السبت، 13 فبراير 2021

👀👀 قلت المدون هذا ما سنجده في كل أبواب وكتب الطلاق في جميع المذاهب والفرق وسنرفق هنا روابط الرد علي تقصيرهم في حق ربهم بتقديسهم لعلمائهم زعما بأنهم لن يفهموا ما يفهمه فقهائهم

العدة شرح العمدة

قلت المدون هذا ما سنجده في كل أبواب وكتب الطلاق في جميع المذاهب والفرق وسنرفق هنا روابط الرد علي تقصيرهم في حق ربهم بتقديسهم لعلمائهم زعما بأنهم لن يفهموا ما يفهمه فقهائهم 


 






 

اضغط الرابط للوصول الي ما تريده بإذن الله الواحد من هذا الكتاب وروابطه حية مفعلة

 p; 

 

 

كتاب الطلاق (1) ولا يصح الطلاق إلا من زوج مكلف مختار، ولا يصح طلاق المكره ولا زائل العقل
(2) إلا السكران
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[كتاب الطلاق]
مسألة 1: (لا يصح الطلاق إلا من زوج مكلف مختار) فأما غير الزوج فلا يصح منه لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الطلاق لمن أخذ بالساق» وروى الخلال بإسناده عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا طلاق قبل نكاح» (رواه ابن ماجه) ، فأما الصبي العاقل ففيه روايتان: إحداهما: لا يقع طلاقه لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم. . .» (رواه أبو داود) ولأنه غير مكلف أشبه الطفل. والثانية: إن كان ابن عشر وعقل الطلاق صح منه لأنه عاقل أشبه البالغ، وأما الطفل والمجنون والنائم والزائل العقل لمرض أو شرب دواء أو أكره على شرب الخمر فلا يقع طلاقه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق» (رواه أبو داود) وغير الثلاثة مقيس عليهم.

مسألة 2: (إلا السكران) فإنه يقع طلاقه إذا كان سكره بغير عذر، والشارب لما يزيل عقله من غير حاجة ففيه روايتان: إحداهما: يقع طلاقه لما روى أبو وبرة الكلبي قال: أرسلني خالد إلى عمر فأتيته في المسجد ومعه عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد

(1/441)


(3) ويملك الحر ثلاث تطليقات والعبد اثنتين، سواء كان تحته حرة أو أمة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الرحمن، فقلت: إن خالدًا يقول: إن الناس قد انهمكوا في الخمر وتحاقروا العقوبة، فقال عمر: هؤلاء عندك فسلهم، فقال علي: تراه إذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وعلى المفتري ثمانون. فقال عمر: أبلغ صاحبك ما قال، فجعلوه كالصاحي، ولأنه إيقاع الطلاق من مكلف صادق ملكه فوجب أن يقع كالصاحي، ويدل على تكليفه أنه يقتل بالقتل ويقطع بالسرقة. والثانية: لا يقع طلاقه، وهو قول عثمان، وقال ابن المنذر: هذا ثابت عن عثمان ولا نعلم أحدًا من الصحابة خالفه. قال الإمام أحمد: حديث عثمان أرفع شيء فيه، وهو أصح، يعني من حديث علي، وحديث الأعمش عن منصور لا يرفعه إلى علي، ولأنه زائل العقل أشبه المجنون والنائم ولأنه مفقود الإرادة أشبه المكره.

مسألة 3: (ويملك الحر ثلاث تطليقات والعبد اثنتين، سواء كان تحته حرة أو أمة) روي ذلك عن عمر وابنه وجماعة من الصحابة، ولأن الله سبحانه خاطب الرجال بالطلاق فكان حكمه معتبرًا بهم، لأن الطلاق خالص حق الزوج وهو مما يختلف بالرق والحرية فكان اختلافه به لعدد المنكوحات، ولأن الحر يملك أن يتزوج أربعًا فملك طلقات ثلاثًا كما لو كان تحته حرة، وعنه أن الطلاق معتبر بالنساء فطلاق الأمة اثنتان حرًا كان الزوج أو عبدًا، وطلاق الحرة ثلاث حرًا كان زوجها أو عبدًا، روي ذلك عن علي وابن مسعود، ولما روت عائشة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «طلاق الأمة تطليقتان وقرؤها حيضتان» رواه أبو داود وابن ماجه، ولأن المرأة محل الطلاق فيعتبر بها كالعدة، والأولى أولى، وحديث عائشة قال أبو داود رواية مظاهر بن أسلم وهو منكر الحديث، وقد أخرجه الدارقطني عن عائشة قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «طلاق العبد اثنتان، فلا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره، وقرء الأمة حيضتان، وتزوج الحرة على الأمة ولا تزوج الأمة على الحرة» " وهو نص.

(1/442)


(4) فمتى استوفى عدد طلاقه لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا ويطأها، «لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لامرأة رفاعة: " لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك»
(5) ولا يحل جمع الثلاث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 4: (فمن استوفى عدد طلاقه لم تحل زوجته حتى تنكح زوجًا غيره نكاحًا صحيحًا ويطأها) أما الحرة فلقوله سبحانه: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وأما العبد فلحديث عائشة، ويجب أن يكون النكاح صحيحا لأن الله سبحانه قال: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] أطلق النكاح، وإنما يحمل المطلق من كلام الله سبحانه على الصحيح لا على الفاسد. ويجب أن يطأها أيضًا لما روت عائشة «أن رفاعة طلق امرأته فبت طلاقها، فتزوجت بعده بعبد الرحمن بن الزبير، فجاءت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت إنها كانت عند رفاعة فطلقها ثلاث تطليقات فتزوجت بعده بعبد الرحمن بن الزبير وإنما معه مثل الهدبة. فتبسم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: " لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة، لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» متفق عليه.

مسألة 5: (ولا يحل جمع الثلاث) وهو إحدى الروايتين وهو طلاق بدعة وهو محرم، روي ذلك عن عمر وعلي وجماعة من الصحابة، فروي عن عمر أنه كان إذا أتى برجل طلق ثلاثًا أوجعه ضربًا، وعن مالك بن الحارث قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إن عمي طلق امرأته ثلاثًا، فقال: إن عمك عصى الله وأطاع الشيطان فلم يجعل الله له مخرجًا. ولأنه تحريم للبضع بقول الزوج من غير حاجة فحرم كالظهار. والرواية الأخرى أنه مكروه غير محرم لأن عويمرًا العجلاني لما لاعن امرأته قال: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، متفق عليه. ولم ينقل إنكار رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفي حديث امرأة رفاعة أنها قالت: يا رسول الله إن رفاعة طلقني فبت طلاقي، متفق عليه. وفي حديث فاطمة بنت قيس أن زوجها أرسل إليها بثلاث تطليقات، والأولى أولى. وأما حديث المتلاعنين فغير لازم لأن الفرقة لم تقع

(1/443)


(6) ولا طلاق المدخول بها في حيضتها أو في طهر أصابها فيه لما «روى ابن عمر أنه طلق امرأة له وهي حائض، فذكر ذلك عمر لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " مُره فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يمسها»
(7) والسنة في الطلاق أن يطلقها في طهر لم يصبها فيه واحدة ثم يدعها حتى تنقضي عدتها، فمتى قال لها: أنت طالق للسنة وهي في طهر لم يصبها فيه طلقت، وإن كانت في طهر أصابها فيه (8) أو حيض لم تطلق حتى تطهر من حيضة
(9) وإن قال لها أنت طالق للبدعة وهي حائض أو في طهر أصابها فيه طلقت، وإن لم تكن كذلك لم تطلق حتى يصيبها أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
بالطلاق وإنما وقعت بمجرد لعانها فلا حجة فيه، وسائر الأحاديث لم يقع فيها جمع الثلاث بين يدي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى يكون مقرًا عليه. على أن حديث فاطمة بنت قيس أنه أرسل إليها بتطليقة كانت بقيت لها من طلاقها (رواه مسلم) ، وحديث امرأة رفاعة جاء فيه أنه طلقها آخر ثلاث تطليقات، متفق عليه، ولم يكن في شيء من ذلك جمع الثلاث.

مسألة 6: (ولا يحل طلاق المدخول بها في حيضها أو في طهر أصابها فيه) لأنه طلاق بدعة محرم لما روي «أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض فذكر عمر ذلك للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتغيظ عليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم قال: " مره فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يمسها» (رواه مسلم)

مسألة 7: (والسنة في الطلاق أن يطلقها في طهر لم يصبها فيه واحدة ثم يدعها حتى تنقضي عدتها) أجمعوا على أن هذا مصيب للسنة مطلق للعدة التي أمر الله سبحانه بها، قاله ابن المنذر وابن عبد البر (فمتى قال: أنت طالق للسنة وهي في طهر لم يصبها فيه طلقت) في الحال لأنه وصف الطلقة بصفتها فوقعت في الحال، (وإن قال ذلك لها وهي في طهر أصابها فيه لم يقع حتى تحيض ثم تطهر) لأن الطهر الذي جامعها فيه والحيض بعده زمن بدعة، فإذا طهرت من الحيضة المستقبلة طلقت حينئذ لأن الصفة وجدت.
1 -
مسألة 8: (وإن قال ذلك لحائض لم يقع في الحال لأن طلاقها طلاق بدعة، لكن إذا طهرت طلقت لأن الصفة وجدت حينئذ.

مسألة 9: (وإن قال لها: أنت طالق للبدعة وهي حائض أو في طهر أصابها فيه

(1/444)


تحيض
(10) فأما غير المدخول بها والحامل التي تبين حملها والآيسة والتي لم تحض فلا سنة لطلاقها ولا بدعة، فمتى قال لها أنت طالق للسنة أو للبدعة طلقت في الحال
باب صريح الطلاق وكنايته صريحه لفظ " الطلاق " وما تصرف منه كقوله: أنت طالق، أو مطلقة وطلقتك، فمتى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
طلقت) وإن كانت في طهر لم يصبها فيه طلقت إذا أصابها أو حاضت، وهذه المسألة عكس التي قبلها لأنه وصف الطلقة بأنها للبدعة، فإن قال ذلك لحائض أو طاهر طهرًا قد أصابها فيه وقع الطلاق، لأنه وصف الطلقة بصفتها، وإن كانت في طهر لم يصبها فيه لم يقع في الحال، فإذا حاضت طلقت بأول جزء من الحيض، وإن أصابها طلقت بالتقاء الختانين لأن ذلك وطء.

مسألة 10: (فأما غير المدخول بها والحامل التي تبين حملها والآيسة والصغيرة التي لم تحض فلا سنة لها ولا بدعة، فمتى قال لها: أنت طالق للسنة أو للبدعة طلقت في الحال) قال ابن عبد البر: أجمع العلماء أن طلاق السنة إنما هو للمدخول بها، أما غير المدخول بها فليس لطلاقها سنة ولا بدعة إلا في عدد الطلاق، لأن العدة تطول عليها بالطلاق في الحيض وترتاب بالطلاق في الطهر الذي جامعها فيه وينتفي عنها الأمران بالطلاق في طهر لم يجامعها فيه، بخلاف غير المدخول بها فإنه لا عدة عليها بنفي تطويلها أو الارتياب فيها، وكذلك ذوات الأشهر وهي الصغيرة التي لم تحض والآيسة لا سنة لطلاقها ولا بدعة لأنها لا تحمل فترتاب ولا تطول العدة بطلاقها. وكذلك الحامل التي استبان حملها فهؤلاء الأربعة ليس لطلاقهن سنة ولا بدعة، فإذا قال لإحداهن: أنت طالق للسنة أو للبدعة طلقت في الحال وألغيت الصفة لأن طلاقهن لا يتصف بذلك، فصار كأنه قال: أنت طالق ولم يزد، وأما العدد فيكره له أن يطلق واحدة منهن ثلاثًا لأنه لا يبقى له سبيل إلى الرجعة، فطلاق السنة في حقهم واحدة ليكون له سبيل إلى الرجعة من غير أن تنكح زوجًا غيره.

[باب صريح الطلاق وكنايته]
(صريحه لفظ " الطلاق " وما تصرف منه، كقوله: أنت طالقة أو مطلقة أو طلقتك، فمتى أتى به طلقت وإن لم ينوه) لأنه موضوع له على الخصوص ثبت له عرف الشرع والاستعمال.

(1/445)


أتى به بصريح الطلاق طلقت وإن لم ينوه
(11) وما عداه مما يحتمل الطلاق فكناية لا يقع به الطلاق إلا أن ينويه، فلو قيل له: ألك امرأة؟ قال: لا، ينوي الكذب لم تطلق، فإن قال: طلقتها، طلقت، وإن نوى الكذب
(12) وإن قال لامرأته: أنت خلية أو برية أو بائن أو بتة أو بتلة ينوي بها طلاقها طلقت ثلاثا إلا أن ينوي دونها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 11: (وما عداه مما يحتمل الطلاق فكناية لا يقع به الطلاق إلا أن ينويه، فلو قيل له: ألك امرأة؟ فقال: لا، ينوي الكذب لم تطلق) لأن قوله: ما لي امرأة كناية تفتقر إلى نية الطلاق، وإذا نوى الكذب فما نوى الطلاق فلم يقع، (وإن قال: طلقتها طلقت وإن نوى الكذب) لأنه أتى بالصريح الذي لا يحتمل غير الطلاق.

مسألة 12: (وإن قال لامرأته: أنت خلية أو برية أو بائن أو بتة أو بتلة ينوي طلاقها طلقت ثلاثًا إلا أن ينوي دونها) في هذه الألفاظ في المذهب روايتان: الأولى: هي ثلاث وإن نوى واحدة لأن ذلك يروى عن علي وابن عمر وزيد ولم ينقل خلافهم فكان إجماعًا، ولأنه لفظ يقتضي البينونة بالطلاق فوقع ثلاثًا كما لو طلق ثلاثًا، واقتضاؤه البينونة ظاهر في قوله: أنت بائن، وكذلك البتة لأن البت القطع كأنه قطع النكاح كله، وبتلة مثله، والخلية والبرية يقتضيان الخلو من النكاح والبراءة منه، ولا سبيل إلى البينونة بدون الثلاث، ولا يمكن إيقاع واحدة بائن لأنه لا يقدر على ذلك بالصريح من غير عوض، فكذلك الكناية. والثانية: يقع ما نواه، اختاره أبو الخطاب، لما روى أبو داود «أن ركانة طلق امرأته سهمة البتة، فأخبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك وقال: والله ما أردت إلا واحدة، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: والله ما أردت إلا واحدة؟ فقال ركانة: والله ما أردت إلا واحدة، فردها إليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، إلا أن أحمد ضعفه. وروى عنه حنبل رواية ثالثة: تقع واحدة بائنة لأنه لفظ اقتضى البينونة دون العدد فوقعت واحدة بائنة كالخلع. وذكر أصحابنا من جملة هذه الألفاظ: أنت الحرة، والحقي بأهلك، وحبلك على غاربك، وأنت حرة، ولم يذكرها شيخنا هاهنا، أما قوله: أنت الحرة وأنت حرة فقال شيخنا: لم يذكرهما لأنه مختلف فيهما، ولم يذكرهما الخرقي في الظاهر ولم يعرف فيهما دليلًا ظاهرًا فتركناهما لذلك. وأما

(1/446)


(13) وما عدا هذا يقع به واحدة إلا أن ينوي ثلاثًا
(14) وإن خير امرأته فاختارت نفسها طلقت واحدة
(15) وإن لم تختر أو اختارت زوجها لم يقع شيء، «قالت عائشة: قد خيرنا رسول الله» - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفكان طلاقا؟
(16) وليس لها أن تختار إلا في المجلس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الحقي بأهلك فإن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لامرأة تزوجها: " الحقي بأهلك» (رواه ابن ماجه) ولم يكن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليطلق ثلاثًا فإن طلاق الثلاث محرم أو مكروه، ولم يكن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفعل المحرم ولا المكروه، وقد ذكر الأثرم هذا للإمام أحمد فسكت ولم يجب، والظاهر أنه رجع عن قوله إلى حديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولأنه قوله: الحقي بأهلك لا يقتضي لفظ الثلاث ولا معناه، فإنها قد تلحق بأهلها بطلقة واحدة، وأما قوله: حبلك على غاربك، فلا نعلم فيه دليلًا على الثلاث ولا في لفظها ما يقتضيه فهو كقوله: الحقي بأهلك.

مسألة 13: (وما عدا هذا يقع به واحدة) يعني الكنايات الخفية نحو: اخرجي واذهبي وذوقي وتجرعي وخليتك وأنت مخلاة وأنت واحدة ولست لي بامرأة واعتدي واستبرئي واعتزلي واختاري ووهبتك لأهلك، وسائر ما يدل على الفرقة، فهذا يقع به واحدة لأنها اليقين (إلا أن ينوي ثلاثًا) لأنه محتمل.

مسألة 14: (وإن خير امرأته فاختارت نفسها طلقت واحدة) لأنه إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فروي عن عمر وعلي وابن عباس وابن مسعود وجابر وعبد الله بن عمر وعائشة أنهم قالوا في الخيار: إن اختارت نفسها فهي واحدة وهو أحق بها، رواه البخاري عنهم بأسانيده، ولأن قوله اختاري تفويض مطلق فيتناول أقل ما يقع عليه الاسم وذلك طلقة واحدة، ولا يجوز أن يكون بائنًا لأنها بغير عوض لم يكمل بها العدد بعد الدخول فأشبه ما لو طلقها واحدة.

مسألة 15: (وإن لم تختر أو اختارت زوجها لم يقع شيء. «قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: قد خيرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفكان طلاقًا» ؟) .

مسألة 16: (وليس لها أن تختار إلا في المجلس) وذلك أن أكثر أهل العلم على أن

(1/447)


(17) إلا أن يجعله لها فيما بعده
(18) وإن قال: أمرك بيدك أو طلقي نفسك فهو في يدها ما لم يفسخ أو يطأ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
التخيير على الفور، روي ذلك عن عمر وعثمان وابن مسعود وجابر ولم يعرف لهم مخالف فكان إجماعًا.

مسألة 17: (إلا أن يجعله لها فيما بعد المجلس) فيجوز لأن الحق له ولأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لعائشة لما خيرها: " إني ذاكر لك أمرًا فلا عليك أن لا تستعجلي حتى تستأمري أبويك» (رواه مسلم) فجعل لها الخيار على التراخي.
فأما من أطلق الخيار فهو مقصور على المجلس، قال الإمام أحمد، - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الخيار على مخاطبة الكلام أن تجاوبه ويجاوبها، إنما هو جواب كلام، إن أجابته من ساعته وإلا فلا شيء.

مسألة 18: (وإن قال لها: أمرك بيدك أو طلقي نفسك فهو في يدها ما لم يفسخ أو يطأ) متى قال لزوجته أمرك في يدك فلها أن تطلق نفسها ثلاثًا، وإن نوى واحدة، قاله عثمان وابن عمر وابن عباس وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
قال القاضي: وقد نقل عن الإمام أحمد ما يدل على أنه إذا نوى واحدة فهي واحدة لأنه نوع تخيير فرجع إلى نيته فيه كقوله اختاري.
ودليل الأولى أنه لفظ يقتضي العموم في جميع أمرها لأنه اسم جنس مضاف فيتناول الثلاث كما لو قال: طلقي نفسك ما شئت، ويقبل قوله أردت واحدة لأنه خلاف ما يقتضيه اللفظ، وهو في يدها ما لم يفسخ أو يطأ لما روي عن علي في رجل جعل أمر امرأته بيدها قال: هو لها حتى ينكل، ولأنه توكيل في الطلاق فكان على التراخي كما لو قال لأجنبي: أمر امرأتي بيدك، وفارق قوله اختاري فإنه تخيير.
فإن رجع الزوج فيما جعل إليها أو قال: فسخت ما جعلت إليك بطل؛ لأنه توكيل فأشبه التوكيل في البيع.
وإن وطئها قبل اختيارها نفسها كان رجوعًا لأنه نوع توكيل، والتصرف فيما وكل فيه يبطل الوكالة، كذا هاهنا تصرفه بالوطء يبطل وكالته.

(1/448)


باب تعليق الطلاق بالشروط (يصح تعليق الطلاق والعتاقة بشرط بعد النكاح والملك، ولا يصح قبله، فلو قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، أو ملكتها فهي حرة، فتزوجها أو ملكها لم تطلق ولم تعتق
(19) وأدوات الشرط ست: إن، وإذا، وأي، ومتى، ومن، وكلما، وليس فيها ما يقتضي التكرار إلا كلما
(20) وكلها إذا كانت مثبتة ثبت حكمها عند وجود شرطها، فإذا قال: إن قمت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[باب تعليق الطلاق بالشروط]
(يصح تعليق الطلاق والعتاق بشروط بعد النكاح والملك ولا يصح قبله، فلو قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق وإن ملكتها فهي حرة فتزوجها أو ملكها لم تطلق ولم تعتق) لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " «لا طلاق ولا عتاق فيما لا يملك ابن آدم وإن عينها» رواه الدارقطني، وفي لفظ " «لا طلاق فيما لا يملك» رواه الترمذي وقال: حديث حسن. وعنه ما يدل على أن الطلاق يقع لأنه يصح تعليقه على الإحضار فصح تعليقه على الملك كالوصية، والمذهب الأول لأن من لا يقع طلاقه بالمباشرة لا يصح تعليقه كالمجنون.

مسألة 19: (وأدوات الشرط ست: إن، وإذا، وأي، ومتى، ومن، وكلما، وليس فيها ما يقتضي التكرار إلا كلما) فإذا قال: إن قمت فأنت طالق فقامت طلقت، وإن تكرر القيام لم يتكرر الطلاق، وكذا سائرها لأن اللفظ لا يقتضي التكرار لغة، وإن قال: كلما قمت فأنت طالق فقامت طلقت، وإن تكرر القيام تكرر الطلاق لأن اللفظ يقتضي التكرار لغة.
،
مسألة 20: (وكلها إذا كانت مثبتة ثبت حكمها عند وجود شرطها، فإذا قال: إن قمت فأنت طالق فقامت طلقت وانحل شرطه) لأنها تقتضي ذلك (وإن قال: كلما قمت فأنت طالق طلقت كلما قامت) لأنها تقتضي التكرار.

(1/449)


فأنت طالق فقامت طلقت وانحل شرطه وإن قال: كلما قمت فأنت طالق طلقت كلما قامت
(21) وإن كانت نافية - كقوله: إن لم أطلقك فأنت طالق - كانت على التراخي، إذا لم ينو وقتًا بعينه فلا يقع الطلاق إلا في آخر أوقات الإمكان
(22) وسائر الأدوات على الفور، فإذا قال: متى لم أطلقك فأنت طالق ولم يطلقها طلقت في الحال، وإن قال: كلما لم أطلقك فأنت طالق، فمضى زمن يمكن طلاقها فيه ثلاثا ولم يطلقها طلقت ثلاثا إن كانت مدخولا بها
(23) وإن قال: كلما ولدت ولداً أنت طالق فولدت توأمين طلقت بالأول وبانت بالثاني لانقضاء عدتها به ولم تطلق به
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 21: (وإن كانت نافية - كقوله: إن لم أطلقك فأنت طالق - كانت على التراخي، إذا لم ينو وقتًا بعينه فلا يقع الطلاق إلا في آخر أوقات الإمكان) وذلك في آخر جزء من حياة أحدهما لا نعلم في هذا خلافًا، لأن حرف " إن " مجرد يقتضي التراخي، إلا أن ينوي وقتًا بعينه فيتقيد بذلك الوقت، كقوله: إن لم أطلقك - ينوي اليوم - فأنت طالق، فإنه يتقيد باليوم، فإذا خرج اليوم ولم يطلقها طلقت.

مسألة 22: (وسائر الأدوات على الفور) يعني إذا كانت نافية، وإن تجردت عن النفي فهي على التراخي مثل قوله: إن خرجت وإذا خرجت ومتى خرجت وأي حين خرجت ومن خرجت منكن وكلما خرجت فأنت طالق، فمتى وجد الخروج طلقت. وإن كانت نافية فكلها على الفور لأنها تقتضي ذلك إلا " إن " على ما سبق. (فإذا قال: متى لم أطلقك فأنت طالق ولم يطلقها طلقت في الحال لذلك. وإن قال: كلما لم أطلقك فأنت طالق فمضى زمان يمكن طلاقها فيه ثلاثًا ولم يطلقها طلقت ثلاثًا) ، لأن " كلما " تقتضي التكرار، قال الله سبحانه: {كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ} [المؤمنون: 44] فيقتضي تكرار الطلاق بتكرار الصفة، والصفة عدم تطليقه لها، فإذا مضى زمن يمكن أن يطلقها فيه بعد يمينه فلم يطلقها فقد وجدت الصفة فتقع طلقة وتتبعها الثانية والثالثة (إن كانت مدخولًا بها) ، وإلا بانت بالأولى ولم يلزمها ما بعدها لأن البائن لا يلحقها طلاق.

مسألة 23: (وإن قال: كلما ولدت ولدًا فأنت طالق فولدت توأمين طلقت بالأول وبانت بالثاني ولم تطلق به) لأن العدة انقضت بوضع الثاني فصادفها الطلاق بائنًا فلم يقع كما لو قال: إذا مت فأنت طالق.

(1/450)


(24) وإن قال: إن حضت فأنت طالق طلقت بأول الحيض فإن تبين أنه ليس بحيض لم تطلق
(25) فإن قالت: قد حضت فكذبها طلقت
(26) وإن قال: قد حضت وكذبته طلقت بإقراره
(27) فإن قال: إن حضت فأنت وضرتك طالقتان، فإن قالت: قد حضت فكذبها طلقت دون ضرتها
باب ما يختلف به عدد الطلاق وغيره (28) المرأة إذا لم يدخل بها تبينها الطلقة وتحرمها الثلاث من الحر والاثنتان من العبد إذا وقعت مجموعة، كقوله: أنت طالق ثلاثا أو أنت طالق وطالق وطالق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 24: (وإن قال: إن حضت فأنت طالق طلقت بأول الحيض) لأن الصفة وجدت، ولذلك حكمنا به حيضًا في المنع من الصلاة والصيام والوطء (فإن تبين أنه ليس بحيض لم تطلق) لأنا تبينا أن الصفة لم توجد.

مسألة 25: (فإن قالت: قد حضت فكذبها طلقت) لأنه يقبل قولها في حق نفسها لقوله سبحانه: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] فلولا أن قولهن مقبول ما حرم الله عليهن كتمانه ويصير كقوله سبحانه: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة: 283] يدل على قبولها ولأنه لا يعرف إلا من جهتها.

مسألة 26: (وإن قال: قد حضت فكذبته طلقت بإقراره) .

مسألة 27: (وإن قال: إن حضت فأنت وضرتك طالقتان فقالت: قد حضت فكذبها طلقت دون ضرتها) لأن قولها مقبول على نفسها ولم تطلق الضرة إلا أن تقوم بينة على حيضها.

[باب ما يختلف به عدد الطلاق وغيره]
مسألة 28: (المرأة إذا لم يدخل بها تبينها الطلقة وتحرمها الثلاث من الحر والاثنتان من العبد إذا وقعت مجموعة كقوله: أنت طالق ثلاثًا أو قوله: أنت طالق وطالق وطالق) وذلك أن غير المدخول بها تبين بطلقة، لقوله سبحانه: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] وأما كونها تحرم بالثلاث من الحر فلقوله سبحانه: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] ثم قال بعد ذلك: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} [البقرة: 230] . وتحرم الاثنتان من

(1/451)


(29) وإن أوقعه مرتبا كقوله: أنت طالق فطالق أو ثم طالق، أو طالق بل طالق، أو أنت طالق أنت طالق، وإن طلقتك فأنت طالق ثم طلقها، أو كلما طلقتك فأنت طالق، أو كلما لم أطلقك فأنت طالق، وأشباه هذا لم يقع بها إلا واحدة
(30) وإن كانت مدخولا بها وقع بها جميع ما أوقعه
(31) ومن شك في الطلاق أو عدده، أو الرضاع أو عدده بنى على اليقين
(32) وإن قال لنسائه: إحداكن طالق ولم ينو واحدة بعينها خرجت بالقرعة
(33) وإن طلق جزءًا من امرأته مشاعًا أو معينًا كإصبعها أو يدها طلقت كلها)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
العبد، روي ذلك عن علي وابن مسعود، لما روت عائشة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «طلاق العبد اثنتان فلا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره، وقرء الأمة حيضتان، ويتزوج الحرة على الأمة ولا يتزوج الأمة على الحرة» وهذا النص رواه الدارقطني.

مسألة 29: (وإن أوقعه مرتبًا كقوله: أنت طالق فطالق، أو طالق ثم طالق، أو طالق بل طالق، أو أنت طالق أنت طالق، أو إن طلقتك فأنت طالق ثم طلقها، أو كلما طلقتك فأنت طالق، أو كلما لم أطلقك فأنت طالق، وأشباه هذا لم يقع إلا واحدة) لأنها تبين بالأولى فلا تقع الثانية لأنها حروف تقتضي الترتيب، فتقع الأولى بها فتبينها ثم تأتي الثانية فتصادفها قد بانت عن نكاحه فتلغو.

مسألة 30: (ولو كانت مدخولًا بها وقع بها جميع ما أوقعه) لأنها لا تبينها الأولى، فتأتي الثانية فتصادف محل النكاح فتقع.

مسألة 31: (ومن شك في الطلاق أو عدده، أو الرضاع أو عدده بنى على اليقين) لأن النكاح من متيقن فلا يزول عنه بالشك.

مسألة 32: (وإن قال لنسائه: إحداكن طالق ولم ينو واحدة بعينها أخرجت بالقرعة) لأن الحقوق إذا تساوت على وجه لا يمكن التمييز إلا بالقرعة صح استعمالها كالشريكين إذا اقتسما فإنه يسوى بينهما ويقرع بينهما، وكذلك العبيد إذا أعتقهم في مرضه ولم يخرج من ثلثه إلا واحد منهم فإنه يقرع بينهم، فكذلك هاهنا.

مسألة 33: (وإن طلق جزءًا من امرأته مشاعًا أو معينًا كإصبعها أو يدها طلقت كلها) لأنها جملة لا تتبعض في الحل والحرمة وجد فيها ما يقتضي التحريم والإباحة،

(1/452)


(إلا الظفر والسن والشعر والريق والدمع ونحوه لا تطلق به)
(35) وإن قال: أنت طالق نصف تطليقة أو أقل من هذا طلقت واحدة
باب الرجعة (إذا طلق امرأته بعد الدخول بغير عوض أقل من ثلاث أو العبد أقل من اثنتين فله رجعتها ما دامت في العدة لقول الله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} [البقرة: 228]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
فغلب فيها حكم التحريم كما لو اشترك مسلم ومجوسي في صيد، ولأنه أضاف الطلاق إلى جزء ثابت استباحه بعقد النكاح فأشبه الجزء الشائع، فإن من خالف في ذلك قد سلمه.

مسألة 34: (إلا الظفر والسن والشعر والريق والدمع ونحوه لا تطلق به) لأنه جزء ينفصل عنها في حال السلامة فلم تطلق بطلاقه كالحمل والريق، ولأن الشعر لا روح فيه ولا ينقض الوضوء مسه فأشبه العرق والريق واللبن، وقيل: تطلق إذا طلق الظفر والشعر والسن لأنه جزء يستباح بنكاحها أشبه الإصبع، ولنا ما سبق. وأما الإصبع فإنها لا تنفصل في حال السلامة، بخلاف السن فإن مآله إلى الانفصال والدمع والعرق والحمل والريق متفق عليها لا نعلم فيها خلافًا.

مسألة 35: (وإن قال: أنت طالق نصف تطليقة أو أقل من هذا طلقت واحدة) لأن الطلقة لا تتبعض فتقع كلها، لأن ذكر ما لا يتبعض في الطلاق مثل ذكر جميعه كما لو قال نصفك طالق، قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أنها تطلق بذلك إلا داود.

[باب الرجعة]
(وإذا طلق الرجل امرأته بعد الدخول بغير عوض أقل من ثلاث أو العبد أقل من اثنتين فله رجعتها ما دامت في العدة لقوله سبحانه: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} [البقرة: 228] يعني في العدة، ذكر ذلك بعد قوله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] والمراد بهذه الآية المدخول بها بدليل أن غير المدخول بها ليس عليها عدة بقوله: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] .

(1/453)


(36) والرجعة أن يقول لرجلين من المسلمين: اشهدا أنني قد راجعت زوجتي أو رددتها أو أمسكتها، من غير ولي ولا صداق يزيده ولا رضائها
(37) وإن وطئها كان رجعة
(38) والرجعية زوجة يلحقها الطلاق والظهار
(39) ولها التزين لزوجها والتشرف له، وله وطؤها والخلوة والسفر بها
(40) وإذا ارتجعها عادت على ما بقي من طلاقها، ولو تركها حتى بانت ثم نكحت زوجا غيره ثم بانت منه وتزوجها الأول رجعت إليه على ما بقي من طلاقها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 36: (والرجعة أن يقول لرجلين من المسلمين: اشهدا أنني قد راجعت زوجتي أو رددتها أو أمسكتها، من غير ولي ولا صداق يزيده ولا رضاها) للآية.

مسألة 37: (وإن وطئها كانت رجعة) سواء نوى الرجعة أو لم ينو، لأن سبب زوال الملك انعقد مع الخيار، فالوطء من المالك يمنع زوال الملك كوطء البائع في مدة الخيار.

مسألة 38: (والرجعية زوجة) بدليل أن الله سبحانه سمى الرجعة إمساكًا بقوله سبحانه: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] وسمى المطلقين بعولة فقال عز من قائل: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] ، (فيلحقها طلاقه وظهاره) ولعانه وخلعه، ويرثها وترثه، لأنها زوجته فثبت فيها ذلك كما قبل الطلاق.

مسألة 39: (ولها التزين لزوجها والتشرف له، وله وطؤها والخلوة والسفر بها) لذلك، ولأن الله سبحانه قال: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ} [المؤمنون: 6] وهذه زوجة فيباح له منها ما يباح من الزوجات.

مسألة 40: (وإذا ارتجعها عادت على ما بقي من طلاقها) ولا تخلو المطلقة من ثلاثة أحوال:
الأول: أن يطلقها ثلاثًا فتنكح زوجًا غيره ويصيبها ثم يتزوجها الأول، فهذه تعود إليه على طلاق ثلاث بإجماع منهم، قاله ابن المنذر.
والثاني: أن يطلقها دون الثلاث ثم تعود إليه برجعة أو نكاح جديد قبل زوج ثان، فهذه تعود إليه على ما بقي من طلاقها بغير خلاف نعلمه.

(1/454)


(41) وإذا اختلفا في انقضاء عدتها فالقول قولها مع يمينها إذا دعت من ذلك ممكنا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الثالث: طلقها دون الثلاث فقضت عدتها ثم نكحت غيره ثم تزوجها الأول، فإنها تعود إليه على ما بقي من الثلاث، وهو قول الأكابر من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عمر وعلي وأبيّ ومعاذ وعمران بن حصين وأبي هريرة وزيد وعبد الله بن عمر. وعنه تعود إليه على طلقات ثلاث، وهو قول ابن عمر وابن عباس لأن وطء الزوج الثاني مثبت للحل فيثبت حلًا يتسع لثلاث طلقات كما بعد الثلاث، ولأن وطء الثاني يهدم الطلقات الثلاث فأولى أن يهدم ما دونها.
ودليل الأولى أن وطء الثاني لا يحتاج إليه لإحلال الزوج الأول فلا يعتبر حكم الطلاق كوطء السيد ولأنه تزويج قبل استيفاء الثلاث فأشبه ما لو رجعت إليه قبل وطء الثاني. وقولهم: إن وطء الثاني يثبت الحل فلا يصح لوجهين: أحدهما: منع كونه مثبتًا للحل أصلًا، وإنما هو في الطلاق الثلاث غاية للتحريم بدليل قوله: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وحتى للغاية، وإنما سمى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزوج الذي قصد الحلية محللًا تجوزًا بدليل أنه لعنه، ومن أثبت حلًا لا يستحق لعنًا. الثاني: أن الحل إنما يثبت في محل فيه تحريم وهي المطلقة ثلاثًا، وهاهنا هي حلال له فلا يثبت فيها حل آخر، وقولهم: إنه يهدم الطلاق، قلنا: بل هو غاية لتحريمه، وما دون الثلاث لا تحريم فيه فلا يكون غاية له.

مسألة 41: (وإذا اختلفا في انقضاء عدتها فالقول قولها مع يمينها إذا ادعت من ذلك ممكنًا) لقول الله سبحانه: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] فلولا أن قولهن مقبول ما حرم عليهن كتمانه كالشهود لما حرم عليهم كتمان الشهادة دل على قبولها منهم.
وقوله: " إذا ادعت من ذلك ممكنًا " يعني أنها تدعي انقضاء عدتها بالقروء في زمان يمكن انقضاؤها فيه كالشهرين ونحوهما، وإن ادعت انقضاءها في مدة لا يمكن انقضاؤها فيها لم تسمع دعواها، مثل أن تدعي انقضاءها بالقروء في أقل من ثمانية وعشرين يومًا إذا قلنا الأقراء الأطهار، أو في أقل من تسعة وعشرين يومًا إذا قلنا: هي الحيض، لأننا نعلم كذبها، وإن ادعت انقضاءها بالقروء في شهر لم تقبل دعواها إلا ببينة لأنه يروى عن علي

(1/455)


(42) وإن ادعى الزوج بعد انقضاء عدتها أنه قد راجعها في عدتها فأنكرته فالقول قولها
(43) وإن كانت له بينة حكم له بها، فإن كانت قد تزوجت ردت إليه سواء كان دخل بها الثاني أو لم يدخل بها
باب العدة (44) ولا عدة على من فارقها زوجها في الحياة قبل المسيس والخلوة لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49]
(45) والمعتدات ينقسمن أربعة أقسام: إحداهن: أولات الأحمال، فعدتهن أن يضعن حملهن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
ولأنه يندر جدًا فيرجع ببينة، فإذا زاد على الشهرين لم يندر كندرته في الشهر فقبل من غير بينة.

مسألة 42: (وإن ادعى الزوج بعد انقضاء عدتها أنه قد كان راجعها في عدتها فأنكرته فالقول قولها) بإجماعهم، لأنه ادعاها في زمن لا يملكها، والأصل عدم الرجعة وحصول البينونة.

مسألة 43: (وإن كانت له بينة حكم له بها) لقوله: " البينة على المدعي "، (وإن كانت قد تزوجت ردت إليه سواء دخل بها الثاني أو لم يدخل بها) لأنها زوجته فترد إليه كما لو لم يتزوج.

[باب العدة]
مسألة 44: (ولا عدة على من فارقها زوجها في الحياة قبل المسيس، لقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] .

مسألة 45: (والمعتدات ينقسمن أربعة أقسام: إحداهن: أولات الأحمال، أجلهن

(1/456)


(46) ولو كانت حاملا بتوأمين لم تنقض عدتها حتى تضع الثاني منهما
(47) والحمل الذي تنقضي به العدة وتصير به الأمة أم ولد ما يتبين فيه خلق الإنسان. الثاني: اللاتي توفي أزواجهن، يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا
(48) والإماء على النصف من ذلك، وما قبل المسيس وما بعده سواء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
أن يضعن حملهن) حرائر كن أو إماء، من فرقة الحياة أو الممات، لقوله سبحانه: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] .

مسألة 46: (ولو كانت حاملًا باثنين لم تنقض عدتها حتى تضع الثاني منهما) للآية.

مسألة 47: (والحمل الذي تنقضي به العدة ما يتبين فيه شيء من خلق الإنسان) لأنه ولد. (الثاني: اللاتي توفي أزواجهن يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا) إن كانت حرة، وشهرين وخمسة أيام إن كانت أمة، وسواء مات قبل الدخول أو بعده إذا لم تكن حاملًا، لقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوت ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا» متفق عليه.

مسألة 48: (والأمة على النصف من ذلك) لأن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - اتفقوا على أن عدة الأمة المطلقة نصف عدة الحرة، فيجب أن يكون المتوفى عنها زوجها عدتها نصف عدة الحرة.
(الثالث: المطلقات من ذوات القروء يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء، وقرء الأمة حيضتان) لما روى ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «طلاق الأمة طلقتان، وقرؤها حيضتان» .

[فصل في المقصود بالأقراء]
فصل: وفي الأقراء روايتان: إحداهما: هي الحيض لهذا الخبر، وقول الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «تدع الصلاة أيام أقرائها» رواه أبو داود،. وقال لفاطمة: " «فإذا أتى

(1/457)


الثالث: المطلقات من ذوات القروء يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء، وقرء الأمة حيضتان
الرابع: اللاتي يئسن من المحيض فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن، والأمة شهران
(49) ويشرع التربص مع العدة في ثلاثة مواضع: أحدها: إذا ارتفع حيض المرأة لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
قرؤك فلا تصلي، وإذا مر قرؤك فتطهري ثم صلي ما بين القرء إلى القرء» رواه النسائي، ولأنه معنى يستبرأ به الرحم فكان بالحيض كاستبراء الأمة. والثانية: القروء للأطهار لقوله سبحانه: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] أي في عدتهن، وإنما تطلق في الطهر، فإذا قلنا: هي الحيض لم يحتسب بالحيضة التي طلقها فيها حتى تأتي بثلاث كاملة بعدها لقوله سبحانه: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] فتتناول الكاملة، فإذا انقطع دمها من الثالثة حلت في إحدى الروايتين لأن ذلك آخر القروء، وفي الأخرى لا تحل حتى تغتسل من الحيضة الثالثة لأنه يروى عن الأكابر من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أبي بكر وعثمان وعبادة وأبي موسى وأبي الدرداء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وإن قلنا: الأقراء الأطهار احتسبت بالطهر الذي طلقها فيه قرءًا ولو بقي منه لحظة لقوله سبحانه: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] أي في عدتهن، وإنما يكون في عدتهن إذا احتسبن به، ولأن الطلاق إنما جعل في الطهر دون الحيض كي لا يضر بها فتطول عدتها، ولو لم تحتسب ببقية الطهر قرءًا لم تقض عدتها بالطلاق فيه، وآخر العدة آخر الطهر الثالث إذا رأت الدم بعده انقضت عدتها. (الرابع: اللاتي يئسن من المحيض فعدتهن ثلاثة أشهر، واللاتي لم يحضن) لقوله سبحانه: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] هذا إذا كانت حرة (وإن كانت أمة فعدتها شهران) لأن كل شهر مكان قرء وعدتها بالأقراء قرآن، وعنه عدتها ثلاثة أشهر لعموم الآية، ولأن اعتبار الشهور لمعرفة براءة الرحم ولا تحصل بأقل من ثلاثة، وعنه عدتها شهر ونصف لأن عدتها نصف عدة الحرة، وعدة الحرة ثلاثة أشهر فنصفها شهر ونصف، وإنما كملنا الأقراء لتعذر تنصيفها، وتنصيف الأشهر ممكن.

مسألة 49: (ويشرع التربص مع العدة في ثلاثة مواضع: أحدها: إذا ارتفع حيضها

(1/458)


تدري ما رفعه، فإنها تتربص تسعة أشهر ثم تعتد عدة الآيسات
(50) وإن عرفت ما رفع الحيض لم تزل في عدة حتى يعود الحيض فتعتد به، الثاني: المفقود الذي فقد في مهلكة أو من بين أهله فلم يعلم خبره، تتربص أربع سنين ثم تعتد للوفاة، وإن فقد في غير هذا كالمسافر للتجارة ونحوها لم تنكح حتى تتيقن موته، الثالث: إذا ارتابت المرأة بعد انقضاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
لا تدري ما رفعه، فإنها تتربص تسعة أشهر ثم تعتد عدة الآيسات) تسعة أشهر للحمل لأنها غالب مدته ثم تعتد بعد ذلك ثلاثة أشهر عدة الآيسات، قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذه فتيا عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بين المهاجرين والأنصار، ولم ينكرها منكر علمناه فصار إجماعًا.

مسألة 50: (وإن عرفت ما رفع الحيض) من مرض أو رضاع أو نفاس (فإنها تنتظر زوال العارض وعود الدم وإن طال، فإن عاد الدم اعتدت به) وروى الأثرم بإسناده عن محمد بن يحيى بن حبان أنه كان عند جده امرأتان هاشمية وأنصارية فطلق الأنصارية وهي ترضع فمرت بها سنة ثم هلك ولم تحض، فقالت الأنصارية: لم أحض، فاختصموا إلى عثمان فقضى لها بالميراث، فلامت الهاشمية عثمان فقال: هذا عمل ابن عمك، هو أشار علينا بهذا، يعني علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (الثاني: امرأة المفقود الذي انقطع خبره) وهو قسمان: أحدهما: أن تكون غيبة ظاهرها الهلاك كالذي يفقد من بين أهله ليلًا أو نهارًا أو في مفازة مهلكة أو بين الصفين فإن زوجته (تتربص أربع سنين) أكثر مدة الحمل (ثم تعتد للوفاة) أربعة أشهر وعشرًا وتحل للأزواج، وهو قول عمر وعلي وابن عمر وابن الزبير، قال الإمام أحمد: من ترك هذا القول أي شيء يقول؟ هو عن خمسة من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. القسم الثاني: (من انقطع خبره لغيبة ظاهرها السلامة) كالتاجر والسائح (فإن امرأته تبقى أبدًا إلى أن تتيقن موته) لأنها زوجته بيقين فلا تزول بالشك، روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وعنه إذا مضى له تسعون سنة قسم ماله، وهذا يقتضي أن زوجته تعتد عدة الوفاة ثم تتزوج، قال أصحابنا: إنما اعتبروا التسعين سنة من يوم ولادته لأن الظاهر أنه لا يعيش أكثر من هذا العمر فإذا اقترن به انقطاع خبره وجب الحكم بموته كما لو كان فقده لغيبة ظاهرها الهلاك، والمذهب الأول لأن هذه غيبة ظاهرها السلامة فلم يحكم بموته كما قبل الأربع سنين أو كما قبل التسعين. (الثالث: إذا ارتابت المرأة قبل قضاء عدتها لظهور أمارات الحمل) من الحركة وانتفاخ البطن وانقطاع الحيض (لم تنكح حتى تزول الريبة)

(1/459)


عدتها لظهور أمارات الحمل لم تنكح حتى تزول الريبة فإن نكحت لم يصح النكاح، وإن ارتابت بعد نكاحها لم يبطل نكاحها إلا إن علمت أنها نكحت وهي حامل
(51) ومتى نكحت المعتدة فنكاحها باطل ويفرق بينهما
(52) وإن فرق بينهما قبل الدخول أتمت عدة الأول، وإن كان بعد الدخول بنت على عدة الأول من حين دخل بها الثاني واستأنفت العدة للثاني
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
وذلك أن المرتابة لا تخلو من ثلاثة أحوال: أحدها: أن تحدث لها الريبة قبل انقضاء عدتها فإنها تبقى في حكم الاعتداد حتى تزول الريبة، فإن بان حمل انقضت عدتها بوضعه، وإن زال وبان أنه ليس بحمل تبينا أن عدتها انقضت بمضي الأقراء والشهور، فإن تزوجت قبل زوال الريبة لم يصح النكاح لأنها تزوجت وهي في حكم المعتدة في الظاهر. الثاني: أن تظهر الريبة بعد قضاء العدة والتزويج فالنكاح صحيح، لأنه وجد بعد انقضاء العدة، والحمل مع الريبة مشكوك فيه، فلا يزول به ما حكم بصحته، لكن لا يحل لزوجها وطؤها لأنا شككنا في صحة النكاح، ثم ننظر فإن وضعت الولد لأقل من ستة أشهر منذ تزويجها الثاني ووطئها فنكاحه باطل لأنه نكحها وهي حامل، وإن أتت به لأكثر من ذلك فالولد لاحق به والنكاح صحيح. الحال الثالث: ظهرت الريبة بعد قضاء العدة وقبل النكاح، ففيه وجهان: أحدهما: لا يحل لها أن تتزوج، فالنكاح باطل لأنها تزوجت مع الشك في انقضاء العدة فلم يصح كما لو وجدت الريبة في العدة. والثاني: يحل لها النكاح ويصح لأننا حكمنا بانقضاء العدة وحل النكاح وسقوط النفقة والسكنى فلا يجوز زوال ما حكم به في الشك الطارئ، ولهذا لا ينقض الحاكم ما حكم به بتغير اجتهاده ورجوع الشهود.

مسألة 51: (ومتى نكحت المعتدة فنكاحها باطل ويفرق بينهما) لا يجوز نكاح معتدة إجماعًا أي عدة كانت لقوله سبحانه: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] ، وإن تزوجت فالنكاح باطل لأنها ممنوعة من النكاح لحق الزوج الأول، فكان نكاحها باطلًا، كما لو تزوجت وهي في نكاحه، ويجب أن يفرق بينهما لذلك.

مسألة 52: (وإن فرق بينهما قبل الدخول أتمت عدة الأول) ولا تنقطع بالعقد الثاني لأنه باطل لا تصير به المرأة فراشًا ولا تستحق بالعقد شيئًا (وإن فرق بينهما بعد

(1/460)


(53) وله نكاحها بعد انقضاء العدتين
(54) وإن أتت بولد من أحدهما انقضت به
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الدخول بنت على عدة الأول وتستأنف العدة للثاني) وتقدم عدة الأول لأن حقه أسبق ولأن عدته وجبت عن وطء صحيح ولا تتداخل العدتان لأنهما من رجلين، قال أبو حنيفة: تتداخل لأن القصد معرفة براءة الرحم وهذا يحصل به براءة الرحم منهما جميعًا. ولنا ما روى الشافعي في مسنده: حدثنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أن طلحة كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها ونكحت في عدتها، فضربها عمر وضرب زوجها وفرق بينهما، ثم قال: أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول وكان خاطبًا من الخطاب، وإن كان قد دخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الأول ثم اعتدت من الآخر ولا ينكحها أبدًا. وروى بإسناده عن علي أنه قضى في التي تزوج في عدتها أنه يفرق بينهما ولها الصداق بما استحل من فرجها وتكمل ما أفسدت من عدة الأول وتعتد من الآخر، وهذان قولان سديدان من الخلفاء ولم يعرف لهما مخالف من الصحابة، ولأنهما حقان مقصودان لآدميين فلم يتداخلا كالدينين.

مسألة 53: (وله نكاحها) يعني الثاني (بعد قضاء العدتين) ، وعنه أنها تحرم عليه على التأبيد لقول عمر: لا ينكحها أبدًا، ولأنه استعجل الحق قبل وقته فحرمه في وقته كالوارث إذا قتل موروثه، ولأنه يفسد النسب فوقع التحريم المؤبد كاللعان. ولنا على إباحتها له أنه لا يخلو إما أن يكون تحريمها بالعقد أو بالوطء في النكاح الفاسد أو بهما، وجميع ذلك لا يقتضي التحريم، بدليل ما لو زنى بها، وما روي عن عمر في تحريمها فقد خالفه علي، وروي عن عمر أنه رجع عن قوله في التحريم إلى قول علي، فإن عليًا قال: فإذا انقضت عدتها فهو خاطب من الخطاب، فقال عمر: ردوا الجهالات إلى السنة ورجع إلى قول علي، وقياسه يبطل بما لو زنى بها فإنه استحل وطئها ولا تحرم عليه على التأبيد.

مسألة 54: (وإن أتت بولد من أحدهما انقضت عدتها به منه واعتدت للآخر) فإن كان يمكن أن يكون من الأول دون الثاني - وهو أن تأتي به لدون ستة أشهر من وطء الثاني وأربع سنين فما دونها من فراق الأول - فإنه يلحق الأول وتنقضي به عدتها منه ثم تعتد بثلاثة أقراء عن الثاني، وإن أتت به لستة أشهر فما زاد إلى أربع سنين من وطء الثاني

(1/461)


عدته واعتدت للآخر
(55) وإن أمكن أن يكون منهما أري القافة فألحق بمن ألحقوه منهما وانقضت به عدتها منه واعتدت للآخر
باب الإحداد وهو واجب على من توفي عنها زوجها، وهو اجتناب الزينة، والطيب والكحل بالإثمد، ولبس المصبوغة للتحسين، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا» ولا تلبس مصبوغا إلا ثوب عصب، ولا تكتحل ولا تمس طيبا إلا إذا اغتسلت نبذة من قسط أو أظفار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
ولأكثر من أربع سنين منذ بانت من الأول فهو يلحق الثاني دون الأول فتنقضي به عدتها من الثاني ثم تتم عدة الأول، وتقدم هاهنا عدة الثاني على عدة الأول لأنه لا يجوز أن يكون الحمل من إنسان وتعتد به من غيره.

مسألة 55: (وإن أمكن أن يكون منهما) وهو أن تأتي لستة أشهر فصاعدًا من وطء الثاني ولأربع سنين فما دونها من بينونتها من الأول (أري القافة فإن ألحقته بالأول لحق به كما لو أمكن أن يكون منه دون الثاني وانقضت به عدتها منه واعتدت للآخر) وإن ألحقته بالثاني لحق به وانقضت به عدتها منه واعتدت للآخر.
1 -
فصل: وإن أشكل أمره على القافة أو لم يكن قافة لزمها أن تعتد بعد وضعه بثلاثة أقراء؛ لأنه إن كان من الأول فقد أتت بما عليها من عدة الثاني، وإن كان من الثاني فعليها أن تكمل عدة الأول ليسقط الفرض بيقين.

[باب الإحداد]
(وهو واجب على المتوفى عنها زوجها) لما روت أم عطية أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تحد المرأة فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا» (رواه أبو داود) (ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا إلا ثوب عصب، ولا تكتحل، ولا تمس طيبًا) الاعتداد في طهرها إذا طهرت من حيضها بنبذة من قسط أو أظفار متفق عليه، وفي حديث أم سلمة: «لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشق ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل»

(1/462)


(56) وعليها المبيت في منزلها الذي وجبت عليها العدة وهي ساكنة فيه إذا أمكنها ذلك
(57) فإن خرجت لسفر أو حج فتوفي زوجها وهي قريبة رجعت لتعتد في بيتها، وإن تباعدت مضت في سفرها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
رواه النسائي، وهو اجتناب الطيب والكحل بالإثمد ولبس الثياب المصبوغة لحديث أم عطية وأم سلمة.

مسألة 56: (وعليها المبيت في منزلها الذي وجبت عليها العدة وهي ساكنة فيه) روي ذلك عن عمر وابنه وأم سلمة، لما «روت فريعة بنت مالك بن سنان أنها " جاءت إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبرته أن زوجها خرج في طلب أعبد له فقتلوه، فسألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نعم. قالت: فخرجت حتى إذا كنت في الحجرة - أو في المسجد - دعاني فقال: كيف قلت؟ فرددت عليه القصة، فقال: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله، فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرًا، فلما كان عثمان بن عفان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به» رواه مالك في موطئه وأبو داود والأثرم، وهو حديث صحيح، فعلى هذا يجب عليها أن تعتد فيه سواء كان ملكًا لزوجها أو معه بأجرة أو عارية؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لفريعة: " امكثي في بيتك " ولم تكن في بيت يملكه زوجها. وفي بعض الألفاظ: «اعتدي في البيت الذي أتاك فيه نعي زوجك» ، فإن أتاها الخبر في غير مسكنها رجعت إلى مسكنها للخبر، وهذا إذا أمكنها ذلك، فإن لم يمكنها بأن يحولها مالكه أو تخشى من هدم أو غرق أو عدو فإنها تنتقل لأنه عذر، ولأن القعود للعدة لدفع الضرر عن الزوج في حفظ نسب ولده، والضرر لا يزال بالضرر.

مسألة 57: (وإن خرجت لسفر أو حج فتوفي زوجها وهي قريبة رجعت لتعتد في بيتها) لأنها في حكم الإقامة (وإن تباعدت خيرت بين البلدين) لأن البلدين تساويا فكانت الخيرة إليها فيما المصلحة لها فيه، لأنها أخبر بمصلحتها، وإن خشيت فوات الحج مضت

(1/463)


(58) والمطلقة ثلاثا مثلها إلا في الاعتداد في بيتها
باب نفقة المعتدات وهن ثلاثة أقسام:
أحدها: الرجعية، ومن يمكن زوجها إمساكها فلها النفقة والسكنى، ولو أسلم زوج الكافرة أو ارتدت امرأة المسلم فلا نفقة لهما، وإن أسلمت امرأة الكافر أو ارتد زوج المسلمة بعد الدخول فلهما نفقة العدة. الثاني: البائن في الحياة بطلاق أو فسخ فلا سكنى لها بحال (59) ولها النفقة إن كانت حاملا وإلا فلا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
في سفرها لأنهما عبادتان استويتا في الوجوب وضيق الوقت فوجب أن يقدم الأسبق منهما كما لو كانت العدة أسبق.

مسألة 58: (والمطلقة ثلاثًا مثلها إلا في الاعتداد في بيتها) فلا تجب عليها العدة في منزله وتعتد حيث شاءت نص عليه، لما «روت فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب فأرسل إليها وكيله بشعير، فسخطته، فقال: والله ما لك علينا من شيء. فجاءت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت ذلك له فقال: " ليس لك عليه نفقة ولا سكنى " وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال: " تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي في بيت ابن أم مكتوم» متفق عليه.

[باب نفقة المعتدات]
(وهي ثلاثة أقسام: أحدها: الرجعية، وهي من يمكن زوجها إمساكها، فلها النفقة والسكنى) والكسوة كالزوجة سواء لأنها زوجة يلحقها طلاقه وظهاره وإيلاؤه فكانت لها النفقة كغير المطلقة.
(الثاني: البائن في الحياة بطلاق أو فسخ، فإن لم تكن حاملا فلا سكنى لها بحال ولا نفقة) ، وهو قول علي وابن عباس وجابر، ودليله حديث فاطمة بنت قيس، ولأنها محرمة عليه أشبهت الأجنبية.
مسألة 59: (ولها النفقة والسكنى إن كانت حاملًا) بإجماع أهل العلم لقوله

(1/464)


الثالث: التي توفي عنها زوجها فلا نفقة لها ولا سكنى.

باب استبراء الإماء وهو واجب في ثلاثة مواضع: أحدها: من ملك أمة لم يصبها حتى يستبرئها) (الثاني: أم الولد والأمة التي يطؤها سيدها لا يجوز له تزويجها حتى يستبرئها)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
سبحانه: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] إلى قوله: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] وفي بعض ألفاظ حديث فاطمة: «لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملًا» ، ولأن الحمل ولده فيلزمه الإنفاق عليه، ولا يمكنه الإنفاق عليه إلا بالإنفاق عليها فوجبت كما وجبت أجرة الرضاع.
(الثالث: المتوفى عنها زوجها فلا نفقة لها ولا سكنى) إن كانت حائلًا، وإن كانت حاملًا ففيه روايتان: إحداهما: لها النفقة والسكنى لأنها حامل أشبهت المفارقة في الحياة، والثانية: لا نفقة لها ولا سكنى، قال القاضي: وهي أصح لأن المال قد صار للورثة، ونفقة الحامل إنما هي للحمل أو من أجله، ونفقة الحمل من نصيبه من الميراث كما بعد الولادة.

[باب استبراء الإماء]
(وهو واجب في ثلاثة مواضع: أحدها: من ملك أمة لم يصبها حتى يستبرئها) وكذا لا يحل له الاستمتاع بها بمباشرة وقبلة حتى يستبرئها، لما روى أبو سعيد " أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن سبايا أوطاس أن توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تحيض حيضة» رواه الإمام أحمد في المسند، وروى الأثرم عن رويفع بن ثابت قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول يوم حنين: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه زرع غيره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يطأ جارية من السبي حتى يستبرئها بحيضة» (رواه أبو داود) . . ولأنه إذا وطئها قبل استبرائها أدى إلى اختلاط المياه وفساد الأنساب.
(الثاني: أم الولد والأمة التي يطأها سيدها لا يجوز له تزويجها حتى يستبرئها) لأن الزوج لا يلزمه استبراؤها، فإذا لم يستبرئها السيد أفضى إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب.

(1/465)


(الثالث: إذا أعتقهما سيدهما أو عتقا بموته لم ينكحا حتى يستبرئا أنفسهما
(60) والاستبراء في جميع ذلك بوضع الحمل إن كانت حاملا، أو حيضة إن كانت تحيض
(أو شهر (61) إن كانت آيسة أو من اللائي لم يحضن
أو عشرة أشهر (62) إن ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
(الثالث: إذا أعتقهما سيدهما أو عتقا بموته) يعني أم الولد والأمة كأن يصيبهما (لم ينكحا حتى يستبرئا أنفسهما) لأنهما صارتا فراشًا له.

مسألة 60: (والاستبراء) يحصل (في جميع ذلك بوضع الحمل إن كانت حاملًا، أو بحيضة إن كانت ممن تحيض) لما روى أبو سعيد.

مسألة 61: (وإن كانت من الآيسات أو ممن لم يحضن) كالصغيرة ففيها ثلاث روايات: إحداهن: تستبرأ بشهرين كعدة الأمة، الثانية: (تستبرأ بشهر) لأن الشهر أقيم مقام الحيضة في عدة الحرة والأمة، والثالثة بثلاثة أشهر، قال أحمد بن القاسم: قلت لأبي عبد الله: كيف جعلت ثلاثة أشهر مكان الحيضة وإنما جعل الله في القرآن الكريم مكان كل حيضة شهرًا؟ فقال: من أجل الحمل فإنه لا يتبين في أقل من ذلك، فإن عمر بن عبد العزيز سأل عن ذلك وجمع أهل العلم والقوابل فأخبروا أن الحمل لا يتبين في أقل من ثلاثة أشهر، فأعجبه ذلك. ثم قال: ألا تسمع قول ابن مسعود: إن النطفة أربعين يومًا ثم علقة أربعين يومًا ثم مضغة بعد ذلك، فإذا خرجت الثمانون صار بعدها مضغة وهي لحم فيتبين حينئذ، وهذا معروف عند النساء.

مسألة 62: (وإن ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه استبرأت بعشرة أشهر) تسعة للحمل وشهر مكان الحيضة، وعنه سنة: تسعة أشهر للحمل لأنها غالب مدته في حق الحرائر والإماء، وثلاثة أشهر مكان الثلاثة التي تستبرأ بها الآيسات، وعنه في أم الولد إذا مات سيدها اعتدت أربعة أشهر وعشرًا لما روى عن عمرو بن العاص أنه قال: لا تفسدوا علينا سنة نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها أربعة أشهر وعشر. ولأنه استبراء الحرة من الوفاة أشبهت الحرة، والأول أصح، وخبر عمرو لا يصح قاله أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -

العدة شرح العمدة كتاب الصيام

العدة شرح العمدة

كتاب الصيام يجب صيام رمضان على كل مسلم بالغ عاقل قادر على الصوم
(1) ويؤمر به الصبي إذا أطاقه
(2) ويجب بأحد ثلاثة أشياء: كمال شعبان ورؤية هلال رمضان ووجود غيم أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[كتاب الصيام]
(يجب صيام رمضان على كل مسلم بالغ عاقل قادر على الصوم) فشروطه أربعة: الإسلام، فلا يجب على كافر أصلي ولا مرتد لأنه عبادة فلا تجب على الكافر كالصلاة. والثاني: العقل، فلا يجب على مجنون. والثالث: البلوغ، فلا يجب على صبي لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يبلغ الحلم» . وقال أصحابنا: يجب على من أطاقه، لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إذا أطاق الغلام الصيام ثلاثة أيام وجب عليه صيام شهر رمضان» ولأنه يعاقب على تركه وهذا صفة الواجب، والأول المذهب للخبر.

مسألة 1: (ويؤمر به الصبي إذا أطاقه) ، ويضرب عليه ليعتاده، ولا يجب عليه للخبر.

مسألة 2: (ويجب بأحد ثلاثة أشياء: كمال شعبان) ثلاثين يومًا إجماعًا، (ورؤية هلال رمضان) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» متفق عليه، (ووجود غيم أو قتر) في مطلعه (ليلة الثلاثين) من شعبان (يحول دونه) لما روى ابن عمر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فاقدروا له» متفق عليه، يعني ضيقوا له، من قوله: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: 7] أي ضيق عليه رزقه، وتضيق العدة أن

(1/161)


قتر ليلة الثلاثين يحول دونه
(3) وإذا رأى الهلال وحده صام، فإن كان عدلًا صام الناس بقوله،
(4) ولا يفطر إلا بشهادة عدلين
(5) ولا يفطر إذا رآه وحده
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
يحسب شعبان تسعة وعشرين يومًا، وكان ابن عمر إذا حال دون مطلعه غيم أو قتر أصبح صائمًا، رواه أبو داود، وهو راوي الحديث وعمله به تفسير له، وعنه: لا يصوم لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإن غم عليكم فأكملوا ثلاثين يومًا» حديث صحيح [رواه مسلم] ، ولأنه في أول الشهر شك فأشبه حال الصحو، وعنه: الناس تبع للإمام، فإن صام صاموا وإن أفطر أفطروا، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صومكم يوم تصومون وأضحاكم يوم تضحون» رواه أبو داود.

مسألة 3: (وإن رأى الهلال وحده صام) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صوموا لرؤيته» (فإن كان عدلًا صام الناس بقوله) لما روي «أن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: "تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أني رأيته، فصام وأمر الناس بالصيام» رواه أبو داود، ولأنه مما طريقه المشاهدة فدخل به في الفريضة فقبل من واحد كوقت الصلاة، والعبد كالحر لأنه من أهل الرؤية أشبه الحر.

مسألة 4: (ولا يفطر إلا بشهادة عدلين) لما روى عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا ثلاثين، فإن شهد شاهدان ذوا عدل فصوموا وأفطروا» رواه النسائي، ولأنها شهادة يدخل بها في العبادة فلم يقبل فيها الواحد كسائر الشهود.

مسألة 5: (ولا يفطر إذا رآه وحده) لما روي أن رجلين قدما المدينة وقد رأيا الهلال وقد أصبح الناس صيامًا فأتيا عمر فذكرا ذلك له، فقال لأحدهما: أصائم أنت؟ قال: بل مفطر. قال: فما حملك على هذا؟ قال: لم أكن لأصوم وقد رأيت الهلال، وقال الآخر:

(1/162)


(6) وإن صاموا بشهادة اثنين ثلاثين يومًا أفطروا
(7) وإن كان بغيم أو قول واحد لم يفطروا
(8) إلا أن يروه أن يكملوا العدة
(9) وإذا اشتبهت الأشهر على الأسير تحرى وصام، فإن وافق الشهر أو ما بعده أجزأه
(10) وإن وافق قبله لم يجزئه
باب أحكام المفطرين في رمضان ويباح الفطر في رمضان لأربعة أقسام: أحدها: المريض الذي يتضرر به، والمسافر الذي له القصر، فالفطر لهما أفضل وعليهما القضاء، وإن صاما أجزأهما،)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
أنا صائم. قال: فما حملك على هذا؟ قال: لم أكن لأفطر والناس صيام. فقال للذي أفطر: لولا مكان هذا لأوجعت رأسك، ولأنه محكوم به من رمضان فأشبه الذي قبله.

مسألة 6: (وإن صاموا بشهادة اثنين ثلاثين يومًا أفطروا) لحديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب.

مسألة 7: (وإن كان بغيم لم يفطروا) إذا لم يروا الهلال لأنهم إذا صاموا في أوله احتياطًا للعبادة فيجب الصوم في آخره احتياطًا لها، (وإن صاموا بشهادة الواحد لم يفطروا) كما لو شهد بهلال شوال.

مسألة 8: (إلا أن يروه) لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وأفطروا لرؤيته» (أو يكملوا العدة) فيفطروا لقوله: «فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يومًا» .

مسألة 9: (وإذا اشتبهت الأشهر على الأسير تحرى وصام، فإن وافق الشهر أو ما بعده أجزأه) لأنه فعل العبادة بعد وجوبها عليه باجتهاده، فإذا وافق الإصابة أجزأته كالقبلة إذا اشتبهت عليه أو الوقت.

مسألة 10: (وإن وافق ما قبله لم يجزئه) لأنه أتى بالعبادة قبل وقتها بالتحري فلم يجزه كالصلاة والحج إذا أخطأ فيه الواحد.

[باب أحكام المفطرين في رمضان]
(ويباح الفطر في رمضان لأربعة أقسام: أحدها: المريض الذي يتضرر به، والمسافر الذي له القصر، فالفطر لهما أفضل وعليهما القضاء) لأن الله سبحانه قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء: 43] وقَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]

(1/163)


(الثاني: الحائض والنفساء تفطران وتقضيان، وإن صامتا لم يجزئهما. الثالث: الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أفطرتا وقضتا، وإن خافتا على ولديهما أفطرتا وقضتا وأطعمتا عن كل يوم مسكينًا. الرابع: العاجز عن الصيام لكبر أو مرض لا يرجى برؤه فإنه يطعم عنه عن كل يوم مسكينًا
(11) وعلى سائر من أفطر القضاء لا غير، إلا من أفطر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس من البر الصوم في السفر» متفق عليه، «وخرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عام الفتح فأفطر فبلغه أن ناسًا صاموا فقال: "أولئك العصاة» رواه مسلم، (وإن صاما أجزأهما) لذلك.
(الثاني: الحائض والنفساء تفطران وتقضيان) إجماعًا (وإن صامتا لم يجزئهما) إجماعًا. «وقالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة» تعني في الحيض، والنفاس مثله.
(الثالث: الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أفطرتا وقضتا) كالمريض، (وإن خافتا على ولديهما أفطرتا وقضتا وأطعمتا عن كل يوم مسكينًا) لقوله سبحانه: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] .
(الرابع: العاجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه فإنه يطعم عنه لكل يوم مسكينًا) لقول الله سبحانه: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] «قال ابن عباس: "كانت رخصة للشيخ والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينًا، والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا» رواه أبو داود.

مسألة 11: (وعلى سائر من أفطر القضاء لا غير، إلا من أفطر بجماع في الفرج فإنه يقضي ويعتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا، فإن لم يجد سقطت عنه) لما روى الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: «بينما نحن عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ جاءه رجل فقال: هلكت. قال: ما لك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا،

(1/164)


بجماع في الفرج فإنه يقضي ويعتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا، فإن لم يجد سقطت عنه
(12) فإن جامع ولم يُكفّر حتى جامع ثانية فكفارة واحدة
(13) وإن كفر ثم جامع فكفارة ثانية
(14) وكل من لزمه الإمساك في رمضان فجامع فعليه كفارة
(15) ومن أخر القضاء لعذر حتى أدركه رمضان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: فهل تجد إطعام ستين مسكينًا؟ قال: لا، قال: فمكث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فبينما نحن على ذلك أُتي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعرق فيه تمر، والعرق المكتل، فقال: أين السائل؟ قال: أنا، قال: خذ هذا فتصدق به، فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها - يريد الحرتين - أهل بيت أفقر مني ومن أهل بيتي. فضحك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى بدت أنيابه ثم قال: أطعمه أهلك» متفق عليه.

مسألة 12: (فإن جامع ولم يكفر حتى جامع ثانية) في يوم واحد (فكفارة واحدة) ولا خلاف فيه بين أهل العلم، وإن كان في يومين فعلى وجهين: أحدهما: تلزمه كفارة واحدة لأنه جزاء عن جناية تكرر سببها قبل استيفائها فتداخلا كالحدود وكما لو جامع في يوم مرتين ولم يكفر، والثاني: تلزمه كفارة ثانية، اختارها القاضي لأنه أفسد صوم يومين فوجبت كفارتان كما لو كانا في رمضانين.

مسألة 13: (وإن كفر ثم جامع فكفارة ثانية) نص عليه لأنه تكرر السبب بعد استيفاء حكم الأول فوجب أن يثبت للثاني حكمه كسائر الكفارات.

مسألة 14: (وكل من لزمه الإمساك في رمضان فجامع فعليه كفارة) للخبر.

مسألة 15: (ومن أخر القضاء لعذر حتى أدركه رمضان آخر فليس عليه غير القضاء) لقوله سبحانه: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] (وإن فرط أطعم مع القضاء لكل يوم مسكينًا) لما روى ابن ماجه عن ابن عمر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من مات وعليه صيام شهر رمضان فليطعم عنه مكان كل يوم مسكين» قال الترمذي: الصحيح عن ابن عمر

(1/165)


آخر فليس عليه غير القضاء وإن فرط أطعم مع القضاء لكل يوم مسكينًا
(16) وإن ترك القضاء حتى مات لعذر فلا شيء عليه
(17) وإن كان لغير عذر أطعم عنه لكل يوم مسكينًا
(18) إلا أن يكون الصوم منذورًا فإنه يصام عنه، وكذلك كل نذر طاعة
باب ما يفسد الصوم من أكل أو شرب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
موقوف. وعن عائشة أنها قالت: يطعم عنه في قضاء رمضان ولا يصام عنه. وعن ابن عباس أنه سئل عن رجل مات وعليه نذر صوم شهر وعليه صوم رمضان، قال: أما رمضان فيطعم عنه، وأما النذر فيصام عنه، رواه الأثرم في السنن.

مسألة 16: (وإن ترك القضاء حتى مات لعذر فلا شيء عليه) لأنه حق الله تعالى وجب بالشرع ومات من يجب عليه قبل إمكان فعله فسقط إلى غير بدل كالحج.

مسألة 17: (وإن كان لغير عذر أطعم عنه لكل يوم مسكين) لحديث ابن عمر وعائشة وابن عباس.

مسألة 18: (إلا أن يكون الصوم منذورًا فيصام عنه، وكذلك كل نذر طاعة) لما روى البخاري عن ابن عباس قال: «قالت امرأة للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأقضيه عنها؟ قال: أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه أكان يؤدي ذلك عنها؟ قالت: نعم. قال: فصومي عن أمك» رواه البخاري.

[باب ما يفسد الصوم]
(من أكل أو شرب أو استعط أو أوصل إلى جوفه شيئًا من أي موضع كان أو استقاء أو استمنى أو قبل أو لمس أو أمذى أو حجم أو احتجم عامدًا ذاكرًا لصومه فسد) أما الأكل والشرب فيحرم على الصائم لقوله سبحانه: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] بعد قوله: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] فإذا أكل أو شرب مختارًا ذاكرًا لصومه أبطله لأنه فعل ما ينافي الصوم لغير عذر سواء كان غذاء أو غير غذاء كالحصاة والنواة لأنه أكل. 1

(1/166)


(19) أو استعط (20) أو أوصل إلى جوفه شيئًا من أي موضع كان (21) واستقاء (22) أو استمنى أو قبّل (23) أو لمس أو أمذى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 19: إن استعط فسد صومه، لقوله للقيط بن صبرة: «بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا» وهذا يدل على أنه يفسد الصوم إذا بالغ فيه بحيث يصل إلى خياشيمه.
1 -
مسألة 20: وإن أوصل إلى جوفه شيئًا من أي نوع كان، مثل أن احتقن أو داوى جائفة أو طعن نفسه أو طعنه غيره بإذنه أو أوصل إلى دماغه شيئًا مثل إن قطر في أذنيه أو داوى مأمومة فوصل إلى دماغه فسد صومه؛ لأنه إذا فسد بالسعوط دل على أنه يفسد بكل واصل من أي موضع كان، ولأن الدماغ أحد الجوفين فأفسد الصوم بما يصل إليه كالأخرى.
1 -
مسألة 21: وإن استقاء عمدًا فعليه القضاء، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على إبطال صوم من استقاء عامدًا، لما روى أبو هريرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدًا فليقض» حديث حسن [رواه الترمذي] .
1 -
مسألة 22: وإن استمنى بيده فأنزل أفطر، لأنه أنزل عن مباشرة أشبه القُبلة.
1 -
مسألة 23: ولو قبل أو لمس أو أمذى فسد صومه لذلك، أما إذا أمنى فإنه يفطر بغير خلاف علمناه، وإن أمذى أفطر عند إمامنا لأنه خارج تخلله الشهوة فإذا انضم إلى المباشرة أفطر كالمني.
1 -
مسألة 24: وإن لم ينزل لم يفسد صومه، لما «روى ابن عمر قال: " قلت: يا رسول الله صنعت اليوم أمرًا عظيمًا، قبلت وأنا صائم. قال: أرأيت لو تمضمضت من إناء وأنت

(1/167)


(25) أو حجم أو احتجم عامدًا ذاكرًا لصومه فسد
(26) وإن فعله ناسيًا
(27) أو مكرهًا لم يفسد صومه
(28) وإن طار إلى حلقه ذباب أو غبار
(29) أو تمضمض، أو استنشق فوصل إلى حلقه ماء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
صائم، قلت: لا بأس، قال: فمه» رواه أبو داود، شبه القبلة بالمضمضة لكونها من مقدمات الشهوة، والمضمضة إذا لم يكن معها نزول الماء لم تفطر، كذلك القبلة.
1 -
مسألة 25: وإن حجم أو احتجم عامدًا ذاكرًا لصومه فسد صومه، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أفطر الحاجم والمحجوم» [رواه أبو داود] رواه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحد عشر نفسًا، قال أحمد: حديث ثوبان وشداد صحيحان.

مسألة 26: (وإن فعل شيئًا من هذا ناسيًا لم يفسد صومه) لما روى أبو هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إذا أكل أحدكم أو شرب ناسيًا فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه " متفق عليه. وفي لفظ: " فلا يفطر، فإنما هو رزق رزقه الله» فنص على الأكل والشرب وقسنا عليه سائر ما ذكرنا.

مسألة 27: (وإن فعله مكرهًا لم يفطر) ، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ذرعه القيء فليس عليه قضاء» فنقيس عليه ما عداه.

مسألة 28: (وإن طار إلى حلقه ذباب أو غبار لم يفسد صومه) ، لأنه لا يمكن التحرز منه، أشبه الريق.

مسألة 29: (وإن تمضمض أو استنشق فوصل إلى حلقه ماء لم يبطل صومه) لأنه وصل بغير اختياره أشبه الذباب الداخل حلقه.

(1/168)


(30) أو فكر فأنزل
(31) أو قطر في إحليله
(32) أو احتلم
(33) أو ذرعه القيء لم يفسد صومه
(34) ومن أكل يظنه ليلًا فبان نهارًا فعليه القضاء
(35) ومن أكل شاكًا في طلوع الفجر لم يفسد صومه، وإن أكل شاكًا في غروب الشمس فعليه القضاء
باب صيام التطوع (36) أفضل الصيام صيام داود - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: كان يصوم يومًا ويفطر يومًا وأفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي يدعونه المحرم وما من أيام العمل الصالح فيهن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 30: (وإن فكر فأنزل لم يفسد صومه) ، لأنه يخرج من غير اختياره.

مسألة 31: (وإن قطر في إحليله شيئًا لم يفسد صومه) لأن ما يصل إلى المثانة لا يصل إلى الجوف ولا منفذ بينهما.

مسألة 32: (وإن احتلم لم يفسد صومه) لأنه يخرج من غير اختياره.

مسألة 33: (وإن ذرعه القيء لم يفسد صومه) لحديث أبي هريرة: «من ذرعه القيء فليس عليه قضاء» حديث حسن [رواه الترمذي] .

مسألة 34: (ومن أكل يظنه ليلًا فبان نهارًا فعليه القضاء) لما روي عن حنظلة قال: كنا بالمدينة في رمضان فأفطر بعض الناس ثم طلعت الشمس فقال عمر: من أفطر فليقض يومًا مكانه [رواه البيهقي] ولأنه أكل ذاكرًا مختارًا فأفطر كما لو أكل يظنه من شعبان فبان من رمضان.

مسألة 35: (ومن أكل شاكًا في طلوع الفجر لم يفسد صومه) ، لأن الأصل بقاء الليل (وإن كان شاكًا في غروب الشمس فعليه القضاء) ، لأن الأصل بقاء النهار.

[باب صيام التطوع]
مسألة 36: (أفضل الصيام صيام داود - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: كان يصوم يومًا ويفطر يومًا) لأن في حديث عبد الله بن عمرو أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صم يومًا وأفطر يومًا فذلك صيام داود وهو أفضل الصيام. فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا أفضل من ذلك» متفق عليه. (وأفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي يدعونه المحرم)

(1/169)


أحب إلى الله من عشر ذي الحجة
(37) ومن صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله
(38) وصيام يوم عاشوراء كفارة سنة وصيام يوم عرفة كفارة سنتين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
لما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم» رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن. وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من عشر ذي الحجة. قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء» هذا حديث حسن صحيح رواه ابن عباس [رواه الترمذي] . وعن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر» وهذا حديث غريب أخرجه الترمذي. وروى أبو داود بإسناده عن بعض أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء» .

مسألة 37: (ومن صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله) لما روى أبو أيوب قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من صام رمضان وأتبعه ستًا من شوال فكأنما صام الدهر كله» رواه مسلم والأثرم وأبو داود والترمذي وقال: حديث حسن.

مسألة 38: (وصيام يوم عاشوراء كفارة سنة وصيام يوم عرفة كفارة سنتين) لما روى أبو قتادة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده» . وقال في صيام عاشوراء: «إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» أخرجه مسلم.

(1/170)


(39) ولا يستحب لمن بعرفة أن يصومه
(40) ويستحب صيام أيام البيض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 39: (ولا يستحب لمن كان بعرفة أن يصومه) ليتقوى على الدعاء؛ لما روي «عن أم الفضل بنت الحارث: " أن أناسًا تماروا بين يديها يوم عرفة في رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال بعضهم: صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم. فأرسلت إليه بقدح من لبن وهو واقف على بعيره بعرفة فشربه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» متفق عليه. «وقال ابن عمر: " حججت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يصمه - يعني يوم عرفة - ومع أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فلم يصمه ومع عمر فلم يصمه ومع عثمان فلم يصمه وأنا لا أصومه ولا آمر به ولا أنهى عنه» أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن. وروى أبو داود «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن صيام يوم عرفة بعرفة» ولأن الصوم يضعفه ويمنعه الدعاء في هذا اليوم العظيم الذي يستجاب فيه الدعاء في ذلك الموقف الشريف الذي يقصد من كل فج عميق رجاء فضل الله فيه وإجابة دعائه فكان تركه أفضل.

مسألة 40: (ويستحب صيام أيام البيض) لما رواه أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: "أوصاني «خليلي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام» [رواه البخاري] وعن عبد الله بن عمر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: «صم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر» متفق عليهما. ويستحب أن يجعل هذه الثلاثة أيام البيض لما روى أبو ذر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يا أبا ذر، إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام فصم ثالث عشره ورابع عشره وخامس عشره» أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن.

(1/171)


(41) والاثنين والخميس
(42) والصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام وإن شاء أفطر ولا قضاء عليه
(43) وكذلك سائر التطوع إلا الحج والعمرة فإنه يجب إتمامهما وقضاء ما أفسد منهما
« (44) ونهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صوم يومين: يوم الفطر، ويوم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 41: (ويستحب صيام الاثنين والخميس) لما روى أبو داود بإسناده عن أسامة بن زيد: «أن نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصوم الاثنين والخميس، فسئل عن ذلك فقال: "إن أعمال الناس تعرض يوم الاثنين ويوم الخميس - وفي لفظ - فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم» .

مسألة 42: (والصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام وإن شاء أفطر ولا قضاء عليه) لأنه مخير فيه قبل الشروع، فكان مخيرًا بعده قياسًا لما بعد الشروع على ما قبله ولا يلزمه قضاؤه إذا أفطر لأنه غير واجب، «وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدخل على أهله فيقول: هل عندكم من شيء؟ فإن قالوا: نعم، أفطر، وإن قالوا: لا، قال: فإني صائم» رواه مسلم، ولا قضاء عليه لما سبق.

مسألة 43: (وكذلك سائر التطوع إلا الحج والعمرة فإنه يجب إتمامهما وقضاء ما أفسد منهما) لأنهما لا يوصل إليهما إلا بكلفة شديدة وإنفاق مال كثير في الغالب فإباحة الخروج منهما يفضي إلى تضييع المال بغير فائدة بخلاف غيرهما، وإلزامه قضاء ما أفسد منهما وسيلة إلى المحافظة عليهما فلا يضيع ما أنفق عليهما.

مسألة 44: (ونهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صيام يومين: يوم الفطر، والأضحى) لما «روى أبو عبيد مولى ابن أزهر قال: "شهدت العيد مع عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال: هذان يومان نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صيامهما: يوم فطركم من صيامكم، واليوم الآخر تأكلون فيه من نسككم» متفق عليه.

(1/172)


الأضحى»
(45) ونهى عن صوم أيام التشريق
(46) إلا أنه رخص في صومها للمتمتع إذا لم يجد الهدي
(47) وليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان
باب الاعتكاف (وهو لزوم المسجد لطاعة الله تعالى فيه وهو سنة
(48) إلا أن يكون نذرًا فيلزم الوفاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 45: (ونهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صوم أيام التشريق) وروى نبيشة الهذلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل» رواه مسلم.

مسألة 46: أنه رخص في صومها للمتمتع إذا لم يجد الهدي) لما روي «عن ابن عمر وعائشة أنهما قالا: " لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لا يجد الهدي» رواه البخاري.

مسألة 47: (وليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «التمسوها في العشر الأواخر في كل وتر» متفق عليه.

[باب الاعتكاف]
(وهو لزوم المسجد لطاعة الله تعالى فيه) لأن الاعتكاف في اللغة لزوم الشيء وحبس النفس عليه برا كان أو غيره، قال سبحانه: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: 52] وهو في الشرع الإقامة في المسجد على صفة نذكرها. (وهو سنة) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعله وداوم عليه، واعتكف معه أزواجه، وهذا معنى السنة. وقالت عائشة: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده» متفق عليه.

مسألة 48: (إلا أن يكون نذرًا فيلزم الوفاء به) قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم

(1/173)


به
(49) ويصح من المرأة في كل مسجد غير مسجد بيتها
(50) ولا يصح من الرجل إلا في مسجد تقام فيه الجماعة
(51) واعتكافه في مسجد تقام فيه الجمعة أفضل
(52) ومن نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد فله فعل ذلك في غيره إلا المساجد الثلاثة، فإذا نذر ذلك في المسجد الحرام لزمه، وإن نذر الاعتكاف في مسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جاز له أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
على أن الاعتكاف لا يجب على الناس فرضًا إلا أن يوجب المرء على نفسه الاعتكاف نذرًا فيجب عليه لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من نذر أن يطيع الله فليطعه» [رواه أبو داود] .

مسألة 49: (ويصح من المرأة في كل مسجد غير مسجد بيتها) لأن صلاة الجماعة غير واجبة عليها فلم يوجد المانع في حقها.

مسألة 50: (ولا يصح من الرجل إلا في مسجد تقام فيه الجماعة) لقوله سبحانه: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] ولأنه مسجد بني للصلاة فيه فأشبه المتفق عليه، وإنما اشترط في مسجد تقام فيه الجمعة لأن الجماعة واجبة على الرجل فاعتكافه في مسجد لا تقام فيه الجمعة يفضي إلى خروجه إلى الجماعة فيتكرر ذلك منه مع إمكان التحرز منه، وذلك مناف للاعتكاف الذي هو لزوم المعتكف والإقامة على طاعة الله عز وجل فيه.

مسألة 51: (واعتكافه في مسجد تقام فيه الجمعة أفضل) لئلا يحتاج إلى الخروج إليها ولأن ثواب الجماعة في الجامع أكثر.

مسألة 52: (ومن نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد فله فعل ذلك في غيره) لأن المساجد كلها في الفضيلة سواء، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «جعلت لي الأرض مسجدًا وترابها طهورًا» [رواه أبو داود] (إلا المساجد الثلاثة) المسجد الحرام ومسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمسجد الأقصى، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا» متفق عليه، (فإذا نذر الاعتكاف في المسجد الحرام لزمه) ولم يجز أن يعتكف في سواه لأنه أفضلها (وإن نذر الاعتكاف في مسجد رسول الله

(1/174)


يعتكف في المسجد الحرام، وإن نذر أن يعتكف في المسجد الأقصى فعله في أيهما أحب
(53) ويستحب للمعتكف الاشتغال بفعل القرب، واجتناب ما لا يعنيه من قول وفعل
(54) ولا يبطل الاعتكاف بشيء من ذلك
(55) ولا يخرج من المسجد إلا لما لا بد له
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جاز أن يعتكف في المسجد الحرام) لأنه أفضل منه، ولم يجز له أن يعتكف في المسجد الأقصى، لأن مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفضل منه، (وإن نذر أن يعتكف في المسجد الأقصى جاز له أن يعتكف في أي المسجدين أحب) لأنهما أفضل منه بدليل قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام» أخرجه مسلم.

مسألة 53: (ويستحب للمعتكف الاشتغال بالقرب واجتنابه ما لا يعنيه من قول وفعل) ولا يكثر الكلام فإن كثرته لا تخلو من اللغو والسقط، وقد جاء في الحديث: «من كثر كلامه كثر سقطه» ويجتنب الجدال والمراء والسباب والفحش، فإن ذلك مكروه في غير الاعتكاف ففي الاعتكاف أولى.

مسألة 54: (ولا يبطل الاعتكاف بشيء من ذلك) لأنه لما لم يبطل بمباح الكلام لم يبطل بمحظوره، وإنما استحب ذلك ليكون مشتغلًا بما اعتكف لأجله من طاعة الله سبحانه واجتناب معاصيه فيحقق ما اعتكف لأجله.

مسألة 55: (ولا يخرج من المسجد إلا لما لا بد له منه) قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «السنة للمعتكف أن لا يخرج إلا لما لا بد منه» رواه أبو داود. وقالت أيضًا: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا اعتكف يدني إليَّ رأسه فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان» متفق عليه. ولا خلاف أن له الخروج لما لا بد له منه، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنه للمعتكف أن يخرج من معتكفه للغائط والبول، ولو كان ذلك يبطل لم يصح

(1/175)


منه
(56) إلا أن يشترط
(57) ولا يباشر امرأة
(58) وإن سأل عن المريض في طريقه أو عن غيره ولم يعرج إليه جاز
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
لأحد اعتكاف. وفي معناه الحاجة إلى الأكل والشرب، إذا لم يكن له من يأتيه به يخرج إليه.

مسألة 56: (إلا أن يشترط) عيادة المريض وصلاة الجنازة وزيارة أهله أو رجل صالح أو قصد بعض أهل العلم أو يتعشى في أهله أو يبيت في منزله لأنه يجب بعقده فكان الشرط فيه إليه كالوقف.

مسألة 57: (ولا يباشر امرأة) فإن وطئ فسد اعتكافه لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] ولأنها عبادة يحرم فيها الوطء فأفسدها كالوطء في الصوم ولا قضاء عليه إلا أن يكون واجبًا.
1 -
مسألة 58: والوطء محرم في الاعتكاف بالإجماع لقول الله سبحانه: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187] .

مسألة 59: (وإن سأل عن المريض في طريقه أو عن غيره ولم يعرج إليه جاز) لما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمر بالمريض وهو معتكف فيمر كما هو فلا يعرج يسأل عنه» .

كتاب الجنائز وإذا تيقن موته غمضت عيناه

العدة شرح العمدة



كتاب الجنائز وإذا تيقن موته غمضت عيناه
(1) وشد لحياه
(2) وجعل على بطنه مرآة أو غيرها
(3) فإذا أخذ في غسله سترت عورته
(4) ثم يعصر بطنه عصراً رفيقاً
(5) ثم يلف على يده خرقة فينجيه بها
(6) ثم يوضئه
ـــــــــــــــــــــــــــــ

[العُدَّة شرح العُمْدة]
[كتاب الجنائز]
(وإذا تيقن موته غمضت عيناه) لما روى شداد بن أوس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر، فإن البصر يتبع الروح» من المسند [رواه أحمد] [وفي الصحيح قريبا من لفظه] ولأنه إذا لم تغمض عيناه بقيتا مفتوحتين فيقبح منظره.

مسألة 1: (وشد لحياه) بعصابة عريضة تجمع لحييه، ثم يشدها إلى رأسه لئلا يفتح فاه فيقبح منظره ويدخل فيه ماء الغسل.

مسألة 2: (ويجعل على بطنه مرآة أو غيرها) لئلا ينتفخ بطنه.

مسألة 3: (فإذا أخذ في غسله ستر عورته) بثوب لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سجي ببرد حبرة» ، متفق عليه.

مسألة 4: (ثم يعصر بطنه عصراً رفيقاً) ليخرج ما في جوفه من فضلة حتى لا يخرج بعد الغسل أو بعد التكفين فيفسد الكفن.

مسألة 5: (ثم يلف على يده خرقة ثم ينجيه بها) ولا يحل مس عورته لأن رؤيتها محرم فمسها أولى.

مسألة 6: (ثم يوضئه) وضوءه للصلاة، لما روت أم عطية أنها قالت: «لما غسلنا

(1/125)


(7) ثم يغسل رأسه ولحيته بماء وسدر
(8) ثم شقه الأيمن ثم الأيسر ثم يغسله كذلك مرة ثانية يمر في كل مرة يده
(9) فإن خرج منه شيء غسله وسده بقطن، فإن لم يستمسك فبطين حر، ويعيد وضوءه، وإن لم ينق بثلاث زاد إلى خمس أو إلى سبع
(10) ثم ينشفه بثوب
(11) ويجعل الطيب في مغابنه ومواضع سجوده وإن طيبه كله كان حسناً
(12) ويجمر أكفانه، وإن كان شاربه أو أظفاره طويلة أخذ منه ولا يسرح شعره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
ابنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها» متفق عليه ولأن الحي يتوضأ إذا أراد الغسل فكذلك الميت.

مسألة 7: (ثم يغسل مقدم رأسه ولحيته بماء وسدر) لتذهب عنه الأوساخ والأدران.

مسألة 8: (ثم يغسل شقه الأيمن ثم الأيسر) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ابدأن بميامنها» (ثم يغسله كذلك مرة ثانية وثالثة، يمر في كل مرة يده) على بطنه لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للنساء اللاتي غسلن ابنته: «اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً إن رأيتن ذلك» متفق عليه.

مسألة 9: (وإن خرج منه شيء غسله وسده بقطن، فإن لم يستمسك فبطين حر، ويعيد وضوءه) لأنه انتقض (فإن لم ينق بثلاث زاد إلى خمس أو إلى سبع) للخبر.

مسألة 10: (ثم ينشفه بثوب) وذلك مستحب لئلا تبل أكفانه، وفي حديث ابن عباس في غسل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " فجففوه بثوب " ذكره القاضي.

مسألة 11: (ويجعل الطيب في مغابنه ومواضع سجوده) لأن المغابن مواضع الأوساخ وأماكن السجود تطيب لشرفها، (وإن طيبه كله كان حسناً) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «واجعلن في الأخيرة كافوراً أو شيئاً من كافور» [رواه البخاري] .

مسألة 12: (ويجمر أكفانه) يعني يبخرها كما يفعل الحي، (وإن كان شاربه طويلاً أو أظفاره أخذ منه) لأن ذلك سنة في حياته، ويترك في أكفانه لأنه من أجزائه، وكذلك

(1/126)


(13) والمرأة يضفر شعرها ثلاثة قرون ويسدل من ورائها
(14) ثم يكفن في ثلاث أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة
(15) يدرج فيها إدراجاً
(16) وإن كفن في قميص وإزار ولفافة فلا بأس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
كل ما يسقط منه (ولا يسرح شعره) لأن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: علام غير ميتكم؟ يعني لا تسرحوا شعره بالمشط ولأنه يقطع الشعر وينتفه.

مسألة 13: (والمرأة يضفر شعرها ثلاثة قرون ويسدل من ورائها) لما روت أم عطية قالت: «ضفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناه من خلفها، تعني ابنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» [رواه مسلم] .

مسألة 14: (ثم يكفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة) لقول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «كفن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة» ، متفق عليه، ولأن أكمل أحوال الحي حالة الإحرام وهو لا يلبس فيها قميصاً ولا عمامة فكذلك حال موته.

مسألة 15: (يدرج فيها إدراجاً) فيؤخذ أحسن اللفائف وأوسعها فتبسط على بساط ليكون الظاهر للناس أحسنها لأن هذه عادة الحي، ثم تبسط الثانية فوقها ثم الثالثة فوقها، ثم يحمل فيوضع عليها مستلقياً ليكون أمكن لإدراجه فيها، ثم يثني طرف اللفافة العليا على شقه الأيمن، ثم يرد طرفها الآخر على شقه الأيسر فوق طرف الآخر، وإنما استحب له ذلك لئلا يسقط عنه الطرف الأيمن عند وضعه في القبر، ثم يفعل بالثانية والثالثة كذلك، ثم يجمع ذلك جمع طرف العمامة فيرده على وجهه ورجليه إلا أن يخاف انتشارها فيعقدها، فإذا وضع في القبر حلها.

مسألة 16: (وإن كفن في قميص ومئزر ولفافة فلا بأس) والأول أفضل، وقد روى البخاري «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ألبس عبد الله بن أبي قميصه لما مات» ، فيؤزر بالمئزر ويلبس القميص ثم يلف باللفافة بعد ذلك، قال أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أحب إلي أن يكون مثل قميص الحي، له كمان وتحريستان وإزار.

(1/127)


(17) والمرأة تكفن في خمسة أثواب، في درع ومقنعة وإزار ولفافتين
(18) وأحق الناس بغسله والصلاة عليه ودفنه وصيه في ذلك
(19) ثم الأب ثم الجد ثم الأقرب فالأقرب من العصبات
(20) وأولى الناس بغسل المرأة الأم ثم الجدة ثم الأقرب فالأقرب من نسائها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 17: (تكفن المرأة في خمسة أثواب: درع وإزار ومقنعة ولفافتين) لما روى أبو داود عن ليلى بنت قائف الثقفية قالت: «كنت في غسل أم كلثوم ابنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند وفاتها فكان أول ما أعطانا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحقاء ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت بعد ذلك في ثوب آخر» ، ولأن المرأة تزيد في حياتها على الرجل في السترة لزيادة عورتها على عورته فكذلك في موتها، وتلبس المخيط في إحرامها فلبسته في مماتها.

مسألة 18: (وأحق الناس بغسله والصلاة عليه ودفنه وصيه في ذلك) لأن أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس فقدمت لذلك، وأوصى أنس أن يغسله محمد بن سيرين ففعل، ولأنه حق للميت فقدم وصيه فيه على غيره كتفريق ثلثه، ولأن الصحابة أجمعوا على أن الوصي في الصلاة مقدم على غيره، فإن أبا بكر أوصى أن يصلي عليه عمر، وأوصى عمر أن يصلي عليه صهيب وابنه حاضر، وأوصى ابن مسعود أن يصلي عليه الزبير، وأوصى أبو بكر أن يصلي عليه أبو برزة، وأوصت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن يصلي عليها أبو هريرة ولم يعرف لهم مخالف مع كثرته وشهرته فكان إجماعاً، ولأن الغرض من الصلاة الدعاء والشفاعة إلى الله فالظاهر أن الميت يختار لذلك من هو أظهر صلاحاً في نفسه وأقرب إلى الله وسيلة ليشفع له.

مسألة 19: (ثم الأب) لمكان شفقته (ثم جده) كذلك ثم ابنه وإن نزل كذلك (ثم الأقرب فالأقرب من عصباته) ثم الرجل من ذوي أرحامه ثم الأجانب.

مسألة 20: (وأولى الناس بغسل المرأة) الأقرب فالأقرب من نسائها (أمها ثم جدتها) ثم ابنتها (ثم الأقرب فالأقرب) ثم الأجنبيات كالرجل.

(1/128)


(21) إلا أن الأمير يقدم في الصلاة على الأب ومن بعده
(22) والصلاة عليه يكبر ويقرأ الفاتحة
(23) ثم يكبر الثانية ويصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(24) ثم يكبر ويقول: اللهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 21: (إلا أن الأمير يقدم في الصلاة على الأب ومن بعده) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يؤمن الرجل في سلطانه» [رواه مسلم] وروى الإمام أحمد أن عمارًا مولى بني هاشم قال: شهدت جنازة أم كلثوم بنت علي، فصلى عليها سعد بن العاص، وكان أمير المدينة، قال: وخلفه يومئذ ثمانية من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منهم ابن عمر والحسن والحسين وزيد بن ثابت وأبو هريرة، ولأنها صلاة شرع لها الاجتماع فأشبهت سائر الصلاة، وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي على الجنائز، مع حضور أقاربها، والخلفاء، ولم ينقل أنهم استأذنوا ولي الميت في التقدم.

مسألة 22: (والصلاة عليه يكبر ويقرأ الفاتحة) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كبر على النجاشي أربعًا» متفق عليه، ويقرأ الحمد في الأولى لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب» «وصلى ابن عباس على جنازة فقرأ بأم القرآن، وقال: لتعلموا أنها من السنة، أو قال: من تمام السنة» رواه البخاري.

مسألة 23: (ثم يكبر الثانية ويصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لما روى ابن سهل عن رجل من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن «السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة [الأولى سرا في نفسه] ثم يصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات لا يقرأ في شيء منهن، ثم يسلم سرًا في نفسه» رواه الشافعي في مسنده.

مسألة 24: (ثم يكبر ويدعو) للميت في الثالثة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء» رواه أبو داود، ولأنه المقصود فلا يجوز الإخلال به، ويدعو

(1/129)


اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا، إنك تعلم منقلبنا ومثوانا وأنت على كل شيء قدير، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام والسنة، ومن توفيته فتوفه عليهما، اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارًا خيرًا من داره، وجوارًا خيرًا من جواره، وزوجًا خيرًا من زوجه، وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار، وأفسح له في قبره ونور له فيه
(25) ثم يكبر ويسلم تسليمة واحدة عن يمينه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
بما روى أبو إبراهيم الأشهلي عن أبيه قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا صلى على الجنازة قال: (اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا) » حديث صحيح [رواه الترمذي] وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنحوه، وزاد فيه: «اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام والسنة، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده» رواه أبو داود، وعن عوف بن مالك قال: «صلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على جنازة فحفظت من دعائه: (اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله وأوسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارًا خيرًا من داره وأهلًا خيرًا من أهله وزوجًا خيرًا من زوجه، وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار) حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت» . رواه مسلم.

مسألة 25: (ثم يكبر ويسلم تسليمة واحدة عن يمينه) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تحليلها التسليم» [رواه أبو داود] .

(1/130)


(26) ويرفع يديه مع كل تكبيرة
(27) والواجب من ذلك التكبيرات، والقراءة، والصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأدنى دعاء الحي للميت، والسلام،
(28) ومن فاتته الصلاة عليه صلى على القبر إلى شهر
(29) وإن كان الميت غائبًا عن البلد صلى عليه بالنية
(30) ومن تعذر غسله لعدم الماء أو لخوف عليه من التقطع كالمجدور أو المحترق أو لكون المرأة بين رجال أو الرجل بين نساء فإنه ييمم،
(31) إلا أن لكل من الزوجين غسل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 26: (ويرفع يديه مع كل تكبيرة) لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يرفع يديه في تكبيرة الجنازة والعيد، ولأنها تكبيرة لا يتصل طرفها بسجود ولا قعود فسن لها الرفع كتكبيرة الإحرام.

مسألة 27: (والواجب من ذلك: التكبيرات والقراءة والصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأدنى دعاء للميت والسلام) وقد سبق دليل ذلك.

مسألة 28: (ومن فاتته الصلاة عليه صلى على القبر) لما «روي عن ابن عباس أنه مر مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على قبر منبوذ فأمهم وصلوا خلفه» ، متفق عليه، ولا يصلى على القبر بعد شهر إلا بقليل، لأن أكثر ما نقل عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه صلى على أم سعد بن عبادة بعدما دفنت بشهر» رواه الترمذي، ولأنه لم يعلم بقاؤه أكثر من شهر فيقيد به.

مسألة 29: (وإن كان الميت غائبًا عن البلد صلى عليه بالنية) لما روى أبو هريرة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نعى النجاشي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في اليوم الذي مات فيه فصف بهم في المصلى وكبر أربعًا» . متفق عليه.

مسألة 30: (ومن تعذر غسله لعدم الماء أو للخوف عليه من التقطع كالمجدور أو المحترق أو لكون المرأة بين الرجال أو الرجل بين النساء فإنه ييمم) لأنها طهارة على البدن فيدخلها التيمم عند العجز من استعمال الماء كالجنابة.

مسألة 31: (إلا أن لكل واحد من الزوجين غسل صاحبه) لأن أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أوصى أن تغسله زوجته أسماء فقامت بذلك، وقالت عائشة: لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما

(1/131)


(صاحبه، وكذلك أم الولد مع سيدها،
(32) والشهيد إذا مات في المعركة لم يغسل ولم يصل عليه، وينحى عنه الحديد والجلود ثم يزمل في ثيابه (33) وإن كفن بغيرها فلا بأس
(35) والمحرم يغسل بماء وسدر، ولا يلبس مخيطًا، ولا يقرب طيبًا، ولا يغطى رأسه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
غسل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا نساؤه [رواه ابن ماجه] «وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعائشة: " لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك» رواه ابن ماجه، وقد غسل علي فاطمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، ولم ينكره منكر فكان إجماعًا، ولأنه أحد الزوجين فأشبه الآخر، (وكذلك للسيد مع أم ولده) لأنها محل استمتاعه فأشبهت الزوجة.

مسألة 32: (والشهيد إذا مات في المعركة لم يغسل ولم يصل عليه) لما روى جابر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بدفن شهداء أُحُد في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم» رواه البخاري. (وينحى عنه الحديد والجلود ثم يزمل في ثيابه) لما روى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم» رواه أبو داود.
مسألة 33: (وإن كفن في غيرها فلا بأس) لأن «صفية أرسلت إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثوبين ليكفن حمزة فيهما، فكفنه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أحدهما وكفن في الآخر رجلًا آخر» [رواه الترمذي] قال يعقوب بن شيبة: هو صالح الإسناد.

مسألة 34: وعنه: يصلى على الميت وإن قتل في المعركة، لما روى عقبة بن عامر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج يومًا فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف» متفق عليه.
مسألة 35: (والمحرم يغسل بماء وسدر، ولا يلبس مخيطًا، ولا يغطى رأسه، ولا يقرب طيبًا) لما روى ابن عباس قال: «بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فمات،

(1/132)


(36) ولا يقطع شعره ولا ظفره
(37) ويستحب دفن الميت في لحد، وينصب عليه اللبن نصبًا كما صنع برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(38) ولا يدخل القبر آجرًا ولا خشبًا ولا شيئًا مسته النار
(39) ويستحب تعزية أهل الميت
(40) والبكاء عليه غير مكروه إذا لم يكن معه ندب ولا نياحة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا» متفق عليه.

مسألة 36: (ولا يقطع شعره ولا ظفره) كحال حياته.

مسألة 37: (ويستحب دفن الميت في لحد، وينصب عليه اللبن نصبًا) «لقول سعد بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ألحدوا لي لحدًا، وانصبوا عليّ اللبن نصبًا، كما صنع برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» [رواه النسائي] .

مسألة 38: (ولا يدخل القبر آجرًا ولا خشبًا ولا شيئًا مسته النار) لما روي عن إبراهيم قال: كانوا يستحبون اللبن ويكرهون الخشب والآجر، وكره ما مسته النار للتفاؤل بالنار.

مسألة 39: (ويستحب تعزية أهل الميت) لما روى ابن مسعود أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من عزى مصابًا فله مثل أجره» حديث غريب [رواه الترمذي] .

مسألة 40: (والبكاء عليه غير مكروه إذا لم يكن معه ندب ولا نياحة) لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل على سعد بن عبادة فوجده في غاشية فبكى وبكى معه أصحابه، فقال: "ألا تسمعون، إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا" وأشار إلى لسانه» متفق عليه.
1 -
مسألة 41: (ولا يجوز الندب ولا النياحة، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث ابن مسعود:

(1/133)


(42) ولا بأس بزيارة القبور للرجال
(43) ويقول إذا مر بها أو زارها: سلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم، نسأل الله لنا ولكم العافية،
(44) وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
«ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية» متفق عليه، وقال أحمد في قوله سبحانه: {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} [الممتحنة: 12] هو النوح فسماه معصية.

مسألة 42: (ولا بأس بزيارة القبور للرجال) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، فإنها تذكركم الموت» رواه مسلم.

مسألة 43: (ويقول إذا مر بها أو زارها) ما رواه مسلم قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله العظيم لنا ولكم العافية) » .

مسألة 44: (وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك) قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر: 10] وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19] وروى أبو داود «أن رجلًا قال لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إن أمي توفيت أفينفعها إن قضيت عنها؟ " قال: " نعم» ، «وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للمرأة التي قالت: يا رسول الله إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: " أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيته؟ " قالت: نعم، قال: " فدين الله أحق بالقضاء» [رواه مسلم] ، وأما قراءة القرآن وإهداء ثوابه للميت فالإجماع واقع على فعله من غير نكير، وقد صح الحديث: «إن الميت ليعذب ببكاء أهله» [رواه البخاري] والله سبحانه أكرم من أن يوصل إليه العقوبة ويحجب عنه المثوبة.