماذا؟
﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾
[ سورة الرعد: 28]
لو ذكرت الله عز وجل- وهذه كلمة واسعة جداً- إذا شرحت لهم آيةً فهذا من ذكر الله، إن شرحت حديثاً صحيحاً شريفاً فهذا من ذكر الله، إن رويت قصة صحابي جليل فهذا من ذكر الله، إن بينت حكماً فقهياً فهذا من ذكر الله، إن شرحت آية كونية فهذا من ذكر الله، أي موضوع يقربك إلى الله عز وجل فهذا من ذكر الله، فما من قوم يجلسون مجلساً لا يذكرون الله فيه، إلا قاموا عن أنتن من جيفة حمار، الدنيا تفرق وذكر الله يجمع، الدنيا توحش، وقد لا تجد خبراً ساراً، وقد لا تجد خبراً مريحاً، المسلمون في محنة اليوم، فإذا ذكرت الله عز وجل شحذت الهمة، وقوي العزم، وانعقد الأمل بالله عز وجل.
وفي رواية الترمذي:
(( ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم))
[الترمذي عن أبي هريرة]
ولابد من وقفة قليلة عند: يصلوا على نبيهم، لم يذكروا فضل هذا النبي، لم يذكروا سنة هذا النبي، لم يذكروا أفعال هذا النبي، لم يذكروا شمائل هذا النبي، أم لم يعرفوا رسولهم.
﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾
[ سورة سبأ: 46 ]
(( ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم، إلا كان عليهم تِرةً، فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم))
[الترمذي عن أبي هريرة]
شكر النعمة و الاستغفار عند الذنوب :
موضوع واحد، التمهيد إن كنت في نعمة فاشكر، وشكر النعمة أن تعزوها إلى المنعم، وأن يلهج لسانك بها، وأن تصرفها في طاعة الله، وإن كنت في محنة لا سمح الله فاصبر، وأركان الصبر أن تحجب نفسك عن سوء الظن بالله، وأن تمنع لسانك عن الشكوى:
﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾
[ سورة يوسف : 86]
ويعاب من يشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم. وأن تستغفر الله عز وجل فعندئذٍ تنقلب المحنة منحة، وأما في الذنب فأنت في بحبوحتين، إن كنت في طاعة لله فأنت في بحبوحة الحفظ، وإن زلت القدم لا سمح الله أو قصر الإنسان فهو في بحبوحة الاستغفار هذه مقدمة لكن موضوع الخطبة هو ذكر الله تعالى.
وفي صحيح مسلم، عن الأغر بن أبي مسلم قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((لا يقعد قوم يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده - دققوا في لقاء بسيط فيه ذكر الله عز وجل، ففي ذكر الله ترتاح النفوس، تطمئن القلوب، يمتلئ القلب أملاً بالله عز وجل، يمتلئ القلب محبة لله عز وجل، وقد بينت قبل قليل، أن هذا التوجيه واسع جداً أية حقيقة عرضتها، أو استمعت إليها تقربك إلى الله عز وجل فهذا من ذكر الله عز وجل - إلا حفتهم الملائكة- ألهمتك الملائكة رشدك، وهذا من فضل الله عز وجل- وغشيتهم الرحمة - والرحمة حدث عنها ولا حرج، مطلق عطاء الله، راحة القلب رحمة، طمأنينة القلب رحمة، الثقة بالله رحمة، الثقة بالمستقبل رحمة، الطمع في الجنة رحمة، الصحة رحمة، الأولاد الأبرار رحمة، الزوجة الصالحة رحمة، الرزق الوفير رحمة، السمعة الطيبة رحمة، مطلق عطاء الله، تغطي الجوانب المادية، والمعنوية، والنفسية والاجتماعية، والعاجلة، والآجلة - وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة - هذه السكينة من وصل إليها وصل إلى كل شيء، ولو فقد كل شيء، ومن خسرها خسر كل شيء ولو كان معه كل شيء- حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده))
[ مسلم عن الأغر بن أبي مسلم]
وقد جاء صحابي إلى النبي عليه الصلاة والسلام قال: يا رسول الله إن أبواب الخير كثيرة، ولا أستطيع القيام بها كلها، فأخبرني بما شئت أتشبث به ولا تكثر عليّ فأنسى؟ وفي رواية إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ، وأنا كبرت، فأخبرني بشيء أتشبث به فقال عليه الصلاة والسلام:
((لا يزال لسانك رطباً بذكر الله ))
[جامع العلوم والحكم عن عبد الله بن بسر]
وفي الترمذي أيضاً عن أبي سعيد أن رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل:
(( أي العباد أفضل وأرفع درجة عند الله يوم القيامة؟ قال: الذاكرون الله كثيراً، قيل: يا رسول الله ومن الغازي في سبيل الله ؟- أي الذاكر ذكراً كثيراً أفضل من الغازي في سبيل الله ؟- قال: لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى يتكسر، ويختضب دماً لكان الذاكرون لله تعالى أفضل منه درجة))
[الترمذي عن أبي سعيد]
حياة القلوب تقوم على ذكر الله عز وجل :
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوع الذكر، وهذا الموضوع أليق الموضوعات أن يكون بعد رمضان، أن تكثر من ذكر الله بعد رمضان، أن تجعل الشهور كلها رمضان، أن تحافظ على مكتسبات رمضان، أن تحافظ على تلاوة القرآن، أن تحافظ على غض البصر وحفظ اللسان، أن تحافظ على إنفاق المال، هذه المكتسبات التي كانت في رمضان ينبغي أن تنسحب إلى ما بعد رمضان حتى تلقى الواحد الديان.
يا أيها الأخوة الكرام، في صحيح البخاري عن أبي موسى عن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
((مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت ))
[ البخاري عن أبي موسى الأشعري]
الذي لا يذكر الله عند الله ميت، قال تعالى:
﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾
[ سورة النحل: 21 ]
﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾
[ سورة فاطر: 22]
﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾
[ سورة الفرقان: 44]
﴿كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ﴾
[ سورة المنافقون: 4 ]
﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾
[ سورة الأعراف: 176]
هذا الذي لا يذكر الله ميت عند الله، قد يكون جسمه نشيطاً، وقد تكون أعضاؤه سليمة، ونبضه جيداً، وضغطه مناسباً، لو فحص جسمه لكان في أعلى درجة، وهو عند الله ميت، لأن حياة القلب بذكر الله عز وجل، لأن الله عز وجل يقول:
﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾
[ سورة الرعد: 28]
وهذه الآية من أدق الآيات، لو أن الله عز وجل قال: تطمئن القلوب بذكر الله، ليست قرآناً، لأن معنى ذلك أن القلب يطمئن بذكر الله، ويطمئن بغير ذكر الله، أما حينما جاءت العبارة على صيغة القصر والحصر:
﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾
[ سورة الرعد: 28]
لا يمكن أن تطمئن، ولا أن ترتاح نفسك، ولا أن يسكن قلبك، ولا أن تسعد نفسك إلا بذكر الله.
الصبر و حسن الظن بالله عز وجل :
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام يقول الله تعالى:
(( أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي ..))
[متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]
وإذا كان الله معك فمن عليك؟ لو أن أهل الأرض كلهم اجتمعوا على أن يضروك لا يستطيعون، ألم يقل الله عز وجل:
﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾
[ سورة آل عمران: 120]
فإذا وصلنا كيدهم، ونزل بنا كيدهم، وأصابنا كيدهم، معنى ذلك أننا لا نصبر ولا نتقي الله عز وجل، حقيقة مرة وهي أفضل ألف مرة من الوهم المريح :
﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾
[ سورة آل عمران: 120]
﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾
[ سورة الصافات: 173]
﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾
[ سورة غافر: 51]
التقرب إلى الله بالأعمال الصالحة يملأ القلب أمناً و طمأنينة :
أيها الأخوة الكرام، ورد في الحديث القدسي
((أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وإن تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً))
[متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]
تحرك نحو الله، اعمل عملاً صالحاً تبتغي به وجه الله، أنفق من مالك في سبيل الله، ادع إلى الله، ائمر بالمعروف وانه عن المنكر، أقم حدود الله، كن مسلماً متحركاً، كن كما قالت السيدة عائشة حينما سئلت عن رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت:
((كان خلقه القرآن))
[ مسلم عن عائشة ]
قيل: الكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي، الذي يجلب الناس إلى الدين ليس الكلام الفارغ، وليس الكلام النظري، وليس التأمل التجريدي، وليس الإعجاب السلبي، هذه كلها لا تجذب إلى الدين، الذي يجذب الناس إلى الدين أن يروا مسلماً متحركاً أمامهم، أن يروا مسلماً صادقاً، أن يروا مسلماً أميناً، أن يروا مسلماً عفيفاً، أن يروا مسلماً وقافاً عند كتاب الله، وقافاً عند سنة رسول الله، أن يروا مسلماً متأسياً برسول الله، أن يروا بيتاً إسلامياً، وتجارةً إسلاميةً، وعملاً إسلامياً، ولقاء إسلامياً، لا أن يؤدي الصلوات الخمس، ويعيش في حياته على نمط أهل الغرب، هو في واد والإسلام في واد، علاقته بالدين هذه العبادات الشعائرية لا غير.
أيها الأخوة الكرام، إن تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، تحرك نحو الله، تجد الله عز وجل يملؤك غنىً، ويملأ قلبك طمأنينة، ويوفقك، وييسر أمرك.
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾
[ سورة الليل: 5-7]
وإن تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة، المعنى الدقيق لهذا الحديث القدسي أنه لمجرد أن تتحرك نحو الله حركة تجد الله عز وجل يحيطك برعايته، وبرحمته، وبعنايته، وبنصره، وبتوفيقه، وبتأييده، ويملأ قلبك سكينة وطمأنينة، هذا معنى:
((إن تقربت إليه ذراعاً تقرب إليك باعاً ))
[متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]
وفي الترمذي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
((إذا مررت برياض الجنة فارتعوا، قالوا: يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر ))
[الترمذي عن أنمس]
إن جلست مع إخوانك فاذكر الله عز وجل، وبينت قبل قليل أن تشرح آية، أن تشرح حديثاً، أن تذكر حكماً فقهياً، أن تتلو القرآن، أن تستمع إلى القرآن، أن تفكر في آية كونية، أن تصلي، أن تفعل شيئاً يرضي الله، هذا كله من الذكر.
ذكر الله عز وجل واجب على الإنسان في كلّ الأوقات :
وفي الترمذي أيضاً عن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الله عز وجل يقول:
((إن عبدي الذي يذكرني وهو ملاقٍ قرنه- عدوه-))
[الترمذي عن عمارة بن زعكرة]
﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾
[ سورة آل عمران: 139]
﴿قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾
[ سورة طه: 45 ـ 46]
إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان الله عليك فمن معك؟ يا رب ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟
أيها الأخوة الكرام، يقول الله عز وجل:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
[ سورة الأنفال: 45]
لو تتبعت آيات الذكر لوجدتها كثيرة، لوجدت أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال:
(( أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ ، فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ؟ قَالُوا : وَذَلِكَ مَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ))
[مالك والترمذي وأحمد في المسند والحاكم في المستدرك عن أبي الدرداء ]
تحسر الإنسان يوم القيامة على ساعة مضت لم يذكر الله فيها :
أيها الأخوة الكرام، وحينما وصف الله المؤمنين وصفاً جامعاً مانعاً قال:
﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ﴾
[ سورة الأحزاب: 35 ]
وقال تعالى:
﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً﴾
[ سورة البقرة: 200 ]
أيها الأخوة الكرام، الإنسان يوم القيامة لو أنه نجا من عذاب النار، لو أنه دخل الجنة يتحسر على ساعة مضت لم يذكر الله فيها، الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا بن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
لذلك ورد عن رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما رواه البيهقي أنه قال:
((ما من ساعة تمرُّ بابن آدم لا يذكر فيها إلا تحسر عليها يوم القيامة ))
[ البيهقي عن عائشة]
وعن أم حبيبة زوج النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((كلام ابن آدم كله عليه لا له إلا أمرًا بالمعروف، أو نهيًا عن منكر، أو ذكراً لله عز وجل ))
[النسائي عن أم حبيبة]
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل؟ قال:
((أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله عز وجل ))
[جزء من حديث أبي بكر بن المقرئ عن معاذ بن جبل رضي الله عنه ٍ]
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: " لكل شيء جلاء وإن جلاء القلوب ذكر الله عز وجل، ولكل شيء صقالة، وإن صقالة القلوب ذكر الله عز وجل".
الغفلة و طول الأمل خصلتان مهلكتان للإنسان :
يا أيها الأخوة الكرام، يقول الله عز وجل:
﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾
[ سورة الكهف: 28]
﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾
[ سورة لقمان: 15 ]
﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا﴾
[ سورة الكهف: 28]
ليس معنى ،
﴿أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا﴾
أن الله خلق فيه الغفلة، حاشا لله، ومعاذ الله أن نفهم هذه الآية هكذا،
﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا﴾
أي من وجدناه غافلاً، لأن العرب في لغتها تقول: عاشرت القوم فما أبخلتهم، أي ما وجدتهم بخلاء، عاشرت القوم فما أجبنتهم، أي ما وجدتهم جبناء ،
﴿تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ﴾
أي من وجدناه غافلاً ،
﴿عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾
أيها الأخوة الكرام، لا تصاحب إلا ذاكراً لله، لا تصاحب غافلاً عن الله عز وجل، الغفلة عن الله، والأمل في الدنيا خصلتان مهلكتان للإنسان يوم القيامة، الغفلة، والأمل، وأما الذكر وقصر الأمل فهذه من أسباب النجاة للمؤمن يوم القيامة.
أيها الأخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني. والحمد لله رب العالمين.
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قصة معبرة عن حاتم الأصم :
أيها الأخوة الكرام، قصة قصيرة، ولكن ونحن في موضوع القصة أية قصة تسمعها ينبغي أن تعرضها على كتاب الله وسنة رسوله، فإن توافقت في مغزاها مع كتاب الله، وسنة رسوله فعلى العين والرأس، وإن لم تتوافق كلياً أو جزئياً ينبغي أن تنظر إليها من زاوية محدودة.
ورد عن أخبار الصالحين أن حاتماً الأصم قال لأولاده وقد أقبل موسم الحج: إنني أريد أن أحج بيت الله الحرام، كلكم يعلم أن الحج كان مشقة كبيرةً، وأن السفر عند الفقهاء مظنة هلاك، السفر كان فيما مضى مظنة هلاكٍ، ولا يزال، لكن الاحتمال أقوى، مظنة هلاك، فقال لأولاده أريد أن أحج بيت الله الحرام، فقال أولاده: ومن يطعمنا؟ ومن يأتي بحاجاتنا؟ وهذا من حقهم، وبحسب أحكام الفقه ينبغي أن تملك الراحلة والصحة والزاد ونفقة الأهل في غيابك، فردَّتْ بنت من بناته، وكانت على درجة عالية من التقوى، قالت: يا أبت اذهب إنك لست برازق، وفي أيام قليلة انتهى الطعام من البيت، ودخلت الأسرة على هذه البنت التقية لتعنفها، ولتوبخها، فخلت البنت بنفسها ورفعت سؤلها إلى ربها، هذه هي الزاوية التي أردت أن أروي القصة من أجلها، زاوية إذا وضعت ثقتك بالله، وإذا توكلت على الله، وإذا اجتهدت أن تفعل هذا اعتماداً على الله، الله عز وجل لا يخيبك، خلت البنت بنفسها، ورفعت سؤلها إلى ربها الذي قال:
﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾
[ سورة الطلاق: 2-3]
ويقدر الرزاق أن أمير البلدة يتفقد أحوال الناس، ووصل إلى بيت حاتم الأصم فشعر بظمأ شديد كاد أن يقتله، فقال لشرطي من الشرطة معه: أدركني بكوب من الماء البارد، فأسرع الشرطي إلى باب حاتم الأصم، ولما علم أهل البيت أن الماء للأمير أحضروا كوباً نظيفاً وماءً بارداً، وهذا من باب: أنزلوا الناس منازلهم، فلما شرب الأمير ووضع الله له اللذة في الماء، سأل، وقال: بيت من هذا؟ قالوا: بيت حاتم الأصم، قال: هذا الرجل الصالح؟ قالوا: نعم، قال: الحمد لله الذي سقاني من بيوت الصالحين، أين هو لأسلم عليه؟ قالوا: هو في الحج، فقال: إذاً وجب علي أن أكافئ أهل بيته في غيبته، وكانت العملة وقتها من الذهب، فأخرج صرة من الذهب مملوءةً، وألقاها في بيت حاتم الأصم، لكن الرزاق أراد لهم المزيد فانطلق لسان الأمير، وقال من أحبني فليصنع صنيعي، فكل من معه رمى بما معه من المال في بيت حاتم الأصم، وذهبوا، وامتلأ البيت مالاً، ودخلت البنت التقية النقية تبكي، فدخلت أمها مع أولادها، لمَ البكاء يا بنيتي؟ وقد أصبحنا في غنى، فقالت: لقد نظر إلينا مخلوق نظرة فأغنتنا، فكيف لو نظر إلينا الخالق؟
الإنسان بالدعاء أقوى و أغنى و أعلم الناس :
أيها الأخوة الكرام، ما أردت أن تكون هذه القصة حكماً شرعياً، لا، يجب أن تذهب إلى الحج، وأن تعد نفقة الأهل والعيال، وأن تملك الراحلة والصحة والمال، ولكن لو أن مؤمناً وضع ثقته بالله عز وجل، لو أن مؤمناً عقد الأمل على الله عز وجل، لو أن مؤمناً وثق بالله عز وجل، ألم يقل الله عز وجل:
﴿أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾
[ سورة القصص: 7]
لمن هذه القصة؟ هي لنا، ألم يقل الله عز وجل يحدثنا عن سيدنا يونس:
﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ﴾
[ سورة الأنبياء: 87 -88]
انتهت القصة وجاء التعليق ليجعلها قانوناً قال:
﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾
[ سورة الأنبياء: 88]
يا أخي الكريم هل من مصيبة أكبر من أن يجد الإنسان نفسه في بطن حوت؟ في ظلمة بطن الحوت، وفي ظلمة البحر، وفي ظلمة الليل، في ظلمات ثلاث، ونادى وهو في بطن الحوت:
﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾
[ سورة الأنبياء: 87 -88]
أنت بالدعاء أقوى الناس، أنت بالدعاء أغنى الناس، أنت بالدعاء أعلم الناس، توكل على الله، فوض الأمر إلى الله، استقم على أمره وفوض إليه أمرك.
﴿قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾
[ سورة الأعراف: 144]
﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾
[ سورة الزمر: 66]
مرةً ثانية: ما أردت من هذه القصة أن يستنبط منها حكم شرعي، الله جل جلاله في قرآنه، والنبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحده في سنته هما المشرعان، أما قصص نقرأها، نأخذها من زاوية واحدة، لئلا تكون حكماً شرعياً.
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم لا تقطعنا بقواطع الذنوب، ولا تحجبنا بقبائح العيوب، يا رحمن يا رحيم، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين، اللهم لك الحمد على أن سقيتنا غيثاً، اللهم لك الحمد والشكر، اللهم زدنا ولا تنقصنا، أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، يا رب العالمين، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.
---------------------------------------------------------------------------------------
أيها الأخوة الكرام: لا يخلو المؤمن من أحوال ثلاثة، لعله في نعمة من الله عز وجل، ينبغي أن يشكر، وإذا كان في ابتلاء من الله عز وجل ينبغي أن يصبر، وإذا كان في ذنب أو تقصير ينبغي أن يستغفر، فإذا كانت أحواله هذه فهو من أسعد الناس، يشكر عند الرخاء، ويصبر عند الابتلاء، ويستغفر عند التقصير أو الذنب.
أيها الأخوة الكرام، نعم الله تترادف على الإنسان، فإذا أراد أن تثبت، إن أراد أن يقيدها عليه أن يشكر، إن أراد أن يحفظها عليه أن يشكر، إن أراد أن يزداد منها عليه أن يشكر.
﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾
[ سورة إبراهيم: 7 ]
والشكر في أصله أن تعزو النعمة إلى الله عز وجل، أن ترى المنعم من خلال النعمة، لا أن تقف عند النعمة، الإنسان بين أحول ثلاثة إن كان في نعمة فعليه أن يشكر، إن شكر قيد هذه النعمة، وإن شكر زادت عليه هذه النعمة:
﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾
[ سورة إبراهيم: 7 ]
شكر الله يقوم على أسس ثلاثة :
أيها الأخوة الكرام، لكن هذا الشكر ينبغي أن يكون على أسس ثلاثة، أولاً: أن يعترف بها باطناً ويتحدث بها ظاهراً، وأن يصرفها في مرضاة الله عز وجل، فأية نعمة صرفت في وجه لا يرضي الله هذا نوع من كفرها، كفر النعمة أن تنفقها فيما لا يرضي الله عز وجل، والمؤمن لعله في حالة أخرى، لعله في محنة من الله عز وجل، ابتلاه بها، فالمؤمن حيال هذه المحنة التي ابتلاه الله بها ينبغي أن يصبر، ومعنى الصبر أن يحبس نفسه عن السخط، وأن يحبس لسانه عن الشكوى، وأن يحبس جوارحه عن المعصية، كاللطم، وشقّ الثياب، ونحو ذلك، فمدار الصبر على هذه الأركان الثلاثة، أن يحبس نفسه عن السخط، وأن يحبس لسانه عن الشكوى، وأن يحبس جوارحه عن المعصية.
أيها الأخوة الكرام، فإذا قام العبد بما ينبغي حيال هذه المحنة انقلبت في حقه منحة، فالمحنة في الصبر تصبح منحاً، لذلك قالوا: ما من محنة إلا وراءها منحة وما من شدِّة إلا وراءها شدَّة إلى الله عز وجل، الشر المطلق لا وجود له في الكون، إنه يتناقض مع وجود الله.
﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
[ سورة آل عمران: 26 ]
لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار :
أيها الأخوة الكرام، إن كان في نعمة عليه أن يشكر، عليه أن يعترف بها باطناً، وأن يذكرها بلسانه ظاهراً، وأن يصرفها في طاعة الله تطبيقاً، وإن كان في محنة، عليه أن يحبس نفسه عن سوء الظن بالله عز وجل، وعليه أن يحبس لسانه عن الشكوى، وعليه أن يحبس جوارحه عن أن ترتكب معصية حيال هذه المحنة، إن فعل ذلك أصبحت الشدة شدة إليه، وأصبحت المحن منحًا من الله عز وجل، ما لك يا بنية؟ قالت: حمى لعنها الله، قال عليه الصلاة والسلام: لا تلعنيها، فو الذي نفسه محمد بيده لا تدع المؤمن وعليه من ذنب.
أيها الأخوة الكرام، فالحالات الثلاث إن كان في ذنب، أو إن كان في تقصير، فالمؤمن ليس معصوماً، لكن قد يقع في مخالفة بسيطة ينبغي ألا يصر عليها، فإذا أصرّ على الصغيرة، انقلبت إلى كبيرة، فقد ورد أنه لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار.
﴿يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً﴾
[ سورة نوح: 10 ـ 12 ]
اعلم علم اليقين أنك في مأمنين، وفي بحبوحتين، وفي سلامتين، مأمن طاعة الله.
﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ﴾
[ سورة النساء: 147 ]
ومأمن الاستغفار، لو زلت القدم، لو انحرفت المسيرة، لو تاه الإنسان، عليه أن يستغفر، فإذا استقام فهو في بحبوحة السلامة، وإذا زلت قدمه فهو في بحبوحة الاستغفار، فإن أذنب ولم يعبأ ولم يستغفر فلينتظر تأديب الله عز وجل.
ذكر الله ينقذ الإنسان من وساوس الشيطان :
أيها الأخوة الكرام، الشيء الذي ينبغي أن يفعله الإنسان في أكثر أوقاته هو ذكر الله تعالى، يقول عليه الصلاة والسلام.
((آمركم أن تذكروا الله تعالى ))
[ الترمذي عن زيد بن سلام]
فالعبد لا ينقذ نفسه من الشيطان إلا بذكر الله، فلو لم يكن بالذكر إلا هذه الخصلة الواحدة لكان حقيقاً بالعبد ألا يفتر لسانه من ذكر الله تعالى، فإنه لا يحرز أي لا ينقذ نفسه من عدوه إلا بالذكر، ولا يدخل عليه العدو إلا من باب الغفلة، بالذكر تحصن من الشيطان، وبالغفلة يخترق الشيطان الإنسان، وإذا ذكر العبد ربه يخنس الشيطان، يخنس عدو الله، يتصاغر وينقمع، لهذا سمي الوسواس الخناس، معنى خناس: لمجرد أن تذكر الله عز وجل يخنس، ويتراجع، وينمحق.
يقول ابن عباس رحمه الله تعالى ورضي عنه: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، وإذا ذكر الله تعالى خنس.
وفي مسند الإمام أحمد رحمه الله تعالى أن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
((ما عمل أدمي عملاً قط أنجى له من عذاب الله من ذكر الله عز وجل))
[ أحمد عن معاذ بن جبل ]
وقال معاذ: قال رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((ألا أخبركم بخير أعمالكم - دققوا في هذا الحديث - وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، ومن أن تلقوا عدوهم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، فقال: ذكر الله عز وجل ))
[مالك والترمذي وأحمد في المسند والحاكم في المستدرك عن أبي الدرداء ]
﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾
[ سورة العنكبوت: 45 ]
أي أكبر ما فيها، لقول الله عز وجل:
﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾
[ سورة طه: 14]
وحينما قال الله عز وجل:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾
[ سورة الأحزاب: 41]
قال علماء التفسير: الأمر هنا ينصب على الذكر الكثير، لأن المنافقين يذكرون الله، ولكن لا يذكرون الله إلا قليلاً، العبرة بالذكر الكثير.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾
[ سورة الأحزاب: 41-42]
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام:
((ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان عليهم حسرة))
[ مسلم عن أبي هريرة]
ذكر الله يشحذ الهمة و يقوي العزيمة :
أيها الأخوة، دققوا في حياتكم، في لقاءاتكم، في اجتماعاتكم، في ولائمكم، واحتفالاتكم، في ندواتكم، في سفركم، في حضركم، دققوا، الحديث حول ماذا؟
﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾
[ سورة الرعد: 28]
لو ذكرت الله عز وجل- وهذه كلمة واسعة جداً- إذا شرحت لهم آيةً فهذا من ذكر الله، إن شرحت حديثاً صحيحاً شريفاً فهذا من ذكر الله، إن رويت قصة صحابي جليل فهذا من ذكر الله، إن بينت حكماً فقهياً فهذا من ذكر الله، إن شرحت آية كونية فهذا من ذكر الله، أي موضوع يقربك إلى الله عز وجل فهذا من ذكر الله، فما من قوم يجلسون مجلساً لا يذكرون الله فيه، إلا قاموا عن أنتن من جيفة حمار، الدنيا تفرق وذكر الله يجمع، الدنيا توحش، وقد لا تجد خبراً ساراً، وقد لا تجد خبراً مريحاً، المسلمون في محنة اليوم، فإذا ذكرت الله عز وجل شحذت الهمة، وقوي العزم، وانعقد الأمل بالله عز وجل.
وفي رواية الترمذي:
(( ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم))
[الترمذي عن أبي هريرة]
ولابد من وقفة قليلة عند: يصلوا على نبيهم، لم يذكروا فضل هذا النبي، لم يذكروا سنة هذا النبي، لم يذكروا أفعال هذا النبي، لم يذكروا شمائل هذا النبي، أم لم يعرفوا رسولهم.
﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾
[ سورة سبأ: 46 ]
(( ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم، إلا كان عليهم تِرةً، فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم))
[الترمذي عن أبي هريرة]
شكر النعمة و الاستغفار عند الذنوب :
موضوع واحد، التمهيد إن كنت في نعمة فاشكر، وشكر النعمة أن تعزوها إلى المنعم، وأن يلهج لسانك بها، وأن تصرفها في طاعة الله، وإن كنت في محنة لا سمح الله فاصبر، وأركان الصبر أن تحجب نفسك عن سوء الظن بالله، وأن تمنع لسانك عن الشكوى:
﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾
[ سورة يوسف : 86]
ويعاب من يشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم. وأن تستغفر الله عز وجل فعندئذٍ تنقلب المحنة منحة، وأما في الذنب فأنت في بحبوحتين، إن كنت في طاعة لله فأنت في بحبوحة الحفظ، وإن زلت القدم لا سمح الله أو قصر الإنسان فهو في بحبوحة الاستغفار هذه مقدمة لكن موضوع الخطبة هو ذكر الله تعالى.
وفي صحيح مسلم، عن الأغر بن أبي مسلم قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((لا يقعد قوم يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده - دققوا في لقاء بسيط فيه ذكر الله عز وجل، ففي ذكر الله ترتاح النفوس، تطمئن القلوب، يمتلئ القلب أملاً بالله عز وجل، يمتلئ القلب محبة لله عز وجل، وقد بينت قبل قليل، أن هذا التوجيه واسع جداً أية حقيقة عرضتها، أو استمعت إليها تقربك إلى الله عز وجل فهذا من ذكر الله عز وجل - إلا حفتهم الملائكة- ألهمتك الملائكة رشدك، وهذا من فضل الله عز وجل- وغشيتهم الرحمة - والرحمة حدث عنها ولا حرج، مطلق عطاء الله، راحة القلب رحمة، طمأنينة القلب رحمة، الثقة بالله رحمة، الثقة بالمستقبل رحمة، الطمع في الجنة رحمة، الصحة رحمة، الأولاد الأبرار رحمة، الزوجة الصالحة رحمة، الرزق الوفير رحمة، السمعة الطيبة رحمة، مطلق عطاء الله، تغطي الجوانب المادية، والمعنوية، والنفسية والاجتماعية، والعاجلة، والآجلة - وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة - هذه السكينة من وصل إليها وصل إلى كل شيء، ولو فقد كل شيء، ومن خسرها خسر كل شيء ولو كان معه كل شيء- حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده))
[ مسلم عن الأغر بن أبي مسلم]
وقد جاء صحابي إلى النبي عليه الصلاة والسلام قال: يا رسول الله إن أبواب الخير كثيرة، ولا أستطيع القيام بها كلها، فأخبرني بما شئت أتشبث به ولا تكثر عليّ فأنسى؟ وفي رواية إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ، وأنا كبرت، فأخبرني بشيء أتشبث به فقال عليه الصلاة والسلام:
((لا يزال لسانك رطباً بذكر الله ))
[جامع العلوم والحكم عن عبد الله بن بسر]
وفي الترمذي أيضاً عن أبي سعيد أن رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل:
(( أي العباد أفضل وأرفع درجة عند الله يوم القيامة؟ قال: الذاكرون الله كثيراً، قيل: يا رسول الله ومن الغازي في سبيل الله ؟- أي الذاكر ذكراً كثيراً أفضل من الغازي في سبيل الله ؟- قال: لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى يتكسر، ويختضب دماً لكان الذاكرون لله تعالى أفضل منه درجة))
[الترمذي عن أبي سعيد]
حياة القلوب تقوم على ذكر الله عز وجل :
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوع الذكر، وهذا الموضوع أليق الموضوعات أن يكون بعد رمضان، أن تكثر من ذكر الله بعد رمضان، أن تجعل الشهور كلها رمضان، أن تحافظ على مكتسبات رمضان، أن تحافظ على تلاوة القرآن، أن تحافظ على غض البصر وحفظ اللسان، أن تحافظ على إنفاق المال، هذه المكتسبات التي كانت في رمضان ينبغي أن تنسحب إلى ما بعد رمضان حتى تلقى الواحد الديان.
يا أيها الأخوة الكرام، في صحيح البخاري عن أبي موسى عن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
((مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت ))
[ البخاري عن أبي موسى الأشعري]
الذي لا يذكر الله عند الله ميت، قال تعالى:
﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾
[ سورة النحل: 21 ]
﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾
[ سورة فاطر: 22]
﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾
[ سورة الفرقان: 44]
﴿كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ﴾
[ سورة المنافقون: 4 ]
﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾
[ سورة الأعراف: 176]
هذا الذي لا يذكر الله ميت عند الله، قد يكون جسمه نشيطاً، وقد تكون أعضاؤه سليمة، ونبضه جيداً، وضغطه مناسباً، لو فحص جسمه لكان في أعلى درجة، وهو عند الله ميت، لأن حياة القلب بذكر الله عز وجل، لأن الله عز وجل يقول:
﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾
[ سورة الرعد: 28]
وهذه الآية من أدق الآيات، لو أن الله عز وجل قال: تطمئن القلوب بذكر الله، ليست قرآناً، لأن معنى ذلك أن القلب يطمئن بذكر الله، ويطمئن بغير ذكر الله، أما حينما جاءت العبارة على صيغة القصر والحصر:
﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾
[ سورة الرعد: 28]
لا يمكن أن تطمئن، ولا أن ترتاح نفسك، ولا أن يسكن قلبك، ولا أن تسعد نفسك إلا بذكر الله.
الصبر و حسن الظن بالله عز وجل :
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام يقول الله تعالى:
(( أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي ..))
[متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]
وإذا كان الله معك فمن عليك؟ لو أن أهل الأرض كلهم اجتمعوا على أن يضروك لا يستطيعون، ألم يقل الله عز وجل:
﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾
[ سورة آل عمران: 120]
فإذا وصلنا كيدهم، ونزل بنا كيدهم، وأصابنا كيدهم، معنى ذلك أننا لا نصبر ولا نتقي الله عز وجل، حقيقة مرة وهي أفضل ألف مرة من الوهم المريح :
﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾
[ سورة آل عمران: 120]
﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾
[ سورة الصافات: 173]
﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾
[ سورة غافر: 51]
التقرب إلى الله بالأعمال الصالحة يملأ القلب أمناً و طمأنينة :
أيها الأخوة الكرام، ورد في الحديث القدسي
((أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وإن تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً))
[متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]
تحرك نحو الله، اعمل عملاً صالحاً تبتغي به وجه الله، أنفق من مالك في سبيل الله، ادع إلى الله، ائمر بالمعروف وانه عن المنكر، أقم حدود الله، كن مسلماً متحركاً، كن كما قالت السيدة عائشة حينما سئلت عن رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت:
((كان خلقه القرآن))
[ مسلم عن عائشة ]
قيل: الكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي، الذي يجلب الناس إلى الدين ليس الكلام الفارغ، وليس الكلام النظري، وليس التأمل التجريدي، وليس الإعجاب السلبي، هذه كلها لا تجذب إلى الدين، الذي يجذب الناس إلى الدين أن يروا مسلماً متحركاً أمامهم، أن يروا مسلماً صادقاً، أن يروا مسلماً أميناً، أن يروا مسلماً عفيفاً، أن يروا مسلماً وقافاً عند كتاب الله، وقافاً عند سنة رسول الله، أن يروا مسلماً متأسياً برسول الله، أن يروا بيتاً إسلامياً، وتجارةً إسلاميةً، وعملاً إسلامياً، ولقاء إسلامياً، لا أن يؤدي الصلوات الخمس، ويعيش في حياته على نمط أهل الغرب، هو في واد والإسلام في واد، علاقته بالدين هذه العبادات الشعائرية لا غير.
أيها الأخوة الكرام، إن تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، تحرك نحو الله، تجد الله عز وجل يملؤك غنىً، ويملأ قلبك طمأنينة، ويوفقك، وييسر أمرك.
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾
[ سورة الليل: 5-7]
وإن تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة، المعنى الدقيق لهذا الحديث القدسي أنه لمجرد أن تتحرك نحو الله حركة تجد الله عز وجل يحيطك برعايته، وبرحمته، وبعنايته، وبنصره، وبتوفيقه، وبتأييده، ويملأ قلبك سكينة وطمأنينة، هذا معنى:
((إن تقربت إليه ذراعاً تقرب إليك باعاً ))
[متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]
وفي الترمذي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
((إذا مررت برياض الجنة فارتعوا، قالوا: يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر ))
[الترمذي عن أنمس]
إن جلست مع إخوانك فاذكر الله عز وجل، وبينت قبل قليل أن تشرح آية، أن تشرح حديثاً، أن تذكر حكماً فقهياً، أن تتلو القرآن، أن تستمع إلى القرآن، أن تفكر في آية كونية، أن تصلي، أن تفعل شيئاً يرضي الله، هذا كله من الذكر.
ذكر الله عز وجل واجب على الإنسان في كلّ الأوقات :
وفي الترمذي أيضاً عن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الله عز وجل يقول:
((إن عبدي الذي يذكرني وهو ملاقٍ قرنه- عدوه-))
[الترمذي عن عمارة بن زعكرة]
﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾
[ سورة آل عمران: 139]
﴿قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾
[ سورة طه: 45 ـ 46]
إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان الله عليك فمن معك؟ يا رب ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟
أيها الأخوة الكرام، يقول الله عز وجل:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
[ سورة الأنفال: 45]
لو تتبعت آيات الذكر لوجدتها كثيرة، لوجدت أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال:
(( أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ ، فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ؟ قَالُوا : وَذَلِكَ مَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ))
[مالك والترمذي وأحمد في المسند والحاكم في المستدرك عن أبي الدرداء ]
تحسر الإنسان يوم القيامة على ساعة مضت لم يذكر الله فيها :
أيها الأخوة الكرام، وحينما وصف الله المؤمنين وصفاً جامعاً مانعاً قال:
﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ﴾
[ سورة الأحزاب: 35 ]
وقال تعالى:
﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً﴾
[ سورة البقرة: 200 ]
أيها الأخوة الكرام، الإنسان يوم القيامة لو أنه نجا من عذاب النار، لو أنه دخل الجنة يتحسر على ساعة مضت لم يذكر الله فيها، الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا بن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
لذلك ورد عن رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما رواه البيهقي أنه قال:
((ما من ساعة تمرُّ بابن آدم لا يذكر فيها إلا تحسر عليها يوم القيامة ))
[ البيهقي عن عائشة]
وعن أم حبيبة زوج النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((كلام ابن آدم كله عليه لا له إلا أمرًا بالمعروف، أو نهيًا عن منكر، أو ذكراً لله عز وجل ))
[النسائي عن أم حبيبة]
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل؟ قال:
((أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله عز وجل ))
[جزء من حديث أبي بكر بن المقرئ عن معاذ بن جبل رضي الله عنه ٍ]
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: " لكل شيء جلاء وإن جلاء القلوب ذكر الله عز وجل، ولكل شيء صقالة، وإن صقالة القلوب ذكر الله عز وجل".
الغفلة و طول الأمل خصلتان مهلكتان للإنسان :
يا أيها الأخوة الكرام، يقول الله عز وجل:
﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾
[ سورة الكهف: 28]
﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾
[ سورة لقمان: 15 ]
﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا﴾
[ سورة الكهف: 28]
ليس معنى ،
﴿أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا﴾
أن الله خلق فيه الغفلة، حاشا لله، ومعاذ الله أن نفهم هذه الآية هكذا،
﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا﴾
أي من وجدناه غافلاً، لأن العرب في لغتها تقول: عاشرت القوم فما أبخلتهم، أي ما وجدتهم بخلاء، عاشرت القوم فما أجبنتهم، أي ما وجدتهم جبناء ،
﴿تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ﴾
أي من وجدناه غافلاً ،
﴿عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾
أيها الأخوة الكرام، لا تصاحب إلا ذاكراً لله، لا تصاحب غافلاً عن الله عز وجل، الغفلة عن الله، والأمل في الدنيا خصلتان مهلكتان للإنسان يوم القيامة، الغفلة، والأمل، وأما الذكر وقصر الأمل فهذه من أسباب النجاة للمؤمن يوم القيامة.
أيها الأخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني. والحمد لله رب العالمين.
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قصة معبرة عن حاتم الأصم :
أيها الأخوة الكرام، قصة قصيرة، ولكن ونحن في موضوع القصة أية قصة تسمعها ينبغي أن تعرضها على كتاب الله وسنة رسوله، فإن توافقت في مغزاها مع كتاب الله، وسنة رسوله فعلى العين والرأس، وإن لم تتوافق كلياً أو جزئياً ينبغي أن تنظر إليها من زاوية محدودة.
ورد عن أخبار الصالحين أن حاتماً الأصم قال لأولاده وقد أقبل موسم الحج: إنني أريد أن أحج بيت الله الحرام، كلكم يعلم أن الحج كان مشقة كبيرةً، وأن السفر عند الفقهاء مظنة هلاك، السفر كان فيما مضى مظنة هلاكٍ، ولا يزال، لكن الاحتمال أقوى، مظنة هلاك، فقال لأولاده أريد أن أحج بيت الله الحرام، فقال أولاده: ومن يطعمنا؟ ومن يأتي بحاجاتنا؟ وهذا من حقهم، وبحسب أحكام الفقه ينبغي أن تملك الراحلة والصحة والزاد ونفقة الأهل في غيابك، فردَّتْ بنت من بناته، وكانت على درجة عالية من التقوى، قالت: يا أبت اذهب إنك لست برازق، وفي أيام قليلة انتهى الطعام من البيت، ودخلت الأسرة على هذه البنت التقية لتعنفها، ولتوبخها، فخلت البنت بنفسها ورفعت سؤلها إلى ربها، هذه هي الزاوية التي أردت أن أروي القصة من أجلها، زاوية إذا وضعت ثقتك بالله، وإذا توكلت على الله، وإذا اجتهدت أن تفعل هذا اعتماداً على الله، الله عز وجل لا يخيبك، خلت البنت بنفسها، ورفعت سؤلها إلى ربها الذي قال:
﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾
[ سورة الطلاق: 2-3]
ويقدر الرزاق أن أمير البلدة يتفقد أحوال الناس، ووصل إلى بيت حاتم الأصم فشعر بظمأ شديد كاد أن يقتله، فقال لشرطي من الشرطة معه: أدركني بكوب من الماء البارد، فأسرع الشرطي إلى باب حاتم الأصم، ولما علم أهل البيت أن الماء للأمير أحضروا كوباً نظيفاً وماءً بارداً، وهذا من باب: أنزلوا الناس منازلهم، فلما شرب الأمير ووضع الله له اللذة في الماء، سأل، وقال: بيت من هذا؟ قالوا: بيت حاتم الأصم، قال: هذا الرجل الصالح؟ قالوا: نعم، قال: الحمد لله الذي سقاني من بيوت الصالحين، أين هو لأسلم عليه؟ قالوا: هو في الحج، فقال: إذاً وجب علي أن أكافئ أهل بيته في غيبته، وكانت العملة وقتها من الذهب، فأخرج صرة من الذهب مملوءةً، وألقاها في بيت حاتم الأصم، لكن الرزاق أراد لهم المزيد فانطلق لسان الأمير، وقال من أحبني فليصنع صنيعي، فكل من معه رمى بما معه من المال في بيت حاتم الأصم، وذهبوا، وامتلأ البيت مالاً، ودخلت البنت التقية النقية تبكي، فدخلت أمها مع أولادها، لمَ البكاء يا بنيتي؟ وقد أصبحنا في غنى، فقالت: لقد نظر إلينا مخلوق نظرة فأغنتنا، فكيف لو نظر إلينا الخالق؟
الإنسان بالدعاء أقوى و أغنى و أعلم الناس :
أيها الأخوة الكرام، ما أردت أن تكون هذه القصة حكماً شرعياً، لا، يجب أن تذهب إلى الحج، وأن تعد نفقة الأهل والعيال، وأن تملك الراحلة والصحة والمال، ولكن لو أن مؤمناً وضع ثقته بالله عز وجل، لو أن مؤمناً عقد الأمل على الله عز وجل، لو أن مؤمناً وثق بالله عز وجل، ألم يقل الله عز وجل:
﴿أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾
[ سورة القصص: 7]
لمن هذه القصة؟ هي لنا، ألم يقل الله عز وجل يحدثنا عن سيدنا يونس:
﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ﴾
[ سورة الأنبياء: 87 -88]
انتهت القصة وجاء التعليق ليجعلها قانوناً قال:
﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾
[ سورة الأنبياء: 88]
يا أخي الكريم هل من مصيبة أكبر من أن يجد الإنسان نفسه في بطن حوت؟ في ظلمة بطن الحوت، وفي ظلمة البحر، وفي ظلمة الليل، في ظلمات ثلاث، ونادى وهو في بطن الحوت:
﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾
[ سورة الأنبياء: 87 -88]
أنت بالدعاء أقوى الناس، أنت بالدعاء أغنى الناس، أنت بالدعاء أعلم الناس، توكل على الله، فوض الأمر إلى الله، استقم على أمره وفوض إليه أمرك.
﴿قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾
[ سورة الأعراف: 144]
﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾
[ سورة الزمر: 66]
مرةً ثانية: ما أردت من هذه القصة أن يستنبط منها حكم شرعي، الله جل جلاله في قرآنه، والنبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحده في سنته هما المشرعان، أما قصص نقرأها، نأخذها من زاوية واحدة، لئلا تكون حكماً شرعياً.
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم لا تقطعنا بقواطع الذنوب، ولا تحجبنا بقبائح العيوب، يا رحمن يا رحيم، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين، اللهم لك الحمد على أن سقيتنا غيثاً، اللهم لك الحمد والشكر، اللهم زدنا ولا تنقصنا، أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، يا رب العالمين، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.
---------------------------------------------------------------------------------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق